الأحد، 28 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

178 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تدوينات

56011e7ddc2fb

مكة المكرمة - تهاني العصيمي:

خلّدت الآيات العطرة في القرآن الكريم العديد من المواقع الأثرية والأماكن التاريخية في مكة المكرمة أحدها غار ثور، وهو معلم بارز في رأس جبل ثور وهو أحد الجبال الشمالية عن العاصمة المقدسة.

2002000

حمدي هاشم حسانين :

تظل الكتابة للأطفال هي ذلك الدرب الصعب الذي يجب أن يتحلى من يسلكه بمقومات تساعده على الوصول لعقل وقلب الطفل معا، فالكتابة للأطفال هي تلك الأجنحة التي تحمل الأطفال وتطير بهم إلى عوالم ملونة جميلة يحلمون بارتيادها بين الحين والآخر، الكتابة للأطفال هي جسر من المخمل على العابر أن يكون حذرا واعيا يملك في جعبته عوامل جذب انتباه الطفل ويحفظ عن ظهر قلب المعجم اللغوي الخاص بكل فئة عمرية كي يتم التواصل ولا تكون هناك حلقة مفقودة بين الكاتب والطفل.

ــ الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة (المعوقون) هم أطفال ككل الأطفال يحلمون ويضحكون ويبكون، قد يكون ينقصهم شيء ما ـ لا دخل لهم بهذا النقص ـ ولكنهم رغم إعاقتهم يتميزون عن الطفل العادي دوما بالعديد من المميزات، ولذا نجد معظم عباقرة الأدب والثقافة والعلوم والفنون من ذوي الاحتياجات الخاصة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر عميد الأدب العربي طه حسين الذي ألف مئات الكتب رغم فقده لبصره، والموسيقار العالمي بيتهوفن الذي أدهش العالم بموسيقاه الخالدة رغم أنه فاقد لنعمة السمع.

ـ الطفل المعاق يحب القراءة والكتاب والقصة والمجلة الموجهة للأطفال، ولكنه يتمنى أن يجد نفسه بطلا على صفحات تلك المطبوعات، لا يحب أن يكون قارئا فقط لأبطال في مثل سنه ولكنه يتمنى أن يكون عنصرا فعالا مثل هؤلاء الأبطال فيساعدهم في حل القضايا الغامضة وفي القبض على المجرمين العتاة وفي مطاردة اللصوص، ولكنه نادرا ما يجد ما يتمنى، فمعظم أبطال القصص التي يقرأها من الأطفال الأسوياء.

ولكن ليست هذه نقطة النهاية، تلوح بين الحين والآخر أعمال موجهة للطفل المعاق تجعل منه بطلا في قصة أو رواية أو سيناريو، مثل هذه الأعمال يقبل عليها الأطفال بشغف وحب شديدين، فهو يرى نفسه فوق صفحات الأوراق الملونة، يرى نفسه بطلا، يفك شفرات صعبة لمساعدة الشرطة، عبقري في الحاسوب تلجأ إليه السلطات لمساعدتهم، عقله الفذ القادر على ترتيب المعلومات والوصول إلى نتائج صحيحة لمساعدة الشرطة في الوصول إلى الجناة.

ـ الإعاقة دافع للنجاح: على الكاتب حين يتوجه للطفل المعاق أن يكتب بلغة لا تشعر هذا الطفل بإعاقته، فهو كالطبيب الذي يساعد مريضه على تجاوز محنته والشفاء من المرض، لذا يجب على الكاتب أن يختار كلماته وعبارته بعناية فائقة، أذكر هنا عملا مهما تم كتابته لمجلة عربية عن طفل معاق على مقعد متحرك.. هذا الطفل لم يركن لإعاقته بل أخذ يفتش في ذاته عن طاقاته ومواهبه وقدراته وبدأ يكتشفها شيئا فشيئا حتى أصبح اسمه ذائع الصيت، وصار يشارك شرطة المدينة بموهبته هذه في حل أصعب وأغرب القضايا.

شخصية المعاق

تظل ثقافتنا مخاطبة الأكثرية والسواد الأعظم وإغفال الأقلية، وهذا خطأ شائع في مجتمعاتنا، فآلية السوق مازالت تحتكر إنتاجنا لكتب الأطفال وهي عملة نادرة في مجتمعاتنا أن تجد كتبا للطفل المعاق، وإن وجدت هذه الكتب فإنها تكون صادرة بهدف توعوي أو إرشادي فتكون صبغتها صبغة تقليدية وليست مكتوبة ومرسومة بالحرفية المطلوبة، أما إذا عرجنا قليلا لمجلات الأطفال فمن النادر أن نجد طفلا معاقا بطلا لقصة طويلة أو مسلسل كومكيس يجذب القارئ، ولذا نخلص من هذه المقدمات لبعض النتائج.

النتيجة الأولى: كيف أجذب الطفل المعاق للقراءة.. يظل هذا السؤال عالقا في مخيلة الجميع.. هل هو سؤال صعب لهذه الدرجة.. كلا بالتأكيد، الطفل المعاق كائن حي نهم يود اكتشاف ما حوله وكل ما ينتظره كاتب يحترم فكره كطفل ويعرض عليه أعمالا تحترم عقله ولا تشعره بإعاقته.. بل تشعره أنه بإعاقته هذه يتميز عن الأسوياء.

النتيجة الثانية: كتب الأطفال هي تلك النافذة التي يطل من خلالها الطفل المعاق فيجد عالما رحبا مليئا بالأحداث الشيقة التي تحبس الأنفاس من فرط روعتها وجمالها، هو مستعد لقراءة الكتاب حتى الصفحة الأخيرة إذا أحسنا مخاطبته وتعبنا قليلا في كتابة كتاب جيد يناسبه.

1ـ الطفل المعاق هو بطل أول وليس ثانويا فيستطيع أن ينجح في كل المجالات رغم إعاقته ويستطيع أن يندمج في المجتمع فيبهر الجميع بأدائه وذكائه.

2ـ الطفل المعاق أسوة حسنة لمن حوله.

3ـ الطفل المعاق محط اهتمام الجميع بعبقريته وقدرته على الأداء والعمل كالأسوياء تماما.

النتيجة الثالثة: الكتابة للطفل المعاق يجب ألا تقتصر على نوع واحد من أنواع الكتابة، بل يجب أن نتوجه للطفل بالأنشودة والقصيدة الشعرية المبسطة التي تسعده وتبهجه، والقصة المصورة التي تتحدث إليه وتحكي عنه، والرواية الصغيرة التي يكون هو بطلها رغم إعاقته يبهر الجميع بقدراته، والمسرحيات التي تخاطبه وتتحدث عنه ويكون بطلها، الطفل المعاق كنز يحتاج منا أن نكتشفه ونتصالح معه ونقدمه عضوا صالحا فاعلا لمجتمعه، على مجلات الأطفال أن تعطيه حقه وتخصص له صفحات كالأطفال الأسوياء، علينا أن ندمجه في هذا العالم كي يحبه حين يكبر ويسعد بالمشاركة في بنائه، على دور النشر أن تفتح ذراعيها للكتاب الجادين لتقديم أفكارهم الخصبة التي ستسعد الطفل المعاق، الطفل المعاق نهر جار يحتاج فقط أن نمده بما يحتاج إليه ليتدفق فيما بعد.

 hem m

القاهرة – محمد نصر ليله:

كل عام وأنتم بخير، هلَّ علينا شهرٌ هو من أشهر الله الحُرُم، شهر عَظَّمه العربُ قديما فى جاهليتهم وزادوا فى احترامه بعد اسلامهم، لن نسرد هنا قصة تعظيم هذه الأيام التاريخية ولكن سنوجزها في سطور قلائل.

1200021220

عبدالهادي صافي :

لاشك أن تجربة الحج من التجارب الإنسانية الخالدة، تلهم الشعراء والأدباء، وتمنحهم من روعتها وجلالها عواطف وأحاسيس روحية عميقة، وهي على تنوعها وألوانها وأطيافها تثير أخيلة الشعراء وتمدهم بصور حسية وواقعية، وتهيج في نفوسهم أرقى أنواع المشاعر الإنسانية، وتفتق أذهانهم عن معان كبيرة، ترتد إلى التاريخ الأول للدعوة الإسلامية في أول انطلاقها من الجزيرة العربية، وتعيش حاضر المسلمين المؤلم والمتردي مع الأسف، وتتطلع إلى مستقبل أرحب حين تتحقق أهداف الأمة الإسلامية والعربية.

إن هذه التجربة القدسية تدعو الشعراء أن يقفوا أمام مسؤوليتهم الأدبية ورسالتهم، فيعبروا بحق عما يجيش في نفوسهم من آراء سياسية وأفكار دينية عامرة منحتهم إياها المواقف المتعددة الألوان في هذه المناسبة الدينية السامية، فلبس الإحرام له معنى التجرد من زخارف الحياة، ومناسك الحج من طواف وسعي لها في كل منسك معانيه الدينية والإنسانية، والوقوف بعرفات متجردين متساوين على اختلاف عروقهم ولغاتهم وألوانهم بلباس واحد يغمره البياض الناصع كالحقيقة الواضحة.

ولغنى هذه التجربة الدينية المقدسة وخصوبتها نجد كثيرًا من الشعراء قد صوروا مشاعرهم فيها، ووصفوها لنا وصفًا دقيقًا وواقعيًّا.. ونأخذ من الشعراء المحدثين الذين أبدعوا قصيدة الحج أمير الشعراء أحمد شوقي في رائعته التي يقول في مطلعها:

إلى عرفات الله يا خير زائر

عليك سلام الله في عرفات

ويوم تُوَلي وجهة البيت ناضرًا

وسيم مجالي البشر والقسمات

على كل أفقٍ بالحجاز ملائك

تزف تحايا الله والبركاتِ

ثم يأخذ في وصف الكعبة الغراء، والميزاب، وزمزم في عاطفة قوية متأججة، ورمي الجمرات في صور متتابعة، وكأنها تجري حركتها أمامك هذه اللحظة:

وفي الكعبة الغراء ركن مرحب

بكعبة قصادٍ وركن عفاة

وما سكبَ الميزاب ماءً وإنما

أفاض عليك الأجر والرحمات

وزمزم تجري بين عينيك أعينًا

من الكوثر المعسول منفجرات

ويرمون إبليس الرجيم فيصطلي

وشانيك نيرانًا من الجمرات

وما يفتنك بشعر شوقي هو هذه الموسيقى الساحرة التي تتناسب مع جلال الموقف وروعة المشهد، هذه النجوى التي يطلقها ويناجي بها ربه معترفًا بتقصيره وطامعًا بعفوه ومغفرته:

ويا رب هل تغني عن العبد حجة

وفي العمر ما فيه من الهفوات؟

وأنت ولي العفو فامح بناصع

من الصفح ما سودت من صفحاتي

ويختلط الإحساس بجلال المكان المقدس بهموم عامة يشعر بها كل مسلم يعيش واقع أمته المتردي، وخاصة عندما يقف الحاج أمام قبر الرسول  "صلى الله عليه وسلم"  فتكون هذه المناجاة الرائعة:

إذا زرت يا مولاي قبر محمدٍ

وقبلت مثوى الأعظم العطرات

وفاضت مع الدمع العيون مهابة

لأحمد بين الستر والحجرات

وأشرق نور تحت كل ثنية

وضاع أريج تحت كل حصاة

فقل لرسول الله يا خير مرسل

أبثك ما تدري من الحسرات

شعوبك في شرق البلاد وغربها

كأصحاب كهف في عميق سبات

بأيمانهم نوران ذكر وسنة

فما بالهم في حالك الظلمات؟

وهناك شاعر سوري حديث، لا يقل شعره روعة عن شعر شوقي، وهو الشاعر بدوي الجبل الذي تخيل أنه يسير في رحلة إلى بيت الله الحرام، ويعتذر عن عدم تحقيقها، فيعيش بروحه وخياله هذه التجربة الكبيرة التي، كما قلت سابقًا، تدعو كل شاعر إلى وصفها، والعيش في أجوائها شعرًا وخيالًا وتصويرًا:

وأقعدني عنك الضنى فبعثتها

شوارد شعرٍ لم ترع بضريب

أقمت وآمالي إليك مجدة

تلف شروقًا معتمًا بغروب

ويصور الكعبة الزهراء والنور المتدفق منها، والشذا والوحي، ويأتي على ذكر الأماكن المقدسة.. الحطيم وزمزم، وكلها أماكن لها ذكريات عطرة، وتترك أثرًا كبيرًا في النفس عند ذكرها، وتلهب القلوب لوعة وحنينا لزيارتها ورؤيتها:

هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذا

هنا النور فافني في هواه وذوبي

ويا مهجتي: بين الحطيم وزمزم

تركت دموعي شافعًا لذنوبي

وفي الكعبة الزهراء زينت لوعتي

وعطر أبواب السماء نحيبي

ويصف في قصيدته هذه الطويلة مواكب الحجيج كالأمواج، يدعون الله ويلحون في الدعاء، تردد الصحراء صدى هذا الدعاء، وقد اجتمعوا من كل حدب وصوب يضوع الشذا من بردهم وهم جميعًا متساوون نظائر:

مواكب كالأمواج عج دعاؤها

ونار الضحى حمراء ذات شبوب

ورددت الصحراء شرقًا ومغربًا

صدى نغم من لوعة ورتوب

تلاقوا عليها من غني ومعدم

ومن صبية زغب الجناح وشيب

نظائر فيها: بردهم برد محرم

يضوع شذًا: والقلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبًا

بأفيح - من عفو الإله - رحيب

وذل لعز الله كل مسود

ورق لخوف الله كل صليب

ويهمنا في هذه القصيدة الثناء على الإسلام الذي وحد الأمم ومحا الأحقاد من القلوب، وكان نور هداية للإنسانية جميعًا، ورحمة على العالمين، فينطلق البدوي في هذه الابتهالات:

ويا رب في الإسلام نور ورحمة

وشوق نسيب نازح لنسيب

فألف على الإسلام دنيا تمزقت

إلى أمم مقهورة وشعوب

سجايا من الإسلام: سمح حنانها

فلا شعب عن نعمائها بغريب

سبك متين، وصور فنية متلاحقة، وعاطفة إسلامية صادقة جامحة، كلها تحقق عناصر الشعر الرائع، فمن يقرأ هذه القصيدة الطويلة يحس كأنه يعيش أجواء الحج، ويشعر كأنه في رحاب الله وفي الأماكن المقدسة، وهذه مقدرة من الشاعر أن يجعلك تعيش تجربته الشعورية، وهذا من سمات نجاح القصيدة الشعرية كذلك، وهذا ما يسميه النقاد بالصدق الفني الذي يعتبر أحد الأسس الذي تقوم عليه القصيدة الشعرية، فالقصيدة متخيلة ولكنها توهمك بأنها حقيقة، لصدق مشاعرها وصدق أسلوبها الفني، تقرأ أبيات القصيدة فيشدك الحنين إلى زيارة الأماكن المقدسة، وتتبلل عيونك بالدموع حسرة، لأنك لم تكن مع جموع الحجيج تلبي معهم، وتذرف العبرات، لأنك لم تستطع أداء الحج، وتتحرق إلى زيارة الرسول  "صلى الله عليه وسلم"  تشكو له همومك، وهموم أمتك التي رانت عليها، وسيطرت على كل حياتها، وتتوسل وتتضرع أن يكون مستقبل هذه الأمة أحسن حظا من الأيام السابقة، وأن تتوحد كلمة المسلمين على البر والتقوى.

وما يلفتنا في قصيدة البدوي نغمها العذب الذي يتوافق مع الجو الروحاني، والوزن الشعري (البحر الطويل) الذي يتلاءم مع الرحلة الطويلة وهي تجوب الصحراء والفيافي، واستخدامه لتراكيب وألفاظ صحراوية، وكأنها تنتمي إلى الشعر العربي القديم (عج دعاؤها- نار الضحى حمراء ذات شبوب - أناخوا الذنوب المثقلات لواغبًا). ونقف عند بعض الصور الفنية الجميلة مثل (وعطر أبواب السماء نحيبي)، (تلاقوا عليها من غني ومعدم ومن صبية زغب الجناح وشيب)، (ورددت الصحراء شرقًا ومغربًا صدى نغم من لوعة ورتوب).

وهناك قصائد كثيرة وردت في الشعر العربي الحديث، وكلها قصائد رائعة، تجري على هذا النسق البديع من الشعور بالشوق واللهفة لأداء فريضة الحج وتصوير واقعي لمشاهد المناسك السعي والطواف والموقف بعرفات ومزدلفة ومنى والبيت الحرام والكعبة الزهراء بجلالها وروعتها.. كما يقول احد الشعراء المحدثين يصف هذا الشوق وهذه المشاهد التي تتكرر كل عام، فهو في قصيدته يصور حالته الشعورية وقد فاتته فريضة الحج، وهو يرى الحجاج يتأهبون للرحيل، قاصدين بيت الله الحرام، فيأخذه الشوق والحنين، ويذرف الدموع حسرة وأسى، ويتراءى له البيت الحرام بجلاله ووقاره:

خلفوني مع الدموع وراحوا

ليتهم من وداعهم قد أراحوا

فجروا في الفؤاد نبع حنين

يا بروحي حنينه الوضاح

وسماء أسمو إليها وأسمو

وضياء يلفني لمّاح

وسحاب يقتادني ونجوم

وأغانٍ علوية وبطاح

وتجلى البيت الحرام وقارًا

وجمالا أفياؤه والساح

وجلال الأستار في الكعبة الغراء

نور من الهدى ووشاح

ويستمر على هذا النسق الرائع في وصف المشهد المقدس: الناس المحرمون، وزحام الطواف والتلبية والجو السماوي يلف المكان الرحيب:

وبرايا والمطهر عريان يمشي

وزرتاه إيمانه والسماح

يا بر وحي الإحرام مورد تقوى

وتساوٍ وروعة وانفتاح

وزحام الطواف نفحة حب

وحنان الدعاء روح وراح

وتعالى الصوت الحبيب جهيرًا

تلبيات ترجيعها صداح

واقع تخشع القلوب إليه

ومقام العز فيه الصلاح

ويقف أمام قبر الرسول  "صلى الله عليه وسلم"  يشكو ذنوبه وحوادث الأيام وهموم الحياة، متمنيًا أن يسعده الله ويأذن بسفر إلى بيت الله الحرام:

يا رسول الأنام طال ضياعي

في مسيري وزلزلتني رياح

وخيالي إثر الحجيج شفاني

وسقتني بصفوها الأقداح

أتراني أحظى بسفرة حج

في حياتي أم فاتني المصباح

ونرى أن الشعراء المغمورين الذين لم تسلط عليهم الأضواء يأتون بشعر قد يكون أروع وأعمق من شعر الشعراء المشهورين البارزين، ففيه الصدق والتواضع، بعيدًا عن حب الظهور والبروز.. فيبقى شعرهم أشد أثرًا وتأثيرًا في النفس، وجاء شعرهم- حقًّا- مزينا بثوب قشيب من الحسن والجمال.

وأريد أن أختم هذا الحديث عن قصيدة الحج بشاعر آخر، لا يقل براعة وإبداعًا عن الشعراء الذين تحدثنا عنهم، فصحيح أنهم مغمورون، ولكن إذا أتيحت لهم فرصة للظهور، وطبعت دواوينهم وآثارهم الأدبية، لعرفهم الناس ولقدروا إنتاجهم الأدبي، واستطاعوا أن يقوموه تقييمًا صحيحًا، يضعهم في مكانهم اللائق في دنيا الأدب وعالم الشعر.

أريد أن أستعرض قصيدة لشاعر امتلك كل أدوات الشعر الجيد، من خيال خصب، ومعانٍ شعرية عميقة، وتناسق في الألفاظ، وقوة في التراكيب، وسوف أدلل أثناء الحديث على مكامن القوة في الأداء، والخصوبة في الخيال، والمشاعر الدينية الصادقة، لأخلص إلى أن الشعر الإسلامي الذي يطرح أفكارا إسلامية، ويصور أحداثا دينية، ويصور مناسبات مقدسة، لا يقل روعة وجمالًا عن سائر القصائد التي تصور وتتحدث عن قضايا إنسانية أخرى غير دينية.. وأحب أن أشير في هذه الدراسة إلى أن الأدب الإسلامي إذا توافرت فيه عناصر الجمال والقيم المعنوية، يكون من الآداب الجديرة بالقراءة والمتابعة، أما إذا أهمل الجانب الجمالي في الشعر والأدب، واعتمد على رصانة المعاني التي يقدمها ويطرحها فحسب فإنه يكون بذلك قد أهمل عنصرًا مهمًّا في العملية الإبداعية وهو عنصر الجمال، وينتج عن إهمال هذا الجانب أدب باهت لا حظ له من الروعة والإبداع، إذ إن أهم عنصر من عناصر الشعر هو عنصر الجمال الفني، وعليه مدار التفوق بين الشعراء، ولو فقد هذا العنصر لاقترب من النثر، ولفقد الجمال فيه، وهو- أي عنصر الجمال في الشعر- يخلب العقول ويجدد الإحساس بالروعة، ويضيف إلى القارئ المتعة النفسية، وقد يكون الجمال الصادر من الشعر يأتي عن طريق الصور الشعرية والخيال الجانح، وقد يكون من التناغم الموسيقي ومن تناسق الألفاظ وانسجامها مع المعاني والأفكار، وقد يكون من هذه العناصر جميعًا.

والشاعر الذي أعرض بعض الأبيات من قصيدته التي جاءت في ديوانه «نسيم الصباح» تحت عنوان «هنا تذرف العبرات يا عمر» يشكو في مطلعها من الهجير وقفر المرابع وذبول الزهر في الساح، ويشكو من بعض الخطوب التي نزلت به، فيطلق بعض الحكم والحقائق التي يراها ماثلة أمامنا، فليس في الأرض الواسعة وفي البهارج والأضواء التي تحيط بنا إلا حصاد هشيم يجلب السهد والهم، وقد آن للقلوب الحائرة المضطربة أن تستريح في ديار الله وتستريح من طول الجهد والعناء:

هذي ديار حباها الله منزلة

يهفو إليها.. إلى أفيائها البشر

ربوعها السحر لا يرقى لها قلم

والسحر يدرك لا يأتي به الخبر

خذني إلى (البيت) تسعى في جوانبه

نسائم بأمان الله تنتشر

في بطن (مكة) قدسي الشعاع سرى

فما تحس سوى الأنوار تنهمر

وفي كل منسك من مناسك الحج يشعر بالسعادة الروحية والوجدانية، وبالمتعة الإيمانية، فعند الطواف تظلنا سحابة من الأمن والاطمئنان فلا تحس بخوف ولا بخطر، وعند المقام ركعتان.. جنان الكون تختصر، ونرتوي من ماء زمزم وكوثره العذب الذي يغسل كل كدر وبلاء، والملتزم يلوز به الحاجون، وتقبيل الحجر الأسعد والدموع الحانيات التي تذرف في شوق وفي وله:

تعال نشرب صفاء الود كوثره

هذا المعين فلا طين ولا كدر

تعالى (نسع) إلى روض تظلله

سحابه الأمن.. لا خوف ولا خطر

وفي مقام (خليل الله) موقفنا

والركعتان: جنات الكون تختصر

تبدت الكعبة الزهراء حالية

مجلوة.. فعيون القوم تنبهر

لقد التقى في هذه الأبيات: جلال المعاني مع جمال المباني، قدسية العواطف والمشاعر مع نورانية الصور والمفردات والحروف، فجاءت القصيدة محلقة في أجوائها الإيمانية، تنطلق بجماليات إبداعية يحسها كل قارئ وذائق. والأبيات التي قدمتها تعتبر نموذجًا طيبًا وصالحًا للشعر الإسلامي الرفيع الذي نرنو إليه.

وفي الختام، فقد لاحظنا أن قصيدة الحج في الشعر العربي الحديث تتسم بسمات فنية وخصائص أسلوبية تميزها عن غيرها من القصائد التي كتبت في تجارب شعرية أخرى، وأهم هذه السمات شفافية التعبير، وحرارة الأداء، وجمال التصوير والتلوين.

1 266051112

د. الحسان الشهيد :

عرفت الثورة الإعلامية محطات علمية كبرى منذ بداية نشأة الإنسان، فبعدما كان الكلام المباشر والسماع، وأحيانا الخيال، مصادر أساسية للمعرفة وتلقي المعلومة والخبر، انتقل ذلك إلى حاسة البصر في تضافر مع الوسائل المتطورة مشخصا في الصوت والصورة وتفاصيلهما المختلفة، بل إن الوقت المعاصر لم تتجاوز الصناعة الإعلامية مرحلة الانضباط والاحتكام إلى الصورة فحسب، بل إلى صناعة الصورة نفسها أو الحكاية، ومنحها أبعادا جديدة رمزية ومستوعبة لشروط التأثير، وتشكيل الأذواق إلى خلق قيم والعمل على خرم أخرى.

إن هذه الثورة العلمية في صناعة الإعلام قلبت معها خصوصيات النظر القيمي عند الإنسان المتلقي لحاضره ومستقبله، بناء على درجات إدراكه ووعيه بالفكرة المقصودة، حتى أصبحت للإعلام سلطة جامحة في صناعة قرارات قوية، وتهيئة لأجواء بناء منظومة قيمية جديدة. وهذه بعض الأمثلة لبيان ذلك:

أولا - قضايا الأسرة: كثيرة هي القضايا الأسرية التي تعمل الآلة الإعلامية على معالجتها، ونظرا لارتباطاتها الدقيقة بمجموعة من القيم الثقافية، باتت الأسرة في موقع تهديد خطير.

أ - برامج أسرية: يتم فيها عرض مشاكل زوجة مع زوجها، وإجراء محاورة ومجادلة شديدتي اللهجة وبشكل فاضح، كل يدافع عن نفسه أمام الكاميرا مباشرة، هاتكة لقيم الستر والأدب في الكلام، والإحسان للوالدين. وفي دراسة علمية خلص الباحث مساعد بن عبدالله المحيا إلى أن بعض الأشكال الإعلامية في الوطن العربي «تعلن فيها الحرب على أوضاع المرأة المسلمة في المجتمعات العربية المسلمة بحيث سعت بعض هذه المسلسلات إلى أن توحي إلى جميع المشاهدات بأن جميع قرارات المرأة ينبغي أن تتخذها هي دون الرجوع إلى ولي أمرها، أو الذي ولاه الله مسؤولية القيام عليها، زوجة أو بنتا» (1).

ب- برامج الدفاع عن الواقعات في الرذيلة: وذلك بعرض تقارير ووثائقيات مع الحديث عن معاناتهن وسوء معاملتهن كأنهن مظلومات، محاولة بيان الظلم الذي يسلط عليهن في المجتمع بما اقترفته أيديهن، وهذا من شأنه أن يشيع الرذيلة والزنا في المجتمع.

تلك عينة فقط من الأشكال الإعلامية الخاصة بقضايا الأسرة، وإلا فهي كثيرة قد لا تغيب عن المرء المتتبع للمعروضات الإعلامية.

ج - الجمال والمرأة: لم يعد لقيمة الجمال سحرها في ظل الثورة الإعلامية والتقنية المعاصرة، حيث أصبحت مبتذلة بإضفاء المساحيق الإعلامية عليها، فاستغلت قيم الأنوثة والطبيعة الإنسانية في تجميل القيم السالبة للبعد الإنساني، خصوصا المادية منها.

ثانيا - الرسوم المتحركة: إن الرسوم المتحركة، أو ما يسمى بـ «الأفلام الكرتونية»، من أشد الأشكال الإعلامية خطورة في ترسيخ بعض القيم، أو على الأقل في تغيير بعض المفردات القيمية، خصوصا في ذاكرة الطفولة، التي عادة ما تكون مهيأة لاستقبال الثقافة الرمزية والصور القيمية المراد توجيهها أو تشكيلها في مرآة النفس عند الطفل. وهنا يجدر التنبيه إلى بعض الأمثلة:

أ - صورة القط: في كثير من الأحيان تخلق الرسوم المتحركة عداوة.. مع الحيوان الأليف القط، وذلك بتصويره رمزا للعداء أحيانا، وللغباء تارة/ والغدر تارة أخرى، كأفلام «توم وجيري» المشهورة، في حين يتم تصوير الفأر رمزا للظرافة والذكاء والألفة، وفي ذلك قلب لبعض القيم التي ينبغي تلقينها للطفل، فالقط في الثقافة الإسلامية له اعتباره الخاص لحديث النبي [ «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات» (2)، وحتى سؤرها طاهر ولا ينجس ماء الوضوء الذي شربت منه (3). أما الفأر فصنفه العلماء ضمن الحيوانات النجسة السؤر والمأمور بقتلها في الحرم (4).

ب - اللحية: عادة ما يتم بيان الشخصية العدائية وغير المرغوب فيها مرسومة بلحية كثيفة إشارة إلى القبح وسوء الأخلاق، وتلك صورة لا ينبغي تقديمها للطفل حتى لا يربط بين القيم المذكورة والصورة المراد إبلاغها، لأن اللحية دلالة على قيم الالتزام والوقار في ثقافتنا.

ج - التبرج: عادة ما تصور الأفلام الكرتونية الفتيات الذكيات والنبيهات المتحررات من كل قبح وسوء بلباس متبرج سافر، أما الكاسيات منهن فيقدمن- في أحسن الأحوال - على أحوال يمثلن بها دور الخادمات أو الشريرات أو ما شابه ذلك، فتتركز في ذاكرة الطفولة تلك الصور النفسية لتترجم إلى تمثلات واقعية ومعيشية.

ثالثا - قضايا الحروب: لقد ابتكر الإنسان الآلة الإعلامية بتقنياتها المعقدة لخدمة الإنسان ووجوده القيمي المغاير لباقي المخلوقات، لكن التحولات العميقة تحول معها البعد الوظيفي النبيل للإعلام إلى بعد غائي واستثماري خطير على القيم الإنسانية، ومن ذلك.

أ - تأجيج الصراع: تبدأ خطورة المؤسسات الإعلامية في تغطيتها لقضايا الحروب والصراعات من تأجيج تلك الاختلافات وتشديدها. وقد بلغ السيل زباه لما أصبحت تلك المؤسسات الإعلامية ناطقة باسم طوائف معينة وقبائل خاصة بل بأفراد مفردة. وفي الوقت الذي ينبغي تسخير تلك الوسائل في لم شمل الأمة وتوحيد قضايا الإنسان وخدمة قيمه، أخذت تلك الآلة تهدده في وجوده وفي قيمه وأخلاقياته بزرع فتائل النيران وتغذية روحها. وهذا الأمر لا يستدعي أمثلة، فالواقع فصيح في المسألة.

ب - الضحية والجلاد: طالما كانت المؤسسات الإعلامية المتعددة وسائل ناجعة في التسوية بين الضحية والجلاد أحيانا في نظر الشعوب، خصوصا المغلوبة على أمرها، كما قلبت مشهد الخصومة من جعل الضحية جلادا إرهابيا، والجلاد ضحية وديعا، قلبت بها موازين القيم من العدل إلى الظلم ومن الظلم إلى العدل، حتى أضحى المتابع الجاهل بحقائق الأمور واثقا من الصورة المقلوبة. ولا أدل على ذلك من مثال الاحتلالات المتكررة للشعوب، وآخرها الإرهاب الصهيوني المحتل لأرض فلسطين.

ج - حرمة الإنسان: انتهك الإعلام بسلطته، المادية والأدبية، حرمة الإنسان الحي؛ باغتيال حقوقه بعدما حوله من مظلوم إلى ظالم، بعد حشد كل قواه لإقناع العالم بذلك، ولم يتوقف عند ذلك الحد، بل خرم حرمته وهو في مرحلة الانتقال من الحياة إلى الموت، بقدرته على نقل مباشر أمام أعين أخيه الإنسان وهو يذبح أو يقتل أو يرمى بالرصاص، ملوحا بكل القيم الإنسانية نثر الهواء، لخدمة مقاصد مادية اقتصادية أو سياسية، ولاشك في أن لذلك انعكاسات سلبية على قيم الإنسان الذي أصبح القتل والإعدام لديه مسألة هينة.

رابعا - قضايا العلوم: استطاعت القوة الإعلامية الموجهة خرق عدد من القيم النبيلة، متجاوزة بذلك روح الأمانة العلمية أحيانا، وقيمة العدل في أحيان أخرى، مستعملة في ذلك سلطتها وغفلة المتلقي وضعف الآخر، ويمكن التدليل على ذلك بنسبة الملكية الأدبية أو ببراءة الاختراع التاريخية إلى علماء لهم أوصاف واستثناءات خاصة، مع إغفال وتهميش صاحبها الأول وإقصائه؛ إما لأسباب ثقافية أو حضارية، كنسبة علم الاجتماع لإميل دوركايم الفرنسي بدل ابن خلدون. وإلحاق اكتشاف الدورة الدموية بهارفي الإنجليزي أو سيرفيتوس الإسباني بدل ابن النفيس، وكذا نسبة اكتشاف قوانين الضوء إلى الألماني يوهانز كيل بدل ابن الهيثم محمد بن الحسن، وقد استكملت الآلة الإعلامية هذا الدور بشكل لافت.

إضافة إلى ما ذكر، فإن سلطة الإعلام استطاعت في عصرنا تشكيل أذواق جديدة وآراء مغايرة وأنماط خاصة في التفكير، «فهي تقدم – للمتلقي - كمية هائلة من برامج التسلية، رياضة وعنفا وجنسا ورومانسية وكوميديا.. وتحوله إلى متفرج سلبي يشاهد نشرة الأخبار، وقضايا الشأن العام بالطريقة نفسها التي يشاهد بها الأشرطة السينمائية..».

كانت هذه صورا تعرب عن مثيلاتها في الهيمنة الإعلامية القاسية، التي باتت تهدد قيم الإنسان المعاصر في حاضره ومستقبله، ولا فكاك من مخاطر تلك القوى الرمزية المتسلطة إلا بإعادة النظر في قيمة الإنسان وبعده الأخلاقي الكوني في تفاعل بنّاء بأبعاد قيمية إنسانية مع الوسائل الإعلامية الوسيطة.

الهوامش :

1 - مساعد بن عبدالله المحيا، القيم في المسلسلات التلفازية، دار العاصمة، الرياض، السعودية، ط1، 1413هـ، ص:302/303.

2 - أخرجه مالك في «الموطأ»، كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء، الحديث رقم11.

3 - انظر: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، أبوالوليد محمد بن رشد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1428/2007م، 1/34.

4 - انظر: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، أبوالوليد محمد بن رشد، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط3، 1428/2007م، 2/427.

5 - أحمد غيلان، وسائل الإعلام، الواقع والتحديات، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، مكتبة الطالب، ط1، 1424هـ/2003م، ص:35.

 

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال