السبت، 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

104 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

mostaf aa

د. مصطفى عطية جمعة - محاضر بكلية التربية الأساسية - الكويت:

بداية، لابد من الإشارة إلى أن الأزمات ابتلاء يصيب الناس مصداقا لقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة:155-157).

فخطاب الآية موجه للمؤمنين، يؤكد أن ما يصيبهم من خوف، وجوع، ونقص في المال والثمار، وخسارة بعض الأنفس؛ إنما هو من الابتلاء، ولأن الخطاب موجه إلى المؤمنين فإن الله جل شأنه يعطيهم النهج الصحيح، وهنا نجد أن المصطلح الدال على الأزمة جاء واضحا في لفظين: «لنبلونكم»، «المصيبة»، الأول يعطي دلالة البلاء ويعني لغويا الاختبار(1)، وهو نفس المعنى الشرعي تقريبا، فيمكن أن يكون الابتلاء خيرا أو شرا؛ في الخير بكثرة المال والولد والمزروعات والأنعام..؛ وفي الشر بتعرض الصحة للضرر والفقر والقتل والنفي والقحط..، {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الأعراف:186) ودلالة الحسنات تعني: الخيرات، والسيئات تعني بعض الأزمات التي تصيب الفرد، من مرض وتعب وشقاء. ويمكن أن يكون هذا لذنوب اقترفها أصحابها: {} وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (الشورى:30)، فاشتملت الآية على تنبيه المؤمنين أن المصائب تكون مما فعلوا من معاص، ولكن رحمة الله واسعة بالكثيرين، وكما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (الأنبياء:35).

وعموم المفسدة في حد ذاته يعد من الأزمات، لأنها مؤدية إلى أزمات اجتماعية واقتصادية وإنسانية عديدة، وإذا قيل إن المجتمع الواحد يكون فيه من الأمور الصالح والطالح، فكيف يمكن التنبيه على وجود مفاسد قد تؤزم الحياة المجتمعية؟ يكون الجواب إن «المصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب، فإذا كان الغالب جهة المصلحة، فهي المصلحة المفهومة عرفا، وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفا.. فإن رجحت المصلحة فمطلوب ويقال فيه إنه مصلحة، وإذا غلبت جهة المفسدة فمهروب عنه ويقال إنه مفسدة»(2)، وهذا يتطلب أن يكون الراعي واعيا لحركة المجتمع، وحجم المصالح والمفاسد ومدى انتشارها فيه، كيلا تعم البلوى، وتشتد الأزمة.

ويمكن أن يكون البلاء بالنعم والخيرات.. {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} (الأنعام:6).

والخطاب هنا موجه للجماعة المؤمنة، فالله تعالى عاقب بالهلاك أقواما، نالوا التمكين في الأرض، بما يستتبعه من سلطان وقوة وعمارة وتوسع، ونعموا بخيرات طبيعية من أمطار وأنهار وزروع وثمار، ولكنهم كفروا بأنعم الله، فكان الهلاك.

مرة أخرى: تكون الأزمة بمعصية الله، ويكون العقاب بالإهلاك. إذن، الوجه المقابل: في حالة استمرار الطاعة، فإن الله لا ينزل عقابه الجماعي، مادام عباده مؤمنين مؤدين طاعاته، إلا في حالات الابتلاء، التي قد تكون فردية أو لدى جماعة صغيرة، ليمحص الله بها المؤمنين.

ويمكن أن نرصد أشكال الابتلاء في القرآن على شكلين (3):

الأول: ابتلاء العقول: ويعني أزمات تصيب العقل البشري، فيفتقد الحكمة، وتغيب عنه البصيرة، فيتخبط في الحياة، ولا يهتدي إلى طريق الخير والرشاد، فمن المصائب أن يرزق الإنسان الذكاء، ويضل في الفهم. مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان:2-3). والثاني: ابتلاء الأجساد وما يستتبعه من آلام ومشكلات في الحياة والمعيشة.

وقد جاء في تفسير البغوي: فجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه؛ لأن الابتلاء لا يقع إلا بعد تمام الخلقة، أي بينا له سبيل الحق والباطل والهدى والضلالة، وعرفناه طريق الخير والشر؛ إما مؤمنا سعيدا وإما كافرا شقيا. وقيل: معنى الكلام الجزاء، بما يعني أننا بينا له الطريق إن شكر أو كفر(4)، وهنا تكون الحكمة الربانية في جعل الابتلاء ضمن قدرات الإنسان، وبعد تمام تكونيه الجسدي والعقلي والنفسي، لتكون له الخيارات في حياته.

وتتفق الأزمة مع الابتلاء في أوجه ويختلفان في أوجه أخرى، أما أوجه الاتفاق فتبدو في أن كلا منهما ألم وتعب يصيبان الفرد المؤمن في حياته، وينال المؤمن الأجر على الصبر والاحتساب، وقد تكون تكفيرا للذنب، واختبارا للمؤمن، وسبيلا للترقي الروحي والإيماني والسلوكي؛ أما أوجه الاختلاف فتبدو في كون الأزمة حسب المفهوم المعاصر (في علم إدارة الأزمات) تصيب جماعة من الناس؛ قليلة أو كثيرة، في حين أن الأزمة وفق الرؤية الإسلامية تصيب الفرد والجماعة، ويمكن أن تتخذ أبعادا عديدة: نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية، وبعض هذه الأزمات يكون ابتلاء، وبعضها عقابا، والعقاب قد يشمل الفرد ذاته، أو الفرد والجماعة المنتمي إليها، أما في علم إدارة الأزمات، فإنه يركز على الآليات والإجراءات الواجب اتباعها من أجل الخروج من الأزمة في ضوء مسبباتها، أما في الرؤية الإسلامية، فإن هذه الإجراءات مطلوبة في ضوء واجب الراعي والرعية عند وجود الأزمة، ولكن لابد من مراجعة الذات النفسية والمجتمعية، لنرى هل هذه الأزمات عقاب أم ابتلاء، وكيف تكون النجاة من المعاصي لنيل رضا الله سبحانه.

وهنا تثار قضية مهمة، تتصل بمفهوم «دولة الرفاه الاقتصادية» وما يمكن تسميته بالنعم الموفورة والرعاية الاجتماعية والاقتصادية الكاملة للمواطنين، على كثرة ما فيها من معاص وجرائم ونأي عن منهج الله، فالرؤية الاقتصادية فيها تعتمد على تلبية احتياجات الفرد / المواطن بكافة متطلباتها المادية، وذلك بتقديم خدمات كاملة له من قبل الحكومات، فهي تلبي الاحتياجات الإنسانية الأساسية لمواطنيها كجزء من إحقاق حقوقهم السياسية، وبشكل أكثر تحديدا أن دولة الرفاه تسعى إلى ضمان الأمن الاجتماعي لمواطنيها، وتوفير دخل ثابت، وتغذية، ورعاية طبية، وتعليم، وسكن، وعمل وخدمات رفاه خاصة لكل مواطنيها، وكذلك تقليص الفجوات الاجتماعية إلى حد معين. يتم تحقيق هذه الأهداف بواسطة فعاليات تبادر إليها الدولة بعدد من الطرق، تشمل: مدفوعات مباشرة لمخصصات التقاعد، تزويدا مباشرا للخدمات الاجتماعية، ضمان تقاعد غير مباشر بواسطة نظام الضرائب، وكذلك عمليات تدخل مختلفة في الاقتصاد وسوق العمل(5)، وإن كان حدث تراجع كبير في هذا المفهوم في ضوء العجز في ميزان المدفوعات، واتساع حجم البطالة، وإعاناتها، وتكاليف شبكات الرعاية الاجتماعية المختلفة، مما حدا بالاقتصاديين إلى تبني مفهوم الليبرالية الجديدة، المعتمد على المزيد من تحرير الأسواق، وكبح النقابات العمالية، وتعزيز الاستثمار الأجنبي عبر البنيات التحتية القوية، وتخفيض أجور العمالة، وإعانات البطالة، وتقليل نفوذ الحكومات، والحد من ضرائب الإغراق والتحكم في الأسواق المحلية(6).

فأمر دولة الرفاه محمود ومطلوب وواجب على من بيده الأمر، ولكن القضية أن تنحصر المهمات الموكولة في الجوانب المادية فقط، مما يجعل الفرد غارقا في إشباع ملذاته، وإهمال الجوانب الروحانية، فلن تكون «الأزمات» مادية، بل نفسية واجتماعية، وذلك ما نراه جليا في ارتفاع نسب الانتحار وإدمان المخدرات في دول كثيرة حظيت بالرفاه في أفضل نماذجها، والمنظور الإسلامي يعتمد على التوازن بين المادية والروحانية، بحيث لا يطغى جانب على آخر، ولا تطغى مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة، مع حفظ ملكية الفرد، والاهتمام بمصلحة الجماعة، بل جعل النشاط الاقتصادي سعيا في سبيل الله، فالهدف رباني، والأهم التقوى فهي مفتاح الخيرات(7) لجماعة المؤمنين {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (الأعراف:96) فالكفر بأنعم الله يصبح سبيلا لانتقام الله، وقد يحدث ما يسمى «الاستدراج بالنعم» حيث ينال أهل المعاصي لذة من عيش ويدركون أمنياتهم الدنيوية، فيكون ذلك استدراجا من الله ونقمة(8)، عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت الله تعالى يعطي العباد ما يشاءون على معاصيهم إياه، فإنما ذلك استدراج منه لهم»(9)، وتلا قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} (النساء:44).

إذن هناك أمور عديدة يجب التوقف عندها:

فالإسلام يحض على حفظ حقوق الفرد والجماعة، ويوجب على الراعي وولي الأمر حفظ هذه الحقوق وفق السبل المقررة شرعا، وما تجود به القرائح البشرية من خبرات وأفكار تساهم في نهضة المجتمع، كما يوجب على الفرد المسارعة في النوائب؛ واجبة على الأهل والإخوان والجيران، وتبرعا على البعداء الذين لا يدلون بنسب ولا يتعلقون بسبب للفرد، ويعد هذا من شيم المروءة، ومن حكم المؤازرة(10).

والإسلام في نهجه الاجتماعي والاقتصادي يرسخ مبدأ المادية والروحية، فلا يطغي جانبا على آخر، والروح هي الأساس، عكس ما يراه علم إدارة الأزمات وغيره من العلوم الحديثة، التي تقتصر على رصد المتغيرات المادية، وسبل علاجها، وتعد التغيرات النفسية من الآثار المترتبة على الأزمة فقط، ولا علاقة بالروح والنفس بالأزمات، فهي تبدأ بالمادي وتنتهي به، وتكون النفس تابعة للمادي، أما رؤية الإسلام فهي ترى أن الروح والمعاصي والخطايا مع أخطاء البشر المادية أيضا سبب في الأزمات والكوارث، ناهيك عن عقاب الله للعصاة والمجرمين.

ووفور النعم ليس دائما، فهذا شأن الدنيا، تتقلب بالناس والمجتمعات، والرؤية الإسلامية تعتمد على تحقيق متطلبات الفرد (الضروريات والحاجيات والتحسينات) وفق الأولوية لها على الترتيب، تحسبا لأي تقلبات اقتصادية أو طبيعية مفاجئة، وقد أعد لهذا المجتمع المسلم، من الجانب الروحاني، بأن تكون الأزمة ناتجة عن عصيان لله، وقصور في عبادته، وإسراف في التمتع بالنعم إلى حد السفه، وقصور في إدارة الثروات في الدولة، ومن هنا لابد أن تكون المراجعة أثناء الأزمة فردية وجماعية، وحل الأزمة فردي وأيضا جماعي.

وعندما وضع الإسلام مبدأ التكافل وضمان الكفاية ضمن مبادئه الاقتصادية(11)، فإنه أوجب تضافر جميع القوى والأفراد والمؤسسات في المجتمع مع الحكومة قبل وأثناء وبعد الأزمة في علاج هذا الأمر، فلا ينأى الأغنياء عن مسؤولياتهم الاجتماعية، ولا يترك الفقراء تقطعهم الحاجة. وهذا ما أكدته البحوث الاقتصادية للأزمات التي تكتوي بها المجتمعات المأزومة، حيث رأت ضرورة: تعزيز السبل الضرورية وتوسيعها لمشاركة الأهالي مشاركة فعالة في الإجراءات الحكومية، وتغيير توزيع الدخل القومي ليشمل حصول كل شخص على متطلبات حياته، والأهم إحياء وتشجيع ومؤازرة الأغنياء للفئات الأخرى(12).

أيضا، فإن رؤية الإسلام لدور الفرد في جماعته، ودور الجماعة نحو الفرد تتعزز من أن «صلاح الدنيا معتبر من وجهين، أولهما: ما ينتظم به أمور جملتها (جماعتها)، والثاني: ما يصلح به حال كل واحد من أهلها، فهما شيئان لا صلاح لأحدهما إلا بصاحبه، لأن من صلحت حاله مع فساد الدنيا واختلال أمورها لن يعدم أن يتعدى إليه فسادها، ويقدح فيه اختلالها.. ومن فسدت حاله مع صلاح الدنيا وانتظام أمورها، لم يجد لصلاحها لذة، ولا لاستقامتها أثرا»(13)، وهو برهان أن الفرد والمجتمع متلازمان، تلازما نفسيا وماديا وروحيا.

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال