الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

61 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

12 4 2014 8 25 23 AM

بقلم : الزبير مهداد 

 

اعتمد المجتمع المسلم في تنشئة أجياله على المؤسسات الثقافية التي انبثقت منه، وقامت بدور هام في تربية وتعليم النشء، وهي كثيرة ومتنوعة ومتعددة المستويات، كالمدرسة والكتاب والمسجد والجامع والزاوية ، والمكتبة والأندية الثقافية والمجالس العلمية وحلقات الذكر والوعظ، وغيرها.

  هذه المؤسسات سلكت طرقا وتوسلت بوسائل متنوعة، ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف، ومثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة ورسالة بليغة[2].

  هذه الثقافة تضم الأنساق المعرفية والقانونية والتربوية والحرفية والاجتماعية، التي تحدد أنماط حياتنا الاجتماعية وملبسنا ومأكلنا ومشربنا وتفكيرنا وأساليب تعبيرنا، وكل مسالكنا في هذه الحياة، أي كل ما يمنح شعبنا خصوصياته. هذه الأنساق تعكسها الفنون المعمارية والحرفية الصناعية المعدنية والنسيجية وغيرها، إلى جانب عاداتنا الغذائية والاحتفالية والحياتية اليومية، كما دونتها ووثقتها كثير من الحكايات الشعبية والأغاني والأمثال، وكذا الإنتاجات المكتوبة الفكرية والأدبية والفنية على اختلافها، المنتجة من قبل المثقفين المسلمين، من نصوص شعرية وحكايات واجتهادات فقهية وسيرة ومراسلات أدبية وغيرها. كل ذلك يشكل ثقافة الأمة التي تتناقلها الأجيال، كل جيل يضيف إليها أو يعدلها، لتوائم خصوصيات الجيل وظروف العصر وإمكاناته وتحدياته، حتى يتاح له أن يعيش عصره في سلام وأمن مادي وروحي.

  والتراث الإسلامي، الذي يشمل في مفهومه العام التراث المادي المتمثل في الآثار المعمارية والحرفية والنسيجية والمعدنية الأثرية، كما يشمل التراث الفكري النابع من أعمال ونتاج العلماء والكتاب والأدباء، إلى جانب التراث الاجتماعي المتمثل في العادات والأعراف والتقاليد المتوارثة، يعد من أهم مكونات الثقافة الإسلامية، وأفضل تعبير عن هويتها وذاتيتها[4].

والثقافة تعتبر من أهم مدخلات العملية التربوية التي تسهم في مخرجات تربوية سليمة، ولذلك فان محتوى هذه الثقافة يكون له أكبر الأثر في إكساب النشء النظام القيمي الذي يتبناه المجتمع. وتعتبر المصنفات الأدبية والفكرية من أهم الأوعية التي تنقل القيم وتعرف بها وتنشرها وترسخها في الجسم الاجتماعي، باعتبار هذه المصنفات يتداولها القراء وينسخها النساخ، وتدرس وتشرح في حلقات العلم، وترافق الناس في حالهم وترحالهم، وفي خزاناتهم بالمنازل الخاصة والمؤسسات العلمية والمساجد يكون لها أكبر الأثر في تنشئتهم.

مصادر الثقافة الإسلامية

  أصول هذه الثقافة متنوعة متعددة، وأهمها القرآن الكريم وسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التراث الأدبي الفكري الذي أنتجته الأمة، دون أن نغفل الإشارة إلى أهمية الموروث الاجتماعي، من عادات وتقاليد وآداب وفنون تعبيرية متوارثة من عصور سابقة للإسلام، الذي تداوله الناس قرونا قبل دخول الإسلام، والذي ما زال ينبض في القلوب ويتدفق فيها بحيوية. تم إثراؤه بما أنتج في ظل الإسلام، وما وفد بعد الفتوح من الشعوب الأخرى، كل ذلك أكسب الثقافة الإسلامية أصالة مميزة، وانتماء يطبعها بقوة، إلى جانب البعد الزمني الهام الذي يبصم هذه الهوية.

    فالثقافة الإسلامية وتراثها الغني هي إرث إنساني بقيمها وفضائلها، وثروة أورثها لهذه الأمة مفكرون منحدرون من شعوب كثيرة شرقية وغربية عربية وأعجمية، أبدعوا فيها من داخلها، ونقلوا إليها بالترجمة من ثقافات وتراث آخر يوناني وفارسي وفرعوني وأمازيغي (بربري) وهندي وغيره، استوعبوا القيم العربية والإسلامية السامية وعبروا بلسانها وساهموا في إثرائها، وأضحى هذا التراث أساسا ثقافيا ومعرفيا لملايير الناس.

مصنفات أدبية ذات قيمة خالدة

  وفي النثر الأدبي، خلف الكتاب أعمالا أدبية رائعة مؤثرة في تاريخ الثقافة العربية، تم التنويه والإشادة ببعضها الذي يعد علامة مميزة في تاريخ الثقافة العربية، ومن ذلك قول ابن خلدون: سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم إن أصول فن الأدب وأركانه أربعة، وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، والبيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبى علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فروع عنها[6]

والأدب عنده ما كان ممتعا في سماعه، لطيفا في معناه، ووصف الأديب بالشمولية في فكره وثقافته فهو (من يأخذ من كل شيء أحسنه فيألفه)[8].

  وابن قتيبة، صاحب المصنفات الرائعة، ألف أدب الكاتب ذكرَ فيه جُملة من الآداب النظرية والعملية التي ينبغي لكل من تصدى للكتابة أن يتأدب بها، والتي يمكن أن نسميها في عصرنا هذا: الثقافةُ الضروريةُ للكاتب. أراد مؤلف الكتاب أن يجعل من الكتاب رفيقاً لكل كاتب ينوي تقويم لسانه ويده، أما في مصنفه الآخر الموسوم باسم عيون الأخبار، فيقول فيه ابن قتيبة أن وظيفة المصنفات الأدبية لا تقل قيمة عن غيرها من المصنفات في الفقه أو علوم القرآن أو السنة، فهي تهدي إلى مكارم الأخلاق كغيرها من الكتب الدينية، وبذلك تؤدي نفس الوظيفة التي تؤديها تلك الكتب: "هذا الكتاب، وإن لم يكن في القرآن والسنة، وشرائع الدين، وعلم الحلال والحرام، دالّ على معالي الأمور، مرشد لكريم الأخلاق، زاجر عن الدناءة، ناهٍ عن القبيح، باعث على صواب التدبير، وحسن التقدير، ورفق السياسة، وعمارة الأرض. وليس الطريق إلى الله واحداً، ولا كلّ الخير مجتمعاً في تهجد الليل، وشرد الصيام، وعلم الحلال والحرام، بل الطرق إليه كثيرة، وأبواب الخير واسعة"[10]. وقد حوى جانبا هاما وغزيرا من تراث العرب القديم وخاصة في عصور الأدب الأولى الجاهلية بشعرها ونثرها وسجعها (سجع الكهان)،وقلما دخل فيه شيء من الثقافة الأجنبية الوافدة.

  وقد اهتم الجاحظ في كتابه بفن القول والأداء،وأفاض في كلامه عن الحديث عن الفصاحة والبلاغة والألفاظ، كما عرض لفنون البلاغة وأنواعها عند العرب والأمم الأخرى جاعلا سبيله في ذلك بيان فضل العرب على الأمم الأخرى. هذا في وقت تفشت فيه دعوى الشعوبية التي تحتقر الأمة العربية، وتنعتها بالعقم الأدبي، وتبخس من قيمة منجزاتها الثقافية الأدبية والفكرية، فكان الكتاب ردا قوي الحجة على ما روجته الشعوبية، وداعيا العرب إلى الاعتزاز بموروثهم الأدبي والثقافي والتمسك به والعناية به ومواصلة إثرائه ونشره، وترسيخه في نفوس النشء بتعليمهم الفصاحة العربية الأصيلة، ليحتل هذا التراث مكانته التي تليق به في الساحة الثقافية العربية التي كان اكتسحها الأسلوب الفارسي ما شكل تهديدا للهوية العربية. عرض ذلك بأسلوبه الجدلي اللطيف الذي يعتمد التحليل والمقابلة والتعليل والاستشهاد ثم الاستنتاج.

التفريط في التراث هدم للهوية

  فهذه الأمثلة مجرد عينة صغيرة، وقبس من تراثنا الغني الذي نفخر به، وننظر إليه بالتقدير والاحترام الجدير بهما، فينبغي أن نقرأه بطريقة صحيحة، وقد أصاب الروائي العربي الراحل عبد الرحمن منيف حين قال (من يقرأ الماضي بطريقة خاطئة سوف يرى الحاضر والمستقبل بطريقة خاطئة أيضا).

وإن حملات التشويه التي يتعرض لها تراثنا، إنما تحاول أن تهدم أهم مكون للهوية، التي تتضرر كثيرا بفعل ما يبثه هذا الإعلام من تشويه صريح وواضح ومقصود للتراث الإسلامي، ما يؤدي إلى احتقاره والتنقيص من قيمته، والنظر إليه بطريقة خاطئة، فتنشأ في ذهن الشباب بالخصوص، صورة قاتمة في غاية السوء عن التراث الثقافي وهو أهم مكون للهوية، ما يؤدي إلى ازدراء الذات وتحقيرها، وانسلاخ الشباب من مقومات هويتهم والارتباط بجماعات أخرى تحمل ثقافات مضادة، والتفاعل معها وتبني مكونات هويتها واتخاذها جماعات مرجعية في الثقافة والسلوك، يستمد منها قيمه، ويتبادل وإياها التعاطف والتأييد، ويكسبه هوية أخرى بديلة، لا تجد أي سند في وسطه الاجتماعي.


[2] المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي، إيسيسكو، الرباط 2007 ص 43

[4]علي، سعيد إسماعيل: الخطاب التربوي الإسلامي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، سلسلة كتاب الأمة رقم 100 (2010) مقدمة الكتاب

[6]الحموي، ياقوت: معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب) تحقيق إحسان عباس، بيروت، دار الغرب الإسلامي 1993، ص 19

[8]الحموي، ص 7

[10]الجاحظ، أبو عثمان: البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1997، ص 5

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال