الثلاثاء، 07 مايو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

56 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

7 28 2015 8 39 06 AM

عبدالفتاح همام :

فقه المستقبل.. الفقه الاستئنافي.. الفقه الارتيادي.. فقه التوقع.. كلها مفردات عرفت طريقها إلى الخطاب الفقهي المعاصر، اختلفت ألفاظها وتقاربت معانيها، دالة على فقه قديم متجدد، أصيل الموضوع جديد المصطلح، سرى في رياض كتب الفقه وفروعه ومسائله، وإن لم يأخذ حقه من التأصيل والانفصال والتميز، وهو يلتقي مع ما يسمى قديمًا «الفقه الافتراضي»، ويتصالح مع ما يسمى حديثًا باستشراف المستقبل أو الدراسات المستقبلية، فهو الفقه المستشرف للنوازل والأحداث المتوقعة وأبعادها وآثارها ومحاولة تكييفها وتنزيلها على نصوص الشرع، أو هو الفقه الذي يراعي عنصر المستقبل وأحداثه ومتغيراته عند الحكم على قضية من القضايا الواقعة أو المتوقعة، ويمكن تحديد أهم عناصر هذا الفقه في محاور عدة:

 المحور الأول: ضرورة استحضار البعد المستقبلي والنظر المالي عند دراسة أي قضية، إذ يجب على الفقيه أن ينظر في عواقب فتواه ومآلاتها وآثارها السلبية والإيجابية من خلال تحقيقها للمصلحة أو المفسدة، أو بمعنى آخر لابد من أن يستدعى عنصر المستقبل عند محل التنزيل وتكييف المسائل.

المحور الثاني: معالجة الآثار الناجمة عن بعض الفتاوى التي غيبت النظر المالي الاستقبالي ، ومعالجة الغياب الفقهي وأثره في حياة الأمة، ويمكن أن نسمي هذا النوع من الفقه «فقه المراجعات» لإعادة النظر في كثير من القضايا، وخصوصًا التي تهم مستقبل الأمة، وإحياء هذه الفقه مهم جدًّا، لاسيما بعد انتشار ظاهرة التفاتي في الفضائيات، وإفتاء بعض الناس على الهواء مباشرة دون نظر لبعدي المكان والزمان لدى المستفتين، فضلًا عن دراسة أحوالهم وظروفهم.

المحور الثالث: أن الفقه الافتراضي توقع حدوث أمر من الأمور ثم تصويره تصويرًا سليمًا ثم محاولة تنزيله وتكييفه، ويتجلى العنصر المستقبلي في هذا النوع من الفقه من ناحيتين، الأولى أنه يعالج ما يتوقع حدوثه مستقبلًا، والثانية أنه يجب النظر إلى البعد المستقبلي للمتوقعات عند إعطائها الحكم الشرعي.

المحور الرابع: تقديم بدائل حضارية ورؤى إسلامية لكل جوانب الحياة، انطلاقًا من عالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان، لا سيما بعد أن جربت البشرية أغلب النظم الوضعية سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا لتخرجها من التيه فلم تفلح.

والمتأمل في مصادر التلقي الشرعي، وكذلك في تراثنا الفقهي يجد أن أصول هذا الفقه ومناهجه مبثوثة في أرجائه وأنحائه، ولكنها تحتاج إلى من يخلصها ويرصدها ويسبكها في حبل فقهي متين، فقد راعى القرآن الكريم عنصر المستقبل، وحثنا على العمل لهذا المستقبل والاستعداد له، كما حذرنا من التقاعس والتكاسل عنه، قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (الحشر: 18)، وقال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل: 97)، وقال جل وعلا: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا} (الإسراء: 19).

وقد كان النظر إلى المستقبل وما يحدث فيه عاملًا مخففًا لبعض التكاليف على المسلمين، هذا ما قصه القرآن في سورة المزمل: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } (المزمل: 20).

ولقد راعت السنة هذا البعد المآلي والنظر المستقبلي، فمن ذلك مثلا امتناع رسول الله  "صلى الله عليه وسلم"  عن قتل المنافقين وقال: «أخاف أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه».

فقد امتنع النبي  "صلى الله عليه وسلم"  عن قتل المنافقين– مع مشروعيته– لما يترتب عليه من آثار وعواقب في المستقبل تتنافى مع مقاصد الدين نفسه، إذ تحدث نفرة من هذا الدين وتشويهًا وصدًّا عن سبيل الله، فضلًا عن الاستغلال الإعلامي المغرض لهذا الحدث، ومنه أيضًا قول رسول الله  "صلى الله عليه وسلم"  لعائشة: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم»، فامتنع النبي  "صلى الله عليه وسلم"  عن إعادة بنيان البيت الذي هو لب ركن من أركان الحج نظرًا إلى مآلاته المستقبلية وعواقبه وما يترتب على ذلك من مفاسد.

والمنظومة المعرفية الأصولية قد اعتبرت الرؤية المستقبلية في خطتها، فقد قرر العلماء أن الأصل العام في الشريعة جاء لمصالح الناس في العاجل والآجل (الحاضر والمستقبل)، قال الشاطبي: «إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معًا»

ومن أهم الأصول التي تشهد لاعتبار المستقبل اعتبار المآل «وهو أصل كلي يقتضي اعتباره تنزيل الحكم على الفعل بما يناسب عاقبته المتوقعة استقبالًا»

وللشاطبي كلام جيد في تأصيل هذا الأصل إذ يقول: «النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا، كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو الإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل».

وسد الذرائع أيضًا مبناه على النظر المستقبلي، ولذلك بناه الشاطبي على قاعدة اعتبار المآلات، وحقيقة سد الذرائع تحريم أمر مباح يتوصل به إلى محظور.

وهناك عدة قواعد فقهية متناثرة ناقشها الأصوليون متعلقة بفقه التوقع منها: الأشياء تحرم وتحل بمآلاتها، والأمور بعواقبها، والعبر للمآل لا للحال، والمتوقع كالواقع، ولا يبطل التصرف إلا إذا ظهر قصده إلى المآل الممنوع، والضرر في المآل ينزل منزلة الضرر الحال، والزواجر لدرء المفاسد المتوقعة، وهل العبرة بالحال أو بالمآل؟ وما قارب الشيء.. هل يعطى حكمه؟ والمشرف على الزوال.. هل يعطى حكمه؟...إلخ.

وفي تراثنا الفقهي تجربة عملية لهذا الفقه بحاجة إلى تأمل وتأصيل، وهي تجربة السادة الأحناف، فلقد كان لأبي حنيفة وأصحابه تميز ظاهر في فرض المسائل وكثرة التفريع، قال الشيخ محمد الخضري: «إن فقهاء العراق اعتمدوا كثيرًا على قوة التخيل، فأدى ذلك بهم إلى أن أخرجوا للناس ألوفًا من المسائل، منها ما يمكن وجوده ومنها ما تنقضي الأجيال ولا يحس الإنسان بوجوده».

وروى الخطيب البغدادي أن قتادة بن دعامة دخل الكوفة فاجتمع إليه خلق كثير فقال: لا يسألني أحد عن مسألة من الحلال والحرام إلا أجبته، فقال له أبوحنيفة: يا أبا الخطاب ما تقول في رجل غاب عن أهله أعوامًا فظنت امرأته أنه مات فتزوجت ثم رجع زوجها الأول، فقال قتادة: أوقعت هذه المسألة؟ قال: لا, قال: فلم تسألني عما لم يقع فقال أبوحنيفة: إنا نستعد للبلاء قبل نزوله فإذا ما وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه.

وثمة تساؤلات ملحة حول طبيعة العلاقة بين الفقه وهذه الدراسات المستقبلية أعتقد أن محاولة الإجابة عنها ومعالجتها ستفضي بنا إلى مرحلة الاستثمار والتفعيل لهذه العلوم، وهذا هو المقصود، من هذه التساؤلات: أهي علاقة تكاملية أم تأثيرية أم تبادلية؟ وما نقاط الالتقاء بينهما؟ وما أبرز وجوه الاختلاف؟ وهل يمكن للفقه الإسلامي استيعاب هذه الدراسات ليفيد منها؟ وكيف يمكنه أن يقدم طروحاته لهذا الدراسات المستقبلية، ليسهم في توجيهها وتقديم مناهج استشرافية مضبوطة متفق عليها، ومصوغة صياغة تتماشى مع ثوابتنا وتراعي متغيراتنا؟

ماجستير في الفقه الإسلامي - كلية دار العلوم جامعة القاهرة

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال