السبت، 27 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

44 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

 28gfgfu

بقلم - مصطفى القلاوي:

باحث دراسات إسلامية

إن الأمم لا تتقدم ولا تنال رقيها، ولا تنتصر على عدوها، ولا تحظى بريادة وقيادة بالأمنيات الجوفاء؛ التي لا تؤسس على اعتقاد راسخ وعمل دؤوب يحقق لها آمالها. وكذلك لا ترفع لها الرايات وتحقق لها الغايات بالشعارات الصماء؛ التي لا تنبع من بذل ومصابرة وإصرار على فعل المرغوب وتحدي الصعاب.

فالأمة التي لا تملك من أمرها شيئا غير المباهاة بالماضي، والتفاخر بالأسلاف، وتتفنن في الهروب من حاضرها فضلا عن مواكبته، لا تستحق أن تزاحم الواقع، ولا أن تراهن على مستقبل.

والأمة التي تنسج على غزل غيرها، معتمدة على الآخرين في كل شيء -في مأكل تقيم به صلبها؛ وكساء تستر به عورتها؛ ودواء تعيد به قواها؛ وسلاح تدفع به خصمها ومغتصبها- أمة لا تهاب ولا يعد لها حساب. بيد أن الغير لن يمدها إلا بالمأكل الهادم للبنيان، والكساء الفاضح للعورات، والدواء المثبط والمضعف لجهازها المناعي، والسلاح الذي يملك هو تصويبه، ويتقن الخلل الموجود بداخله، وكيفية صده ومواجهته.

فأي أمة تعيش عالة على غيرها بهذا اللون، أو تتحرك على خطى يرسمها لها الآخرون بتلك الكيفية؛ هل يسمع لكلمتها، أو تجاب دعوتها، أو توضع في الحسبان عند الإقدام على فعل شيء ما؛ فضلا عن نيل الاحترام بين الآخرين؟!

أظن أنها ستعيش ما بقي من عمرها تابعة لا متبوعة، ومساقة لا قائدة، ليس عليها إلا تنفيذ ما تؤمر به، والذب عن حياض الغير، المتصرف في أمرها، الموجه لبوصلتها؛ وإلا لانقطع عن جسدها شريان الحياة حتى تموت كمدا أو تعيش ذليلة؛ وهو المراد، ويحاك لها في خفاء، وهذا ما وصل إليه حال أمتنا الآن.

وفي هذه الحال لا يضر خصمها أن تتدعي البطولات الزائفة، أو أن تردد الشعارات الجوفاء التي لا تثمن ولا تغني من جوع، طالما أنها لا تحرك ساكنا أو تسكن متحركا، فدورها محدود، ووجودها معدوم.

إن الله قد وضع سننا وقوانين لا تحابي أحدا ولا تجامل مدعيا، والمؤمن الفاهم عن الله ورسوله يوقن هذا جيدا ويؤمن به إيمانا راسخا، ومن ثم يعمل ليل نهار على اتباع السنن الكونية ما أمكنه ذلك، والأخذ بكل أسباب النصر والبقاء؛ وهو متعلق بربه راجيا البصيرة والسداد، وهذا هو المنقذ من حالة التبعية هذه، والأمة بما أوتيت من مقومات معنوية -منهج إلهي معصوم- وثروات بشرية ومادية عبر مئات السنين، قادرة على تحقيق هذا وأكثر، ولكنها تتكاسل مرة؛ وتتغافل مرات، يتمثل فيها قول المتنبي:

ولم أر في عيوب الناس عيبا

كنقص القادرين على التمام

وأوضح مثال على هذا الذي سبق؛ أصحاب ذي القرنين القابعون بين السدين، الخائفون من إفساد يأجوج ومأجوج، فإنهم لم يأمنوا مكر هؤلاء، ولم يتخلصوا من هجماتهم الوحشية الجالبة للذل والمعرة، والآكلة للأخضر واليابس، إلا بالعمل الدؤوب، وإنفاق النفس والنفائس، واستخدام كل الإمكانات المتاحة. ومن ثم، بين لهم ذو القرنين أنكم لن تنتصروا وتنهضوا إلا بعملكم وبجهدكم أنتم لا بغيركم قائلا {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ  حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا  حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)} (الكهف:95-97).

وهناك ملامح عدة في قصة هؤلاء القوم، لزم تسليط الضوء عليها وإبرازها للجميع؛ هي أن هذه الفئة –القابعين بين السدود– كثيرا ما تنفسوا الصعداء لسنين عدة، فلم يغير فيهم هذا الواقع المرير شيئا يذكر، كأنهم أصبحوا راضين عن حالتهم هذه، حتى تأقلموا عليها وتكيفوها لفترات عدة، غير أنهم باتوا راجين أن يأتيهم المخلّص الذي ينتشلهم من بؤرة الضعف والعجز، وينقلهم إلى مقام القوة والأمن، حتى إذا جاءهم ذو القرنين ورأوه فاتحا فتيا، وتوسموا فيه القدرة على إنقاذهم، استنصروه لتخليصهم من مواجهة ظلم وبطش يأجوج ومأجوج، مقرين بعدم اقتدارهم على التصدي لهم، وفي مقابل هذا تذلل لذي القرنين كل العطايا، وتجمع له كرائم الأموال.

لكن الرجل لم يلتفت إلى أموالهم، ولم يكن طامعا فيما عندهم، ولا متشوفا لما عرضوه عليه، وكان رده البليغ عليهم بعفة وقناعة {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} (الكهف:95) مما عندكم من أموال تجمعونها لي. ويدل هذا على عفة القائد، وصيانة نفسه عما في أيدي الآخرين، وعدم تطلعه إلى ما عند الغير. وهو بهذا يضرب لهم أروع الأمثلة العملية التي تؤتي ثمارها في أسرع وقت، وتحفزهم على إنفاق الغالي والنفيس، والتضحية الحية بكل ما تملك النفس وتشتهي.

وكلما كان القائد عفيف النفس، نظيف اليد، مليء العين، راضيا بما أوتي، قانعا بما وهبه الله له، كانت رعيته أعف وأقنع وأكثر عطاء. وهذا ما وقع من ذي القرنين مع هؤلاء القوم، حيث لمسوا عفته عما في أيديهم، فسارعوا إلى البذل والعطاء دون أن يطلب منهم شيء {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا } (الكهف:94)، لكنه بادرهم بالتعفف والكرم.

وأما إذا ما كان القائد أو الحاكم شره النفس، ملوث اليد، فارغ العين، ساخطا على ما عنده، طامعا فيما عند غيره؛ فماذا ينتظر بعد من رعيته؟! أن تجود بما بخل هو به، أم أن تعطي ما مسكت يده، أم أن تجوع مما تخم منه؟! فالقائد المعطي يبني شعوبا مضحية، وينشئ أجيالا تجود بما تملك، وتعطي عند الحاجة، وتكافح عند الشدائد.

وهناك ملحظ آخر في جواب ذي القرنين على هؤلاء، هو عندما نسب الفضل والعطاء والقدرة التي عنده، إلى الوهاب المتفضل، جلت قدرته، من باب الإقرار لله بعطاءاته وربوبيته، وبذلك يحمي نفسه من حظها وشررها، ويعلق الآخرين بربهم، حيث قال {مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}، فنسب ما هو فيه من تمكين وقدرة على فعل الأشياء إلى الله عزوجل، ولم يدع لنفسه المقدرة على فعل أي شيء، أو حتى استجلاب الخيرات ورد المضرات.

والقائد القوي المخلص، إن كان ينطلق من عقيدة سليمة وإيمان راسخ، يستطيع أن ينشئ أمة مؤمنة، وأن يوزع الصلاح على الجميع، وأن يصبغ المجتمع بصبغة العبودية، فالناس على دين ملوكهم وأمرائهم.

وتدل جملة {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} أن الأمة لا تنهض بفرد بعينه، ولو كان قائدا حكيما، ولا تحقق رخاء وتنمية بجهد واحد من أبنائها، ولو كان معطاء كريما، بل لابد من تعاضد الجميع وتكافل الكل. فلا يتوقع القائد من أمته عطاء وتقدما ورفعة قبل أن يكون أول المشاركين وأكثر الباذلين، ولا تنتظر الأمة منقذا ينافح عنها ولا فارسا يدافع عن حقوقها ويضمن لها مستقبلا كريما وهي نائمة، لا تؤدي دورها ولا تخطط لرفعتها وتلقي بالتبعة على الغير.

فلابد إذن من تفهم الأدوار، وقيام كل فريق في موقعه بجد وإخلاص، حتى تستعيد الأمة مكانتها، وتحقق الدور المنوط بها والملقى على عاتقها. وهذا ما يسعى إليه المصلحون في كل مكان، ويتمناه المخلصون في كل زمان، لإحياء الأمة بعد مواتها وتحريكها بعد ثبوتها.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال