الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

153 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

8a9 642x336

د. عبدالله البوعلاوي - باحث في الفكر الإسلامي - المغرب:

هيأ الله تعالى القبائل العربية لتتحد على لغة قريش، حتى تستطيع فهم القرآن الكريم واستنطاق آياته، فكان القرآن الكريم ينزل بلغتهم ومن جنس ألفاظهم، فوقفوا أمامه عاجزين وذعنوا لفصاحته وبيانه، «أنزله جل ذكره بلسانهم، وصيغة كلامهم الذي نشأوا عليه، وجبلوا على النطق به، فتدربوا به يعرفون وجوه خطابه، ويفهمون فنون نظامه، ولا يحتاجون إلى تعلم مشكله وغريب ألفاظه، حاجة المولدين الناشئين فيمن لا يعلم لسان العرب حتى يعلمه، ولا يفهم ضروبه وأمثاله، وطرقه وأساليبه، حتى يفهمها» (1).

قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (الشعراء:192-195)، أي «هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أنزلناه بلسانك العربي الفصيح الكامل الشامل، ليكون بينا واضحا ظاهرا، قاطعا للعذر، مقيما للحجة، دليلا إلى المحجة» (2). ولا يمكن أن يفهم القرآن الكريم إلا لمن أتقن اللغة العربية وقواعدها ووقف على خصائصها.

نصبت العرب كل الجهود ليأتوا بمثل القرآن الكريم أو شبهه، فعجزوا أمام نظمه وقوة تناسق ألفاظه وبراعة معانيه، ومنتهى جمال العبارات، ودقة مواقع الألفاظ من الجمل، فانقلبوا أمامه خاسرين، ورجعوا إلى أنفسهم عاجزين، فاعترفوا بقوة تأليفه، فتباينت أقوالهم، فقال عتبة بن ربيعة إثر محاورته للنبي صلى الله عليه وسلم وفيما عرض عليه، عندما رجع إلى قومه: «ورائي أني والله سمعت قولا ما سمعت مثله قط والله ما هو بالشعر، ولا السحر، ولا الكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ» (3). هذا الموقف وقفه غير واحد من العرب أمام بلاغة القرآن الكريم وفصاحته التي وصلت مبلغا عجزت البشرية عن الإتيان بمثله، قال الله تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء:88).

اختار الله تعالى اللغة العربية لتكون لغة القرآن الكريم، لأنها تملك القدرة على الدلالات والمفاهيم، و جمع القرآن الكريم من أسرار البلاغة والبيان ما يدعو إلى فقه اللغة العربية والتبحر فيها، من حيث إنها تكشف أسرار المعاني، وهي الأداة لفهم مجاري كتاب الله تعالى. وتخصيص اللغة العربية؛ لغة القرآن؛ دون باقي اللغات، لقدرتها على الإيفاء بالغرض والبيان الشافي لفهم دقائق الكلمات. ودفع ارتباط القرآن الكريم باللغة العربية العلماء إلى الاعتناء بها وبقواعدها ونظمها، ورغبوا في تعلمها، واعتبروا تعلمها من الدين، فأصبح لزاما لمن أراد التعامل مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون ملما باللسان العربي عالما به وبأحواله، ضابطا لأسراره. قال ابن تيمية: «لأن الدين فيه فقه أقوال وأعمال، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه الأقوال، وفقه الشريعة هو الطريق إلى فقه الأعمال» (4)، وقال: «إن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلغا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين به، ولم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، صارت معرفته من الدين، وأقرب إلى إقامة شعائر الدين» (5).

وتعلم الناس اللغة العربية وبرعوا فيها واهتدوا بها إلى العلوم يسبرونها، وعلموها لغيرهم، وكانت لهم الحجة عليهم، خصوصا عندما دخل الناس أفواجا إلى الإسلام من غير العرب ليسلم اللسان العربي من التحريف فتأسست علوم اللغة العربية واعتبروا تعلمها من الدين، فقال السيوطي: «ولاشك أن علم اللغة من الدين؛ لأنه من الفروض الكفايات، وبه تعرف معاني ألفاظ القرآن والسنة» (6). وعندما أخذ الناس يتعاملون مع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بما يتكلمون به وبما أخذوه من لهجاتهم، وعاداتهم في الكلام، ولم يتعلموا قواعد اللغة العربية من حيث معرفة وجوهها وأصول الألفاظ ودلالاتها وأوجه الإعراب والتقديم والتأخير والخاص والعام إلى غير ذلك، لحنوا فيها فاجتنبوا الصواب من الوحي كتابا وسنة وحادوا عنه ووقعوا في الأخطاء، وحرفوا الكلم عن مواضعه. ومن العيب أن يجترئ المرء على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهو جاهل باللغة العربية وفنونها. هذا ما نبه إليه شيخ الإسلام قائلا: «لابد في تفسير القرآن والحديث من أن يعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه. فمعرفة العربية التي خوطبنا بها مما يعين على أن نفقه مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني؛ فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دال عليه، ولا يكون الأمر كذلك» (7).

و«بين النبي صلى الله عليه وسلم للمخاطبين من أصحابه ما عسى الحاجة إليه من معرفة بيان لمجمل الكتاب وعامه، ومتشابهه، وجميع وجوهه التي لا غنى بهم وبالأمة عنه فاستغنوا بذلك عما نحن إليه محتاجون، من معرفة لغات العرب واختلافها والتبحر فيها، والاجتهاد في تعلم العربية الصحيحة التي بها نزل الكتاب، وورد البيان» (8).

يقول الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (الشعراء:192-195). «وإنما الشرط الذي لابد منه، ولا غنى عنه، هو معرفة لغة القرآن مفرداتها وأساليبها، فهي التي يجب على من دخل في الإسلام ومن نشأ فيه أن يتقنها بقدر استطاعته بمزاولة كلام بلغاء أهلها، ومحاكاتهم في القول والكتابة حتى تصير ملكة وذوقا، لا مجرد النظر في قوانين النحو والبيان التي وضعت لضبطها. وليس تعلم اللغة ولا غيرها من اللغات بالأمر العسير، فقد كان الأعاجم في القرون الأولى يحذقونها في زمن قريب حتى يزاحموا الخلص من أهلها في بلاغتها. وإنما يراه أهل هذه الأعصار عسيرا لأنهم شغلوا عن اللغة نفسها بتلك القوانين وفلسفتها، فمثلهم كمثل من يتعلم علم النبات من غير أن يعرف النبات نفسه بالمشاهدة، فلا يكون حظه منه إلا حفظ القواعد والمسائل فيعرف أن الفصيلة الفلانية تشتمل على كذا وكذا، وإذا رأى ذلك لا يعرفه» (9).

يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله: «ولغة العرب أفصح اللغات وأوسعها لاحتمال المعاني الدقيقة الشريفة مع الاختصار، فإن ما في أساليب نظم كلام العرب من علامات الإعراب، والتقديم والتأخير، وغير ذلك، والحقيقة والمجاز والكناية، وما في وسع اللغة من الترادف، وأسماء المعاني المقيدة، وما فيها من المحسنات، ما يلج بالمعاني إلى العقول سهلة متمكنة، فقدر الله تعالى هذه اللغة أن تكون هي لغة القرآن الذي خاطب به كافة الناس، فأنزل بادئ ذي بدء بين العرب أهل ذلك اللسان ومقاويل البيان، ثم جعل منهم حملته إلى الأمم تترجم معانيه فصاحتهم وبيانهم، ويتلقى أساليبه الشاذون منهم وولدانهم، حين أصبحوا أمة واحدة يقوم باتحاد الدين واللغة كيانهم» (10).

فاللغة العربية تعطي الإنسان استقلالية في فهم لغة القرآن الكريم، وقوة في إدراك معانيه وسبرها، لأن تدبر القرآن الكريم لا يتوصل فيه إلا من طريق لغته التي نزل بها. واللسان العربي أقوى على رد الكلام إلى أصله، وضبط مختلفه ومتشابهه. وهي المدخل للتواصل مع آيات القرآن الكريم. واللغة العربية ليست وسيلة اتصال فحسب، بل هي هوية الأمة. ولما ابتعد المسلم عن اللغة العربية ولم تعد سليقة في اللسان، تعذر عليه فهم ألفاظ القرآن الكريم، يقول الشافعي: «وإنما بدأت بما وضعت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيرهم، لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها، ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها» (11).

وفهم القرآن الكريم يتحصل باللغة التي نزل بها، قال الله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت:3). اكتسبت اللغة العربية القدسية باتصالها بالقرآن، وهي جزء من خصائص الهيمنة على اللغات الأخرى التي امتاز بها القرآن الكريم. لذلك أصبحت اللغة العربية تتمتع بطابع خاص، لنزول القرآن الكريم بها، واختارها الله تعالى من بين لغات الأرض بالأسرار التي تنطوي عليها، وما تتصف به من وفرة الدلالات والمعاني في فهم ألفاظ القرآن الكريم، وقدرتها على توليد الأفكار بما يناسب المطلق الإلهي في الزمان والمكان. وبها يستطيع الإنسان أن يصبغ الوحي بفهومات تناسب بيئته. «لقد اعتبرت اللغة العربية المدخل للاتصال مع آيات القرآن الكريم. وإن اللغة العربية هي حياة الأمة ووجودها، فهي بناء الأمة ونهضتها، وتعتبر المدخل الأخطر لبعثرة الأمة، والعبث بتراثها وتاريخها وذاكرتها، وعزلها عن تجاربها وماضيها وقيمها وشخصيتها الحضارية» (12).

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال