الإثنين، 06 مايو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

302 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

225001222

د. محمد سعيد باه :

نقدم بين يدي الموضوع لمحة أخاذة من سيرة المصطفى  " صلى الله عليه وسلم"  ترينا الأفق البعيد الذي كان يحلق فيه الرسول القدوة  " صلى الله عليه وسلم"  في رسم الشخصية المؤمنة التي تكاملت فيها عناصر القوة، بعد تخليصها بالصقل والتعاهد من معظم عوامل وهنها، وهو يهتف بالبشرية لتعود من تيهائها الموغلة وأن تنهض من الارتكاس في حمأة السقوط فتعود إلى الجادة كي تستأهل تبوأ مقعد الاستخلاف وحمل وأداء الأمانة:

عن زيد بن سعنة   "رضي الله عنه" : «ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد  " صلى الله عليه وسلم"  حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما» (1).

أما إذا ألقينا النظرة في كتاب الله فسنجد الحديث الضافي الذي خصصه للإنسان من حيث هو كائن متفرد اختير لمهمة بضخامة الكون مع تشخيص دقيق وعميق لطبيعته وما يملكه من قدرات وما يصدر عنه من تصرفات في إطاري التأصيل والتفسير؛ فضلا عن تجلية البعد المزاجي فيه دون إهمال ما يطرأ له من تبدلات في الحالة النفسية أو العقلية (المزاج العام) بسبب ما هو مركوز فيه من محركات تتأثر بما يستجد في الإنسان تارة وتارة أخرى بفعل ما يحيط به من مؤثرات خارجية قاهرة، قد يقوى حينا على مجادلتها وكبح جماحها، وربما عاندته يوما وانهارت دفاعاته:

{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)} (المعارج:19-23).

{فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} (الفجر:15-16).

وفي الحالتين نلحظ إرفاق القرآن العلاج بالتشخيص:

تأتي الصلاة بما تختزنه من طاقة خلاقة تجعل الإنسان يمارسها بعمق كي ينتشل نفسه بنفسه من وهدة سحيقة إلى التحليق عاليا، وفي حالة من السمو الروحي، بحيث إذا ما آب من تلك السياحة الروحية تبدلت حالته وشفت روحه وصفا مزاجه؛ عادت تلك الأجهزة التي كانت قد تعطلت إلى العمل بفاعلية واندفاع، وفي اتجاه متناغم مع بقية عناصر الكون المسبحة الممجدة لربها والدائبة في أداء وظائفها الثابتة في حسن سير الكون وتدبير أحوال الخلائق:

{ إِلَّا الْمُصَلِّينَ 22 الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ 23 وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ 24 لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ 25 وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ 26 وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ 27 إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ 28 وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ 29 إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 30 فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ 31 وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ 32 وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ 33 وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ 34 أُولَـئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ 35} (المعارج:22-35).

وفي سورة الفجر وجه المولى العليم بدخائل ونواقص الكائن البشري توجيها لطيفا ومؤثرا يتضمن توبيخا حانيا عن طريق وضع الإنسان - المتعكر مزاجه والمنحرف شعوره - في قالب جماعي يشعره بأن النقص الذي يعاني من درنه ويكابد ثقله يعم من حوله، من أجل عدم تيئيسه من استدراك نقائص طارئة نتيجة الضغط الشرس الذي يمارسه عامل شديد الانغراز في نفسيته (شدة حب الخير) المتضاعف بعامل «تزيين حب الشهوات»:

{كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ 17 وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ 18 وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا 19 وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا 20 } (الفجر:17-20).

وحين نديم النظر في العلتين المشخصتين وفي العلاجين الموصوفين نلحظ التداخل والتكامل في العناصر التي يهيب بنا كتاب الله أن نستثمرها للنهوض بهذا الكائن الهش والسامي في آن معا، ليستعيد نشاطه في السير نحو باب مولاه وخطاه ثابتة في الواقع وآثاره بارزة على الثرى الذي جاء منه وعاش عليه ثم يعود إليه في ختام جولته في مناكب الأرض.

وهنا القيمة الخاصة للمنهج المبثوث في رمضان وفي غيره من شعائر الإسلام في تخليص الإنسان من حالة المزاج المنحرف فيجعله يعاني من لأواء أيام الامتناع عن المعتاد من أطايب الحياة ثم يدفعه إلى ممارسة قدر كبير من البذل والعطاء ويغلف ذلك كله في حالة من النشوة الروحية تزيل الكدر المادي الذي قد يكون وراء فشل كثير من الوصفات العلاجية التي تتسم بمرارة المذاق فتمج، وربما دفعت الإنسان إلى الارتماء في أحضان المهيجات، ولا تكون النتيجة إلا المزيد من الخشونة التي تنعكس عن سلوكياتنا حين تجتاحنا موجة من الانفعال الذي يمثل أحد أبرز دلائل الفشل التربوي بسبب علة في المنهج أو بغير ذلك من العوامل النفسية والفكرية.

وبهذا الاستقراء للنهج الذي يرسمه لنا القرآن عن الإنسان (خلقا، ميولا، حالات، طوارئ، إمكانات، فرص، نوازع متناقضة...) يتضح بأنه يزاوج في منهجيته التربوية بأن هذا الكائن الذي يكاد الضعف أن يكون من أعمق سماته {اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ} (الروم:54). معرض للسقوط إلى أن يصل القعر بقدر ما يملك من المؤهلات الخاصة تجعله يحلق فوق بقية الكائنات كما ورد في سورة الشمس التي تجلي البعدين المتقابلين بصورة تؤكد بأنه حديث من خالق هذا الإنسان العالم ببواطنه المطلع على دواخله:

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8 قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا 9 وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا 10} (الشمس:7-10).

من أروع ما نسجله هنا توظيف القرآن مصطلحا ذا رنين أخاذ ودلالة خاصة «التزكية»، وهو ما يؤكد ضمنا أن المزاج العكر لدى الإنسان حالة طارئة على فطرته النقية التي خلق عليها ثم يخوض معه جولة من التوجيهات، عبر موقف ولفتات تتناثر عبر صفحاته (قصة يوسف وإخوته في المقطع الأخير، قصة أصحاب الجنة، قصة موسى وأخيه هارون وهو يجره من لحيته بعد أن ألقى الألواح وهو غضبان أسف، قصة يونس إذ ذهب مغاضبا...) تتضافر وتتساند لتبرهن له على أنه صالح وأنه يملك مصدرا من الطاقة الخلاقة لا يكاد ينضب، إنما يكفيه أن يسوقه في المسار الصحيح ليجد نفسه وقد استعادت حالة الاستقرار والتوازن التي عليه أن يحرص على الحفاظ عليها:

{قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ27 لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّـهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28} (المائدة:27-28).

في هذا المشهد ترتسم ملامح الشخص الإيجابي القوي في يقينه المتصرف وفق ما يوقن به من قيم استقرت لديه ثوابت لا يمكن أن تأتي حالة مزاجية لتبدل من خياراته التي يستنير بها في حياته، ثم يدفعنا القرآن إلى التأمل في هذه النوعية الرائعة التي ينعتها النبي  " صلى الله عليه وسلم"  بأنها «مخموم القلب»، أي العملة النادرة التي تتجمل بها الحياة.

نحن مستيقنون، بأن حديث القرآن صريح وواضح في تأكيد أن المسألة تتعلق بمنزلة من منازل ولاية الله للعبد ننتهي إليها بسعي حثيث يتخلله السقوط والنهوض يتعاوران (يصدق ويتحرى الصدق..) وبعد معاناة ممضة ومكابدات شرسة نجتاز فيها من العقبات ونجندل من الأعداء ما لا ينحصر في عد، ثم نستمر في محاولة الصعود لوعورة الطريق الموصل للقمة السامقة، كل هذا نجده ملفوفا في هذا الأمر الرباني الملحق به التشخيص الدقيق للمسار المستقيم وما يفضي إليه من مكانة سامقة عند الله:

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ 35} (فصلت:34-35).

يكفي تبشيعا للمزاج الملتهب أن فسره القرآن بأنه أثر من آثار تلك النزغات التي ينزغناها عدونا الأول:

{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ 36} (فصلت:36).

 ننهي القول هنا بأن الإنسان كائن مرهف الحس قوي وسريع الاستجابة للمثيرات من حوله ويتميز أساسا بأنه يظل في حالة تجاذب بين مؤثرين: «العقل والعطافة»، وقد فضل المنهج القرآني المحافظة عليهما بصقل الأول ورفده بمحكمات المعرفة وتهذيب الثاني وشحنه شحنا متوازنا ليصل إلى حالة منشودة يعرفها المربون بـ: «اعتدال المزاج»، عندها يرق الإنسان فيشف فيعيش حالة الانسجام أو الانضباط التي شخصها الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  يوم كرر الوصاة للرجل المستوصي فقال: «لا تغضب»!

هوامش :

1- انظر تمام القصة بطولها في المعجم الكبير للإمام/ الطبراني.

العدد (603) ذوالقعدة 1436 هـ - أغسطس- سبتمبر 2015 م

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال