الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

180 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

i i i

سهير أبوبكر عبدالوهاب:

من المعلوم أن الأمر الإلهي «اقرأ» في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} (العلق:1)، هو أصل العلم في كل حضارة، والأول الذي نزل على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.

فمنذ أن انبثقت ينابيع الحكمة ثرة فياضة، مع أول آيات تعطرت بها أنفاس الكون، يحمل أريجها الطيب سفير السماء جبريل، عليه السلام، ليسكبه شذى فواح العبير على من اختاره ربه للرسالة وأكرمه بالنبوة رسول الله عليه أزكى الصلوات وأتم التسليمات، ثم يصيح به في صوت مأنوس، وفي عبارات عذبة لها إشراقة الشمس، ليصب في سمعه هذا الهتاف الندي ويقول له: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } (العلق:1-5).

و«اقرأ» تحمل الأمر بالقراءة في أرحب ميادينها، وأوسع آفاقها، والقراءة أداة العلم. وذكر العلم ومشتقاته في القرآن الكريم نحو ثمانمئة وخمسين موضعا؛ تكريما له، وتعظيما لشأنه. والإسلام يجعل العلم أساسا للمفاضلة بين الناس: { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }(الزمر:9).

و«اقرأ» مفردة واحدة يمكن بفهمها إدراك غاية الوجود الإنساني، فهي أولى كلمات التنزيل القرآني، وبداية لآيات عدة في أناجيل عدة، وبعبارة أشمل فإن هذه الكلمة كانت البدء، واختتمت بها السماء مع آخر عهدها ببني البشر فكانت «اقرأ».

والقراءة تعد، منذ القدم، من أهم وسائل التعليم الإنساني التي من خلالها يكتسب الإنسان العديد من المعارف والعلوم والأفكار، فهي التي تؤدي إلى تطوير الإنسان، وتفتح أمامه آفاقا جديدة كانت بعيدة عن متناوله، حيث إن القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها، حيث حرصت الأمم المتيقظة على نشر العلم وتسهيل أسبابه، وجعلت مفتاح ذلك كله من خلال تشجيع القراءة والعمل على نشرها بين جميع فئات المجتمع.

والقراءة كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دوما إلى الرقي والصدارة.

فقد دخلت القراءة في أنشطة الحياة اليومية لكل مواطن، فالقراءة هي السبيل الوحيد للإبداع وتكوين المبدعين والمخترعين والأدباء والمفكرين، والأمم القارئة هي الأمم القائدة.

إن عقولنا لا تدرك الأشياء على نحو مباشر، بل عبر وسيط معرفي مكون من مبادئ علمية وعقلية وخبرات حياتية. وعلى مقدار ما نقرأ يتحسن ذلك الوسيط، وبتحسنه يتحسن فهمنا للوجود، وتتحسن معه نوعية حياتنا، ولذلك فمن لم يكن قارئا فقد عطل وسائط تفكيره وإدراكه وسبل حياته.

تعرف القراءة في اصطلاح التربويين باعتبارها «وسيلة للتواصل أو الفهم عن طريق استرجاع المعلومات المسجلة في المخ من قبل».

والقراءة ابن شرعي لكل المعرفة الإنسانية، فـ «الكلمة» و«اقرأ» تسلمان إلى مفردة ثالثة هي «القراءة»، فكل كلمة لابد أن تقرأ، وإلا فلم كتبت؟ وكل «اقرأ» لابد لها من مقروء هو الكلمة، وإلا فما الحاجة للأمر ذاته؟

والقراءة كانت حتى أوائل القرن العشرين من تاريخ البشرية هي الوسيلة الأولى للإعلام والتعليم والمعرفة.

القراءة فرض وليست هواية

هناك خطأ شائع اكتسب قوة الحقيقة وهو ادعاء البعض أن القراءة هواية، ورسخ هذا الخطأ الشائع في الأذهان عدم التصدي لتصحيحه، خصوصا من جانب وسائل الثقافة والإعلام الحديثة، فهي خلافا لما هو مطلوب منها أسهمت في تأكيد هذا الخطأ وتعميق جذوره في الأذهان، على الرغم مما حفلت به الكتب السماوية والثقافات العالمية من أفكار وأوامر تحث الناس على القراءة، قال تعالى: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } (العلق:1)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «قيدوا العلم بالكتاب».

والقول العربي المأثور: «القراءة سبيل الرقي، ومن يقرأ بتذوق، يكتب بتفوق».

أما أن ترتبط القراءة في أذهان الناس بالهواية، التي هي عند معظم الناس ملء أوقات الفراغ بأي شيء يحبه الإنسان بغض النظر عن النتيجة، فهذا هو جانب الخطورة في الأمر؛ لأنه من المفروض أن تكون الهواية شيئا مفيدا للإنسان يعود عليه وعلى مجتمعه بالخير، الخطير في هذا المفهوم (أن القراءة هواية) هو آثاره على الأجيال الصاعدة عندما تعتبر القراءة هواية، وتكتفي بما يصل إليها من فتات الثقافة الفسيفسائية الضحلة بطريق المصادفة من هنا وهناك. ولو فرضنا جدلا واعتبرنا القراءة هواية، فكيف يكون شكل العالم؟! لأنه من المستحيل تصور عالم فيه القراءة هواية، أي: أن يكون العلم والمعرفة هواية! ذلك أن حركة الحياة تقوم على العلم والمعرفة، ومن لا يقرأ لن يعلم أو يعرف. وبهذا نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطلب العلم في قوله: «طلب العلم فريضة على كل مسلم». وفي رواية أخرى: «كل مسلم ومسلمة» (رواه ابن ماجه وغيره).

وإذا كان القصد بالهواية القراءة في أوقات الفراغ، فالمصيبة أعظم؛ لأن من المفروض ألا يكون عند الإنسان وقت فراغ، أعني به الوقت الضائع، لأن الوقت هو الحياة ولا أعتقد أن إنسانا يحب أو يقبل أن تضيع حياته هباء.

وإطلاق صفة الهواية على القراءة تعبير بعيد عن الدقة، فالقراءة ألوان، تبدأ من مطالعة الصحيفة اليومية ولا تنتهي في دراسة البحث العميقة الجذور. ولئن استطاع الإنسان أن يستغني عن هواية من هواياته، بغض النظر عن لونها وشكلها، فإنه لا يستطيع الاستغناء عن القراءة، لأنه بذلك يغلق على نفسه منافذ العلم والنور.

والحقيقة أن المفهوم القائل بأن القراءة هواية مفهوم مقتصر على المجتمعات النامية فحسب، أما المجتمعات المتقدمة فالقراءة عندها ضرورة حياتية لكل إنسان، ففي المجتمعات المتقدمة يلتصق الإنسان بالكتاب الذي ينطلق إليه، فهو يقرأ في المنزل والسيارة والقطار والطائرة والباخرة والحديقة، كما يعتبر الكتاب هدية قيمة في كل المناسبات. هذا على الرغم من أنهم ليس لهم تاريخ أو تراث يحثهم على العلم والقراءة، وهذا ما وصل بهم إلى الحوار الموصول مع الفكر عبر العصور، فجاءت ثمرات القراءة اختراعات وحضارة حديثة وتطور في مناحي الحياة، لهذا اشترى أحد الأدباء الألمان كتابا في علم الفيزياء، فقال له مرافقه: اشتريت ما ليس من علمك! فقال: اشتريت ما ليس من علمي ليصير من علمي.

لماذا نقرأ؟

القراءة غذاء للعقل، وصقل للنفس، وتوجيه قويم للسلوك، وآفاق جديدة للمعرفة. ويمكن إيجاز فوائد القراءة ومنافعها في ما يلي:

- تنشط القراءة خلايا العقل وتزيد قدرته على الاستيعاب وتجويد الذهن والتركيز، وتقوي الذاكرة، وتوسع المدارك، وقد بينت الأبحاث الطبية أن القراء هم الأقل عرضة للإصابة بمرض الزهايمر.

- تعلم القراءة القارئ مفردات جديدة وصياغة جمل صحيحة، وتفتق اللسان وتدربه على حسن الكلام.

- تفتح القراءة أمام القارئ صفحات التاريخ، وتعرفه بحضارات الأمم السالفة وفكرها، وتتيح له إمكانية المقارنة والاستنتاج.

- القراءة مصدر للمعلومات، يتعرف القارئ من خلالها على خصائص واستعمالات المخترعات العلمية الحديثة، وكيفية الإفادة منها في شتى مناحي الحياة.

- تعزز القراءة الثقة بالنفس، وتطرد الوسواس والهم وتقتل الملل، وتحول دون وقوع القارئ في أخطاء الآخرين.

وختاما

ليس بخاف على أحد السر في أن أول آية تنزل من السماء كانت تأمر الإنسان بالقراءة بقوله تعالى: { اقْرَأْ }، أي: إن فريضة القراءة سبقت الصلاة والزكاة والصوم.

فنحن أمة اقرأ، وإضافة إلى أن «اقرأ» كانت ولله الحمد أول ما نزل من القرآن الكريم، فإنها فعل أمر، أي إنها قبل أن تكون مدخلا لأبواب العلم والمعرفة فهي فرض، ولهذا لم يكن عجيبا أن جعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر تعليم كل أسير عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.

ونحن على إيمان ويقين بأن قراءة الإنسان للقرآن الكريم والأدعية الشريفة من شأنها أن تعمل على تطهير نفسه من الأدران والشوائب وتجعلها طاهرة شفافة. وقوله تعالى في كتابه الكريم: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (الإسراء:82). وتفسير الآية الكريمة كما جاء في بعض كتب التفسير: «ننزل إليك أمرا يشفي أمراض القلوب ويزيلها ويعيد إليها حالة الصحة والاستقامة فتتمتع من نعمة السعادة والكرامة». والأصل والقاعدة في الكتاب أن يكون مصدر نور وهداية لقارئه: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } (البقرة:2).

وقال صلى الله عليه وسلم: «تعلموا العلم؛ فإن تعلمه لله خشية، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه عبادة، وتعليمه صدقة، وبذله لأهله قربى».

بقي أن نذكر أن المقصود بالقراءة هنا هو القراءة المتعمقة التي تؤصل لفهم واع، ولا يكون الأمر كما قال عمر بن عبدالعزيز حين قال له أحدهم إن فلانا حفظ المصحف، فقال: «زادت نسخة في المدينة».

- وفي السنة المطهرة طالعنا ووعينا كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم الراقية التي يقول فيها: «اقرأ وارق» (سنن الترمذي، كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث 28839). والرقي الذي عناه الرسول الكريم يتجاوز مسألة الرقي بمستوى الإنسان الذي يشكو من مرض معين يرتبط بأمور النفس مثلا، بل هو رقي بالإنسانية في مختلف المجالات وذلك فيما يرتبط بأمور الدنيا والآخرة.

المراجع

1- هانم عباس، القراءة مفتاح الكنز، حولية اقرأ، إدارة الثقافة والإعلام الشارقة، العدد:11، 2012م.

2- د. سهير الدفراوي المصري، القراءة والمخ، مجلة العربي، العدد 622، شوال 1431هـ/سبتمبر 2010م.

3- أ. د. محمود عبدالقادر، بيولوجية الإيمان، مكتبة الإيمان، 1992م.

4- محمد رجب السامرائي، رحلة الكتاب في الحضارة الإنسانية، كتاب المجلة العربية، العدد391، شعبان 1430هـ/أغسطس 2009م.

5- د. عادل سالم العبدالجادر، الكتابة عند العرب، مجلة العربي، العدد 673، ديسمبر 2014م.

6- السيد نجم، ملامح الحضارة الإسلامية في كتب التراث، كتاب الرافد، العدد 38، يناير 2013م.

7- د. الريح حمد الليث، المكتبات في التاريخ الإسلامي، شغف المعرفة، مجلة الكويت، العدد 390، أبريل 2016م.

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال