الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

351 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

5shabab

د. ادريس سلطان صالح - أستاذ جامعي - مصر:     

تواجه مجتمعاتنا العربية اليوم كثيرا من التحديات المرتبطة بالثورة المعرفية والتكنولوجية، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتي انعكست على ثقافة الشباب وممارساتهم وسلوكاتهم اليومية، وأنماط تفاعلاتهم الاجتماعية، وتعليمهم وقيمهم واتجاهاتهم نحو المجتمع ومؤسساته، مما قد يؤثر في وحدة مجتمعاتنا وتماسكها.

ولا يغيب عنا ما تمر به مجتمعاتنا من أحداث محلية وإقليمية ودولية، لها تأثيراتها على النواحي السياسية والاقتصادية للمجتمعات ككل، وبالتالي التأثير على الأحوال الاجتماعية والثقافية لأفرادها، وما ارتبط بها من أفكار تتعلق بالأديان والمذاهب، والعدالة، والانتماء، والإقصاء والتهميش، والمشاركة في صنع القرار، وتكافؤ الفرص، وحق العمل، وغيرها من القضايا التي تهم حياة الناس عامة والشباب خاصة.

ونظرا لأهمية هذه التحديات والأحداث وما يرتبط بها من قضايا وأفكار قد تؤثر على تماسك المجتمع ووحدته، فقد اهتم علماء النفس والاجتماع والسياسة بدراستها، مؤكدين ضرورة وعي المجتمعات بعوامل وحدتها وتماسكها، والعمل على تنمية قيم التماسك والوحدة والتعايش لدى أفرادها؛ لما يمثله من مصدر قوة أساسي لها في سعيها نحو التقدم والازدهار.

خاصة وأن واقع الشباب العربي اليوم كما ترصده التقارير الدولية، يوضح أنه أمام تحد مزدوج؛ الحرمان من الفرص الاقتصادية الذي يحول دون تحقيقهم الرفاهية الاجتماعية، والحرمان من فرص المشاركة الذي يولد فيهم مشاعر الإقصاء والعزل والتهميش. وهذا التحدي المزدوج يعوق تحقيق تطلعات الشباب العربي، فيعرض المجتمعات العربية لمزيد من التوتر الاجتماعي، وعدم الاستقرار (1).

وهذا ما يفرض علينا إلقاء الضوء على قضية التماسك الاجتماعي، من حيث مفهومها، وأبعادها، وأهميتها، واهتمام العالم بها من حولنا، والدور الذي يمكن للتربية أن تؤديه لتنمية التماسك الاجتماعي لدى الشباب العربي.

مفهوم التماسك

التماسك في اللغة يعني ترابط أجزاء الشيء حسيا أو معنويا، ومنه: التماسك الاجتماعي، وهو ترابط أجزاء المجتمع الواحد (2).

واصطلاحيا تعددت تعريفات التماسك الاجتماعي بتعدد الباحثين، ووجهات نظرهم تجاه قضية التماسك الاجتماعي، ورغم ذلك فإن معظم التعريفات تتركز حول وجود صلة أو رابط يجمع بين الأفراد ويؤثر في سلوكهم (3)، ومن أمثلة تلك التعريفات ما قدمته ماكسويل بأنه: بناء القيم والتفاهمات المشتركة، والحد من التفاوت في الثروة والدخل، وتمكين الناس من الانخراط في مشروعات عامة لمواجهة التحديات المشتركة، وتنمية الشعور بكونهم أعضاء في المجتمع نفسه (4).

أهمية التماسك الاجتماعي

يعتبر التماسك الاجتماعي من العوامل الأساسية لنهضة المجتمع وتطوره، فالمجتمع المتماسك هو الذي يعمل على رفاهية جميع أفراده، ويحارب الإقصاء والتهميش، ويوجد شعورا بالانتماء، ويعزز الثقة، ويتيح الفرصة للحراك الاجتماعي والترقي بين أفراده (5).

فالتماسك الاجتماعي يمثل عنصرا أساسيا من النسيج الاجتماعي للمجتمعات، والحياة الاجتماعية بصفة عامة (6)، وإنه من أساسيات النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية لأي مجتمع من المجتمعات (7). مما يعني أن التماسك الاجتماعي من أهم أبعاد تطوير وتنمية المجتمع، فهو وسيلة وغاية معا، وسيلة لأنه يهدف إلى تحقيق ما يسمى بالتكامل الاجتماعي، وغاية لأنه يهدف إلى تحسين الظروف المعيشية وتوفير فرص متكافئة للأفراد(8).

وللتماسك الاجتماعي أبعاد(9)، منها:

- الانتماء مقابل العزلة: والذي يتضمن القيم المشتركة التي تحكم سلوكات أفراد المجتمع، والهوية التي تجمع بينهم، ومشاعر الالتزام تجاه المجتمع وأفراده.

- الإدماج مقابل الإقصاء: والذي يتضمن وجود تكافؤ للفرص، يشعر معه الفرد بأهمية قدراته وإمكاناته كفرد في الحصول على التعليم والعمل المناسب له، وقدرته على الحراك الاجتماعي دون تمييز أو إقصاء.

- المشاركة مقابل الانسحاب: والتي تعني قدرة أفراد المجتمع على المشاركة بمفهومها الشامل، سواء في المجالات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وقناعاتهم بأهمية دورهم ومشاركاتهم المجتمعية.

- قبول الآخر مقابل الرفض: والذي يعني قدرة أفراد المجتمع على التعايش السلمي، وقبول كل منهم للآخر، دون تمييز أو تهميش.

- الشرعية مقابل الانتحال: والتي تعني ثقة أفراد المجتمع في مؤسساته، وقدرتها على تنمية قدراتهم، وإدماجهم في المجتمع، وحل ما بينهم من صراعات دون تمييز.

اهتمام عالمي

وعلى الرغم من أن قضية التماسك الاجتماعي قديمة جدا.. وقد عمل الإسلام على تحقيقها على الصورة المثلى من خلال إذابة الفوارق بين البشر بإحياء المعاني الأساسية التي تعتبر البشر كلهم ينحدرون من أسرة واحدة كما قال سبحانه وتعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13). ومنذ كتابات ابن خلدون في مقدمته عن مفهوم العصبية ودورها في التفاعل الاجتماعي، وعوامل الارتباط وشعور الفرد بأنه جزء لا يتجزأ من أهل عصبته (10)، وكذلك كتابات العالم إيميل دوركايم عن التماسك الاجتماعي، وتأكيده أهميته في دراسة المجتمع البشري (11)، على الرغم من ذلك، فإن ما يشهده العالم اليوم من تغيرات قد أضاف لها أبعادا جديدة، وزاد من الاهتمام العالمي بها، وبكيفية دعمها في المجتمعات.

ومثال ذلك اهتمام منظمة الأمم المتحدة، ممثلة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التابعة لها، وإصدارها لتقرير بعنوان: «آفاق التنمية العالمية ٢٠١٢: التماسك الاجتماعي في عالم متغير»، والذي أكد على أهمية التماسك الاجتماعي، وضرورة التعاون في تطوير السياسات المتعلقة بالنواحي المالية والضرائب والعمالة والحماية الاجتماعية، والمشاركة المدنية والتعليم والمساواة بين الجنسين والهجر، نظرا لتفاعل تلك المجالات وتأثيراتها الاجتماعية (12).

وأيضا اهتمام لجنة التنمية الاجتماعية التابعة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، والمنبثقة عن لجان منظمة الأمم المتحدة، وإصدارها لتقارير عن مشاركة الشباب والتماسك الاجتماعي، وخاصة في العالم العربي، وتقديمها توصيات إلى الحكومات، ومنها: العمل على تطوير البنى التشريعية المواتية لإشراك هيئات المجتمع المدني في عملية صياغة وتنفيذ السياسات العامة وفقا لمبادئ الشفافية والمساءلة، والعمل على بلورة وتطوير سياسات اجتماعية متكاملة تضمن الإدماج الاجتماعي والاقتصادي، وتأخذ في الاعتبار قضايا التشغيل والتعليم والصحة، والسعي لربطها بسياسات الاقتصاد الكلي، ووضع خطط وطنية لتمكين الشباب على كافة المستويات، تستند إلى نهج حقوقي ومقاربة تشاركية، والتركيز على بلورة البرامج التي تضمن مشاركتهم في صنع القرار (13).

التربية وتنمية التماسك

تمثل قضية التماسك الاجتماعي أولوية من الأولويات التي يجب أن تضطلع بها المؤسسات التربوية في مجتمعاتنا، وخاصة الأسرة والمدرسة، نظرا لما يمكن أن يقدمانه من أساليب وأطر تربوية تغرس القيم المجتمعية، وعوامل وحدة المجتمع في نفوس الأبناء منذ نعومة أظافرهم، مرورا بسنوات تعليمهم التي يكتسبون خلالها خبرات التفاعل مع مؤسسات المجتمع وأفراده، مما يتيح لهم استيعاب كثير من المفاهيم والاتجاهات التي تنعكس على سلوكاتهم تجاه الآخرين في المجتمع.

ونظرا للدور المهم لمؤسسات التربية، وخاصة المؤسسات التعليمية (المدرسة والجامعات)، فقد عقدت المؤتمرات والندوات، لمناقشة دور التربية وما يمكن أن تساهم به تجاه التماسك الاجتماعي، وقدمت لذلك عديدا من التوصيات (14)، منها:

- تطوير استراتيجية متعددة الأبعاد لتدعيم التماسك الاجتماعي عبر التعليم القائم على بيئة مدرسية نشطة وديموقراطية، وعلى شراكة بين المدارس فيما بينها، ومع الأسرة والمجتمع.

- التركيز على تعليم المواطنة اعتمادا على مبادئ حقوق الإنسان، ومبادئ المواطنة النشطة والفعالة.

- التركيز على دور المدرسة كمجتمع معرفة، أكثر منه مجتمع امتحانات.

- التركيز على استراتيجيات التعليم الناقد بدلا من التعلم التقليدي القائم على الحفظ والاستظهار.

- تفعيل دور المجالس الطلابية، وتدريب الطلاب ودعمهم لإدارتها.

- تطوير تدريس مناهج الاجتماعيات بما يدعم التماسك الاجتماعي، وهوية مجتمعاتنا وثوابتها.

- تطوير معايير لتقييم درجة تشجيع المدارس للتماسك الاجتماعي.

- ربط المناهج باحتياجات سوق العمل ومهاراته؛ لتمكين المتعلمين من المنافسة العملية وفق قدراتهم ومهاراتهم.

- تفعيل الشراكة بين المدارس ومؤسسات المجتمع المدني نحو مزيد من التعاون والمشاركة الفعالة.

- التأكيد على تنفيذ الأنشطة الصفية وغير الصفية الداعمة لقيم المجتمع وحل مشكلاته، عبر المشاركة في الأعمال التطوعية والمجتمعية المتنوعة.

- دعم أواصر التعاون بين المدرسة ومؤسسات المجتمع الرسمية، مما يشعر الطلاب بأهميتها وفاعليتها في دعم العملية التعليمية.

- دعم المعلمين والإدارة المدرسية لمبدأ تكافؤ الفرص، ومشاركة جميع الطلاب في عمليات التعليم والتعلم، وتوفير ما يناسب قدرات الطلاب واستعداداتهم دون تهميش أو إقصاء.

الهوامش

1- اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) (2013م)، قضايا ذات أولوية في مجال التنمية الاجتماعية في المنطقة العربية، أثر مشاركة الشباب على التماسك الاجتماعي، لجنة التنمية الاجتماعية، الدورة التاسعة، عمان.

2- مجمع اللغة العربية (2004م)، المعجم الوسيط، القاهرة، مكتبة الشروق الدولية، ص 869.

3- مها شعيب (2014م)، دلالات تأثير تهميش التماسك الاجتماعي في المدارس الثانوية في اتجاهات التلامذة السياسية والاجتماعية والمدنية في لبنان. مجلة عمران، 10 (3)، ص 9.

4- Maxwell, Judith. (١٩٩٦م). Social Dimensions of Economic Growth, Eric John Hanson Memorial Lecture Series; 8, Edmonton: University of Alberta, Dept. of Economics.

5- OECD (٢٠١١م), Perspectives on Global Development 2012: Social Cohesion in a Shifting World. OECD Publishing.

6- Cloete, P. & Kotze, F. (٢٠٠٩م). Concept paper on social cohesion / inclusion in local integrated development plans. Department of social development, Republic of South Africa.

7- Ritzen, et al. (٢٠٠٠م). On “Good” Politicians and “Bad” Policies: Social Cohesion, Institutions and Growth.’ World Bank Policy Research Working Paper 2448.

8- هبة صبحي جلال (2012م)، التعليم والتماسك الاجتماعي في مصر، دراسة تحليلية للعائد غير الاقتصادي الأوسع للتعليم قبل الجامعي (رسالة دكتوراه غير منشورة)، معهد الدراسات والبحوث التربوية، جامعة القاهرة.

9- Jenson, J. (١٩٩٨م): Mapping Social Cohesion: The State of Canadian Research, Canadian Policy Research Networks, CPRN Study No. F/03, Ottawa.

10- محمد عابد الجابري (1994م)، فكر ابن خلدون العصبية والدولة - معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.

11- Durkheim, Emile. (١٩٥٢م). Suicide: A Study in Sociology. London: Routledge & Kegan Paul.

12- OECD. (٢٠١١م). Perspectives on Global Development 2012: Social Cohesion in a Shifting World. OECD Publishing.

13- اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) (2013م)، تقرير لجنة التنمية الاجتماعية عن دورتها التاسعة، عمان.

14- مركز الدراسات اللبنانية (2009م)، توصيات مؤتمر التربية في سبيل التماسك الاجتماعي في لبنان، بيروت، الجامعة الأميركية، ببيروت.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال