الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

27 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

d163a86f58 042380

المسحراتي والفانوس والزينة اليدويين واللمة ورسائل البريد والـsms أبرز الغائبين

د.يسري: كانت "كبيرة الأسرة" وسيداتها يجهزن "الإفطار" لفقراء الحي قبل أهل البيت

لبنى: حرمتنا بهجتنا وصحبتنا حتى مشروبات وأطباق رمضان أصبحت Take Away

مياسة: باتت الأسرة تجتمع فلا تجد غير صمتٍ وشاشاتٍ مضيئةٍ وابتساماتٍ غامضةٍ!

القاهرة – محمد عبدالعزيز يونس:

ألعاب وأهازيج، فوانيس وزينة، مسحراتي وأكلات شعبية، تهاني ورقية وزيارات أسرية.. هذه وغيرها من المظاهر التي لطالما جمعت الأسرة المصرية والعربية في شهر الخير، والتي كانت تستقبل الشهر الفضيل منذ منتصف شعبان بتعليق الزينات، وإرسال البرقيات والرسائل البريدية لتبادل التهاني والتبريكات..

ومع قدومه تتعالى دقات "المسحراتي" على طبلته الصغيرة، ويعلو نداءه بأسماء كل سكان الحي يوقظهم ويطربهم في آن.. لكن هذه العادات اختفت اليوم في كثير من البلدان بفعل التكنولوجيا التي سلبت الشهر الفضيل من هذه المظاهر المتوارثة منذ قرون عديدة.. نرصد أبرز التغيرات التي طرأت على المشهد الرمضاني خاصة بفعل التقنية الحديثة، إلى التفاصيل.

من أكثر المظاهر التي اختفت من المتاجر المصرية "فانوس رمضان" المصنوع يدويًا، وذلك بسبب ارتفاع تكلفته وندرة الأيدي الخبيرة العاملة في هذه المهنة، إضافة إلى طوفان الفوانيس المستوردة من الصين والتي تمتاز برخص الثمن والإضاءة الكهربية والأصوات المتعددة، بخلاف الفانوس التقليدي الذي كان العامل فيه يمضي أيامًا طويله لصنعه كتخفة تخطف الأبصار بزجاجه الملون وإضاءته اليدوية وأحجامه المتنوعة.

مظاهر اختفت

أيضًا اختفت قناديل الإضاءة التي كانت تنتشر في الشوارع إيذانًا بقدوم الشهر الفضيل، وتعلق أيضًا في شرفات المنازل، وباتت الإضاءة العصرية هي الحاضر الأول.

حتى الزينات الورقية الملونة التي كان الصبية يمضون أيامًا طويلة لصنعها بمساعدة أمهاتهم، ومن ثم يقومون بتعليقها في الشوارع قبل نحو أسبوع من قدوم شهر الخير، لم يعد لها وجود، بعد أن قطعت أوراق الزينة الجاهزة والقادمة من الصين، الطريق على إبداع الأيام الخوالي.

أيضًا، لم يعد أحد يسمع النداء الشهير: "اصحى يا نايم اصحى وحد الدايم.. وقول نويت بكره إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحى يا نايم وحد الرزاق.. رمضان كريم"، و"قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم".. وهي الكلمات التي يتغنى بها "المسحراتى" في سكون الليل، جائلًا كل الشوارع وهو يطرق على طبل صغير؛ مناديًا على كل ساكن باسمه قبل أذان الفجر بنحو ساعة أو أكثر؛ لتناول وجبة السحور.. فلم يعد أحد حتى في ضجيج الحياة العصرية يمكنه الاستماع الى صوت "المسحراتي" إن وجد، بل أصبح الجميع يعتمدون على أجهزة التنبيه في هواتفهم المحمولة، بعد أن أفل أيضًا نجم المنبهات التقليدية.

"التجمع في دار كبير العائلة لانتظار الرؤية" أيضًا من المظاهر التي اختفت في العصر الحديث، حيث كان الرجال والأطفال على السواء يتجمعون في در كبير العائلة مع مرتدين أجمل ثيابهم، وحاملين الأعلام والفوانيس، بانتظار انطلاق طلقات المدفع التي تعلن عن قدوم الشهر الفضيل، ولكن لم يعد أحد يفعل ذلك الآن، وبات الجميع ينتظرون خبر قدم رمضان من خلال وسائل الإعلام أو جروبات الفيس والواتس.

ملتقى فكري وثقافي

إلى ذلك، يؤكد د.يسري عبدالغني - خبير وباحث في التراث: أذكر أننا كنا نستعد لشهر رمضان المبارك بعد ليلة النصف من شعبان مباشرة، ليس بتجهيز الأطعمة والحلوى والمشروبات، لكن كانت البداية عندما يطلب منا كبير العائلة أن نصطحبه في زيارات لجميع أفراد الأسرة القريب منهم والبعيد، نهنئهم باقتراب حلول رمضان، ونطلب منهم الصفح والسماح إذا كنا قد أقدمنا على خطأ في حقهم، ليسود الحب والوئام بيننا جميعًا، فلم يكن هناك وسائل الاتصال الحديثة التي نزعت الدفء من مشاعرنا، والتي نكتفي فيها للسؤال أو التهنئة.

أول يوم يجتمع أفراد الأسرة على مائدة واحدة، المسافر في الداخل أو الخارج كان يحرص كل الحرص على تناول طعام الإفطار في رحاب الأسرة في أول أيام الشهر الكريم، وقبل أي إفطار كنا ندعو الله خشوعًا وتقربًا، كبارًا وصغارًا.

وتابع قائلا: كانت "كبيرة الأسرة" وسيداتها يجهزن طعام الإفطار لفقراء الحي، قبل أن يجهزن الإفطار لنا، فكل بيت في الحي عليه مسئولية إطعام بعض الفقراء قدر الطاقة والإمكان من نفس الطعام الذي يجهز للبيت.. وبعد صلاة العشاء والتراويح وقراءة القرآن الكريم، يجتمع أفراد الأسرة ليس أمام التليفزيونات والمسلسلات الدرامية، لكن للحوار والحديث عن الشهر الكريم وفضله، وكذا عن السيرة النبوية المطهرة، وعن الأنبياء وسير الصالحين، متطرقين إلى حوارات شائقة في الفكر والأدب والثقافة، كل بيت كان بمثابة صالون أدبي، وما زلت أذكر "عم حنا وعم جرجس" جيراننا في حي السيدة زينب، الذين كانا يشاركان معنا في هذا الملتقى، بل كثيرًا ما كان هما وأسرتهما معنا في طعام الإفطار.

وأضاف د.يسري: الحب والتكافل والتعاون والتضامن وتعميق أواصر المودة والرحمة، كل ذلك كان يجمعنا في رمضان شهر القرآن وشهر البر والإحسان، والمساجد التي لا ينطفئ نورها أبدًا، والإنشاد والابتهالات الدينية التي تأخذنا إلى عالم نوراني.

وتوقف لحظة ليلتقط أنفاسه وذكرياته قبل أن يواصل: في رمضان كان لدينا خط أحمر نعرفه جميعًا يقول لنا: لا خصام، لا جدال، لا خلاف، لا شجار، فالكل في واحد، ونجهز لطعام السحور، صوت المسحراتي الرخيم المحبب لنا، ينادي كل واحد منا باسمه، فالكل يعرف الكل، الآن اختفى المسحراتي من حياتنا، كما اختفت الفوانيس التي كان يقوم بصناعتها حرفيون هم في الواقع فنانون... لن أحدثك عن العشر الأواخر من رمضان، الإكثار من العبادة والابتهالات الدينية، وما يصاحبها من إخراج الصدقات، ودعم كل محتاج، والعطف على كل ضعيف.

وختم قائلا: رمضان ليس شهرًا للطعام والشراب أو الطقوس المجردة من فحواها، كم أتمنى أن يجيء رمضان شهر الخير والإحسان ونحن أفضل حال مما نحن فيه الآن والذي أضحت مشاعرنا فيه باردة بسبب الاعتماد على التقنية.

لعبة "التنصير"!

بينما أكدت الأديبة اليمنية مياسة النخلاني: ما يتفق عليه الجميع أن التكنولوجيا طغت على الجانب الاجتماعي في حياتنا، وشهر رمضان المبارك أحد ضحايا التكنولوجيا الحديثة، ففي الماضي كان هو شهر التزاور وصلة الرحم والجلسات الجميلة التي تجمع أفراد الأسرة حتى يندمج الجميع بأحاديث عائلية يملاؤها الود.. أما اليوم فالجميع منشغلون بهواتفهم وأجهزتهم اللوحية، تجدهم منكبون على الواتس أو الفيس أو الانستجرام، حتى وإن اجتمع أفراد الأسرة فلا تجد غير الصمت وشاشات مضيئة وابتسامات غامضة!

وأضافت قائلة: حتى الأطفال كانوا يقضون ليالي رمضان يلعبون إلى وقت السحور تملأ ضحكاتهم الأرجاء، لم يعد الآن أحد يخرج ليلعب، حتى طفولتهم سرقتها الأجهزة الذكية لينطوي كل على نفسه، ويفقد الشهر الكريم روحانيته التي كان يغذيها المشاركة.

وتابعت مياسة قائلة: أذكر أن الأطفال كانوا يخرجون في الحارات ليلعبوا الألعاب التقليدية لوقت السحور، وهذا لم يعد متاحًا الآن خاصة بسبب الحرب، ومن أهم المظاهر التي كان الأطفال يستقبلون بها رمضان في اليمن ما يسمى في العامية لدينا بـ"التنصير" وهي لا تعني الخروج من الإسلام كما قد يوحي ظاهر الكلمة، بل هي كلمة دارجة معناها حرق إطارات السيارات القديمة، وكان الأطفال يسارعون بتجميع الإطارات وإيقادها فور الإعلان عن ظهور هلال شهر رمضان، فيتجمع حول نارها ودخانها أهل الحي، ويعرفون أن غدًا هو أول أيام الشهر الكريم.

حرمتنا بهجتنا وصحبتنا

أما لبنى إسماعيل رئيس تحرير مجلة "فاشونيستا" فقالت: كم نشتاق إلى أجواء الرمضانية الحقيقية التي كانت تجمعنا بالأهل والأصدقاء، وكانت من أهم هذه العادات "المسحراتي" الذي كان يطوف ليلا، والمميز عندما ننادي عليه لكي يذكر أسماءنا وكل أقاربنا وكل أطفال الحي، كنا نلوِّح له من النافذة لنلقي عليه السلام ونؤكد عليه أن ينادي أيضًا على أسماء أولاد العم والخال، لكن للأسف لم يعد ذلك متاحًا اليوم، فقد أصبحنا نعتمد على المنبه أو السهر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى موعد الإمساك.

وتابعت قائلة: في ليلة رمضان الأولى تحديدًا كنا نتجمع كأطفال ونطوف بالفانوس الذي كانت تضيؤه الشموع مع الأغاني الرمضانية، الآن ظهرت أشكال من الفوانيس المصنعة آليًا بأشكال شخصيات كارتونية أو شهيرة في المجتمع وتمتاز بالأضواء والأصوات والأغاني العصرية التي ليس لها علاقة بالشهر الفضيل، ومع ذلك لم تستطع هذه الفوانيس العصرية أن تملأ الفراغ والحميمية التي كانت للفوانيس التقليدية.

وأضافت لبنى: حتى المشروبات التي كنا نجهزها ليلا وكل فرد من الأسرة يكون مسؤول عن تجهيزها جاءت المشروبات المعدة والمجهزة لتحل محلها فلم يعد لها المذاق الخاص بها، بل إن كثيرًا من الأسر تحت ضغوط الحياة العصرية وضيق الوقت باتت تطلب وجبات جاهزة Take Away بدلا من الأطباق الشهية خاصة المحاشي التي كانت تتفنن فيها كل أسرة على حدة.

وتابعت بحزنٍ: حتى زينة رمضان كنا نقوم بصنعها في ليالي وأيام شهر شعبان استعدادًا لتعليقها قبل أيام من رمضان بمشاركة أهل الحي لينتشر الحب والصداقة والود ونتعارف على أشخاص جدد.. أما الآن فأصبحت حتى أوراق الزينة تُشترى جاهزة، وما عليك سوى تركيبها أو الاكتفاء بأضواء الزينة المصنوعة خصيصًا لهذا الشهر بفضل التكنولوجيا التي حرمتنا من جمع أصدقاء الحي، وأصبحنا نكتفي بإرسال رسالة لتهنئتهم بالشهر الفضيل، وحتى الرسائل تغيرت، فبعد أن كانت ورقية يحملها ساعي البريد، تحولت مع ظهور الجوالات إلى رسائل sms، وحتى هذه لم تسلم من التغيير، فمع ظهور الجوالات الذكية صار الجميع يعتمدون على رسائل مواقع التواصل الاجتماعي.. فصرنا نعيش قطيعة اجتماعية بسبب التقنية وانكبابنا على مواقع التواصل الاجتماعي، أو إن شئت فقل مواقع "القطيعة الاجتماعية".

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال