الأحد، 28 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

1200021220

عبدالهادي صافي :

لاشك أن تجربة الحج من التجارب الإنسانية الخالدة، تلهم الشعراء والأدباء، وتمنحهم من روعتها وجلالها عواطف وأحاسيس روحية عميقة، وهي على تنوعها وألوانها وأطيافها تثير أخيلة الشعراء وتمدهم بصور حسية وواقعية، وتهيج في نفوسهم أرقى أنواع المشاعر الإنسانية، وتفتق أذهانهم عن معان كبيرة، ترتد إلى التاريخ الأول للدعوة الإسلامية في أول انطلاقها من الجزيرة العربية، وتعيش حاضر المسلمين المؤلم والمتردي مع الأسف، وتتطلع إلى مستقبل أرحب حين تتحقق أهداف الأمة الإسلامية والعربية.

إن هذه التجربة القدسية تدعو الشعراء أن يقفوا أمام مسؤوليتهم الأدبية ورسالتهم، فيعبروا بحق عما يجيش في نفوسهم من آراء سياسية وأفكار دينية عامرة منحتهم إياها المواقف المتعددة الألوان في هذه المناسبة الدينية السامية، فلبس الإحرام له معنى التجرد من زخارف الحياة، ومناسك الحج من طواف وسعي لها في كل منسك معانيه الدينية والإنسانية، والوقوف بعرفات متجردين متساوين على اختلاف عروقهم ولغاتهم وألوانهم بلباس واحد يغمره البياض الناصع كالحقيقة الواضحة.

ولغنى هذه التجربة الدينية المقدسة وخصوبتها نجد كثيرًا من الشعراء قد صوروا مشاعرهم فيها، ووصفوها لنا وصفًا دقيقًا وواقعيًّا.. ونأخذ من الشعراء المحدثين الذين أبدعوا قصيدة الحج أمير الشعراء أحمد شوقي في رائعته التي يقول في مطلعها:

إلى عرفات الله يا خير زائر

عليك سلام الله في عرفات

ويوم تُوَلي وجهة البيت ناضرًا

وسيم مجالي البشر والقسمات

على كل أفقٍ بالحجاز ملائك

تزف تحايا الله والبركاتِ

ثم يأخذ في وصف الكعبة الغراء، والميزاب، وزمزم في عاطفة قوية متأججة، ورمي الجمرات في صور متتابعة، وكأنها تجري حركتها أمامك هذه اللحظة:

وفي الكعبة الغراء ركن مرحب

بكعبة قصادٍ وركن عفاة

وما سكبَ الميزاب ماءً وإنما

أفاض عليك الأجر والرحمات

وزمزم تجري بين عينيك أعينًا

من الكوثر المعسول منفجرات

ويرمون إبليس الرجيم فيصطلي

وشانيك نيرانًا من الجمرات

وما يفتنك بشعر شوقي هو هذه الموسيقى الساحرة التي تتناسب مع جلال الموقف وروعة المشهد، هذه النجوى التي يطلقها ويناجي بها ربه معترفًا بتقصيره وطامعًا بعفوه ومغفرته:

ويا رب هل تغني عن العبد حجة

وفي العمر ما فيه من الهفوات؟

وأنت ولي العفو فامح بناصع

من الصفح ما سودت من صفحاتي

ويختلط الإحساس بجلال المكان المقدس بهموم عامة يشعر بها كل مسلم يعيش واقع أمته المتردي، وخاصة عندما يقف الحاج أمام قبر الرسول  "صلى الله عليه وسلم"  فتكون هذه المناجاة الرائعة:

إذا زرت يا مولاي قبر محمدٍ

وقبلت مثوى الأعظم العطرات

وفاضت مع الدمع العيون مهابة

لأحمد بين الستر والحجرات

وأشرق نور تحت كل ثنية

وضاع أريج تحت كل حصاة

فقل لرسول الله يا خير مرسل

أبثك ما تدري من الحسرات

شعوبك في شرق البلاد وغربها

كأصحاب كهف في عميق سبات

بأيمانهم نوران ذكر وسنة

فما بالهم في حالك الظلمات؟

وهناك شاعر سوري حديث، لا يقل شعره روعة عن شعر شوقي، وهو الشاعر بدوي الجبل الذي تخيل أنه يسير في رحلة إلى بيت الله الحرام، ويعتذر عن عدم تحقيقها، فيعيش بروحه وخياله هذه التجربة الكبيرة التي، كما قلت سابقًا، تدعو كل شاعر إلى وصفها، والعيش في أجوائها شعرًا وخيالًا وتصويرًا:

وأقعدني عنك الضنى فبعثتها

شوارد شعرٍ لم ترع بضريب

أقمت وآمالي إليك مجدة

تلف شروقًا معتمًا بغروب

ويصور الكعبة الزهراء والنور المتدفق منها، والشذا والوحي، ويأتي على ذكر الأماكن المقدسة.. الحطيم وزمزم، وكلها أماكن لها ذكريات عطرة، وتترك أثرًا كبيرًا في النفس عند ذكرها، وتلهب القلوب لوعة وحنينا لزيارتها ورؤيتها:

هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذا

هنا النور فافني في هواه وذوبي

ويا مهجتي: بين الحطيم وزمزم

تركت دموعي شافعًا لذنوبي

وفي الكعبة الزهراء زينت لوعتي

وعطر أبواب السماء نحيبي

ويصف في قصيدته هذه الطويلة مواكب الحجيج كالأمواج، يدعون الله ويلحون في الدعاء، تردد الصحراء صدى هذا الدعاء، وقد اجتمعوا من كل حدب وصوب يضوع الشذا من بردهم وهم جميعًا متساوون نظائر:

مواكب كالأمواج عج دعاؤها

ونار الضحى حمراء ذات شبوب

ورددت الصحراء شرقًا ومغربًا

صدى نغم من لوعة ورتوب

تلاقوا عليها من غني ومعدم

ومن صبية زغب الجناح وشيب

نظائر فيها: بردهم برد محرم

يضوع شذًا: والقلب قلب منيب

أناخوا الذنوب المثقلات لواغبًا

بأفيح - من عفو الإله - رحيب

وذل لعز الله كل مسود

ورق لخوف الله كل صليب

ويهمنا في هذه القصيدة الثناء على الإسلام الذي وحد الأمم ومحا الأحقاد من القلوب، وكان نور هداية للإنسانية جميعًا، ورحمة على العالمين، فينطلق البدوي في هذه الابتهالات:

ويا رب في الإسلام نور ورحمة

وشوق نسيب نازح لنسيب

فألف على الإسلام دنيا تمزقت

إلى أمم مقهورة وشعوب

سجايا من الإسلام: سمح حنانها

فلا شعب عن نعمائها بغريب

سبك متين، وصور فنية متلاحقة، وعاطفة إسلامية صادقة جامحة، كلها تحقق عناصر الشعر الرائع، فمن يقرأ هذه القصيدة الطويلة يحس كأنه يعيش أجواء الحج، ويشعر كأنه في رحاب الله وفي الأماكن المقدسة، وهذه مقدرة من الشاعر أن يجعلك تعيش تجربته الشعورية، وهذا من سمات نجاح القصيدة الشعرية كذلك، وهذا ما يسميه النقاد بالصدق الفني الذي يعتبر أحد الأسس الذي تقوم عليه القصيدة الشعرية، فالقصيدة متخيلة ولكنها توهمك بأنها حقيقة، لصدق مشاعرها وصدق أسلوبها الفني، تقرأ أبيات القصيدة فيشدك الحنين إلى زيارة الأماكن المقدسة، وتتبلل عيونك بالدموع حسرة، لأنك لم تكن مع جموع الحجيج تلبي معهم، وتذرف العبرات، لأنك لم تستطع أداء الحج، وتتحرق إلى زيارة الرسول  "صلى الله عليه وسلم"  تشكو له همومك، وهموم أمتك التي رانت عليها، وسيطرت على كل حياتها، وتتوسل وتتضرع أن يكون مستقبل هذه الأمة أحسن حظا من الأيام السابقة، وأن تتوحد كلمة المسلمين على البر والتقوى.

وما يلفتنا في قصيدة البدوي نغمها العذب الذي يتوافق مع الجو الروحاني، والوزن الشعري (البحر الطويل) الذي يتلاءم مع الرحلة الطويلة وهي تجوب الصحراء والفيافي، واستخدامه لتراكيب وألفاظ صحراوية، وكأنها تنتمي إلى الشعر العربي القديم (عج دعاؤها- نار الضحى حمراء ذات شبوب - أناخوا الذنوب المثقلات لواغبًا). ونقف عند بعض الصور الفنية الجميلة مثل (وعطر أبواب السماء نحيبي)، (تلاقوا عليها من غني ومعدم ومن صبية زغب الجناح وشيب)، (ورددت الصحراء شرقًا ومغربًا صدى نغم من لوعة ورتوب).

وهناك قصائد كثيرة وردت في الشعر العربي الحديث، وكلها قصائد رائعة، تجري على هذا النسق البديع من الشعور بالشوق واللهفة لأداء فريضة الحج وتصوير واقعي لمشاهد المناسك السعي والطواف والموقف بعرفات ومزدلفة ومنى والبيت الحرام والكعبة الزهراء بجلالها وروعتها.. كما يقول احد الشعراء المحدثين يصف هذا الشوق وهذه المشاهد التي تتكرر كل عام، فهو في قصيدته يصور حالته الشعورية وقد فاتته فريضة الحج، وهو يرى الحجاج يتأهبون للرحيل، قاصدين بيت الله الحرام، فيأخذه الشوق والحنين، ويذرف الدموع حسرة وأسى، ويتراءى له البيت الحرام بجلاله ووقاره:

خلفوني مع الدموع وراحوا

ليتهم من وداعهم قد أراحوا

فجروا في الفؤاد نبع حنين

يا بروحي حنينه الوضاح

وسماء أسمو إليها وأسمو

وضياء يلفني لمّاح

وسحاب يقتادني ونجوم

وأغانٍ علوية وبطاح

وتجلى البيت الحرام وقارًا

وجمالا أفياؤه والساح

وجلال الأستار في الكعبة الغراء

نور من الهدى ووشاح

ويستمر على هذا النسق الرائع في وصف المشهد المقدس: الناس المحرمون، وزحام الطواف والتلبية والجو السماوي يلف المكان الرحيب:

وبرايا والمطهر عريان يمشي

وزرتاه إيمانه والسماح

يا بر وحي الإحرام مورد تقوى

وتساوٍ وروعة وانفتاح

وزحام الطواف نفحة حب

وحنان الدعاء روح وراح

وتعالى الصوت الحبيب جهيرًا

تلبيات ترجيعها صداح

واقع تخشع القلوب إليه

ومقام العز فيه الصلاح

ويقف أمام قبر الرسول  "صلى الله عليه وسلم"  يشكو ذنوبه وحوادث الأيام وهموم الحياة، متمنيًا أن يسعده الله ويأذن بسفر إلى بيت الله الحرام:

يا رسول الأنام طال ضياعي

في مسيري وزلزلتني رياح

وخيالي إثر الحجيج شفاني

وسقتني بصفوها الأقداح

أتراني أحظى بسفرة حج

في حياتي أم فاتني المصباح

ونرى أن الشعراء المغمورين الذين لم تسلط عليهم الأضواء يأتون بشعر قد يكون أروع وأعمق من شعر الشعراء المشهورين البارزين، ففيه الصدق والتواضع، بعيدًا عن حب الظهور والبروز.. فيبقى شعرهم أشد أثرًا وتأثيرًا في النفس، وجاء شعرهم- حقًّا- مزينا بثوب قشيب من الحسن والجمال.

وأريد أن أختم هذا الحديث عن قصيدة الحج بشاعر آخر، لا يقل براعة وإبداعًا عن الشعراء الذين تحدثنا عنهم، فصحيح أنهم مغمورون، ولكن إذا أتيحت لهم فرصة للظهور، وطبعت دواوينهم وآثارهم الأدبية، لعرفهم الناس ولقدروا إنتاجهم الأدبي، واستطاعوا أن يقوموه تقييمًا صحيحًا، يضعهم في مكانهم اللائق في دنيا الأدب وعالم الشعر.

أريد أن أستعرض قصيدة لشاعر امتلك كل أدوات الشعر الجيد، من خيال خصب، ومعانٍ شعرية عميقة، وتناسق في الألفاظ، وقوة في التراكيب، وسوف أدلل أثناء الحديث على مكامن القوة في الأداء، والخصوبة في الخيال، والمشاعر الدينية الصادقة، لأخلص إلى أن الشعر الإسلامي الذي يطرح أفكارا إسلامية، ويصور أحداثا دينية، ويصور مناسبات مقدسة، لا يقل روعة وجمالًا عن سائر القصائد التي تصور وتتحدث عن قضايا إنسانية أخرى غير دينية.. وأحب أن أشير في هذه الدراسة إلى أن الأدب الإسلامي إذا توافرت فيه عناصر الجمال والقيم المعنوية، يكون من الآداب الجديرة بالقراءة والمتابعة، أما إذا أهمل الجانب الجمالي في الشعر والأدب، واعتمد على رصانة المعاني التي يقدمها ويطرحها فحسب فإنه يكون بذلك قد أهمل عنصرًا مهمًّا في العملية الإبداعية وهو عنصر الجمال، وينتج عن إهمال هذا الجانب أدب باهت لا حظ له من الروعة والإبداع، إذ إن أهم عنصر من عناصر الشعر هو عنصر الجمال الفني، وعليه مدار التفوق بين الشعراء، ولو فقد هذا العنصر لاقترب من النثر، ولفقد الجمال فيه، وهو- أي عنصر الجمال في الشعر- يخلب العقول ويجدد الإحساس بالروعة، ويضيف إلى القارئ المتعة النفسية، وقد يكون الجمال الصادر من الشعر يأتي عن طريق الصور الشعرية والخيال الجانح، وقد يكون من التناغم الموسيقي ومن تناسق الألفاظ وانسجامها مع المعاني والأفكار، وقد يكون من هذه العناصر جميعًا.

والشاعر الذي أعرض بعض الأبيات من قصيدته التي جاءت في ديوانه «نسيم الصباح» تحت عنوان «هنا تذرف العبرات يا عمر» يشكو في مطلعها من الهجير وقفر المرابع وذبول الزهر في الساح، ويشكو من بعض الخطوب التي نزلت به، فيطلق بعض الحكم والحقائق التي يراها ماثلة أمامنا، فليس في الأرض الواسعة وفي البهارج والأضواء التي تحيط بنا إلا حصاد هشيم يجلب السهد والهم، وقد آن للقلوب الحائرة المضطربة أن تستريح في ديار الله وتستريح من طول الجهد والعناء:

هذي ديار حباها الله منزلة

يهفو إليها.. إلى أفيائها البشر

ربوعها السحر لا يرقى لها قلم

والسحر يدرك لا يأتي به الخبر

خذني إلى (البيت) تسعى في جوانبه

نسائم بأمان الله تنتشر

في بطن (مكة) قدسي الشعاع سرى

فما تحس سوى الأنوار تنهمر

وفي كل منسك من مناسك الحج يشعر بالسعادة الروحية والوجدانية، وبالمتعة الإيمانية، فعند الطواف تظلنا سحابة من الأمن والاطمئنان فلا تحس بخوف ولا بخطر، وعند المقام ركعتان.. جنان الكون تختصر، ونرتوي من ماء زمزم وكوثره العذب الذي يغسل كل كدر وبلاء، والملتزم يلوز به الحاجون، وتقبيل الحجر الأسعد والدموع الحانيات التي تذرف في شوق وفي وله:

تعال نشرب صفاء الود كوثره

هذا المعين فلا طين ولا كدر

تعالى (نسع) إلى روض تظلله

سحابه الأمن.. لا خوف ولا خطر

وفي مقام (خليل الله) موقفنا

والركعتان: جنات الكون تختصر

تبدت الكعبة الزهراء حالية

مجلوة.. فعيون القوم تنبهر

لقد التقى في هذه الأبيات: جلال المعاني مع جمال المباني، قدسية العواطف والمشاعر مع نورانية الصور والمفردات والحروف، فجاءت القصيدة محلقة في أجوائها الإيمانية، تنطلق بجماليات إبداعية يحسها كل قارئ وذائق. والأبيات التي قدمتها تعتبر نموذجًا طيبًا وصالحًا للشعر الإسلامي الرفيع الذي نرنو إليه.

وفي الختام، فقد لاحظنا أن قصيدة الحج في الشعر العربي الحديث تتسم بسمات فنية وخصائص أسلوبية تميزها عن غيرها من القصائد التي كتبت في تجارب شعرية أخرى، وأهم هذه السمات شفافية التعبير، وحرارة الأداء، وجمال التصوير والتلوين.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال