القاهرة – ثناء مصطفى:

لو تأملنا الأرصفة في عدد من العواصم العربية والعالمية وقمنا بدراسة السلعالمعروضة عليها من حيث كونها حاجة استهلاكية، يتسوقها المواطن لغاية يبحثعنها، لسد ثغرة في جسده أو روحه تلح عليه وتدفعه إلى اقتنائها.. لأدركنا أن ثقافة الرصيف صارت مكونا رئيسًا في النسقالذي بات يحتل عقولنا.. في السطور التالية نطوف بعدد من أرصفة القاهرة الثقافية كنموذج لغيره من أرصفة الثقافة العربية.. فلا تحرموا أنفسكم من المرور بها..

تفرد شوارع القاهرة مساحات واسعة، خاصة في أحيائها التراثية العتيقة، لبيع الكتب والمجلات التي لا تزال تستهوي القراء من كل الأعمار، على الرغم من أن المزاج الشعبي العربي يكاد يكون واحدا في كل الدول العربية، لتظل الكتب الدينية تحتل الصدارة في سلم المبيعات، إلى جانب الكتب التي تهتم بالطبخ وتحضير الوجبات وغيرها من الكتب الفنية والرياضية. تضم مكتبات الرصيف كتبا متنوعة، بين الأدب والشعر، وروايات ودراسات نقدية وثقافية وسياسية وتاريخية وتراثية ودينية وطبية، أيضا تجد بينها كتبا جامعيةومدرسية وروايات أجنبية بمختلف لغاتها، هذا إضافة للمجلات والدوريات المتنوعة سواء منها الحديث أو القديم أو التي انقطعت عن الإصدار مثل: "الناقد" ومجلة "شعر"، أوالتي ما زالت تصدر بدءا من عددها التجريبي مثل مجلة "العربي" الكويتية، ومجلة "روزاليوسف" المصرية وغيرها، حتى كتب التسلية والشعوذات وأحيانا: "الخلاعية" تجد لها مكانا بين هذه الكتب.

ثقافة الظل

تقول الدكتورة ثريا البدوي، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة: "كتب الرصيف" ظاهرة ثقافية واجتماعية لم تنل نصيبها من الالتفات والدراسة العميقة لأسباب انتشارها، ربما لأنها تبدو خارجة عن نطاق الاهتمامات التقليدية للمثقفين، فهي لا تتمثل في منتج فني أو أدبي بقدر ما تشمل مجموعة واسعة من الظواهر الفنية وأنماط السلوك وطرق التفكير التي تعكس قدراً من التغيير في المفاهيم والقيم السائدة منذ زمن في مجتمعنا. وبنظرة سريعة على المعروض في تلك الأماكن سنجد أنها مواد ثقافية واسعة الانتشار تتنوع بين عناوين تخص العقيدة الدينية والقصص العاطفية ومغامرات الجاسوسية، يأتي أغلبها بدون تصريح من الأزهر أو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وبعضها بدون رقم إيداع بدار الكتب المصرية، والأغرب من ذلك أن كثيراً من كتب "الرصيف" بدون مؤلف أصلاً.

وتلفت الدكتورة البدوي إلى أن أكثر الكتب رواجا في هذا الإطار كتب "الطب الروحاني" وهي في منحاها تختلف عن كتب الطب الشعبي أو التداوي بالأعشاب الرائجة أيضا، وأحد وجوه الاختلاف أنها تزعم أن استخدام بعض الآيات القرآنية أو التعاويذ يفيد في علاج أمراض مثل: "الصرع" ومنها كتب مجهولة المؤلف مثل كتاب: "علاج الصرع وعلاج السحر وفك الربط"، ومنها كتاب فضيلة الشيخ "أبي ذر القلموني" "ففروا إلى الله" الذي يحمل على غلافه عبارة يباع بسعر الكلفة، ومن أراد أن يطبعه فليطبعه دون إذن، وعلى القارئ أن يعيره إلى أشقائه وجيرانه حتى تعم الفائدة..

وهناك بعض الكتب الدينية التي تلقى رواجا كبيرا بين العامة وأنصاف المثقفين، وطلبة الجامعات، ومنها كتاب: "الخطب المنبرية" للشيخ عبدالحميد كشك، وهي أكثر كتب الخطب مبيعا، في أجزائها التي تجاوزت العشرين، وصاحبها ذو تاريخ حافل بالدعوة منذ سبعينيات القرن الفائت، ويلقي قبولا جماهيريا كبيرا خاصة في ريف مصر، وفي الأعوام الأخيرة ظهر كتاب: "خطب الجمعة والعيدين" للشيخ محمد حسان، والذي يلقي ـ أيضا ـ قبولا نسبيا من جمهور الرصيف. إضافة إلى ذلك نجد على الرصيف مؤلفات لبعض الكتاب المشهورين ومنهم الدكتور مصطفي محمود والشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد متولي الشعراوي وأنيس منصور ومحمد حسنين هيكل وغيرهم.

أدب هامشي

من جانبه، يرى الدكتور منتصر محمود مجاهد استاذ علم الاجتماع والفلكلور الشعبي، أنه إذا كانت روايات الجاسوسية والروايات البوليسية هي أكثر الروايات التي تفتح شهية القارئ العادي، فقد انتشرت وبصورة كبيرة السلاسل الشعبية مثل "مسامرات الجيب" و"رجل المستحيل" و"ملف المستقبل" وقد صدر من تلك السلاسل ما يزيد على مائة وخمسين عنوانا خاصة السلسلتين الأخيرتين، وهما لمؤلف واحد هو: "نبيل فاروق" الذي تخصص في هذا النوع من الأدب. بالإضافة إلى سلسلة "زهور" التي ظهر فيها أكثر من مائة عنوان، وقد جاء في تقديم الناشر لها: إنها "السلسلة الرومانسية الوحيدة التي لا يستحي أي أب من وجودها في المنزل" وهذه السلاسل هي الأكثر مبيعا ويكفي دليلا على ذلك وجودها في جميع أماكن البيع على أرصفة مصر.

يضيف "مجاهد": ولعل "خليل حنا تادرس" أشهر كتاب الرصيف في مصر، والذي يعتبر في حرفيته وكم إنتاجه خير مثال لهذا الأدب الهامشي في مصر، وقد ظهرت أولي رواياته في عام 1960 تحت عنوان: "شيطان الحب" وهو لم يزل في الحادية والعشرين من عمره، وقد تسببت هذه الرواية في نجاحه، فأصدر بعدها حتى الآن مائة وخمسة عشر كتابا، ما بين الرواية والقصة والمقالات الجنسية. ويعتمد "تادرس" في كتبه على ترجمات لمورافيا وساجان وفرويد وغيرهم، وتعاد طبعات كثيرة لمؤلفاته، ومن العسير جدا أن نحدد ـ بدقة ـ حجم النشر الواقعي لها، لكن هناك ما يدل على أن نسبة المبيعات مرتفعة جدا، وهو من المؤلفين القلائل ـ في مصر ـ الذين يعيشون من عائد مبيعات كتبهم، وقد سمح له ذلك بالاستقالة من وظيفته عام 1985 وهو في السادسة والأربعين ليتفرغ للتأليف، وقد كان وقتها أبا لثلاثة أطفال.

أدب الجان

وهناك نوع أدبي آخر يلقى رواجا وإقبالا جماهيريا، وهو ما يمكن أن يسمي بـ "أدب الجان" وهي القصص التي يكون فيها صراع درامي بين الإنس والجن، وأشهر كتاب هذا النوع هو: "نبيل خالد" والذي نقلت بعض رواياته إلي أفلام سينمائية ومنها: "هدي ومعالي الوزير"، ودائما ما يكتب على غلاف كتبه بأنه خريج كلية عسكرية، وعضو في منظمة العفو الدولية واتحاد الكتاب، في محاولة لكسب ثقة القارئ. ويتكئ "نبيل خالد" على الموضوعات التي تنشر في الصحف الصفراء حول "فضائح النجوم" ثم يربط بين إحدى هذه القصص وبين الجان الذي يغتصب بعض الإناث الإنسيات، ومن هذه الروايات "المرأة التي اغتصبها الجان" و"بنات للبيع" و"فنانة عربية" ويعتمد على تضخيم العناوين، وهو بذلك يدغدغ مشاعر المشتري من خلال الغلاف الذي يتسم ـ دائما ـ بطابع الإغراء، دون اهتمام بالأسلوب الأدبي في كتابته

الحاج مدبولي

إذا كان الرصيف هو الفاترينة الشرعية التي تقوم بعرض شيء، فإن الحاج محمد مدبولي رحمه الله بدأ حياته كبائع جرائد جائل ثم على الرصيف منذ خمسينيات القرن العشرين، وأصبح يمتلك أكبر وأشهر دار نشر في مصر، وقد تكون على مستوى الوطن العربي لها مشاركات في معظم دول العالم وبلغات مختلفة.

كتب الرصيف.. من أين تأتي؟

ثمة سؤال يطرح نفسه بحرارة، وهو: من أين يحصل أصحاب "مكتبات الرصيف" على كتبهم؟ حملت هذا السؤال إليهم وكان أول من طرحت عليه هذا السؤال بائه الكتب الشهير بأحد الأرصفة ويدعى "القط" فأجاب: أغلب الكتب القيمة تأتينا من مكتبات أحد المثقفين الذي يفترسه الموت، فيترك وراءه مكتبة ضخمة دأب طوال عمره على رفدها بالقيم والمفيد، وأمام حاجة ورثته للمال، أورغبة في تجديد المكان الذي تحتله المكتبة يأتون إلينا طالبين بيعها.

الأكثر رواجا

يقول محمد مصطفى صاحب إحدى مكتبات الرصيف إن الكتب الدينية والتراثية هي الأكثر رواجا، في حين تشكل كتب السحر والشعوذة والكتب التي تتحدث عن نجوم الفن والرياضة أرقاما عالية في البيع، قياسا بالكتب الأدبية والسياسية الرصينة، مشيرا إلى أن زبائنه ينتمون إلى شرائح المجتمع كله، ويقدم لهم كتبا بأسعار زهيدة.

كشك: حسن أبوعلي

لعل كشك الثقافة العربية في وسط العاصمة الأردنية، الذي يعرفه المواطنون باسم كشك: "حسن أبوعلي" نسبه إلى صاحبه الأكثر شهرة في قاع المدينة، هو الأبرز في ترويج ما بات يعرف بثقافة الرصيف، إلى درجة أن مجموعة من أبرز الكتاب الأردنيين اختارت موقع الكشك لإقامة حفل "رصيفي" للتوقيع على إصداراتهم الجديدة لاستثمار موقع الكشك وشهرته وزبائنه، ومن بين هؤلاء الكتاب الروائية سميحة خريس، والروائي هاشم غرايبة، والكاتب الساخر محمد طملية، ورسام الكاريكاتير عماد حجاج.

شارع المتنبي

يعتبر شارع المتنبي في رصافة بغداد من أشهر الشوارع التي تروج لثقافة الرصيف، حيث يضم كتبا متنوعة من المخطوطات والكتب العتيقة حتى آخر صيحات الحداثة في عالم الأدب والفن، وكثيرا ما يشرف أدباء مثقفون عراقيون على بيع تلك الكتب، حيث اضطرتهم الحاجة لذلك، واضطرتهم أحيانا لبيع مكتباتهم الخاصة رغم ما تحويه من كنوز وكتب نادرة.

• 7 دروس للنجاح من أديسون أهمها ...
• تطلعات الشباب
• "التعلم الذكي" كتاب يقدم لك ...
• "سنبقى متحدين".. يجمع الكشافة العرب
• "مهاراتك الناعمة".. اكتشفها من هنا