الأربعاء، 01 مايو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

313 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

0001220

الشفيع أحمد :

يدل كل موضوع ورد فيه لفظ سكن في القرآن الكريم على أمر هو على خلاف الاضطراب والحركة ، من ذلك قوله تعالى: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } (البقرة:35)، أي اتخذها مسكنا، وخصت الجنة بالسكن في تلك الآية وغيرها، لأن الجنة يعمها السكون أكثر مما تعمها الحركة.

وأيضا قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} (الأنعام:13)، بمعنى هدأ واستقر، والمراد سكن وما تحرك، وقوله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (الأعراف:189).

وقوله: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} (يونس:67)، فكلها بمعنى السكون، وهو الهدوء والبعد عن الاضطراب وما هو في دلالته تلك، ولا يخرج عما قلنا قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } (البقرة:184)، والمسكين هو الذي أسكنته الحاجة وأذلته، وسمي بذلك لقلة تصرفه وحركته.

وكذلك قوله تعالى: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} (البقرة:61)، والمسكنة الخضوع، وهي بدورها مأخوذة من السكون. أي قلة الحركة بسبب الفقر، أو ما هو في مقامه في القوة على تقليل الحركة.

أما لفظ السكينة فهو وإن ورد بمعنى مفارقة الحركة والاضطراب في كل حالة عند الخوف أو الغضب أو الحزن إلا إنه يرد دائما بمعنى الطمأنينة والثبات. مما أدى لأن يوضع للسكينة تعريف أسهل وأبسط، فعرفت بأنها هي ما يجده القلب من الطمأنينة عند تنزل الغيب، فهي بالتالي نور في القلب يبعث على الاطمئنان والسكون.

يفيدنا التعريف السابق أن السكينة علوية المصدر، وليست ناشئة أو متولدة عن قوى القلب أو النفس، وإلا لكانت أخذت لها معنى هو أقرب إلى الوقار والوداعة منه إلى الطمأنينة.

لأجل هذا تطابق معنى السكينة مع الطمأنينة، بيد أن القرآن عندما استخدم لفظ السكينة ليعبر به عن طمأنينة القلب وثباته، لم يقف في حدود هذا المعنى وحده، بل تجاوزه إلى درجة أعطى فيها السكينة المعنى الذي صارت لموجبه لطفا إلهيا خالصا، خص به المؤمنين دون سواهم.

إن الذي جعل السكينة تنفرد بهذه الخاصية الفردية دون غيرها من الألفاظ قريبة الصلة بها في المعنى؛ مثل الطمأنينة والوقار، هي أنها كما قلنا منزلة من عند الله، ونزولها قد اقتضى أن تكون بمثابة التأييد والتقوية لعباده المؤمنين في حركتهم التعبدية.

اختلف الإسلاميون في ماهية السكينة بهذه الخاصية المتميزة، فمنهم من قال إنها روح من الله، ومنهم من قال إنها ملك يسكن في قلب المؤمن، ومنهم من رأى أنها ريح سريعة المرور، أي إنها أشبه بالإشعاع الإلهي الذي يفيض على القلب، فينعش بعد همود، ويسكن بعد اضطراب، ويقوى بعد ضعف.. وأمر كهذا يصعب تحديد ماهيته، وإن شعر وأحس به كل مؤمن عقب أي اضطراب يعتريه من سكون للمخاوف والأحزان.

والحق عزوجل ينزل هذه السكينة على عباده المؤمنين في حالتين.

الأولى: في حالة الاضطراب.

والثانية: في حالة التأييد والتقوية.

أما حالة الاضطراب فهي التي تنشأ نتيجة لموقف يجد فيه المؤمن نفسه عاجزا، لا حول له ولا قوة، فيحدث جراء ذلك العجز اختلال في قواه وارتباك في حركته، وتضارب في خواطره، وتردد في بواعثه ودوافعه، فيتولد من هذا كله الخوف والحزن، عندها تنزل السكينة على قلبه لتقضي على الاضطراب، ولتعطيه من القوة القلبية ما يساعده على التغلب على كل ما كان سببا في اضطرابه.

مثال ذلك قوله تعالى: { لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ  وَيَوْمَ حُنَيْنٍ  إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا  وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)} (التوبة:25-26).

والمعنى أن الله تعالى أنزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين بعد أن عرض لهم الأسف والحزن والخوف حين وقوع الهزيمة بهم يوم حنين، فسكنت نفوسهم، واطمأنت قلوبهم، فازدادوا بها ثباتا وشجاعة، بحيث وجد الجميع أثر السكينة ملحوظا في تحول موقفهم المضطرب الذي لا ثبات فيه، إلى موقف فيه ثبات وشدة بأس، واطمئنانهم بعد هذا كله للكر بعد الفرار، ثم ظهرت آثار الموقف الجديد في هزيمة الكفار وتشتت شملهم.

ومن ذلك أيضا قوله: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا  فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى  وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا  وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} (التوبة:40).

والمقصود هنا أن السكينة نزلت على أبي بكر الصديق  "رضي الله عنه" ، لأنه خاف على النبي  " صلى الله عليه وسلم"  من المشركين، فقال له رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  «إن الله معنا» بالنصرة والحفظ {فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } أي ألقى في قلبه ما سكن به من أن الكفار غير واصلين إليه، وأنهم لن يصيبوه بأذى.. حينئذ سكن جأشه وذهب روعه، وحصل له الأمن.

وأما حالة التأييد والتثبيت والتقوية فهي على العكس من الحالة الأولى، فلا نجد فيها الاضطراب، بل نجد فيها رضا وطمأنينة وتسليما بالحالة التي هو عليها، وهذه الحالة، أي: حالة الاطمئنان، ناشئة عن قلب المؤمن، لا واردة عليه، فتتحرك السكينة في هذه الحالة كجزاء له، فيثبت على ما هو عليه. ومثال هذه السكينة قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ  وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (الفتح:4).

وهذه السكينة التي أنزلها الله على قلوب المؤمنين وفي الموضع المحدد لها، هي التي حصل بها من البصيرة والإيمان الحق ما تسكن معه النفوس، وهي بهذا إظهار لفضل الله على عباده المؤمنين، مما يعني أنها نعمة خالصة، بها يزدادون إيمانا على إيمانهم، ويقينا على يقينهم.

ومن ذلك أيضا قوله: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا } (الفتح:18)

والمعنى أن الله تعالى عندما علم ما في قلوب المؤمنين من صدق النية والعزيمة على الوفاء بعهدهم إلى رسول الله  " صلى الله عليه

وسلم"  على السمع والطاعة، أنزل عليهم السكينة لتقوى بها قلوبهم حتى يقاتلوا بها عدوهم، فكانت سببا لفتح خيبر ومغانم كثيرة أخذوها عقب سقوط الحصن.

وعلى أي حال فإن السكينة في حال نزولها على قلب المؤمن تحدث أثرا واضحا في جسمه وفي نفسه، فأبرز ما تحدث في الجسم تلك الشارة الظاهرة التي تعرف بالوقار، والتي هي أقرب إلى الرزانة منها إلى اطمئنان الأعضاء، وإلى الحلم أقرب منها إلى ثقل البدن، لأن أثر السكينة في الجسم يكون للعقل وأحكامه أثر بارز فيها، وهي لأجل هذا زينة الجسم وجماله.

أما أثر السكينة على النفس، فالرفق الدائم والإطراق الذي لا وجوم فيه ولا تجهم، والغيبة الدائمة عن الخلق، غيبة لا غفلة معها ولا سهو، والشهامة التي لا طيش فيها ولا تهور، والإقبال الدائم على الخير، والنفور الطبيعي من الشر مهما قل

 أو كثر.

المراجع :

1- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق علي

أحمد عبدالموجود، مكتبة العبيكان، الرياض، 1998م.

2- تفسير التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، الدار التونسية تونس، دون تاريخ.

3- معجم المقاييس في اللغة، أبوالحسن أحمد بن فارس بن زكريا، تحقيق شهاب الدين أبوعمرو، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت

1998م.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال