الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

176 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

sicily palermo bay 740x431

المنشاوي الورداني – باحث مصري في التراث:

إن الوجود العربي الإسلامي في صقلية، الذي دام 272 عاما، يمثل صفحة مشرقة في تاريخ العرب والإسلام، صفحة عامرة بالبطولة والتضحية والاستماتة في سبيل المبدأ والعقيدة، وإن لم تخل من نكسات حالت دون مواصلة المسلمين تقدمهم في أوروبا، وكانت من الأسباب الرئيسية في انحسار الإسلام عن وسط أوروبا.

كما كان الفتح العربي الإسلامي لصقلية تحولا حضاريا كبيرا إذا ما قورن بالسنوات العجاف التي شهدتها صقلية تحت حكم الدولة البيزنطية مدة ثلاثة قرون، حيث سادها الفقر الفكري والجهل وجمود الأذهان؛ الأمر الذي أدى إلى الثورة على حاكم الجزيرة والاستعانة بالأغالبة، وظهرت في التمهيد لهذا الفتح الإسلامي الوشيك لتلك الجزيرة المحصنة بطولات القاضي المالكي والمحارب الشجاع أسد بن الفرات.

ولعل تاريخ الفتوح الإسلامية لم يعرف فتحا أعنف وأقسى وأشق من فتح صقلية التي لم يسيطر المسلمون عليها سيطرة كاملة إلا بعد مرور ثلاثة أرباع القرن على نزول أسد بن الفرات ورجاله إلى مرسى مزارا في جنوب غرب صقلية يوم الثلاثاء 18 ربيع الأول سنة 212هـ الموافق 17 يونيو 827م. وتعود الصعوبات التي واجهها المسلمون خلال فتحهم لصقلية إلى وعورة طبيعة الجزيرة الجبلية، وقربها من أراضي الإمبراطورية البيزنطية والدول المسيحية الأوروبية، التي لم تتوان عن تغذية المقاومة ضد العرب ومهاجمة الثغور العربية لإدراكها مدى خطورة اتخاذ العرب لصقلية كقاعدة للتوسع والانتشار في أوروبا. يضاف إلى ذلك ما كانت تتعرض له الجزيرة من خلافات وثورات وحروب أهلية أثرت في صراع العرب مع بيزنطة.

وقد أنهى الفتح العربي الإسلامي لصقلية سيطرة بيزنطة على البحر المتوسط الذي أصبح بحيرة تحت السيادة الإسلامية الكاملة، وأصبحت صقلية قاعدة تنطلق منها الحملات الإسلامية التي شملت جميع أنحاء إيطاليا من البندقية وجنوا إلى روما وباري وعلى طول ساحل البحر الأدرياتيكي والتيرين. وأقام المسلمون إمارات في جنوب إيطاليا من بينها إمارة باري التي حكموها من عام 847 إلى 871م، وقاريليانو إلى الشمال من نابولي من عام 883 إلى 915م، وريجو وبرنديسي وتارانتو وغيرها من مدن الجنوب والوسط الإيطالي والتي ظلت عمليا في نطاق النفوذ والهيمنة العربية حتى زوال الدولة العربية من صقلية.

وكانت بالرمو عاصمة مزدهرة تغص بمختلف الأجناس، وازدهرت فيها الحياة الاقتصادية والزراعية والتجارية، كما كانت صقلية من أهم مراكز التجارة في العالم الإسلامي. وقد أدخل العرب إلى صقلية نباتات لم تكن معروفة، وحسنوا أساليب الزراعة، وحفروا القنوات والترع، وأصلحوا الأراضي غير المزروعة، ونموا الصناعة والحرف اليدوية، وقضوا على الإقطاع عن طريق تجزئة ملكية الأراضي. وكانت الجزيرة في فترة الحكم العربي مظهرا رائعا للحضارة والتقدم في أوروبا الوسطى كما جلب انتعاشها الاقتصادي الخير والرخاء للوطن العربي في إفريقيا. وعرفت أوروبا الطب والفلسفة والعلوم والفن المعماري الجيد والحرير المطرز والتحف والنفائس عن طريق صقلية التي ظلت تأثيراتها وآثارها بادية في متاحف إيطاليا وكنائسها وقصورها، وظل التراث العربي قائما حتى يومنا هذا في اللغة الإيطالية وفي العائلات الصقلية التي لاتزال تحمل أسماء عربية مثل علي ومصطفى وسعيد (Saetta) ومظفر (Modafferi) ومرابط (Morabito) وفائز (Lofaso) والطيبي (Taibi) وغيرها.

وأكد المؤرخون الأوروبيون أن حياة الطبقة المسيحية المغلوبة في صقلية في ظل المسلمين كانت خيرا من حياة الإيطاليين المسيحيين الآخرين الذين كانوا يعيشون في ظل حكم بيزنطة والفرنجة، وأشاروا إلى أن معاملة مسلمي صقلية للمسيحيين واليهود كان طابعها التسامح، حيث كانوا أحرارا في ممارسة عقيدتهم، وأحرارا في تجارتهم وأملاكهم، وكانوا يتبعون قوانينهم فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية والدينية، وكانت علاقات بعضهم جيدة بالسلطات الإسلامية، ولم يظهر وجود لأي شكل من أشكال عدم التسامح أو التعصب بين المسلمين وغيرهم.

لقد دخل النورمانديون صقلية فأدهشهم ما نقله المسلمون إليها من رقي وحضارة، لقد بذلوا جهدا في ترقيتها في كل جوانب الحياة حتى بدا الفرق بينها وبين الدول التابعة لبيزنطة بعيدا جدا.. شيدوا مباني عظيمة، ونشطوا وسائل التجارة، وعملوا على استصلاح الأراضي وزرعها، وأدخلوا أنواعا من النباتات ومن الحيوانات لم يكن للأوروبيين بها عهد ولا علم، إلى جانب ذلك كله وجدوا فنونا راقية وأدبا عاليا، وعديدا من المساجد بها حلقات التعليم، تبدأ بتعليم الكتابة العربية والقرآن الكريم، وتنتهي بدراسات عليا في علوم كثيرة دينية. ولقد أكد الباحثون أنه لكثرة المساجد وسعة التعليم لم يكن في صقلية شخص أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يحفظ حظا من القرآن، وهذا سر ما نجده من كثرة العلماء وما نقرأه من أسماء من ينتسبون إلى صقلية. ولم يكن ثمة عائق للحركة العلمية واستمرار الآداب والفنون في ازدهارها، ولم ينقطع تشجيع العلماء، ولم يملوا الإقامة في صقلية إلا في الأيام الأخيرة، وقبيل الغزو النورماندي.

إن الفرق واسع جدا بين ما وجد العرب صقلية عليه بعد خروج البيزنطيين، وبين ما وجدها عليه النورمانديون بعد خروج المسلمين!

كان النورمانديون على حظ من الذكاء، وقد عرفوا به من قبل، لهذا لم يفعلوا بآثار المسلمين ما فعل بها غيرهم، ولهذا رأوا الإبقاء والمحافظة على حضارة العرب، وحاكوهم واستفادوا من كل ما تركوا إلا الدين الإسلامي، فكانت الصورة التي قرت في أذهانهم عنه مما يصعب محوها، ولكن حضارة صقلية ظلت في تقدم لمدة طويلة بعد ذلك، وظلت مظاهر الحضارة العربية بادية عليها، ولو تقبل النورمانديون الإسلام لكان عهد هذا الازدهار الحضاري أطول زمنا وأبقى.

ورث النورمانديون هذه الحضارة فلم يسعهم إلا الخضوع لها والاقتباس منها، وبرز بين الحكام أنصار الثقافة العربية (روجر الأول) فاتح الجزيرة، وابنه (روجر الثاني)، وسماها ابن خلدون في تاريخه باسم «روجار» والملك (فريدريك الثاني ووليم الثاني). لم يكن روجر الأول مثقفا ولكنه كان ذا تسامح، ورأى أن يستفيد من المسلمين في كل شيء وجده، فكان في جيشه عدد من المسلمين يكوِّن غالبيته، وكان حوله من المسلمين فلاسفة وأطباء، وكان بلاطه بلاط ملك شرقي، وكان من كبار موظفيه مسلمون، وكان روجر الثاني يلبس ملابس المسلمين، ويطرز رداءه بحروف عربية، وكانت هذه ظاهرة شائعة، ولكن خصومه وصفوه بأنه نصف وثني، يعنون نصف مسلم، وجرى حفيده وليم الثاني على نهج أسلافه، ولكن أسمى ازدهار للحضارة العربية كان أثناء حكم روجر الثاني.

كان الإدريسي، صاحب كتاب «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، يعيش في بلاطه ويحظى برعايته وتشجيعه، وقد سمى كتابه هذا باسم «الروجري»، والإدريسي من مشهوري الجغرافيين والرسامين للخرائط، ولا ينافسه أحد في هذا الميدان خلال العصور الوسطى كلها، وقد صنع لروجر كرة سماوية وخريطة للدنيا على شكل كرة، وكلاهما من الفضة.

ولم يكن عجيبا بعد هذا أن يفد رواد الدراسة الاستشراقية من أوروبا إلى صقلية، وأن تتبوأ هذه الجزيرة زعامة البحر الأبيض، وكل ذلك بفضل العرب فلاسفة، وعلماء، وعمالا.. ومهما يكن من أمر صقلية فإنها أسهمت بحظ كبير في نقل العلوم الشرقية إلى الغرب وكانت مركز ترجمة نشيطة، وبحكم موقعها وتاريخها كانت ملتقى أجناس ولغات، وسادت فيها اللغات الحية الواسعة الانتشار إذ ذاك: اليونانية واللاتينية والعربية وبذلك أسهمت صقلية، هذه الجزيرة الصغيرة، في نقل حضارة العرب إلى الغرب، وأن يكون لها نصيب غير خفي في إيقاظ أوروبا من سباتها العميق في العصور الوسطى.

                           

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال