الأحد، 28 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

176 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

32120010

د·محمد البنعيادي :

لابد أن نعيد النظر في الأسلوب الذي نستقبل ونمارس به أيام وليالي رمضان حتى نحقق الزاد للقلب والروح ونجعله للسكينة والعبادة والوقار بدل الغضب والخصومة والشجار، ونجعله صفاء للدهن وطاقة للعمل بدل النوم والكسل··· كل ذلك من أجل تحقيق سر الصيام والانتفاع به روحياً وجسمياً وعقلياً··· قال الحسن البصري رضي الله عنه: إن الله جعل رمضان مضماراً لخلقه يتسابقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون .

1 ـ الصوم: وعاء تتخلق فيه التقوى

يقول الله عز وجل في سورة البقرة الآية 381: (يأيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، الصوم فريضة في كل الرسالات السماوية، القصد منها تنمية التقوى عند الإنسان: في روحه وفكره وحركته، ليكون المسلم من خلال الصوم ذلك التقي الذي يخاف الله في نفسه فيراقبها فيما يعيش في نفسه من أفكار وفيما يتحرك به من أعمال، الصوم ـ بذلك ـ مدرسة تصنع المسلم التقي الذي لا يحتاج إلى سلطة تفرض عليه النظام والالتزام والاستقامة، لأن شعوره بسلطة الله تجعله يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه الناس، وتجعله يمنع نفسه ويضغط عليها ويجاهدها حتى لا تعتدي وتظلم··· إن الله يريد من الإنسان المسلم أن يقدِّم بين يديه عند لقائه زاداً يتزوَّد به (وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى) البقرة:791، (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) الحشر:81، التقوى هي العنوان الذي يريد الله للإنسان أن يعيشه في حياته الروحية والفكرية والاجتماعية والسياسية وحتى العسكرية، لأن معنى التقوى: أن يجدك الله حيث أمرك ويفقدك حيث نهاك، كما قال الإمام علي كرَّم الله وجهه·

لهذا فمن صام وحصل التقوى فقد حصل عمق الصوم وجوهره في شخصيته، ومن لم يحصل على التقوى فإنه يصدق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: <رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش>، أو كما قال، لهذا فعلينا مراقبة أنفسنا في أثناء الصوم: هل استطعنا أن نتقرب من الله أكثر؟ أم ابتعدنا عنه أكثر؟ يجب أن نفحص أنفسنا يومياً: هل نتحرك في خط التقوى؟ هل نتحرك في خط تصاعدي نحو الله أم في خط تنازلي نحو الشيطان؟

ويمكن أن نتصور الصوم على أنواع عدة:

صوم مادي والذي يعني الامتناع عن الأكل والشرب والجماع، ولكنْ هناك نوع آخر من الصوم وهو الصيام الأخلاقي، والذي يعني الامتناع عن الكذب والغيبة والنميمة والشتيمة وإيذاء الناس وظلمهم··· أي أن تصوم صوماً أخلاقياً يجعلك تملك حساسية تجاه الكلام البذيء والمأكل والمشرب الحرام··· إنه منهج يتربى عليه الإنسان في أثناء صومه في رمضان ليصبح صوماً عن كل المحرمات فيما بعد من قول أو فعل أو حركة·

وبعبارة أخرى: إن الصوم الجسدي مقدمة للصوم السلوكي، فالمعركة الصغيرة مع النفس في رمضان هي مقدمة للمعركة الكبيرة مع النفس في غير رمضان··· في الحياة·

صوم الأفكار والمشاعر: إن الإسلام يريد للإنسان عندما يعيش الصوم في نفسه أن يمنع نفسه عن الأفكار السيئة والنوايا السيئة والدوافع السيئة، لأن مشكلة الإنسان في أفكاره ونياته ودوافعه، لأن أفكارنا هي التي تصنع لنا مواقفنا ومواقعنا، ولأن نوايانا هي التي تتحرك في خط علاقاتنا، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: <إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى امرأة ينكحها أو دنيا يصيبها فهجرته إلى ما هجر إليه>، وهكذا، إذا أردت أن تكون الصائم التقي، فعليك ألا تحصر مسألة الصوم في أعضائك، بل تعداها إلى أفكارك ومشاعرك ونياتك·

إن للفكر صوماً ـ كما قلت ـ ويتجلى في التفكير في الخير الذي يبني للحياة سلامتها وقوتها، والإمساك عن التفكير في الشر الذي من مظاهره الإيذاء والظلم··· ليصم فكرنا عن كل تفكير شرير، وليبق متحركاً من خلال غذاء الخير وحركته·

والخلاصة: لابد أن نصوم صوماً جسدياً، وصوماً أخلاقياً، وصوماً فكرياً روحياً وشعورياً··· إن الله يحب أن نصوم عن محبة الأعداء، أعداء الله وموالاتهم، أن نصوم عن بغض أولياء الله، أن لا نوالي إلا المؤمنين ولا نعادي إلا الكافرين المستكبرين، ذلك هو صوم المشاعر والعواطف، كما هو صوم الجسد·

2 ـ الصوم: دروس للحياة·

مدرسة الصوم غنية بالدروس والعظات يمكن إجمال بعضها فيما يلي:

التمرد على العادات السيئة

يعيش الإنسان على عادات قد تكون محللة أو محرَّمة، عادات تتحرك في حياتنا الشخصية والاجتماعية، والصوم هو صمام الأمان للتحرر من عبودية العادة السيئة وكسرها والتي قد تضغط علينا فتشل قدراتنا على المستوى الصحي أو الاجتماعي أو الاقتصادي··· في الصوم ننتصر على عاداتنا السيئة ونهزمها يومياً بدءاً بالفطور مروراً بالغذاء ووصولاً إلى العشاء، وخلال ذلك كله نمتنع عن عاداتنا الاجتماعية غير المجدية، إنه درس يجب أن يمتد لما بعد رمضان، لذلك إذا كنت قد اعتدت عادات سيئة تضر بصحتك وعقلك ودينك وحياتك وأوضاعك الاجتماعية··· فاستعن بالقوة التي حصلت عليها في محاربة عاداتك اليومية، لتكون أساساً ومنطلقاً للانتصار على عاداتك الأخرى··· لتنتصر على عبوديتك لها ولتصبح حراً من كل الضغوطات السيئة، إلا ضغط الإيمان الذي يعلِّم الإنسان متى يقول: نعم، ومتى يقول: لا، من موقع الحرية في كل المواقع والمواقف الفكرية والاجتماعية والسياسية··· إن الذين يعيشون العبودية لعاداتهم، يعيشون معنى العبودية في شخصيتهم، وهذا يؤهلهم لأن يكونوا عبيداً للطغاة والمستكبرين والكافرين·

إن مدرسة الصوم تعلِّمنا الحرية، لنرفض من موقع إرادة أو نقبل من موقع إرادة، أي تعلمنا التقوى من موقع الوعي والفعل الإراديين··· لهذا علينا أن ننتصر على عاداتنا من خلال ما نتعلمه في صومنا من هزيمة العادة واتقاء الشهوات·

الصوم ولذة الألم

في أثناء الصوم نعيش الحرمان، فنصبر رغم إلحاح النفس··· نصبر ونحن نتألم من الجوع والعطش··· إن رمضان مدرسة تدريبية على الصبر في الحياة كلها·

والصبر أقسام: صبر على البلاء سواء في الجانب السياسي أو العقدي أو الفكري··· فلنتعلم كيف نكون صابرين في مواقع الابتلاء كما نحن صابرون في مواقع الحرمان في الصوم، لنتعلم أن نصبر على طاعة الله التي قد تكلف الإنسان الكثير من الجهد، وقد تخسرنا طاعة الله مالاً في سبيله، وقد تحرمنا جاهاً حراماً، وقد تخسرنا حياتنا في بعض الحالات، لذلك علينا أن نتعلم من صبرنا في رمضان كيف نصبر في كل مواقع الطاعة في العبادات والمعاملات، مثل الصبر عن المعاصي التي قد تلح علينا وهي تخاطب غرائزنا وشهواتنا وأطماعنا ونوازعنا الذاتية، هذه المعاصي التي قد تلح علينا وتحرق كياننا بشهواتها، اصبر عليها أيها الصائم كما كنت في رمضان··· علينا أن نجعل الصوم صوماً واعياً ننتقل فيه من موقع لآخر أحسن حالاً، ذلك أن جو الصيام يوحي للإنسان باستثارة إيمانه الكامن في أعماقه بحركة معاناة عميقة تتصل بالواقع الذي يضج بالتحديات والمشكلات والمآسي المتنوعة التي تقتحم حياته فتهزها، فيقف وقفة إيمان واع يعرف قصة الحياة على أساس السنن التي أودعها الله فيها، فليست عسراً كلها ولا يسراً كلها، بل هي العسر في طريق اليسر، واليسر في نهايات العسر، كما يُقال، فإذا ثقلت على المسلم الأعباء في دروب الأهداف التي يريد تحقيقها فلابد له من الاستعانة بالصبر ليدعم إرادته ويقويها ويبعث فيها روح التماسك والصلابة من أجل الحصول على الموقف الصلب والشخصية المتماسكة في جو من الروح الإيمانية التي لا تنسى الله، ومن خلاله كل أوامره ونواهيه وأحكامه في المواقف الحرجة والتحديات الصعبة، بل نعيش حضور الله المهيمن العميق في فكرنا ووجداننا وتطلعاتنا من خلال تجربة زمنية محددة تنبعث من أجواء الصوم، بل من أجواء رمضان التي تنضح بالرحمة والمغفرة والرضوان على من شمَّرَ عن ساعده وعمل بوعي عميق على تحقيق مقاصد هذا الشهر الكريم·

هل ألم الجوع والعطش و··· عذاب وانتقام من الله، أم رحمة إلهية في نطاق النظام الكوني السنني الذي يربط المواقف بأضدادها (الجوع، الشبع)، من خلال التحديات الصعبة التي تواجه العاملين والسائرين نحو الله على الخط المستقيم في حياتهم الفردية والجماعية·

إن للاستقامة ـ ومن خلالها رضا الله عز وجل ـ ضرائبها الثقيلة، وهنا يأتي الصبر ـ الذي نتعلم من الصوم بعض جوانبه ـ ليمنح للمسلم قوة الثبات والصمود والتماسك، فلا ينهار ولا يتخاذل ولا تتبعثر خطاه، بل يمتص كل ذلك بروحه الإيمانية المثابرة، التي تعرف أن الطريق ليس مفروشاً بالورد، وتتعلم كيفية التعامل مع الأشواك الحادة في أوقات الجراح النازفة <فلا تسمح للجراح أن تبكي ولا للآلام أن تصرخ، بل تعلمها كيفية الابتسام في فرح الرسالة وهي تتقدم فوق كل الأشواك والآلام مع حذر هذه الروح الرسالية من اهتزاز نقاط الضعف في كيانها وانسجامها مع قوى الانحراف>، الصبر يعلمنا أنه لابد من الصبر والرضا والقناعة بقضاء الله ليلتقي الإنسان بالله عند رجوعه إليه ليجد عنده الرحمة والمغفرة والثواب الجزيل··· منساباً في مشاعره انسياب الضوء في قلب الكون وحيث تنطلق الشهادة المعبرة عن حقيقة إنسانية هي أن الصبر الواعي ـ الذي نتعلم مبادئه من الصوم ـ الذي يعرف قيمة الرسالة والإيمان وما تتطلبه من تضحيات وآلام، وما تنتجه ـ في المقابل ـ من خير وبركات هو السبيل الحي للهدى والصلاح الذي يمنح أصحابه ذلك الوسام الرائع: لذة الألم أو ذلك الألم المقدس، كما قال بعض الصالحين·

الصوم ونشاط حركة الضمير الشرعي

من إفرازات الصوم حركة الضمير الشرعي المُحَاسِب الذي يعبر عنه بالوازع الديني، أي عودة الضمير للحركة في انسجام مع الشرع، ومعنى ذلك أن الصوم يكسبنا ذهنية شرعية تقية تمنعنا وتحاسبنا وتهمس لنا في كل مشاعرنا وفي كل موقع من مواقع حياتنا، إننا في الصوم ونحن نعيش هذا الجو، نشعر وكأننا وحدنا، ولكننا مع ذلك نمتنع عن كل الشهوات، لأننا مع الله <الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

لنحاول جميعاً، إذاً، أن نزرع في أنفسنا هذا الوازع الديني الشرعي، وهذه الحساسية تجاه الفعل المشين التي تجعلنا نشعر برقابة الله علينا وبحضور الله في حياتنا: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) المجادلة:7·

الصوم جوع وعطش واع

هناك بعض الناس ليس لديهم الفرصة لكي يحسُّوا بالجوع أو العطش··· ورمضان فرصة لهم لمعرفة لسعاتهما في مشاعر الجائعين والعطشى والمحرومين، مما يؤهل هؤلاء للانفتاح على مشكلة الجوع والعطش··· من موقع الحس، لا من موقع الفكرة التي تبتعد عن الحس، وقس على ذلك مشكلة الحرمان بصفة عامة·

الصوم مناسبة لإعادة النظر في الأحقاد

في أجواء الصوم يجب أن يكون واقعنا ساحة لحركة الروحانيات التي تجعلنا نفكر روحياً كما نفكر مادياً، نفكر في حساب الله كما نفكر في حسابات الناس، هل فكَّرنا ونحن نتنازع ـ مثلاً ـ ونختلف ونتحاقد في مآل موقفنا من الله؟

لماذا نستغرق فيمن نعبدهم من دون الله؟ ولماذا لا نفكر في الله؟

إن حسابات الدنيا البعيدة عن الآخرة تموت في الدنيا، أين الملوك والطغاة والجبابرة الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد الأخلاقي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي منذ فرعون إلى الآن؟

ونحن في شهر رمضان، ذلك الخزان الروحي الذي يفيء دون حدود، لماذا لا نجعل روحيتنا تجتاح علاقاتنا لتعطرها بعطر المحبة بدل البغض والتسامح بدل الحقد و···؟

وفي المقابل، لماذا لا نعيد النظر في كل ما انطلق فيه المستكبرون والضالون والمضلون ليملؤوا قلوبهم بالضغائن والأحقاد على بعضنا بعضاً؟ لماذا نصرُّ على أن نكون قطع شطرنج بيد الآخرين ممن يكيدون للإسلام وأهله؟

فلنرجع إلى الله، ولنبتعد عن طريق الشيطان وأعوانه، فإذا كان لنا اهتمام بإسلامنا وإيماننا، فلننطق حتى نتفتح على الله وأحكامه وننغلق عن الشيطان وأذنابه: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟) المائدة:91·

لنترك الأحقاد جانباً ولننفتح على كلام الله في هذا الشهر الكريم، ونشغل أنفسنا بتلاوته وتدبر معانيه، تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولنرتبط بأحكامه ولنعرف مواطن الطاعة ومواطن المعصية مستفيدين من جلال هذا الشهر العظيم وما يبنيه فينا من وعي بضرورة جعل كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان وأعوانه هي السفلى

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال