الإثنين، 29 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

243 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

11 13 2014 11 24 20 AM

د. هبة رءوف عزت :

سؤال الصداقة لا ينفك عن سؤال السياسة، فهو سؤال في الطبيعة البشرية وسؤال في الخصال والشيم والأخلاق، وهو في جوهره سؤال عن منطق الاجتماع وغايته، وعلاقة الفرد بالمحيط الإنساني ودوائره، وكيف يمارس الإنسان وجوده من خلال بناء علاقة مع الآخرين لا تقوم على رابطة الرحم والدم.

والمتدبر في تاريخ الفكر السياسي يجد أن الصداقة كانت دوما عنصرا مركزيا في تصور المجتمع الفاضل، فالقانون وحده لا يبني الثقة المجتمعية التي لا تحيا المجتمعات الإنسانية إلا بها، ورابطة الدم وحدها لا تكفي لضمان العدالة، ولم تخل فلسفة سياسية من تصور للصداقة منذ تحدث عنها أرسطو في كتاب القيم كأساس متين لعلاقة الأفراد، يمثل الأساس الذي تنبني عليه علاقة المواطنة، ثم اليهودية التي تعتبر دائرة القيم داخل الشعب المختار في حين للتعامل مع الأغيار منظومة قيم مختلفة، مرورا بالتصور المسيحي في فكر أوغسطين الذي يعتبر الأخوة المسيحية ورابطة العقيدة أساسا لتزكية النفس وفهم الذات، وتوما الاكويني الذي يذهب إلى أن معيار «الخيرية» هو العطاء، واعتبار الآخرين نظراء في البشرية.

ولكن صعود الحداثة وصعود الأيديولوجيات في القرون الخمسة الأخيرة قدم تصورات عن الاجتماع والاقتصاد والسياسة، جعلت المصلحة والمنفعة معيار التواصل والتفاعل الإنساني وليس التوافق والألفة، وتغيرت بناء على ذلك منظومة العلاقات الاجتماعية، بل والسكانية بنمو المدن التجارية، وصارت العقلانية معيار علاقة الإنسان بالآخرين وبالتساكن والارتباط برباط سياسي. العقلانية وليس العاطفية إذ أطاحت بمركزية الصداقة بكل ما تحمله من معان والتي تأسست على رابط العقيدة (دينية أم ثقافية)، أو الجيرة، أو الوفاء للذكريات المشتركة التي تقوم على الاختيار المحض والميل القلبي حتى حين تقف على أرضية روابط القبيلة أو الدم، وحل محلها علاقة «المواطنة» القانونية مع الدولة، وعلاقة التعاقد مع المجتمع (العقد الاجتماعي)، وعلاقات المنفعة في الاقتصاد، وأصبحت نظرية «الخيار الرشيد» التي تعتبر الإنسان كائنا يبحث عن تعظيم المنفعة الفردية هي الحاكمة، ويقابلها في الماركسية نظريات الصراع بين الطبقات والتنافس على القوة والمال، فتمت «علمنة» العلاقات الوجدانية كالصداقة، فضلا عن تجفيف مواردها بفضل المؤسسية التي صارت وعاءً للعلاقات، فمن يشارك بناية السكن ليس «الجار» بل هو الساكن، ومن يشارك مكان العمل هو زميل عمل، ومن يشارك المهنة عضو في نقابة، ومن يشارك المال مساهم في نفس الشركة-وهكذا.

ولكن حتى هذه الأفكار في تجليها الذي قلص من الروابط التي تقوم على المودة خارج المصلحة المادية لم تستطع أن تحل أزمة الثقة بين الأفراد و«فطرة الائتناس» التي فطر الله الناس عليها، فنجد في هوامش نظريات الحداثة مفهوم الإنسانية والخير العام، وتظهر بعد عقود طويلة في نظريات المواطنة فكرة سياسات التعاطف والرعاية، ونجد آثار ذلك في الفكر الماركسي مفهوم الرفاق وما يحيط به من معاني الترابط على غايات الماركسية ومقاومة المظالم لأن روابط القرابة والقبيلة والدين في الماركسية كلها بِنى هيراركية.

إنما المؤمنون أخوة

وضع الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  أسس الحب بين المسلمين منذ أن آخى بين المسلمين فى مكة، وبين المهاجرين والأنصار في المدينة، ولأنه سيصلح بهم المجتمع بل الدنيا بأسرها فكان لا بد من آداب تحكم علاقاتهم وأخلاق تؤسس لتلك الرابطة. منها على سبيل المثال وليس الحصر كما ينص الكتاب وتبين وقائع السيرة: الإيثار- التناجي بالبر والتقوى وترك سوء الظن- الحب الخالص بغير استعلاء بنسب أو لون - عدم السخرية من أحد- ترك التنازع، وغيرها. ولاشك أن نموذج المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بالمدينة، خلق رباطا جديدا بين الأصحاب وصل إلى رباط النسب وأحيانا زاد عليه، وجعل التنافس في حسن الخلق والبذل والتناصر يصل إلى اقتسام المال والمسكن وترك مفهوم المنفعة المادية خارج علاقة الصداقة بالكلية وهو ما كان المقدمة لدستور يؤسس لعلاقة قانونية لا تتنكر للقبيلة وعرى القرابة التي وضع لها التشريع أحكاما وموازين دقيقة، لكنه جعل الرابطة الإيمانية مرتكزا أخلاقيا وعضويا ولحمة قلبية وطيدة تجمع المؤمنين في الدنيا وفي ظل العرش يوم القيامة.

واستمر الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  فى حياته يقوي هذا الرباط ويوصي به، ويجعله شرطا لبناء مجتمع السعادة في الدنيا وبابا للجنة في الآخرة.

الرسول  " صلى الله عليه وسلم" .. وأصاحبه رضي الله عنهم

لم يكن من قبيل الصدفة أن يسمى الرعيل الأول للدعوة بالصحابة، فالصحبة على طريق الإيمان بما تحمله من منزلة للصحابي في دائرة الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، وبذل وتضحية و«ذلة» بين المؤمنين بعضهم البعض مقابل عزة على الكافرين، ثم ترتيب المنازل بدرجة السبق والبذل للدعوة: أهل بدر ثم من يليهم- يوضح معنى الصحبة وآدابها، كان سلوك الرسول صلوات الله وسلامه عليه هديا راقيا فى هذا المجال. فهو يتحدث عن أصدقائه أروع حديث ويضرب لنا المثل فى طيب الصحبة وصفاء الود، ومثال العلاقة بينه وبين أبي بكر الصِديق والصَديق نموذج فريد من المحبة والتصديق والمنزلة والحب.

وكان الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  من أكثر الناس عرفانا بالفضل، فكان يوصي بالأنصار ويدعو لهم، ويذكر أنهم فتحوا له ولأصحابه قلوبهم وبيوتهم، وكانوا خير رفقة للمهاجرين، وفى آخر خطبة يقول  " صلى الله عليه وسلم" : «استوصوا بالأنصار خيرا، وكان يدعو لنسائهم».

وكان رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يتفقد أصحابه جميعا حتى أن أحدا منهم لم يكن يظن أن هناك من هو أكرم منه عند رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  ، وكان إذا جلس إلى أصحابه صبر حتى ينصرف عنه أصحابه، وكان يجيب من دعاه إلى داره، ويقبل الهدية، ويزور أصحابه، ويتعرف أحوالهم، ويعود مرضاهم، ويلاعب صبيانهم، وكان إذا جادلهم منه أحد صبر له، وما أخذ أحدٌ بيده إلا استبقاها الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  حتى يرسلها صاحبه، وكان ينادي الناس بأحب أسمائهم إليهم، ويُكَنّيهم تكريما لهم.

وكان يتمثل فى رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  خلق الإيثار بأسمى درجاته، فلم يُعرف عنه قط أنه خص نفسه بشيء. وكان صلوات الله وسلامه عليه يدعو لحسن الخلق حتى في البيع والشراء كي لا تفسد المصالح والمنفعة منازل المودة والحب ورباط التقوى والتناصر، فرحم الله رجلا سمحا إذا باع، ورحم الله من يتصدق بدين له عند أخيه.

وكان  " صلى الله عليه وسلم"  يحب الدعابة، ويبتسم لها، ويرى أنها تخفيف عن النفس من مشكلات الحياة، وينشر السرور والأمل.

من الصاحب بالجنب.. للتمدن الإسلامي

في تفسير الصاحب بالجنب أنه الزوجة، وفي أعلى منازل الفضائل تأتي الوصية بالجار.

صحبة المعاشرة وصحبة السكن والجوار أعظم ركائز الأخلاق في التصور الإسلامي، لأنه أعمدة الرابطة الأخلاقية ذروة سنام الفضائل والشيم، ومن اللافت للتأمل أنها تعبر حدود الرابطة الإيمانية في التشريع، فالمسلم قد يتزوج الكتابية لا ينقص ذلك من حقوقها كزوجة، ورسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  أوصى بالجار وكان بارا به محسنا له حتى وإن خالفه في الدين، لا ينقص ذلك من حسن خلقه معه شيئا.

في دائرتي الأسرة والجيرة تتأسس مقومات المجتمع، وفي صلة الرحم ورعاية الأنساب في المواريث تتكرس شبكة الروابط، وما فلسفة المواريث وما يقترن بها من مسؤوليات الولاية وإشارات القسمة والفضل إلا تقديم للمعاني النبيلة على النوازع الأصيلة في النفس من حب التملك والأَثَرة، وقد أدرك الفقيه ذلك كما أدركه القاضي عبر تاريخ الإسلام كله.

لا يمكن في التصور الإسلامي فهم منطق التشريع إلا بالوعي بالمعنى الأخلاقي المركزي وبالمآل المدني لتلك الأحكام.

ليست الصداقة والصحبة والمؤاخاة إذن إلا لَبِنات في صرح أكبر هو صرح التمدن الإسلامي القائم على بناء «صرح الروح» كما وصفه فريد الأنصاري رحمه الله. وتصور المجتمع ثم السلطة والحكم والسياسة لا ينفك عن معاني الأخوة وصلة الرحم والقربى وطبيعة النسق الأخلاقي للجماعة، سِلما.. وجهادا.

والناظر في كتابات المجتمع المدني ومدنية المجتمع في العلوم الاجتماعية اليوم وفي التراث الفلسفي الإنساني سيجد تفردا وتمايزا لتلك المعاني في التصور الإسلامي، ومعمارا متماسكا من الشمائل والحقوق تبدأ بالصحبة والصداقة وتمتد للأسرة والجيرة وتنتشر في الجماعة والأمة ثم تعلو لتصل للإنسانية والعالم دفاعا عن القيم، بل ونصرة للمستضعف لتثبيت أركان العدل في تصور للبشرية والإنسانية يدور مع الصلاح والمصالح في موازين بين الذاتي والجماعي والمجتمعي والعالم.

لا يمكن فهم فلسفة الأخوة إذن إلا في تصور أوسع للإنسان، وإدراك أعمق لطبيعة المنفعة والمصلحة، وميزان دقيق بين الدنيا والآخرة، فلا يوجد في عقيدة ما يوليه الإسلام لذكر الآخرة وارتباط السعي في الدنيا بالسعي للآخرة، وهذا المعنى حين يغيب في فلسفات الحداثة وما بعدها يتم نقض عرى الإيمان ذاته.

فالصف في الصلاة، والصف في القتال، والرابطة الممتدة والدوائر المتشابكة تعكس معمارا للتصور الإسلامي لا يمكن فصم مبانيه ومعانيه عن مقاصده وغاياته ومآلاته.

 من هنا فإن فهم معنى الأخوة والصداقة والصحبة في الإسلام تأسيس ومسار تاريخي، ثم انفكاك وانحدار حضاري، ثم استعادة ونهوض، من أهم ملامح التقدم التي نؤسس عليها رؤيتنا للمستقبل الذي ننشده والعالم الذي نصبوا إليه.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال