- الأربعاء، 06 مايو 2015 08:20
- كتب بواسطة: adminkw
تركي محمد النصر :
تقع ولاية واشنطن في الجزء الشمالي الغربي من الولايات المتحدة الأميركية المطل على المحيط الهادي، وتبلغ نسبة السكان العرب فيها 0.25% من إجمالي السكان، وفيها عدد من المساجد والمراكز الإسلامية ومن أشهرها: مسجد الفاروق، ومسجد آل ياسين، ومسجد بلال ومركزه الإسلامي، ومسجد ومركز واشنطن الجامع، وغيرها.
تمتد جذور المسلمين في الولايات المتحدة الأميركية إلى عام 1539م، وذلك عندما وصل أول مسلم من «المورسكيين» ممن انضموا إلى المستكشفين الأوائل للأرض الجديدة.
وتتراوح أعداد المسلمين في الولايات المتحدة ما بين أربعة وستة ملايين مسلم، يتوزعون في معظم أرجاء البلاد، وهم من أصول عدة تعود إلى باكستان، والهند، والشرق الأوسط، وألبانيا، وغيرها من دول العالم.قاته.
نشأته وبناؤه
يعتبر مسجد واشنطن الجامع من أشهر وأجمل المساجد في الولايات المتحدة الأميركية، ويؤدي دورًا اجتماعيًّا وسياسيًّا رائدًا، حيث يضم مجلس سفراء الدول الإسلامية، ويقوم بتواصل واسع مع أطراف دولية كثيرة ومتنوعة.
في عام 1945م توفي السفير التركي فجأة في العاصمة الأميركية، وتحيَّر المسلمون أين يقيمون صلاة الجنازة عليه، وتقبل العزاء فيه، الأمر الذي دفع بالسفير المصري السيد محمود حسن إلى عرض فكرة بناء مسجد للمسلمين في الولايات المتحدة الأميركية.
تشجع لهذه الفكرة المقاول الأميركي المسلم من أصل لبناني السيد أحمد يوسف حوار، ووعد بتحمل جانب كبير من نفقات البناء، وجرت اتصالات كثيرة بين سفراء البلاد الإسلامية التي كانت ممثلة في واشنطن في ذلك الحين وكانت أكثر من عشرين دولة.
هذا، وقد قامت الحكومة الأميركية آنذاك بالتبرع بقطعة أرض تبلغ مساحتها 30.000 قدمًا مربعًة، يقدر ثمنها آنذاك بنحو مائة ألف دولار، وقد اختيرت الأرض في شارع من أجمل شوارع واشنطن، وهو زاوية شارع بلمونت وماساشوسيت، وبدأت الخطوات المباركة لتشييد هذا الصرح العظيم الذي استغرق أكثر من أربع سنوات لوضع مخططه، وقد قامت وزارة الأوقاف المصرية بعمل الرسوم والتصميمات بالأسلوب المعماري المعروف في القرن الثاني عشر، وقامت بتنفيذ المشروع شركة «ايرفنج وبورتر وأولاده»، كما شارك المكتب الهندسي للسيد أحمد حوار بوضع الرسوم على نحو إسلامي خالص، مراعيًا الاتفاق في الشكل العام مع العمارة الأميركية، التي تميل إلى المداخل الواسعة ذات الأعمدة الرفيعة الذرى محاكاة للعمارة الإغريقية.
بلغت تكاليف البناء العام لمسجد واشنطن الجامع حوالي 1.250.000 دولارًا أميركيًّا، لم يكن من ضمنها ثمن القطع الفنية الكثيرة النفيسة التي شاركت بتقديمها مجانًا كثير من الدول الإسلامية.
افتتاح المسجد
امتدت فترة بناء المسجد لأكثر من سبع سنوات في الفترة من 1949م إلى 1957م، وتم افتتاحه في 28/6/1957م، بحضور الرئيس «دوايت ايزنهاور» الذي افتتح الاحتفال بخطاب مناسب، حيَّا فيه مسلمي العالم الإسلامي، وأشار إلى ما كان للحضارة الإسلامية من آثار عميقة في الحضارات المتعاقبة ولاسيما الغربية.
لقد استخدم في بناء المسجد حجارة بيضاء صافية البياض، وتولى تحديد اتجاه القبلة بشكل فني دقيق أحد أعضاء الجمعية الجغرافية الأميركية، وقد استقدم عمال من مصر والشام للعمل في المسجد، واستعين أيضا بعمال من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية.
وصف المسجد
يتكون المسجد من بيت واسع للصلاة، يقوم سقفه على أعمدة ضخمة من الرخام الأبيض، تحمل فوقها طرازا جميلا من العقود المعمارية رائعة الصنع، وفيه- أي بيت الصلاة- أربعة أبواب عجيبة في صنعها، ومدخله واسع تتقدمه أربعة أعمدة رخامية تحمل خمسة عقود على شكل قناطر، ومن فوقها واجهة زُينت على ضخامتها بآيات من القرآن الكريم.
وأمام المدخل المرتفع قليلًا عن الأرض سلم حجري عريض من الرخام الأملس، كما يلاحظ الداخل إلى بيت الصلاة في مسجد واشنطن الجامع المحراب الجميل النفيس الذي تزينه الرسومات النباتية، والآيات القرآنية، والنقوش الفريدة .
وفي بيت الصلاة أيضًا منبر جميل بديع الصنعة، على طراز منبر جامع محمد علي في القاهرة، وبلغت قطعه التي ركب منها اثنتا عشرة ألف قطعة من الأبنوس، صنعت كلها في مصر، ثم ركبت على الهيكل الخشبي.
والمنبر هذا قُدمَ كهدية للمسجد من أرض الكنانة، كما قدم معه أيضًا ألف كتاب نفيس في مختلف العلوم الشرعية والعربية والكونية، لتكون نواة للمكتبة النفيسة التي يعتز بها المركز الإسلامي الثقافي المجاور للمسجد.
أما مئذنة مسجد واشنطن فيبلغ ارتفاعها نحو 160 قدمًا، وهي مكونة من جزأين:
الأسفل منهما مربع الشكل تتوسط كل ضلع فيه نافذة طولية، وضع أسفلها مقرنصات حجرية، بينما تعلو تلك النافذة- المغطاة بأحجار مخرمة- نافذة أخرى مغلقة ترتكز عليها، وينتهي هذا الجزء المربع من بدن المنارة بشرفة الأذان الكبرى، المحلاة بنقوش عربية إسلامية.
ومن وسطها ترتفع بقية المئذنة مدورة الشكل، إلى أن تختم بشرفة أخرى أصغر، وفوق تلك الشرفة قبة ترفع عمودًا ضخمًا من النحاس، يحمل فوقه الهلال الإسلامي الشامخ.
ومما يسرنا ذكره أن كثيرًا من الدول الإسلامية شاركت في بناء المسجد وتجهيزه للعبادة؛ فأسهمت تركيا في تحلية وتزيين جدران المسجد بالقاشاني الأبيض والأزرق على ارتفاع ستة أقدام، مما أضفى على بيت الصلاة جمالًا أخاذًا فاتنا، كما قدمت إيران مجموعة رائعة من السجاد الفاخر، من بينها سجادة ضخمة لا تقدر بثمن.
المركز الإسلامي
حرص القائمون على بناء المسجد أن يشيدوا بجانبه مركزًا إسلاميًّا ليقوم بتنظيم الدور الاجتماعي والثقافي الذي يقوم به المسجد، وهذا المركز يتألف من جناحين حول المسجد، خصص أحدهما لمعهد يضم قاعة كبيرة للمحاضرات، ومكتبة تحتوي على الآلاف من الكتب القيمة جمعت من شتى أنحاء العالم الإسلامي، بينما خصص الجناح الآخر لسكن المدير والمكاتب التابعة للمركز.
وقد تولى إدارة المركز أولًا د.محمود حب الله وهو من علماء الأزهر الشريف، ثم من بعده د.محمود بيصار، أستاذ الفلسفة والدين بالأزهر.
دَور المركز وخدماته
يقصد مسجد واشنطن الجامع الآلاف من الناس، فأما المسلمون فيقصدونه على اختلاف طبقاتهم بغية الصلاة فيه، وطلب العلم والتزود بالمعرفة، والتباحث في الأمور الحياتية التي تخص الجالية وتحل مشاكلها، ثم استيضاح أحكام الدين وطلب الفتوى.. وكذلك السياحة العائلية والتمتع بجمال بنائه.
أما غير المسلمين فيقصدونه للتعرف على أسرار الدين الإسلامي الحنيف، وللتمتع بجمال المسجد وروعة زخرفته الإسلامية.
يضم مركزًا إسلاميًّا ومكتبة عملاقة ومجلسًا لسفراء الدول الإسلامية.. ويقصده غير المسلمين ليتمتعوا برونقة بنائه