الخميس، 02 مايو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

322 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

B6gVH xCMAAMT8u 

القاهرة- محمد نصر ليله:

مشيتُ على أطراف أصابعي، ووقفتُ بباب غرفتها، فابتسمتْ واهتز قلبي فرحًا ثم قلقًا، فتحتُ الباب ببطء شديد وبداخلي شوقٌ لا يُعلم مداه، تلصَّصتُ فوجدتها تستند إلى حائط الغرفة وتقف صامتة.

انتابني شعورٌ رائع، دخلتُ الغرفة إلى محبوبتي وأغلقتُ الباب مسرعًا، تحسستُ جانبها اعتذارًا مني على تأخري عليها، وانشغالي عنها طوال الفترة الماضية، لم تلتفتْ ولم تتحرك أصلًا!

حاولتُ أن أحتويها، لكن يدي لم تستطع إحاطتها، نظرتُ إلى ملابسي فوجدتُها مبتلة بعرق الحياء الذي انسال من كل جسدي.

التفتُ عنها وحدَّثتُها: أنتِ لي خير حبيب، أنتِ محبوبتي، فيكِ أذوب، أنتِ ملكتِ قلبي، أنتِ حبيبتي.

ثم تناولتُ كتابًا اختارته أناملي من أحد رفوفها فوجدتُّه غارقًا في الغبار، فنظرتُ إليها بقلبي وأحسستُ بأنها تصرخ في وجهي، سمعتُ أنينها الحزين على طول فراقي لها.

اقتربتُ منها مرة ثانية فوجدتها تقول لي: لم هجرتني؟ لم تركتني وحيدة طوال تلك المدة؟ ألا تعلم أنني لكَ مُحبة؟!

ألا تعلمُ أن أقلامك وكتاباتك التي على أرففي تهجوك صباح مساء؟ ألا تعلمُ أن الحبيب المفقود يصيب الفاقد بالقهر والتعاسة؟! ثم أحسست برقة في صوتها وهي تققول: يا حبيبي لا تتركني أبدًا، فبين أحشائي حياتك، وفي قلبي عباراتك، وفي وجداني شِعاراتك، وفي أعمدتي مبادئُك..

هكذا حدَّثتني مكتبتي. هنا، بعد كلامها، أحسستُ بغصَّةٍ في حلقي، حاولتُ أن أردَّ عليها فتحشرج الكلام وتلعثم اللسان وانعقدت الخواطر.

لم أجد جوابًا أو اعتذارًا أو مُبررًا! حينها لم أجد إلا كلماتٍ تخرجُ من عيوني، كلمات كانت تسبحُ في دموعي، وهتفَ قلبي يُنادي مكتبتي: اغفري له وسامحيه فلن يهجرك بعد اليوم، لن يتركك لحظة إلا ومعهُ رفيق حارس من حُرَّاسك، لن يخرج من غرفتك إلا وفي يديه كتابٌ من كُتب عمره التي في جنباتك.

ابتسمتْ مكتبتي ونادتني: يا رفيقي الساهر دومًا إلى جواري، خذ أقلامك وأوراقك من أعلى مكان واكتب ثم اقرأ لي كتاباتك، ابحث في مجلداتي عن البلاغة والمُحَسِّنات لألفاظك، اكتب ثم اكتب ثم اكتب ثم ارفق لكتابك إهداءً وشكرًا إلى حبيبتك، بل إلى معشوقتك.

تناولتُ الورق الأبيض الناصع فرأيته يتقافز تقافز الصبيان الفرحين بعودة أبيهم من عمله، أمسكتُ بقلمي لأكتب ما يجود به تعابير قلبي ونسمات لساني، فوجدتُ ما أكتبُه يُمحى!

أعدتُ الكتابة، ثم أعدتها، لكن غضب قلمي على فراقه لم ينقطع! آثرتُ الصمت ثم ناديتُ نداء الملهوف أو الغريق بمن يُغيثُه، وجدت نفسي تتعلق بـ"قَشَّة" هي الدموع! صرخت دموعي: ماذا ستكتبُ؟! اكتب ما تكتبه فسيُمحى، اكتب لكن اعلم أنَّك ستُنسى، اكتب وتذكر أنَّاتي، أنَّات الثكلى! اندهشتُ مما يُقال في خاطري، فقلتُ نعم سأكتبُ لكن لن تُمحى خواطري، سأكتبُ وتظَّل كتاباتي باقية، سأستعين بمُعين يُسنِد ذاكرتي. لكن، اسمي أنا: إنسان!

مرت أيام وشهور، ثم سنوات، دخلت الغرفة ذاتها بعد أن شغلتني الدنيا، فنظرتُ، ثم صُدمتُ، ثم بكيتُ، فصرختُ بأعلى صوتي: "سأكتب ولن أُمحى"، ثم ناديت مكتبتي العجوز، ناديتُ مكتبتي التي أعدَّتها أمي لي قبل أن أُولد، مكتبتي التي وضع أساسها أبي، فوجدتُ كلماتها كلمات فتاة يافعة لم تُصَبْ بالشيخوخة التي اعتقدتُّ أنها أُصيبت بها!

حدَّثتني بقلبها الحنون وعقلها الحكيم حديث المُّحِبِّ إلى حبيبه، لا بل كان حديثها حديث أمِّ إلى رضيعها، فقالت: يا ولدي، هل تعلَّمت بدوني؟ هل حصَّلت أخلاقًا بغيري؟ هل صِرتَ رجلًا إلا بمجلداتي؟! فما كان الجواب إلا صمتًا باللسان وتَجَّرُعًا للأسى بالقلب والوجدان.

تحركت يمناي والتقطت أوراقي وقلمي، فوجدتُ ما كتبتهُ قد مُحي! حُذفَ بالهجر والنسيان، كلماتٌ مكتوبة بالقلم لكنها منسية مخفية من عقل الإنسان!

جهلٌ أصابنا بتركنا المكتبات وانكبابنا على مواقع اللَّهو والشبكات، نسينا الأصالة ومصادر العلوم واستعنَّا بأجهزة كلّها مخطوطات مجهولات دون ثِقة في الكاتب، بل دون أن يحوز أي تزكيات.

مكتباتنا تبكي، ومجلداتنا تصرخ، وأقلامنا تئن، وكلهم ينادوننا: أيا أطفالنا عودوا إلينا واذكرونا، عودوا إلينا لتتعلموا وتعقلوا، عودوا وتذكروا الشرع ومجلداته، والعقل ومؤلفاته، والعلم وأبحاثه، وكتُب الأخلاق ورسائلها، عودوا إلينا ولن تخسروا.

ظلَّ قلبي البكَّاءُ يبكي، واستمرتْ أنهار دموعي تجري، لكن هيهات هيهات، فالعمرُ المفقود لن يعود؛ والزمن الماضي كان يُنادي، لكنَّ الجهل كان عتادي!

توضأتُ بدموعي، ثم نويتُ اعتكافًا حتى أموت إلى جوار أحبابي في غرفة العلم وساحة التحصيل، سأموت بجانب مكتبتي، سأموت وأنا أُكَفِّر عن ذنبِ جهلي، وأدعو الله أن يغفر لي، وأرجو أن تُسامحني مكتبتي!

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال