الثلاثاء، 30 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

353 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

6 8 2015 9 12 15 AM

منى السعيد الشريف :

انهيار الأسرة كارثة مجتمعية خطيرة، وبعثرة لكيان تتشرذم أركانه، وانحدار نحو الهاوية.. فأولاد تضيع في نشأة أسرية غير طبيعية في رحاب الجد أو الجدة, أو مع زوج أب أو زوجة أم.. وزوجة تواجه المجتمع كمطلقة يراها ذئاب البشر فريسة سهلة، أو أنها تخوض غمار حياة أسرية جديدة مع زوج له غالبا ظروف خاصة (كبير السن أو مريض..)، وهي في كل الأحوال مشتتة القلب بين حياتها الجديدة وأولادها البعيدين عن كنفها وحضنها، أما الزوج فحياته لا تخلو من معاناة، فهو الرجل المطلق الذي ربما عزف عن الزواج لمرارة ما لاقى في تجربته السابقة، وحينها ينظر إليه المجتمع بنظرة حذر، فعن إبراهيم بن ميسرة أن طاوس بن كيسان قال له: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: «ما يمنعك عن النكاح إلا عجز أو فجور».

وقال عبد المؤمن المغربي: «ورجل بلا بعل كرجل بلا نعل، والعزوبة مفتاح الزنا, والنكاح ملواح الغنى، ومن نكح فقد صفد بعض شياطينه، ومن تزوج فقد حصن نصف دينه، ألا فاتقوا الله في النصف الثاني، فإن خراب الدين بشهوتين: شهوة البطن وهي الصغرى، وشهوة الفرج وهي الكبرى، فاعمر الركعتين وأحكم الحصنين».

وربما يتجه هذا الزوج المطلق إلى خوض غمار التجربة الأسرية من جديد بنفسية غير النفسية الأولى، وبعمر مضت منه بعض السنون، ومع زوجة جديدة لها ظروفها الخاصة أيضا، وعلى المجمل لا يخلو الأمر من معاناة وتضحيات، ليست بالهينة ولا البسيطة.

وكل هذا البركان الثائر والخضم الهائج ألمح إليه الحديث النبوي الشريف المعجز الذي رواه مسلم عن ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سفيان ‏ ‏عن ‏ ‏جابر  "رضي الله عنه"  قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة, يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت». قال الأعمش: أراه قال: فيلتزمه ‏(أي: يضمه إلى نفسه ويعانقه).

ورغم أن الطلاق مباح، لكن هدم الأسرة هدم للمجتمع كله، قال المناوي: هذا تهويل عظيم في ذم التفريق، حيث كان أعظم مقاصد اللعين لما فيه من انقطاع النسل وانصرام بني آدم توقع وقوع الزنا الذي هو أعظم الكبائر فسادا وأكثرها معرة، كيف وقد استعظمه في التنزيل بقوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (البقرة:102).

لذلك قرر الفقهاء أن الإفساد بين الزوجين من كبائر الذنوب، وهو فعل السحرة، وأعظم أعمال جنود إبليس. وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة  "رضي الله عنه"  قال  " صلى الله عليه وسلم" : «ليس منا من خبب (أي أفسد) امرأة على زوجها، أو عبدا على سيده» (رواه أبوداود:2175).

قال ابن القيم: وهذا من أكبر الكبائر، فإنه إذا كان الشارع نهى أن يخطب على خطبة أخيه، فكيف بمن يفسد امرأته أو أمته أو عبده، ويسعى في التفريق بينه وبينها حتى يتصل بها، وفي ذلك من الإثم ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يزد عليها، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله، فحق العبد باق، فإن ظلم الزوج بإفساد حليلته والجناية على فراشه أعظم من ظلم أخذ ماله، بل لا يعدل عنده إلا سفك دمه.

إن انهيار الأسرة ما هو إلا مشروع توريد أطفال غير أسوياء إلى المجتمعات، حيث لا يوجد في أبجدياتهم معاني التلاحم والترابط والتعاطف، فما من شك أن الأولاد هم أعظم ضحية في هذا الانهيار, لقلة حيلتهم وضعف إمكاناتهم، وقلة خبرتهم في التعامل المبكر مع الظروف خارج نطاق الأسرة، ففقدان المأوى والتشتت في المعيشة، وغياب الأمان الاجتماعي أمور ليست بالهينة على الصغار، بل ربما يجد الولد أو الشاب متنفسا خارج نطاق الأسرة، ولو بالاعتماد على نفسه بالعمل، فما بالنا بالبنت التي تتوالى عليها الصدمات من كل جانب، ولا تستطيع الفكاك منها، هذا مع رقة مشاعر الأنثى ورهافة أحاسيسها، الأمر الذي يقودها حتما لاضطرابات نفسية خطيرة تدمر كيانها بالكلية.

والمحصلة أننا بدلا من بناء أجيال يحملون على عواتقهم رقي الأمة ننتج مشاريع أمراض اجتماعية وسلوكية، يستنزفون الطاقات في مكافحة جرائمهم وعبثيتهم واستهتارهم وسائر مشاكلهم النفسية والاجتماعية.

ولذلك نحن ابتداء في أمس الحاجة لاستشعار خطر «الانهيار الأسري» والتحرك على كافة الأصعدة والمستويات، للحيلولة دون تفاقم معدلاته، وبالطبع فالوقاية خير من العلاج، ومن هذا المنطلق يقع العبء الأكبر على «مؤسسات الإرشاد الزواجي» المعنية بترسيخ المفاهيم الصحيحة عن مشروع الأسرة، بداية من أسس اختيار الزوج والزوجة، ومرورا بأبجديات وفنون واستراتيجيات الحياة الزوجية وتربية الأولاد، وانتهاء بأساليب إدارة الخلافات والأزمات الزوجية.

إن «الأمية الأسرية» كارثة تهدد كيان الأسرة قبل نشأتها وخلال مسيرتها كذلك، تلك الأمية التي جعلت كثيرا من بيوتنا تؤسس على شفا جرف هار، ينخدع فيها الطرفان بالمظهر ويغفلون الجوهر، تحركهم خبرات حياتية سطحية في ظل غياب خبرة ومشورة الآباء والعقلاء والمختصين، حيث تقدم في اختياراتهم القيم الزائلة (الجمال، المال، المنصب، العشيرة..) على القيم الثابتة (الدين، الخلق، الكفاءة بين الزوجين..).

وما يقال عن أمية مرحلة ما قبل الزواج يقال أيضا عن أمية إدارة الحياة الزوجية وما تشمله من جهل بحقوق وواجبات متبادلة، وآداب وسجايا منشؤها المودة والرحمة، فضلا عن الجهل بطبيعة الرجل ومكنونات المرأة وما يتطلبه ذلك من لباقة وكياسة واحترافية في بعض الأحيان، لذلك من الخطأ الجسيم اعتبار مؤسسات الإرشاد الزواجي أشبه بغرف مغلقة معنية بحل المشاكل الزوجية فقط، بل إن دورها الوقائي والتعليمي أهم بكثير قبل نشوب الحريق, وتعاظم الخطب بين كيانين (زوج وزوجة) لا يعرفان كيف يتجانسان معا في كيان واحد اسمه «الأسرة».

ومؤسسات الإرشاد الزواجي لا يعْوِزها ولا ينقصها البرامج، فديننا الحنيف قدم في هذا الشأن جملة من التوجيهات والآداب، قلما تجدها في مصدر آخر، أما الدراسات الاجتماعية والنفسية فما قصرت أبدا في عطاءاتها في هذا المضمار، المشكلة الرئيسة تكمن في فريق عمل مدرب ومشبع بهذه الثروة العلمية وكفؤ للعمل باحترافية، فضلا عن دعم حكومي ومجتمعي لهذه المؤسسات، كي تمارس دورا فعالا في محو الأمية الأسرية المتوغلة في مجتمعاتنا، وألا يقتصر تواجدها في شكل ديكوري أو رمزي لا يسمن ولا يغني من جوع.

لابد أن يكون الشغل الشاغل لهذه المؤسسات قضية «الاستقرار الأسري»، وهذا يتطلب استغلال كل القنوات الإعلامية (فضائيات، صحف، مجلات، نشرات ومطبوعات..) لنشر الوعي الجماهيري بأهمية ودور هذه المؤسسات في محاولة لتعديل المفاهيم بضرورتها في حياتنا، وحاجة الجميع للانخراط في فاعلياتها وأنشطتها، من أجل محو الأمية الأسرية والارتقاء بالوعي الأسري، والتعرف على فنونه وخفاياه وأسراره.

ولا يفوتنا أيضا أن نركز على مستوى الأداء في هذه المؤسسات، بمعنى إيصال رسالة لكافة أفراد المجتمع بضرورة التثقيف الأسري، وهذا يتطلب من هذه المؤسسات أن تكون على مستوى مهني راق ومتميز، لكي يجد كل وافد إليها حاجته وبغيته من فقيه يعرض الأحكام الشرعية والمفاهيم الإسلامية، ومتخصص نفسي وآخر اجتماعي للتعامل مع المواقف المتنوعة بما تقتضيه ضوابط العلم والعرف، هذا فضلا عن أحدث الوسائل التكنولوجية والإلكترونية التي تعين على أداء دور هذه المؤسسات، وتتيح التواصل مع روادها الذين لا يستطيعون الانخراط المباشر في أنشطتها.

إن «مؤسسات الإرشاد الزواجي» ثغرة للأسف منسية، أو على الأقل مهمش دورها تارة, ومختزل تارة أخرى في حل المشاكل الزوجية فقط.. ثغرة تحتاج لمرابطين أكفاء يحرسونها، وبالتالي يحرسون الأسرة والمجتمع والأمة بأسرها من الانهيار.. ثغرة تحتاج إلى دعم رسمي وشعبي، ودعم مادي ومعنوي، واستشعار الجميع بالحاجة إليها والاعتصام بكنفها من أجل إحباط كيد الشيطان وضمان, سلامة الجميع، والله المستعان وعليه التكلان.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال