الأحد، 28 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

170 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

1 266051112

د. الحسان الشهيد :

عرفت الثورة الإعلامية محطات علمية كبرى منذ بداية نشأة الإنسان، فبعدما كان الكلام المباشر والسماع، وأحيانا الخيال، مصادر أساسية للمعرفة وتلقي المعلومة والخبر، انتقل ذلك إلى حاسة البصر في تضافر مع الوسائل المتطورة مشخصا في الصوت والصورة وتفاصيلهما المختلفة، بل إن الوقت المعاصر لم تتجاوز الصناعة الإعلامية مرحلة الانضباط والاحتكام إلى الصورة فحسب، بل إلى صناعة الصورة نفسها أو الحكاية، ومنحها أبعادا جديدة رمزية ومستوعبة لشروط التأثير، وتشكيل الأذواق إلى خلق قيم والعمل على خرم أخرى.

إن هذه الثورة العلمية في صناعة الإعلام قلبت معها خصوصيات النظر القيمي عند الإنسان المتلقي لحاضره ومستقبله، بناء على درجات إدراكه ووعيه بالفكرة المقصودة، حتى أصبحت للإعلام سلطة جامحة في صناعة قرارات قوية، وتهيئة لأجواء بناء منظومة قيمية جديدة. وهذه بعض الأمثلة لبيان ذلك:

أولا - قضايا الأسرة: كثيرة هي القضايا الأسرية التي تعمل الآلة الإعلامية على معالجتها، ونظرا لارتباطاتها الدقيقة بمجموعة من القيم الثقافية، باتت الأسرة في موقع تهديد خطير.

أ - برامج أسرية: يتم فيها عرض مشاكل زوجة مع زوجها، وإجراء محاورة ومجادلة شديدتي اللهجة وبشكل فاضح، كل يدافع عن نفسه أمام الكاميرا مباشرة، هاتكة لقيم الستر والأدب في الكلام، والإحسان للوالدين. وفي دراسة علمية خلص الباحث مساعد بن عبدالله المحيا إلى أن بعض الأشكال الإعلامية في الوطن العربي «تعلن فيها الحرب على أوضاع المرأة المسلمة في المجتمعات العربية المسلمة بحيث سعت بعض هذه المسلسلات إلى أن توحي إلى جميع المشاهدات بأن جميع قرارات المرأة ينبغي أن تتخذها هي دون الرجوع إلى ولي أمرها، أو الذي ولاه الله مسؤولية القيام عليها، زوجة أو بنتا» (1).

ب- برامج الدفاع عن الواقعات في الرذيلة: وذلك بعرض تقارير ووثائقيات مع الحديث عن معاناتهن وسوء معاملتهن كأنهن مظلومات، محاولة بيان الظلم الذي يسلط عليهن في المجتمع بما اقترفته أيديهن، وهذا من شأنه أن يشيع الرذيلة والزنا في المجتمع.

تلك عينة فقط من الأشكال الإعلامية الخاصة بقضايا الأسرة، وإلا فهي كثيرة قد لا تغيب عن المرء المتتبع للمعروضات الإعلامية.

ج - الجمال والمرأة: لم يعد لقيمة الجمال سحرها في ظل الثورة الإعلامية والتقنية المعاصرة، حيث أصبحت مبتذلة بإضفاء المساحيق الإعلامية عليها، فاستغلت قيم الأنوثة والطبيعة الإنسانية في تجميل القيم السالبة للبعد الإنساني، خصوصا المادية منها.

ثانيا - الرسوم المتحركة: إن الرسوم المتحركة، أو ما يسمى بـ «الأفلام الكرتونية»، من أشد الأشكال الإعلامية خطورة في ترسيخ بعض القيم، أو على الأقل في تغيير بعض المفردات القيمية، خصوصا في ذاكرة الطفولة، التي عادة ما تكون مهيأة لاستقبال الثقافة الرمزية والصور القيمية المراد توجيهها أو تشكيلها في مرآة النفس عند الطفل. وهنا يجدر التنبيه إلى بعض الأمثلة:

أ - صورة القط: في كثير من الأحيان تخلق الرسوم المتحركة عداوة.. مع الحيوان الأليف القط، وذلك بتصويره رمزا للعداء أحيانا، وللغباء تارة/ والغدر تارة أخرى، كأفلام «توم وجيري» المشهورة، في حين يتم تصوير الفأر رمزا للظرافة والذكاء والألفة، وفي ذلك قلب لبعض القيم التي ينبغي تلقينها للطفل، فالقط في الثقافة الإسلامية له اعتباره الخاص لحديث النبي [ «إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات» (2)، وحتى سؤرها طاهر ولا ينجس ماء الوضوء الذي شربت منه (3). أما الفأر فصنفه العلماء ضمن الحيوانات النجسة السؤر والمأمور بقتلها في الحرم (4).

ب - اللحية: عادة ما يتم بيان الشخصية العدائية وغير المرغوب فيها مرسومة بلحية كثيفة إشارة إلى القبح وسوء الأخلاق، وتلك صورة لا ينبغي تقديمها للطفل حتى لا يربط بين القيم المذكورة والصورة المراد إبلاغها، لأن اللحية دلالة على قيم الالتزام والوقار في ثقافتنا.

ج - التبرج: عادة ما تصور الأفلام الكرتونية الفتيات الذكيات والنبيهات المتحررات من كل قبح وسوء بلباس متبرج سافر، أما الكاسيات منهن فيقدمن- في أحسن الأحوال - على أحوال يمثلن بها دور الخادمات أو الشريرات أو ما شابه ذلك، فتتركز في ذاكرة الطفولة تلك الصور النفسية لتترجم إلى تمثلات واقعية ومعيشية.

ثالثا - قضايا الحروب: لقد ابتكر الإنسان الآلة الإعلامية بتقنياتها المعقدة لخدمة الإنسان ووجوده القيمي المغاير لباقي المخلوقات، لكن التحولات العميقة تحول معها البعد الوظيفي النبيل للإعلام إلى بعد غائي واستثماري خطير على القيم الإنسانية، ومن ذلك.

أ - تأجيج الصراع: تبدأ خطورة المؤسسات الإعلامية في تغطيتها لقضايا الحروب والصراعات من تأجيج تلك الاختلافات وتشديدها. وقد بلغ السيل زباه لما أصبحت تلك المؤسسات الإعلامية ناطقة باسم طوائف معينة وقبائل خاصة بل بأفراد مفردة. وفي الوقت الذي ينبغي تسخير تلك الوسائل في لم شمل الأمة وتوحيد قضايا الإنسان وخدمة قيمه، أخذت تلك الآلة تهدده في وجوده وفي قيمه وأخلاقياته بزرع فتائل النيران وتغذية روحها. وهذا الأمر لا يستدعي أمثلة، فالواقع فصيح في المسألة.

ب - الضحية والجلاد: طالما كانت المؤسسات الإعلامية المتعددة وسائل ناجعة في التسوية بين الضحية والجلاد أحيانا في نظر الشعوب، خصوصا المغلوبة على أمرها، كما قلبت مشهد الخصومة من جعل الضحية جلادا إرهابيا، والجلاد ضحية وديعا، قلبت بها موازين القيم من العدل إلى الظلم ومن الظلم إلى العدل، حتى أضحى المتابع الجاهل بحقائق الأمور واثقا من الصورة المقلوبة. ولا أدل على ذلك من مثال الاحتلالات المتكررة للشعوب، وآخرها الإرهاب الصهيوني المحتل لأرض فلسطين.

ج - حرمة الإنسان: انتهك الإعلام بسلطته، المادية والأدبية، حرمة الإنسان الحي؛ باغتيال حقوقه بعدما حوله من مظلوم إلى ظالم، بعد حشد كل قواه لإقناع العالم بذلك، ولم يتوقف عند ذلك الحد، بل خرم حرمته وهو في مرحلة الانتقال من الحياة إلى الموت، بقدرته على نقل مباشر أمام أعين أخيه الإنسان وهو يذبح أو يقتل أو يرمى بالرصاص، ملوحا بكل القيم الإنسانية نثر الهواء، لخدمة مقاصد مادية اقتصادية أو سياسية، ولاشك في أن لذلك انعكاسات سلبية على قيم الإنسان الذي أصبح القتل والإعدام لديه مسألة هينة.

رابعا - قضايا العلوم: استطاعت القوة الإعلامية الموجهة خرق عدد من القيم النبيلة، متجاوزة بذلك روح الأمانة العلمية أحيانا، وقيمة العدل في أحيان أخرى، مستعملة في ذلك سلطتها وغفلة المتلقي وضعف الآخر، ويمكن التدليل على ذلك بنسبة الملكية الأدبية أو ببراءة الاختراع التاريخية إلى علماء لهم أوصاف واستثناءات خاصة، مع إغفال وتهميش صاحبها الأول وإقصائه؛ إما لأسباب ثقافية أو حضارية، كنسبة علم الاجتماع لإميل دوركايم الفرنسي بدل ابن خلدون. وإلحاق اكتشاف الدورة الدموية بهارفي الإنجليزي أو سيرفيتوس الإسباني بدل ابن النفيس، وكذا نسبة اكتشاف قوانين الضوء إلى الألماني يوهانز كيل بدل ابن الهيثم محمد بن الحسن، وقد استكملت الآلة الإعلامية هذا الدور بشكل لافت.

إضافة إلى ما ذكر، فإن سلطة الإعلام استطاعت في عصرنا تشكيل أذواق جديدة وآراء مغايرة وأنماط خاصة في التفكير، «فهي تقدم – للمتلقي - كمية هائلة من برامج التسلية، رياضة وعنفا وجنسا ورومانسية وكوميديا.. وتحوله إلى متفرج سلبي يشاهد نشرة الأخبار، وقضايا الشأن العام بالطريقة نفسها التي يشاهد بها الأشرطة السينمائية..».

كانت هذه صورا تعرب عن مثيلاتها في الهيمنة الإعلامية القاسية، التي باتت تهدد قيم الإنسان المعاصر في حاضره ومستقبله، ولا فكاك من مخاطر تلك القوى الرمزية المتسلطة إلا بإعادة النظر في قيمة الإنسان وبعده الأخلاقي الكوني في تفاعل بنّاء بأبعاد قيمية إنسانية مع الوسائل الإعلامية الوسيطة.

الهوامش :

1 - مساعد بن عبدالله المحيا، القيم في المسلسلات التلفازية، دار العاصمة، الرياض، السعودية، ط1، 1413هـ، ص:302/303.

2 - أخرجه مالك في «الموطأ»، كتاب الطهارة، باب الطهور للوضوء، الحديث رقم11.

3 - انظر: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، أبوالوليد محمد بن رشد، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1428/2007م، 1/34.

4 - انظر: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد»، أبوالوليد محمد بن رشد، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط3، 1428/2007م، 2/427.

5 - أحمد غيلان، وسائل الإعلام، الواقع والتحديات، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب، مكتبة الطالب، ط1، 1424هـ/2003م، ص:35.

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال