- الأحد، 30 غسطس 2015 09:55
- كتب بواسطة: adminkw
القاهرة- الوعي الشبابي :
ليست مجرد أوراق تتوالى لتكون كتابًا أو مجلدًا مليئًا بالمعلومات، لكنها وقائع وتجارب حفرت في وجدان صاحبها، تتراوح بين نشوة وألم، رضا وندم، انتصار وهزيمة، راحة وبلاء، بعضها كان شاهدًا على فترات تاريخية مهمة مثل سيرة محمد مهدي الجواهري التي رصدت نشوء الحركات الأدبية في العراق، وسيرة الشاعر التشيلي «بابلو نيرودا» الذي عاصر فترات عصيبة من تاريخ دولته، وبعضها كشف عن صور مؤسفة لظلم البشر مثل ثلاثية «السجينة»، «الغريبة» «حدائق الملك» للكاتبة المغربية مليكة، والبعض الآخر نقل خبرات وتجارب حياتية استمدت قيمتها من قيمة أصحابها مثل «الأيام» لطه حسين، و«عشت لأروي » لصاحب نوبل الكولومبي ماركيز وغيرهما كثير.
يقول الناقد والأديب الفلسطيني إحسان عباس: إن كاتب السيرة الذاتية قريب إلى قلوب الناس، لأنه إنما كتب تلك السيرة من أجل أن يوجِد رابطة ما بينهم وبينه، متحدثًا عن دخائل نفسه وتجارب حياته حديثًا يلقى آذاناً واعية، لأنه يثير في الناس رغبة في الكشف عن عالم يجهلونه.
ويضيف عباس: كل سيرة إنما هي تجربة ذاتية لفرد من الأفراد، فإذا بلغت هذه التجربة دور النضج، وأصبحت في نفس صاحبها نوعًا من القلق الفني فلابد أن يكتبها.
اعترافات صادقة
لكن مثلما حوت محاولات كتابة السيرة الذاتية، خاصة في عالمنا العربي، جوانب إيجابية كثيرة، سواء من خلال ما كشفت عنه من وقائع وما قدمت من وثائق للتاريخ، أو ما نقلته من تجارب تحمل العظة والعبرة للقارئ، فقد شابها جانب من القصور أفصح لنا عنه بعض الكتاب الذين كان لهم باع في قراءة وكتابة هذا الفن، فيقول الروائي خيري شلبي: السيرة الذاتية لابد أن تكون اعترافات صادقة بحيث يضع الكاتب ماضيه كله ووقائع حياته على المشرحة، يحلل مواقفه في الحياة، ليأخذ منها العبرة والعظة من أخطائه قبل أخطاء الآخرين، وعليه ألا يحاول تجميل نفسه حتى يصدقه القارئ، وحين ينتهي الكاتب من سيرته الذاتية ويرى أن نجاحه كان مبنيًا على أسس الكفاءة يستريح لذلك، أما إذا كان نجاحه مبنيًا على طرق غير شرعية فإنه بذلك يكون قد قام بعملية تطهير خادعة.
ويضيف: إن أهم ما يميز أدب السيرة الذاتية أنه يعلم الصدق في مواجهة النفس، وللأسف هذا ما يفتقر إليه كثير من المبدعين العرب حين يشرعون في كتابة سيرهم الذاتية، فعندما كتب أبوحامد الغزالي سيرته «المنقذ من الضلال» لم يكتب وقائع من حياته، وعندما كتب توفيق الحكيم «عصفور من الشرق» و«زهرة العمر» كان ينقصهما القدر الأكبر من الصراحة والموضوعية.
حياة غير عادية
ويرى شلبي أن طه حسين كان أكثر صراحة وتجردًا حينما كتب رواية «الأيام»، يليه كتاب «سبعون» لميخائيل نعيمة الذي عرض فيه خبرته الذاتية، وما حدث له في المهجر وملحمة نضاله مع جبران خليل جبران، كذلك يعتبر كتاب «أوراق العمر» للويس عوض كتابًا متقدمًا في السيرة الذاتية، و«حملة تفتيش» للطيفة الزيات وسيرة المؤرخ رؤوف نظمي وعصمت سيف الدولة.
وعن سمات كاتب السيرة الذاتية يوضح أنه إذا كان الكاتب قد عاش حياة غير عادية أو تقليدية، وشغل فيها مناصب هامة، وترتب على وجوده تقدم وإفادة للمجتمع، فمن حقه، بل من واجبه كتابة سيرته الذاتية.
أما عن سيرته الذاتية فيقول: عكفت على كتابة فصول من سيرتي الذاتية التي ستصدر قريبًا، لأنها ليست سيرتي وحدي، فهناك أطراف كثيرة شاركوا فيها ولا أزعم أنني أستطيع التعبير عن وجهة نظرهم.
صدق وبناء جيد
بدوره، يرى الناقد وأستاذ الأدب العربي سيد بحراوي أن الصدق والبناء الجيد شرطان أساسيان لكتبة السيرة الذاتية، فلابد أن يكون الكاتب فنانًا محترفًا يجيد ربط الأشياء ببعضها وتجميع العلاقات بين أجزاء العمل بحيث لا تكون مجرد يوميات، خاصة أن الكاتب في المجتمعات العربية لا يملك الحرية الكاملة عند كتابة مذكراته بسبب الرقابة الداخلية التي تمنعه من أن يصل إلى أعماق الأشياء عند كتابتها.
ومن المهم أن تكون هذه السيرة لشخصية اعتبارية قدمت إسهامات حقيقية للمجتمع، وفي حياتها تجربة إنسانية مفيدة للآخرين.
جوانب لا تذكر
ويختلف الكاتب يوسف الشاروني مع خيري شلبي حول محاولات كتابة السيرة الذاتية بشكل تظهر فيه ذاتية الكاتب، موضحًا أن كتاب «التعريف بابن خلدون» لم ينقل تجارب شخصية، بينما كتاب «المنقذ من الضلال» للإمام أبوحامد الغزالي كان فيه ذاتية أكثر حينما رصد تجربته في التحول إلى الإيمان، والتي شبهها البعض باعترافات القديس أوجستين في الغرب، كذلك كتاب أسامة بن المنقذ أحد الفرسان في صفوف جيوش نورالدين الزنكي ضد الصليبيين الذي تحدث فيه عن تجربته في الحملات على الصليبيين.
وعن سيرته الخاصة «ومضات الذاكرة» أوضح الكاتب يوسف الشاروني قائلا: كتبت عن تجربتي في الكتابة وتجربتي العاطفية القديمة ومع زوجتي، وأشركت الآخرين في كتابة سيرتي، فنقلت نقد ورسائل الأصدقاء، فضلًا على هجاء بعض الأشخاص لي وردي عليهم، لكن أيضًا لم أكتب كل شيء، فهناك جوانب بالطبع لا يستطيع الكاتب ذكرها.
وأردف قائلا: علينا كعرب أن نعترف بأن المدرسة الغربية كانت أكثر صراحة في كتابة السيرة الذاتية، فالأديب الفرنسي «جان جاك رسو» كتب في مذكراته كيف عانى من الفقر، حتى إنه لجأ إلى كنيسة، والبعض لم يخجل من ذكر اعترافات جنسية، لكني من أنصار المدرسة الوسطية في كتابة السيرة الذاتية التي لا يقدم فيها الكاتب نفسه بصورة ملائكية وفي نفس الوقت لا يتحول إلى قدوة سيئة للقراء.