بقلم د.عبدالرحمن حماد - مدير وحدة طب الإدمان بالقاهرة:

تصاحب مواسمُ الأعياد والاحتفالات خطورة عالية بالنسبة للمدمنين، وفي أوقات من الممكن أن تكون صعبة على المدمن في مرحلة التعافي، خاصة المتعافي حديثًا؛ حيث تتزايد احتمالات انتكاستهم وعودتهم إلى التعاطي مرة أخرى، لاعتيادهم على تعاطي المخدرات في هذه المناسبة..

وذلك نظرًا للعديد من الطقوس التي تحدث وتزيد من خطر الانتكاس، مثل زيادة توفر المخدرات وتعاطي كثير من الناس العاديين المخدرات في الأعياد والسهر حتى الصباح في حفلات صاخبة، حيث يصبح هذا الجو ملائمًا جدًا للتعاطي، بل ويكثر حدوث مشاكل الجرعة الزائدة، خصوصًا لهؤلاء الممتنعين حديثًا عن التعاطي.

وفي مثل هذه اللحظات، ما أحوج المدمن إلى أن يكون على دراية بالمخاطر الإضافية التي تهدده، ومن ثم وضع الخطط التي من شأنها أن تساعده على تجنب المحفزات المؤدية إلى التعاطي، وأن يتخذ الإجراءات اللازمة التي تمنعه من الانتكاس.

فمن الشائع أن يردد بعض المتعافين تبريرات أنه ربما يستطيع - مثل الأفراد العاديين- التحكم في تعاطيهم للمخدرات، فيتعاطى في العيد أو المناسبات فقط؛ إلا أن الشخص المدمن أو المدمن المتعافي لا يستطيع التحكم في تعاطيه؛ وسرعان ما يعاود سيرته الأولى من الانزلاق في هذا المنحدر السحيق.

وفي ضوء جهود وحدة طب الإدمان بمستشفى العباسية بالقاهرة في الاستفادة من تحليل البيانات الخاصة بالمرضى وملاحظة ارتفاع نسب الانتكاس في أوقات الأعياد والعطلات، تنسق الوحدة مع الجهات المسؤولة - مثل إدارة الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، والخط الساخن- وللعام الثالث على التوالي، لتنفيذ "برنامج حماية" يسمح بدخول المتعافين خريجي الوحدة إلى الوحدة ليلة وقفة العيد وأول أيام العيد، بالإضافة إلى نزلاء القسم الداخلي، وذلك لتحصينهم من إغراءات التعاطي مجددًا.

وانطلاقًا من رؤيتها المتمثلة في "التعافي والاندماج في حياة سوية من دون مخدرات"، وفي تعزيز الخدمات المقدمة للمتعافين الذين لا يزال بعضهم في برنامج الرعاية اللاحقة، وفي إطار الحفاظ على تعافيهم والاستثمار في هذا التعافي، تهتم الوحدة بتنظيم برنامج خاص للمتعافين خلال الأعياد، يشمل أنشطة ترفيهية ومسابقات رياضية؛ ليخرج المتعافي بعد هذا البرنامج وقد اعتاد قضاء الأعياد والاستمتاع بها والفرح من دون مخدرات.

وهناك معتقد خاطئ بأن تناول المخدرات خلال الأعياد والمناسبات يحدث حالة من الفرح أو السعادة، لكن في الحقيقة الأعياد والفرح والسعادة لا علاقة لهم بالمخدرات؛ إنما يلجأ الأشخاص إلى التعاطي في هذه المناسبات لعدة أسباب منها:

- بدافع التجربة. بحيث يكون التعاطي بدافع التجربة تحت ضغط من الرفاق أو العوامل والأجواء المحيطة، أو لإزالة حالة الرهاب المجتمعي، فمثلًا شخصٌ لديه تخوف من الحديث مع الآخرين ويخشى التجمعات والاحتفالات الجماعية وما إلى ذلك، فيغويه أحدٌ بأنه إذا تعاطى المخدر سيتغلب على رهابه، وقد يحدث ذلك؛ لكننا نقول له إن التأثير يكون أكثر سلبًا بعد ذلك، فأنت حللت مشكلة مؤقتة وسببت لنفسك مشكلة صحية أخرى.

- أو بدافع من البيئة المحيطة. فقد يكون الشخص متعافيًا حديثًا، لكن لظروف البيئة المحيطة والرفقة وانتشار المخدرات في هذه الفترة تدفعه نفسه إلى التعاطي مرة أخرى.

وإلى أعزائي الأصدقاء، ابحثوا عن الفرحة والسعادة في العيد بعيدًا عن المخدرات، وإن كانت لديك مشكلات أخرى فابحثها مع المتخصصين؛ مثلًا إن كنت تعاني من الرهاب المجتمعي أو مشاكل تؤثر على فرحك وسعادتك فاستعن بمتخصصين وتدرب على حل مشكلاتك بعيدًا عن المخدرات.

في أحيانٍ يفقد المتعاطي سيطرته ويتناول المخدرات بجرعات زائدة، وهذا يسبب مخاطر كبرى تقود إلى الإدمان لاحقًا، أو قد يتعاطى البعض مخدرات مغشوشة ومن ثم يصابون بحالات التسمم التي نراها في وحدة الإدمان.

لذلك، أقول لكل من ينتوي تجربة تعاطي المخدرات ستكتشف أنها وهم كبير وستنعكس أضرارها على صحتك وعملك وأسرتك لاحقًا، ويمكنك أن تسأل وتتحدث مع من سبقوك وستعرف حجم المشكلات التي ترتبت على حياته اجتماعيًا ونفسيًا وصحيًا وجسمانيًا وعمليًا.

أيضًا، احرص على أن تتواجد في أماكن خالية من المخدرات وابتعد عن أي بيئة فيها أجواء التعاطي، سواء أكانوا من المقربين أو الرفقاء أو حتى الحيّ أو المنطقة التي تعيش فيها، وتذكر دائمًا أن المخدرات وهم ونهايتها وعواقبها وخيمة.

• النقود في التاريخ الإسلامي
• تعلم اللغة العربية عند أبناء ...
• "أبراج الكويت".. نحو قائمة التراث ...
• "القرقيعان".. حصاد الخيـر فـي شهر ...
• "بعدانية"