الجمعة، 26 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

102 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

pgtsx

   د. سعد عبيدي – باحث دراسات إسلامية:

لقد شكل ظهور الإنترنت ثورة هائلة في عالم الاتصالات، فبعد أن كان الاتصال بين الناس يتسم بالصعوبة في أحيان كثيرة جاءت هذه التقنية لتختصر المسافات وتقرب البعيد وتجعله في متناول اليد، وبهذه السهولة أصبح ما يعرف بالشبكة العنكبوتية فضاء واسعًا يحتوي على ملايين الصفحات والمواقع الإلكترونية وغرف الدردشة التي يضعها مبتكروها بين يدي كل من يريد الولوج إليها، وذلك بغرض زيادة التواصل والاتصال بين الناس على اختلاف أصنافهم وأماكنهم وأوقاتهم..

وزادت هذه الأهمية للشبكة العنكبوتية بعد أن تطورت وازدهرت شبكات التواصل الاجتماعي بكافة أنواعها.. لكن في السنوات الأخيرة رصد بعض الباحثين آثارا سلبية لهذه الغرف، مما دفعهم إلى التحذير من دخولها المتكرر، موضحين الكثير من مخاطرها النفسية والجسدية والاجتماعية، ومؤكدين على أن استعمالها الدائم يولد نوعا من الأسر والإدمان.

وشبكة الإنترنت أو الشبكة الدولية للمعلومات، أو الشبكة العنكبوتية «هي إحدى التطورات التقنية الكبرى والتي تجمع بين الحاسبات الآلية والاتصالات، وهي شبكة عالمية تربط عددا من الشبكات والحواسيب المختلفة الأنواع في العالم، ولها تسميات متعددة، فهي تسمى اختصارا بالشبكة، ومن الناحية التقنية تسمى شبكة واسعة النطاق، كما تسمى شبكة طريق المعلومات السريع لأنها تربط ملايين المستخدمين وتوفر لهم إمكانية تبادل الأفكار والرسائل والملفات» (1).

ولأجل هذا الغرض الأخير المتمثل في تبادل المعلومات والخبرات وغـــيرهــــا ظــــهر ما أصبـــح يـــعـــرف بـ «غرف الدردشة» أو «غرف المحادثة» أو «شبكات التواصل الاجتماعي»، والتي أصبحت توفر إمكانية الالتقاء والمقابلة على الإنترنت على هيئة مؤتمرات متزامنة؛ أي التحدث والمناقشة في نفس الوقت، أو تكون أحيانا غير متزامنة كما في المنتديات (2).

ولقد سهل ولوج هذه الغرف ظهور ما يعرف بـ «مقاهي الإنترنت» والتي عرفت «أول مرة في المملكة المتحدة عام 1995م، ثم انتشرت في باقي دول العالم، ومن بينها الدول العربية بطبيعة الحال، وكان دافع أصحاب مقاهي الإنترنت من وراء افتتاحها تحقيق هامش ربحي وخوض مجال عمل جديد، في المقابل وجد فيها الشباب وسيلة جديدة لملء أوقات فراغهم والتسلية، ووسيلة للبحث والحصول على المعلومات، فازداد بذلك عدد مستخدمي الإنترنت في الدول العربية خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير ليصل في عام 2001م وفقا لإحصاءات غلوبال ريسيرش إلى حوالي 4.1 مليون مستخدم» (3).

لقد أصبحت غرف الدردشة أو المحادثة وشبكات التواصل الاجتماعي في وقتنا الراهن أشبه بالدوائر الرسمية أو المؤتمرات أو الندوات الاجتماعية؛ ففيها أصبح عامة الناس صغيرهم وكبيرهم يتبادلون وجهات النظر والرأي في شتى أمور الحياة الخاص منها والعام، حيث أتاحت هذه الغرف إمكانية المراسلات الفورية وخلق طرق للتعارف بين مختلف الناس، حيث أصبح من الممكن إجراء محادثة فورية بين ملايين من البشر على شبكة الإنترنت في وقت وجيز، وأصبحت المراسلات الفورية الطريقة المفضلة للاتصال عبر الإنترنت لعدد كبير من الناس، خصوصا الأجيال الناشئة.

إلى حدود الآن يبدو الأمر جيدا، لكن الدراسات المتأخرة والتي تناولت غرف الدردشة وشبكات التواصل الاجتماعي أو الإنترنت بصفة عامة أكدت على أن الولوج المتكرر لهذه الغرف وهذه الشبكات أو الاستخدام المستمر للإنترنت لفترات طويلة يؤدي حتما إلى نوع من الأسر أو الإدمان، وهو ما أكدته دراسة أجريت على 400 شخص من مرتادي مقاهي الإنترنت، والتي رصدت مجموعة من السلوكات لا يمكن وصف أصحابها إلا بـ «العبيد» أو «المدمنين»، من بين هذه السلوكات: الانشغال بالتفكير الشديد في الإنترنت أثناء إغلاق الخط، الشعور بالحاجة إلى استخدام الإنترنت في فترات أطول من أجل الشعور بالرضا، عدم القدرة على السيطرة في الرغبة في استخدام الإنترنت، حيث ذكر أن بعض الأشخاص يستيقظون منتصف الليل لإلقاء نظرة عليه. وقد خلصت هذه الدراسة في الأخير إلى اعتبار مدمني الإنترنت من المرضى النفسيين، وأن هذا الإدمان يمكن أن يعطل حياتهم الدراسية والاجتماعية والوظيفية (4).

إن ارتياد المرء المتكرر لمقاهي الإنترنت بصفة عامة أو غرف الدردشة وشبكات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة مرده في المقام الأول حسب دراسة أجراها الدكتور شبير إلى «سوء توافق الفرد مع نفسه ومع بيئته، وذلك لفشله في تحقيق أهدافه وإرضاء حاجاته النفسية والجسمية والاجتماعية، وأهم الاضطرابات التي يمكن أن يتعرض لها مدمن هذه الغرف تتمثل في القلق، والتوتر النفسي، فقدان الثقة بالنفس، الخوف من المستقبل وبعض المواقف في الحياة، التردد والتخاذل والانطواء، الانسحاب والسلبية، اللامبالاة واليأس والتشاؤم، الاكتئاب والسأم، التبلد العاطفي وسرحان الذهن، الوساوس والشعور بالذنب والغيرة والحساسية والكراهية الزائدة» (5).

وغرف الدردشة وشبكات التواصل الاجتماعي تحفز «الفرد على التواصل مع الآخر بدرجة كبيرة، وتتيح له إمكانية البوح بأشياء لا يمكنه التصريح بها في وضعيات التواصل الطبيعي؛ إذ نراه أكثر جرأة على التعبير عن مكنوناته ومشاعره، وأكثر إفصاحا عن ذاته، ففي غرف الدردشة الرقمية ينزع الفرد إلى الانكشاف أمام الآخرين، والتعبير عن وجهات نظره والتصريح بمواقفه الشخصية دونما أدنى تحفظ أو قلق أو توتر، من هنا يمكن وسم تلك الغرف بكونها وضعيات مفيدة لعملية الترويح عن النفس، وتفريغ المعاناة الداخلية، فالوضعية التواصلية بين الأنا والآخر في غرف الدردشة تجعل عملية قراءة أذهان وعواطف الآخرين أكثر فعالية وعفوية وذلك بالمقارنة مع وضعية التواصل في العالم الواقعي الذي يتحتم فيه على الفرد التواصل مع الآخر وجها لوجه» (6).

هذا وقد أشار بعض الباحثين إلى أن غرف الدردشة أو شبكات التواصل الاجتماعي قد تولد عند الإنسان المدمن على ارتيادها نوعا من التوتر والتشنج تجاه الآخرين؛ حيث «تؤدي أحيانا بأشخاص ما إلى تجريح الآخرين وشتمهم والتصريح بالعبارات النابية في حقهم، وقذفهم بكلام خارج عن منطق الأخلاق، فهذه الفئة من الأشخاص عاجزة عن القيام بهذا التصرف في الواقع الطبيعي، ولخلو غرف الدردشة أو شبكات التواصل الاجتماعي من أي رقابة زجرية فهذا يشجعها على تفريغ مكبوتاتها الدفينة والقيام بنوع من التصفية السلبية للذات، والتي وإن كانت تحقق نوعا من الراحة النفسية المؤقتة لصاحبها، ففي المقابل ستعمل على تقويض أية علاقات إنسانية إيجابية بين أعضاء المجتمع» (7).

إن مقاهي الإنترنت بصفة عامة، وغرف الدردشة وشبكات التواصل الاجتماعي بصفة خاصة، تؤثر على مستخدميها الدائمين، أو بعبارة أدق مدمنيها، حيث «إن البعض قد يقع في خيوط وشباك لا نهاية لها، وبذلك يسيء استخدام هذه التقنية ويفْرط فيها ويعتمد في جل حياته عليها اعتمادا شبه تام، ويشعر بالاشتياق الدائم لها، ويحاول تصفية كل التزاماته قبل أن يلج هذا العالم الافتراضي، ويصبح شغله الشاغل هو كيف يعود مرة أخرى إلى هذه المقاهي، وبهذا يفقد استقلاليته ويصبح عبدا بل وأسيرا له، لأن هذه المواقع أصبحت تتحكم في كل أنشطته الحياتية» (8).

ويرى الدكتور ديوران، وهو أحد أعلام الاتجاه السيكودينامي المفسر لحالات أسر وإدمان الإنترنت، «أن مجهولية التعاملات الإلكترونية أو التعاملات غير معروفة الاسم مع الآخرين والتي نجدها في غرف الدردشة أو مواقع التواصل الاجتماعي تعد عاملا يبرز إدمان الإنترنت ويقدم محيطا افتراضيا ويغرس التهرب الذاتي من الصعوبات الانفعالية أو المواقف المشكلة والصعوبات الشخصية، وحينئذ يستخدم الشخص المدمن ميكانيزم الهروب، ويعزز هذا السلوك في المستقبل، وتوضح الحالات الحديثة أن مثل هذه التعاملات المجهولة تستخدم لتشجيع الانحراف والغش والخداع والإجرام» (9).

ولفك قيد هذا الأسر يقترح الباحثون أنواعا مختلفة من العلاج تؤكد جلها على ضرورة إشعار المأسور أو المدمن بالأمن والأمان والانتماء إلى المحيط، وتقديره وإشعاره بالكفاءة في كل ما يقوم به حتى لا يلجأ إلى العالم الافتراضي، ومحاولة إحساسه بمودة الآخرين.. الشيء الذي سيزيد من تقديره لنفسه واحترامه لها، ويخلق لديه نوعا من السعادة والرضا، كما تضع هذه الأبحاث في أولوياتها لعلاج المدمن حتمية إشباعه لدوافعه وحاجاته الداخلية؛ الفطرية والعضوية والفسيولوجية والمكتسبة في الإطار الذي تسمح به تقاليد وخصوصيات كل مجتمع، حتى يكون في مأمن من خطر أسر وعبودية هذه الغرف والمواقع (10).

الهوامش

1- السيد مصطفى، دليلك الشامل إلى شبكة الإنترنت، دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2000م، ص 2.

2-https://ar.wikipedia.org/iki/%D8%BA%D8%B1%D9

3- برهان محمد نور، استخدام الحاسبات الإلكترونية في الإدارة العامة في الدول العربية: نظرة تحليلية مستقبلية، المنظمة العربية للعلوم الإدارية، عمان، 1985م، ص 25.

4- اللحيدان فهد، الإنترنت شبكة المعلومات العالمية، دار العبيكان، الرياض، الطبعة الأولى، 1417هـ، ص 166.

5- شبير وليد شلاش، مشكلات الشباب والمنهج الإسلامي في علاجها، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ، ص 66.

6- هشام خباش، عبدالرحمن نيكولا برغزاي، الصحة النفسية بين غرف الدردشة وشبكات التواصل الاجتماعي، مجلة نقد وتنوير، العدد الخامس، الفصل الثاني، السنة الثانية، نيسان-أيار-حزيران، 2016م، ص 142.

7- Barak, A., Boniel-Nissim, M., & Suler,J ;Fostering empowerment in online support group ;Computers in Human Behavior; 2008; P: 1867.

8- أرنوط بشرى إسماعيل، إدمان الإنترنت وعلاقته بكل من أبعاد الشخصية والاضطرابات النفسية لدى المراهقين، مجلة كلية التربية، جامعة الزقازيق، العدد 55، 2007م، ص 91.

9- انظر: سلطان عائض مفرح العصيمي، إدمان الإنترنت وعلاقته بالتوافق النفسي الاجتماعي لدى طلاب المرحلة الثانوية بمدينة الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، كلية الدراسات العليا، 2010م، ص 41.

10- انظر: الحفني عبدالمنعم، موسوعة الطب النفسي، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1992م، ج.1، ص 425.

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال