الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

66 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

y h f hh p

د. عبدالناصر سلامة - باحث دراسات إسلامية:

أنزل الله تعالى القرآن ليكون هداية للناس في كل ما يهمهم في شؤون حياتهم مما تتعلق به مصلحتهم العاجلة والآجلة، وقد وصف الله تعالى ما يدل القرآن عليه ويرشد الناس إليه بأنه الأقوم..

وذلك يقتضي زيادة في العناية بما جاء به من هدايات وإرشادات، وتقديمها وتفضيلها عما سواها، قال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء:9). أي: «للتي هي أعدل وأصوب، وحذف الموصوف ليشمل تقدير المحذوف كل ما هو خير في ذاته، وخير في دلالته، وقد قدره بعض العلماء بما يقرب من هذا الشمول، فقال يهدي للحال التي هي أقوم لتشمل الحال حال المجتمع، وحال الأسرة، وحال الإنسانية، وكل حال هي خير للإنسان في عاجلته وآخرته، معاشه ومعاده» (1).

وإن من مهمات الحياة وقضاياها المركزية التي أرشد القرآن إلى سبيل الرشاد فيها بما هو أقوم، نجد قضية تنشئة الأبناء وتربيتهم، إذ بهذه العملية تتناقل عبر الأجيال الأخلاق والقيم، وبها تبنى الحضارات والأمم، كما أن بها تستدام العطايا والنعم، فما كان القرآن أن يدع قضية كهذه دون إرشاد وتوجيه، يقول ابن عاشور، رحمه الله، في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} (نوح:27): «وفي كلام نوح دلالة على أن المصلحين يهتمون بإصلاح جيلهم الحاضر، ولا يهملون تأسيس أسس إصلاح الأجيال الآتية، إذ الأجيال كلها سواء في نظرهم الإصلاحي. وقد انتزع عمر بن الخطاب من قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ} (الحشر:10)، دليلا على إبقاء أرض سواد العراق غير مقسومة بين الجيش الذي فتح العراق، وجعلها خراجا لأهلها؛ قصدا لدوام الرزق منها لمن سيجيء من المسلمين» (2). يعني بهم التابعين الذين كانوا نتاج التربية والتنشئة الصالحة للصحابة الكرام.

ونحن إذا نظرنا إلى كتاب الله عز وجل لم نجد ما يتعلق بهذا الموضوع من هدايات وإرشادات مجموعا وجاهزا في سورة واحدة أو آيات محددة، وإنما نجد القرآن قد بث ما تعلق بذلك من حكم وأحكام هنا وهناك، وترك أمر الاهتداء إليها إلى المتدبرين فيه، فمن تلك الهدايات ما جاء قريبا يسهل تناوله والوقوف عليه، كما هو الشأن في قصة لقمان وابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} (لقمان:13)، أو قصة يعقوب، عليه السلام، وأبنائه في سورة يوسف؛ إذ هي مجال واسع لاستنباط الهدايات والإرشادات القرآنية في هذا الموضوع، ومثله في قصة إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام، في سورة الصافات وغيرها.

ومنها - أي الهدايات والإرشادات - ما جاء على غير تلك الصورة من الوضوح، وإنما احتاج إلى نظر دقيق وتدبر عميق للوقوف عليه واستنباطه، ومن هذا الصنف نجد الآية الخامسة عشرة من سورة الأحقاف، والتي اشتملت على معان جليلة ترسم للمؤمن المنهج القويم الذي يجب اتباعه في تربية الأبناء بما يحقق صلاحهم. ومدار الاستنباط من هذه الآية الكريمة يرجع إلى ملاحظة النظم والترتيب والسياق الذي جاءت فيه.

يقول الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (الأحقاف:15). يذكر الله تعالى لنا في هذه الآية، التي افتتحت بتوصية الله الابن بالإحسان إلى والديه، أن هذا الابن إذا بلغ سن الأربعين وبلغ أشده، وكان- في الغالب- وقتئذ رب أسرة رجا من الله أن يرزقه الذرية الصالحة، حيث قال: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}. وقد قدم الله بين يدي هذا الرجاء الأسباب المحققة له حتى لا يغفل هذا الابن عن الأخذ بها.

*الإحسان إلى الوالدين

وأول تلك الأسباب المعينة على إصلاح الذرية، كما يفيده نظم الآية وترتيب جملها، هو الإحسان إلى الوالدين، ولذلك جاء مقدما في الآية على رجاء الذرية الصالحة، وذلك في قوله: أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} قبل قوله: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}، وكأن معنى هذا النظم والترتيب يقول لنا: من أراد أن يحسن إليه أبناؤه فليحسن هو إلى والديه، لأن الجزاء من جنس العمل. يقول العلامة ابن عاشور في تفسير هذه الآية: «وفي إدماج تلقين الدعاء بإصلاح ذريته مع أن سياق الكلام في الإحسان إلى الوالدين إيماء إلى أن المرء يلقى من إحسان أبنائه إليه مثل ما لقي أبواه من إحسانه إليهما»(3). ومما يؤكد هذا المعنى ويقويه ما جاء في الحديث: «بروا آباءكم يبركم أبناؤكم» (4). ومعنى هذا الكلام أن تربية الأبناء على الصلاح مشروع يبدؤه الأب من علاقته بوالديه، فكلما أحسن إليهما رأى ثمرة ذلك في مشروعه المستقبلي، وكلما أساء العلاقة بهما خابت مساعيه في الظفر بالذرية الصالحة، ولقي من الشقاء جراء ذلك ما يناسب تفريطه، وقد جاء في الحديث: «كل الذنوب يؤخر الله ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله تعالى يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات» (5)؛ أي يعجل عقوبته في الدنيا. وهذه العقوبة قد تأتيه في صورة عقوق ذريته، وهذا من هدايات القرآن وأسراره المغفول عنها.

*صلاح الأبوين

وأما السبب الثاني المعين على صلاح الذرية، وفق ما يفيده نظم الآية أيضا، فهو صلاح الأبوين في نفسهما، ولذلك جاء قوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} قبل قوله: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}، فصلاح الآباء من الأسباب العظيمة المحققة لصلاح الذرية، يقول العلامة ابن عاشور، رحمه الله، في تفسيره: «وينشأ عن هذا الصلاح والاستقامة في الآباء دوام الاستقامة في النسل، لأن النسل منسل من ذوات الأصول فهو ينقل ما فيها من الأحوال الخلقية والخلقية، ولما كان النسل منسلا من الذكر والأنثى كان بحكم الطبع متحصلا على مجموع من الحالتين، فإن استوت الحالتان أو تقاربتا جاء النسل على أحوال مساوية المظاهر لأحوال سلفه، قال نوح عليه السلام في عكسه: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}»(6)، فانظر، مثلا، إلى منشأ فساد الأجيال المتعاقبة على نوح، عليه السلام، تجده راجعا إلى فساد الآباء، إذ فساد الابن لا يحصل من مجرد ولادته من أبوين كافرين أو فاسدين، وإنما يحصل ذلك بما يتلقاه منهما من كفر وفساد، ولذلك جاء في الحديث الصحيح: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه»(7).

ومن الإشارات القرآنية المؤكدة لهذا المعنى، قول بني إسرائيل لمريم، عليها السلام: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (مريم:28)، قال أبو حيان الأندلسي: «أنكروا عليها ما جاءت به وأن أبويها كانا صالحين، فكيف صدرت منك هذه الفعلة القبيحة، وفي هذا دليل على أن الفروع غالبا تكون زاكية إذا زكت الأصول» (8). وهذا مما لا ينكره الناس إذا حدثوا به، لكثرة ما يرون تصديقه في الواقع.

ولعل ما يزيد هذا المعنى تأكيدا من شواهد القرآن أيضا، قوله تعالى في قصة الغلامين اليتيمين اللذين بنى لهما الخضر، عليه السلام، الجدار حماية لكنزهما حتى يكبرا }وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (الكهف:82)، قال الفخر الرازي: «قوله: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} يدل على أن صلاح الآباء يفيد العناية بأحوال الأبناء» (9). وهذه العناية قد تكون عبارة عن تهيئة الأسباب التي تعينهم على الصلاح في حياتهم كتهيئة الرفقة الصالحة لهم، أو صرفهم عن تعاطي كثير من الشهوات المفسدة لدينهم وأخلاقهم، أو غير ذلك من أوجه العناية التي تحقق لهم صلاح الدين والدنيا، ويكون كل ذلك ببركة صلاح الوالدين. وينبغي ألا يفهم أن هذه العناية مقتصرة على الجانب المادي فحسب، كما في قصة الغلامين اليتيمين.

والحديث عن الصلاح في قوله تعالى: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} يشمل كل ما يصدق عليه اسم الصلاح من الأحوال والأفعال التي ترضي الله عز وجل، وفي مقدمة ذلك المحافظة على الصلوات الخمس، كما أشار إلى ذلك بعض المفسرين (10). وهذا مما يقتضيه ما جاء من الأمر النبوي بتربية الأبناء على الصلاة وهم أبناء سبع سنين، والتشديد عليهم بشأنها وهم أبناء عشر؛ فلا بد من القائم على هذه التربية أن يكون ممتثلا لما يأمر به حتى يكون ذلك أدعى للاستجابة له من طرف الأبناء، فإن الدعوة بالفعل والقدوة تكون أبلغ في النفس من مجرد الدعوة بالكلام مع عدم الامتثال. وقس على هذا كل ما يعلمه الآباء الأبناء مما يقوم عليه أمر صلاحهم، فهم محل تأس بالنسبة لهم، زيادة لما لهم من حظوة في قلوبهم تزيد ذلك التأسي قوة. ومن هنا كان أمر صلاح الآباء من أهم الأسباب المحققة لصلاح الأبناء.

كما أن من أهم معاني الصلاح التي يشملها هذا الوصف أيضا في قوله: {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} السعي وراء الرزق الحلال الطيب الذي يتم إدخاله إلى جوف الأبناء، وهو ذو أثر بليغ جدا في صلاح الذرية، فإن ما نبت وترعرع واشتد عوده بالطيب الحلال كان أقرب أن يباركه الله ويصلح شأنه، على عكس ما نبت بالخبيث المحرم من المال، فإن البوار يكون أقرب إليه. وهذا من هدايات القرآن المغفول عنها أيضا.

*الدعاء بصلاح الأبناء

وأما السبب الثالث من أسباب صلاح الذرية مما دل عليه نظم هذه الآية من سورة الأحقاف، فهو ملازمة الدعاء بصلاح الذرية والإلحاح على الله بذلك، وهذا المعنى واضح في قوله: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}، فالدعاء من أعظم ما تقضى به الحوائج عموما، والإرشاد إليه في هذا الموضع يدل على أن له أثرا في صلاح الذرية خصوصا، يقول العلامة ابن عاشور في تفسيره للآية المذكورة: «دعوة الأب لابنه مرجوة الإجابة. وفي حديث أبي هريرة عن النبي [: «ثلاث دعوات مستجابات، لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم»، وفي رواية «لولده» وهو حديث حسن متعددة طرقه» (11).

ولهذا المعنى الذي ذكرناه شواهد كثيرة من القرآن الكريم، حيث أورد الله فيه قصصا كثير من الأنبياء وهم يدعون الله أن يرزقهم الذرية الصالحة، كقول زكريا: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} (آل عمران:38)، وقول إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} (الصافات:100-101). وما هذه الآيات إلا تعليم وإرشاد للآباء إلى هذا السر العظيم من أسرار إصلاح الذرية، وهو أيضا من هدايات القرآن المغفول عنها من طرف الآباء والأمهات.

وختاما: فإن من شأن العاقل الناصح العناية بما جاء في القرآن من هدايات وإرشادات، خصوصا في أمر خطير مثل تربية الأبناء، هذا إن لم يكن الأخذ بهذه الإرشادات من الأمر الواجب المحتم، لأن الله قد وصف ما يجيء به القرآن بأنه الأحسن والأقوم، وكفى بهذا حافزا للآباء أن يعتنوا بما تم ذكره من هدايات ترشدهم إلى تحقيق أعظم ما يرجوه كل أب وأم؛ وهو رؤية ذريتهم طيبة صالحة، وقد جاء في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (الفرقان:74).

الهوامش

1- ينظر: زهرة التفاسير، للشيخ أبي زهرة، ج8، ص:4341.

2- ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور، ج29، ص:214.

3- ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور، ج26، ص:33.

4- أخرجه الطبراني في الأوسط برقم: (6295)، وقال الهيثمي في المجمع (8/138): رجاله رجال الصحيح.

5- أخرجه الحاكم برقم: (7263)، وقال: صحيح الإسناد.

6- ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور، ج2، ص:303.

7- صحيح البخاري، برقم: 1358.

8- ينظر: البحر المحيط في التفسير، لأبي حيان، ج7، ص:257.

9- ينظر: التفسير الكبير، للفخر الرازي، ج21، ص:492.

10- ينظر: مدارك التنزيل، للنسفي، ج3، ص:312.

11- ينظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور، ج26، ص:33.

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال