✍ إحسان الدبش – باحث وكاتب:

عند اقترابي من الدخول إلى المسجد لمحت ثلاثة فتيان يستعدون للدخول إلى المسجد ، مع شيء من الدعابة فيما بينهم . جلست على المقعد الخشبي في نهاية المسجد، لألتحق بالإمام لصلاة العشاء. دخل الفتيان الثلاثة ليلتحقوا في الصف الأخير، بدون أن تبدوا منهم أي إساءة ، سلم الإمام وقد بقي عليهم ركعة ليتموا صلاتهم .

أحد الرجال المصلين يقف بجانبهم مسك بيد أحدهم ، قاطعاً صلاتهم . وصارخاً في وجههم، اخرجوا من المسجد ، ودفعهم باتجه باب الخروج من المسجد.

لاأحب أن أتدخل في شؤون المسجد ، ولا رفع الصوت فيه ، لكنني عندما شاهدت هذا المنظر لم أتمالك نفسي، فقلت لهذا الرجل ، كيف تطرد هؤلاء الفتيان من المسجد؟؟ ، وقد دخلوا إلى بيت الله. قال دخلوا ليلعبوا . قلت له : رأيتهم يصلون ولم يلعبوا . قلت أتدفعهم إلى الشارع ليتعلموا المفاسد ، ويرافقوا أصدقاء السوء؟؟ خرجت من المسجد منزعجاً . وفي اليوم التالي قلت عليَّ أن أكلمه بهدوء.

جلسنا سوية خارج المسجد ، قلت هؤلاء الفتيان يجب أن نحترمهم ونراعي مشاعرهم لكي لايتركوا الصلاة والمسجد، قال أنا معلم وهؤلاء لايفهمون إلا لغة الشدة. قلت له: لا ياأخي ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علمنا أن نعامل الناس بالرفق لكي لاينفروا من المسجد.

ألم تسمع حديث الصحابي معاوية بن الحكم السلمي ، لما دخل المسجد يصلي ، ولما أخطأ في صلاته كيف صحح له رسول الله .اسمعه مايقول:

قَالَ: «كُنْتُ أُصَلِّي خَلْفَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ! فحدّقنى الناس بأبصارهم، فقلت: وا ثكل أُمِّيَاهْ، مَا لَكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ ؟! قَالَ: فَضَرَبَ الْقَوْمُ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، يُصْمِتُونِي، فَسَكَتُّ. فَلَمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلاتَهُ، دَعَانِي ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ، أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، مَا كَهَرَنِي 1وَلا ضَرَبَنِي وَلا سَبَّنِي، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّ صَلاتَنَا هَذِه لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا الصَّلاةُ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. » 2

أحد أصدقائي قال لي لأكلم ابنه الفتى محمد لكي يصلي فإنه لايصلي ابداً ولا حتى يوم الجمعة ، قلت: خيراً إن شاء الله ما السبب قال: كان صغيراً في الصف الثالث الإبتدائي يصلي مع الجماعة ، ولما قام من صلاته ، اتى عمه من خلفه ، مسكه من أذنيه ، رفعه ارضاً ثم تركه ليقع ، وابني لم يفعل شيئاً ، خرج من المسجد يبكي ، ومن يومها لم يدخل المسجد .

.

مثل هذا التعامل مع الأطفال والفتيان ينفرهم ليس فقط من الصلاة بل من الإسلام ، لذا حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من تنفير الناس من المسجد لما نبه أحد الصحابة لأمر أقل أهمية من هذا بكثير . عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:

[ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ لَمُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ مَا صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيَتَجَوَّزْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ » ]3

1- الكهر: الإنتهار والإستقبال بوجه عبوس

2- مسند الإمام أحمد 5/ 448

3- السنن الكبرى للنسائي 5860

 

• النقود في التاريخ الإسلامي
• تعلم اللغة العربية عند أبناء ...
• "أبراج الكويت".. نحو قائمة التراث ...
• "القرقيعان".. حصاد الخيـر فـي شهر ...
• "بعدانية"