السبت، 27 يوليو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

الدكتور أحمد زكي عاكف وتأديب العلم

د. محمود صالح البيلي - دكتوراه في الأدب والنقد: قيض الله سبحانه وتعالى للعربية من الكتاب من جمع ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

هى

ca189b24

فاطمة عبد الرؤوف:

ليس من المبالغة القول: إن الحوار هو أهم آلية لنقل الأفكار والمشاعر، ومن ثم التوجيه والتعليم والتربية. لذلك فلا غرابة أن اشتمل القرآن الكريم على عدد هائل من الآيات المشتملة على الحوار. فثمة حوار بين الأنبياء وأقوامهم. وينقل القرآن الشبهات التي يثيرها هؤلاء، وردّ الأنبياء وجدل المشركين. وهناك حوار الأب وأبنائه، كإبراهيم ويعقوب ولقمان ونوح، وهناك حوار أهل الجنة وأهل النار، وحوار أهل النار مع خزنة جهنم.. القرآن كتاب حي، لذلك فهو زاخر بالحوارات التي هي أفضل وسيلة لتوصيل المشاعر والأفكار.

فكيف يمكن للحوار أن يكون منهجية تربوية ناجحة ومؤثرة، خاصة مع تنوع واختلاف المراحل العمرية للطفل، وتباين المشاعر النفسية والانفعالية له.

 أهميته التربوية

إذا كان الحوار أمرا فطريا عفويا لصيق الصلة بالإنسان، منذ لحظة وجوده، وهو أمر طبيعي داخل نطاق الأسرة بين الوالدين والأطفال، فإن الفوائد التربوية التي يمكن تحقيقها من خلاله هي من الأهمية بحيث يجب أن يتنبه الوالدان للغايات المرجوة من خلال الحوارات العفوية أو المقصودة، والتي يأتي على رأسها:

1- إقامة علاقة قوية عميقة مع الطفل وهو أمر ليس بالهين، لأنه يعتبر القاعدة الأساسية للبناء، حيث سيترتب على عمق هذه العلاقة مدى استجابة الطفل للتوجيهات أو التحذيرات. لذلك لا تندهش عندما يستجيب أحد الأطفال لوالديه ببساطة، بينما لا يبدو على طفل آخر أي بوادر استجابة أو حتى اهتمام بما يقوله والداه. فوراء الطفل الأول علاقة عميقة كان أساسها الحوار، بينما يقف وراء فتور الطفل الآخر علاقة يشوبها الإهمال والجفاف وضعف الحوار.

2- وسيلة للتوجيه

فمن خلال الحوار نستطيع توجيه الطفل لما هو مطلوب منه، في أمر دينه ودنياه. فمثلا عندما يحين موعد عيد الأضحى تسأل الأم ابنها: هل تعرف لماذا اشترى والدك هذا الكبش؟

فتنبه الطفل عن طريق السؤال، وقد تتلقى الأم إجابة ما، أو يجيبها بالنفي، فتكون لديها الفرصة لشرح الأمر، وقد يسألها الطفل أو يستزيدها، كي يعرف أكثر عن قصة الذبيح. وفي نهاية الحوار ستقوم الأم الذكية باستخلاص أهم الدروس، وتجعل الطفل يشاركها في استخلاص هذه الدروس، وينزلها على واقعه.

3- إزالة الشبهات والمشكلات

قد يعاني الطفل من شبهة ما، خاصة في البلاد التي يسكنها أغلبية من غير المسلمين، أو قد يعاني من مشكلات في المدرسة، أو مع جماعة الرفاق، وقد تسبب هذه الشبهات أو المشكلات أزمة نفسية شديدة عند الطفل. فإذا كانت تقنية الحوار مفعلة، فلن يكون هناك مشكلة عند الطفل، وسيطرح شبهته أو مشكلته ببساطة على طاولة الحوار.

4- فض الشجار

من أهم المشكلات التي يعاني منها الوالدان كثرة الشجار بين الأبناء، بحيث يتحول جو البيت الهادئ إلى صراخ وصياح، وكل منهم يلقي بالسبب على الآخر..هنا تعمل تقنية الحوار كفتيل لحل الأزمة، عن طريق إجراء حوار فوري مع الجميع، يوضح فيه كل طرف وجهة نظره، ويلتزم بآداب الحوار. وأهمها الاستماع للطرف الآخر وعدم مقاطعته، ثم منح كل منهم فرصة للتعقيب، حتى يتم الوصول لوجهة نظر مقبولة. وأهم درس يتعلمه الأبناء أن الحوار وسيلة فعالة لتحقيق الأهداف، وليس الشجار.

هناك عقبتان كبيرتان تمنعان إجراء حوار صحي مع الأبناء:

العقبة الأولى: هي آفة العصر الحديث، ألا وهي انشغال الوالدين في العمل والحياة العامة، بحيث يكونان واقعين في مصيدة الضغوط، ومستهلكين تماما، ولا يمتلكان الطاقة النفسية لإجراء حوار بناء مع الأبناء.

العقبة الثانية: هي الجهل بمنهجية الحوار البناء، فالكثير من الآباء يستعيرون نمط التربية الذي عايشوه بحلوه ومره، وكثيرا ما يكون التسلط وإصدار الأوامر الفوقية، وعدم الرغبة في الحوار واعتباره أمرا عبثيا، وإهدارا للوقت هي مكونات أساسية بارزة في هذه التربية التي كانت سببا وربما نتيجة لحالة التردي الحضاري الذي عايشته أمتنا، وربما لا تزال تعايشه على نحو ما.

العقبة الثالثة: هي لغة الحوار الباردة التي تخلو من العواطف الدافئة والتعاطف الصادق مع ما يقوله الأبناء، ففي كثير من الأحيان يكون الابن بحاجة لمن يقدر مشاعره، أكثر ممن يحل مشاكله بأفكار منطقية (ذلك لأن في أعماق الأطفال الصغار عموما حاجة ملحة إلى أن يكونوا محل حب الآخرين وعطفهم، وهذا ما يتغذون عليه نفسيا بهذه المحبة التي يجب أن ينعموا بها من قبل أمهاتهم وآبائهم على السواء) (1).

الحوار والمرحلة العمرية

من الثابت علميا أن الجنين يسمع الأصوات بوضوح، وأنه يولد وحاسة السمع مكتملة لديه. إن الحديث للوليد ليس حوارا من طرف واحد كما قد يظن البعض، وإنما هو حديث من طرف، وانتباه وإنصات وتفاعل من آخر يريد أن يتعرف على أبجديات الحياة. لذلك فقد حث الإسلام على أن يكون أول عهد المولود بكلمات الحياة الأذان والإقامة. ويستمر الرضيع عامين كاملين يستمع وينتبه ويبني ذاكرته العميقة التي تكون ملامح شخصيته فيما بعد. إن الطفل في هذه المرحلة يتحاور بملامح وتعبيرات وجهه، والهمهمات التي يصدرها كبداية للكلام، بل حتى بالبكاء والصراخ الذي يرسل من خلاله رسائل معينة لوالديه، رسائل احتجاج، أو غضب، أو لفت انتباه، أو تنبيه لحاجة غير مشبعة.

الطفولة المبكرة

ثم تأتي مرحلة الطفولة المبكرة (2- 6 سنوات) حيث العبارات الأولى ذات المغزى للطفل، ومن ثم يستطيع الحوار أن يأخذ شكله الطبيعي.. في هذه المرحلة ستكون الوظيفة الأولى للحوار هي تعميق العلاقة مع الطفل، تمهيدا لمرحلة التوجيه الحقيقية التي تبدأ من سن التمييز.

إن مادة الحوار الأساسية تدور حول اللعب، كما فعل النبي  " صلى الله عليه وسلم"  عندما كان يتحاور مع طفل فطيم (دخل لتوه مرحلة الطفولة المبكرة)، ويتحاور معه حول أهم شيء لهذا الطفل، وهو طائره الذي يلعب معه. فعن أنس  "رضي الله عنه"  أنه قال: «كان رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبوعمير - أحسبه قال: كان فطيما -، قال: فكان إذا جاء رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير - طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به» (رواه مسلم).

الحوار في مرحلة الطفولة المبكرة سيأخذ شكلا إيجابيا نشطا، فكما يتحدث ويسأل المربي، فإن الطفل أيضا يتحدث ويسأل (يطلق البعض على هذه المرحلة «مرحلة السؤال»، فما أكثر أسئلة الطفل في هذه المرحلة. إنك تسمع منه دائما ماذا؟ لماذا؟ أين؟ كيف؟ من؟...إن الطفل في هذه المرحلة علامة استفهام حية لكل شيء، إنه يحاول الاستزادة العقلية المعرفية، يريد أن يعرف الأشياء التي تثير انتباهه، وأن يفهم الخبرات التي يمر بها.

هو يسأل وقد يفهم الإجابات، وقد لا يفهم، وقد ينصت وقتا كافيا لسماع الإجابات، وقد لا يفعل. ويقرر بعض الباحثين أن حوالى 10-15 % من حديث الطفل في هذه المرحلة يكون عبارة عن أسئلة). (2)

والسؤال يعني الحوار، فلابد للسؤال من إجابة. ومهارة المربي أن يجعل من إجابته مادة غنية لإثراء الحوار مع الطفل: ولكي يتحقق ذلك لابد أن:

- تكون الإجابة قصيرة، وواضحة.

- شيقة لطرح مزيد من الأسئلة، إذا كنا نريد تعميق الحوار.

- تشد انتباه الطفل، حتى يتأثر بها.

سن التمييز

مرحلة الطفولة المتوسطة (6-9) يطلق عليها في الأدبيات الإسلامية سن التمييز. حيث يبلغ النضج العقلي للطفل مرحلة جيدة، يميز فيها الأمور بشكل حقيقي، هنا ينطلق الحوار كأهم وسائل التربية، إنها مرحلة الأسئلة الواعية، والإنصات للإجابة والتعليق والتعقيب عليها.

إنها مرحلة تعليم الصلاة «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين» (رواه أحمد والحاكم وأبوداود). ويحضرني في هذا السياق هذا الحوار الحقيقي الذي دار بين أم وطفلتها.

الأم: لقد حدثتك كثيرا عن أهمية الصلاة، ولكنك لا تحافظين عليها، لماذا؟

الطفلة تصمت قليلا، وتنظر لأمها، وتقول: هل تريدين الصراحة؟

الأم باهتمام: نعم.

الطفلة: لا أحفظ التشهد (نسيته) و..

الأم: وماذا أيضا؟

الطفلة: أريدك أن تصلي معي...

الطفلة في هذه المرحلة (مرحلة سن التمييز) مستبصرة واعية بأسباب تحول بينها وبين الصلاة، فهي من جهة تشعر بالخجل، لأنها نسيت صيغة التشهد، ومن جهة أخرى تطلب دعما نفسيا من خلال صلاة الجماعة.

هذه المرحلة العمرية على الرغم من درجة النمو العقلي الجيدة التي تمر بها، فإنها لا تدرك جيدا وبعمق الأفكار المجردة، كالضمير والمراقبة.. إنها تشهد بزوع نمو هذه القيم. ومن الأهمية بمكان طرح هذه القيم للحوار والسؤال، وقص القصص حتى تقترب من ذهن الطفل بشكل محسوس، يساعده على استيعاب هذه الأطروحات، وتحويلها لجزء من وجدانه الحي. وللحديث عن الطفولة المتأخرة حيث الاستعداد للبلوغ شأن آخر.

هامشان

(1) التأصيل التربوي للأبناء، السيد أحمد المخزنجي، صـ 82.

 (2) علم نفس النمو، الدكتور حامد زهران، صـ 173.

1254763384 25b 20091007202353 

القاهرة – ثناء مصطفى:

تشعرين بالتوتر، وتعانين من جفاف الفم والحلق، وزيادة العرق، مع فقدان الشهية، والشعور بالتعب والدوار وعدم القدرة على التنفس.. إذاً أنت خائفة من شيء ما، قد يكون خوفاً ملموساً واقعياً من شيء يهددك مباشرة، أو خائفة من أشياء غير ملموسة كالظلام والأماكن المغلقة، وهذا ما يعرف بخوف الرهاب.. وقد يكون الخوف طبيعياً في الحالين، إلا أن المبالغة في الخوف من الغد والمجهول الذي قد يحمله يعرض حياتك للخطر.. هذا ما أكدته العديد من الدراسات العلمية.. لذلك سألنا عددًا من المختصين، وإليكم التفاصيل.

9F81E7C48

للشكوى فن يجنبك التعرض لمواقف محرجة خاصة في المطاعم

اجعل مكان الاستجمام بمثابة واحة للسلام والهدوء النفسي

اختر وقتًا مناسبًا لزيارة المريض ولا تكثر عليه الأسئلة

الرياض – تهاني لعصيمي:

العلاقات البشرية تحتاج دومًا إلى أن تتوج ببعض اللمسات الرقيقة، التي من المستحيل أن تحكمها القواعد، بقدر صدورها من داخل الإنسان، والتي تصبح ـ مع الإكثار من ممارستهاـ إحدى السمات الأساسية في الشخصية، بل وجزءًا لا يتجزأ منها، وهذه قواعد عامة تعتبر ألف باء فن الإتيكيت، والتي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات في فن التعامل.

13268278359

جدة – تهاني العصيمي:

ما إن يدخل أحد الأبناء أو البنات في مرحلة المراهقة حتى تعلن الأسرة حالة الطوارئ القصوى، فتعلن عن إجراءات احترازية مشددة لصد المخاطر المحتملة، دون أن يدرك البعض أن التشدد إزاء انفعالات أبناؤنا المراهقين قد يضاعف من هذه المخاطر، بينما يمكن ترويض الوحش الكاسر الذي نتخوف منه بالتواصل والتفاهم بين الآباء وأبنائهم.. "الوعي الشبابي" ناقش القضية وما يحتاج إليه المراهقين حتى لا ينساقون إلى طريق لا يحمد عقباه وإليكم التفاصيل.

4 8 2015 9 23 08 AM

محمد شعطيط :

يعتبر الإسلام دين الحنيفية السمحة. فهو الدين الذي تساير مبادئه الفطرة وتتماشى مع طبيعة الإنسان. وقد جاءت أحكامه وسطية من دون إفراط ولا تفريط. ففي مجال العبادة لم يدع الإسلام إلى الرهبانية والانقطاع في الصوامع والمساجد، كما أنه لم يترك الأمر سبهللا، بحيث يأتي العبد إلى ربه متى شاء حيثما تيسر له الأمر. وقد لا يتفرغ العبد لطاعة ربه أبدا وسط مشاغل الدنيا التي لا تنقطع بالليل أو النهار، بل شرع الله لعباده عبادات متنوعة؛ لتبقى صلة العبد بربه دائمة متصلة.

والناظر في هذه العبادات بمختلف أنواعها يجدها من حيث الأغلبية بعد استقراء مجموعة من النصوص - حسب الإمكان والجهد وما يسمح به الوقت - لا تتعدى من حيث القدر الثلث في أغلبها؛ تخفيفا على العباد، ولينال نصيبه من العاجلة تطبيقا لمبدأ الآية الكريمة: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (القصص:77). ومن خلال هذا الاستقراء لبعض هذه الأحكام يمكن القول: إن الإسلام هو عبادة الثلث بامتياز. يأخذ الله منك الثلث لمعادك ويترك لك الثلثين لمعاشك. وما ترك لك يعود أجره إليك، إذا خلصت النية وابتغي بها وجه الله عزوجل {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ  وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) } (الأنعام:162 -163). وما لم تتم الإشارة فيه تصريحا إلى نسبة الثلث فهو، من حيث العموم، الأصل فيه التيسير والتخفيف اللذان هما مقصد من مقاصد البعثة، ومن أهم مرامي التشريع وغاياته، كما قال عزوجل: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ  فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ  أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  } (الأعراف:157)

والآن إلى بعض هذه المثلثات:

الثلث الأخير من الليل

يبدأ ثلث الأسرة الأول في الثلث الأخير من الليل، حيث تتعرض للنفحات الربانية في هذا الوقت الشريف من الليل، حين ينزل ربنا عز وجل إلى السماء الدنيا، كما يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وينادي سبحانه: «من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟» (متفق عليه).

فهذا الخالق عز وجل يعرف حاجة عباده إلى الراحة في أول الليل، فيترك لهم الفرصة لأخذ نصيبهم منها، ثم إذا هدأت العيون وأخذت حظها من السكن دعاها سبحانه في مشهد مهيب: «من يدعوني فأستجيب له؟»، سبحانه من إله رحيم. جعل لعباده وقتا هو مظنة الإجابة، وهو ثلث الليل الأخير.

وهذا السلوك هو دأب الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  وصحبه الكرام. يمر المسلم على دور الصحابة فيجد الأسر المسلمة قد نفضت عنها غبار الكسل والخمول واصطفت جماعات ووحدانا تسأل ربا كريما لتأخذ نصيبها من قول الله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} (الذاريات:17-18). ومن قول الله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ} (المزمل:20). نعم طائفة من الأسر المؤمنة المخبتة الخاشعة المنيبة، بل دأب الأنبياء قبلنا، فهذا نبي الله داود عليه السلام يقول عنه الحبيب  " صلى الله عليه وسلم" : «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه» (متفق عليه). فأين نصيبك من هذا الثلث أخي المسلم، أختي المسلمة، حتى تتربى أسرتك في هذه المدرسة الربانية فتكتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات؟ ففي الحديث: «من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا جميعا ركعتين، كتبا ليلتئذ من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات» (أخرجه أبوداود). وحتى توافقوا ساعة الإجابة التي قال عنها الرسول  " صلى الله عليه وسلم" : «إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة» (رواه مسلم)

قام طفل صغير للصلاة مع والده في ليلة باردة، فقال له الوالد بلسان الشفيق الرحيم: عد يا بني في هذه الليلة إلى فراشك، فالجو بارد وأنت صغير. فأجابه الابن بكلام لا يصدر إلا عن حكيم خبر تجارب الحياة، وكيف لا يكون كذلك ومدرسة الليل أعظم المدارس وأشدها وطئا: يا أبت، لقد رأيت أمي إذا أرادت أن توقد النار تستعين بأعواد الحطب الصغيرة، فأخشى أن أكون أنا ذلك الحطب الصغير الذي يوقد الله به النار يوم القيامة، وقد قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (التحريم:6)

أيتها الأسرة المسلمة، نامي ثلثي الليل واغتنمي فضل الثلث الأخير، ولا يغلبنك عليه اشتغالك بالمسلسلات والأفلام، فيوشك أن ينادي المنادي بالرحيل. فالزاد الزاد قبل يوم المعاد.

الصيام

نمر إلى ثلث آخر من مثلثات الأسر المسلمة، وهو ثلث الصيام. الأسرة المسلمة أسرة موصولة بربها، ذاكرة لله، صوامة، قوامة، تصوم الأيام البيض (وهي ثلاثة أيام من كل شهر)، فإذا أضافت إليها صيام الاثنين والخميس (وهي تتكرر أربع مرات في الشهر لكل منهما)، حصلت في المجموع على أحد عشر يوما، وهو بالتقريب ثلث الشهر. فالأسرة المسلمة تقضي ثلث دهرها في الصيام، قربة لله عزوجل، وهي تعلم فضل ما أعده الله عزوجل للصائمين، قال الحبيب  " صلى الله عليه وسلم" : «إن في الجنة بابا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون فيدخلون، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد» (متفق عليه)

فتخيل معي أخي المسلم، فرحة أسرة كاملة تدخل من باب الريان، اجتمعت على مائدة الإفطار في الدنيا فجمعها الله في هذا الموكب العظيم في الآخرة. وهو أيضا نجاة ووقاية لشباب الأسرة وتحصين لهم من الوقوع في الرذيلة حتى يغنيهم الله من فضله، قال  " صلى الله عليه وسلم" : «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (متفق عليه)

الوصية

ثم يأتي ثلث الوصية، الذي جعله الله عز وجل تحت تصرف ذوي المال الراشدين من الأسرة، يجعلونه في من يشاءون من ذويهم أو قرابتهم أو غيرهم؛ تقربا إلى الله عز وجل. وتحديد الثلث هنا ظاهر، وهو معلل في حديث رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  حين دخل على سعد بن أبي وقاص  "رضي الله عنه"  فقال له سعد: قلت: يا رسول الله، أنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: «لا». قلت: أفأتصدق بشطره؟ قال: «لا». قلت: أفأتصدق بثلثه؟ قال: «الثلث، والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» (متفق عليه)

ثلث الطعام والشراب والنفس

فإذا حل وقت الطعام عاشت الأسرة المسلمة في ظل ثلث آخر، يذكرها بوصايا الحبيب  " صلى الله عليه وسلم" ، الذي ما ترك خيرا إلا ودل أمته عليه. وهذا الخير هذه المرة يتعلق بصحة الإنسان. فصلاح الأديان في صلاح الأبدان، كما قيل، و«المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير» (رواه مسلم). وهذا الإرشاد النبوي يدل الأسرة المسلمة على باب واسع من باب العافية، وهو الاقتصار على الضروري من الغذاء، وعدم الإسراف في الأكل. يقول الرسول  " صلى الله عليه وسلم" : «ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن. بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه» (1)

وهذا الاقتصار على الثلث في الأكل هو الذي يعين، بفضل الله، على الاستيقاظ في الثلث الأخير من الليل، فالأمر بعضه مفتول في بعض، وأحكام الدين، بحمد الله، لا تتجزأ. ولذلك، من يحاول إصلاح المجتمعات الإسلامية بأخذ بعض الكتاب وترك بعض إنما يخط في رمل أو يرسم في سحاب. وفي الأثر عن بعض الحكماء أنه كان يقول لتلامذته: يا معشر المريدين، لا تأكلوا كثيرا، فتشربوا كثيرا، فتناموا كثيرا، فتتحسروا عند الموت كثيرا.

ثلث الأضحية

ثم إذا حل العيد حلت معه البهجة والمسرات، وشاركت الأسرة فقراء المسلمين في أفراحهم بالتصدق عليهم بثلث أضحيتها، وهو المختار عند غالبية الفقهاء. وهو استجابة لنداء الرسول الكريم الرؤوف الرحيم، الذي علم أمته كيف تنال الأجر مع الانتفاع من الأضحية بالأكل. فعن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال في شأن أضحية العيد: «كلوا وادخروا وتصدقوا» (رواه مسلم)

الثلث الأخير من رمضان

فإذا أتى شهر رمضان شهر الرحمة والغفران، تأهبت الأسرة المسلمة لصيامه، وتشمرت لقيامة. فإذا دخل الثلث الأخير منه رفعت من وتيرة العبادة؛ اقتداء بسيد الخلق وحبيب الحق سيدنا محمد  " صلى الله عليه وسلم" . فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر، أحيا ليله، وأيقظ أهله، وجد، وشد المئزر. وعن عائشة، رضي الله عنها، أيضا قالت: «كان رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره» (رواه مسلم). وقد كان عليه الصلاة والسلام يعتكف فيها ويتحرى ليلة القدر.

الثلث الأول من ذي الحجة

ثم تنتقل الأسرة إلى ثلث آخر من أثلاث الشهر، وهذه المرة مع شهر ذي الحجة، الذي أقسم الله بلياليه العشر فقال سبحانه: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ } (الفجر:1-2)، وقال الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  عن أيامه: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر» (2). والأحاديث في فضلها معلومة.

لو تتبعنا المثلثات الشرعية لطال بنا المقام، وحسبنا أن أشرنا إلى فضل هذا الدين ورحمة الله بعباده وما وضع عنهم من الإصر والأغلال التي كانت عليهم؛ حتى يقبلوا على الله إقبال المحبين المخبتين، وحتى يعلموا أن دين الإسلام دين السماحة واليسر، من غير مشقة ولا عنت. فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

الهوامش:

1-أخرجه الإمام أحمد والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو في «الصحيحة»، (2265)، وقد ضعفه غير واحد، وأبحاث العلم تشهد له، والله تعالى أعلم.

2-أخرجه البزار، وهو في ص ج ص، 1133.

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

تربية إبداعية لأبنائك.. كيف؟

رويدا محمد - كاتبة وباحثة تربوية: يعرف الإبداع بأنه النشاط الإنساني المختلف عن المألوف، والذي يؤدي ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال