aziz wasfy

نأمل صناعة جيل إيجابي قوي متفائل حين تدلهمّ الخطوب ولا ييأس حين يقنط الناس

المركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي هدفه نشر الوعي وسط اليافعين والشباب

تجديد الخطاب الديني أصبح مسألة حياة أو موت للشعوب الإسلامية

التربية بالقدوة من أهم وأمثل طرق ترسيخ المبادئ والأخلاق وتربية الأجيال

 

الدار البيضاء – محمد عبدالعزيز يونس:

د.عبدالعزيز وصفي، عالم شاب، ومدرس‏ ب‏جامعة الحسن الثاني‏ بالمملكة المغربية، يقود برفقة مجموعة من العلماء "المركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي"؛ وهو مركز علمي تربوي أُنشئ مؤخرًا بمجهودات شبابية في مدينة سطات قرب الدار البيضاء، ومن أهدافه خدمة الباحثين في العلم عمومًا والعلوم الإنسانية والشرعية خصوصًا، وكذا تقريب وجهات النظر بين الباحثين في سلك الإجازة والماستر والدكتوراه... ثم مشاركة خبرات العلماء والتواصل معهم في كل جديد ومفيد من داخل المغرب وخارجه. ولهذا كان هذا الحوار مع اللجنة العلمية بالمركز ويمثلها د.وصفي للتعرف إلى تجربته، إضافة إلى العديد من التفصيلات الأخرى؛ لاسيما المرتبطة بقضايا الشباب.

•     أولًا نود التعرف إلى التجربة العلمية والدعوية للقائمين على المركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي؟

 

إن أعضاء المركز المغربي أغلبهم متخصصون في العلوم الشرعية، ولهم شواهد عليا –ولله الحمد- في هذا التخصص (الإجازة، الماجستير، الدكتوراه، إجازات علمية في حفظ القرءان أو في تخصصات علمية تكاملية) بالإضافة إلى إتقانهم للغات الأجنبية، ومنهم من يتقن أكثر من لغة ولله الفضل والمنة، ومنهم من يحمل أكثر من شهادة علمية في تخصصات مختلفة دعت حاجة العصر إليها.

     بالإضافة إلى ما سبق، لهم أيضاً أبحاث ودراسات في مجال التخصص، وفي موضوعات مختلفة نشير إلى نتف منها:

القواعد الفقهية، المقاصد الشرعية والقواعد، الخلاف الأصولي، مقارنة الأديان، الأبعاد التربوية للعبادات، العلوم القانونية والشرعية... إلخ.

ولهم كذلك تجارب دعوية واعية متنوعة مثل:

-        المشاركة في كراسي الوعظ والإرشاد التي تقام بمساجد المملكة على طول السنة، وفي مناسبات مختلفة.

-        منهم من يتولى مهمة الخطابة وتأطير الناس في هذا المجال...

-        ومنهم من يهتم ببعثات الحج والتوعية التحسيسية بالمدارس...

-        ومنهم من يدرّس في التعليم العتيق...

-        ومنهم من يدرّس بالتعليم النظامي. إلخ

•     مع التغيرات التي تشهدها حياتنا المعاصرة.. هل مازالت المعايير الفقهية مناسبة للتطبيق العصري أم تحتاج إلى بلورة جديدة في سياق واقع المجتمع؟

نعتقد أن هذا السؤال في غاية الأهمية على غرار باقي الأسئلة، ونحن في المركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي لا يزال هذا السؤال محور اهتمامنا؛ ولذلك ارتأى المركز تنظيم الملتقى الأول للباحثين في موضوع "المذهب المالكي وقضايا العصر والتجديد"؛ في محاولة شبابية منه للإجابة عن هذا السؤال بالضبط، ونحن نرى أن الفقه في آفاقه وموسوعيته وامتداداته الزمانية والمكانية فقه مرن متجدد يراعي حالات حياتنا المعاصرة ويستجيب لها ويتماشى معها في مختلف مستوياتها وتمظهراتها؛ من قوة وضعف، سلماً أو حرباً، فرداً أو جماعة، صحة أو مرضاً...

والحقيقة أنه لا يمكننا الحسم في هذا السؤال، بل سيظل مفتوحًا... كونه سؤال العصر؛ وهو متجدد مع متطلبات الإنسان في كل زمان ومكان؛ نظرًا للمجريات والمتغيرات. ولعل المجامع الفقهية والمجالس العلمية في كل بلد عربي وإسلامي كان لها الحظ الأوفر من معالجة هذا الأمر، ولا زال -حسب منظورنا- الأمر في حاجة إلى التجديد والدراسة الواعية المستوعبة لقضايا أمتنا وأحوالها المعاصرة التي تمر بها وفق النظرة الفقهية الشرعية الواقعية الواعية لمختلف الزوايا والجزئيات.

•     وما رأيكم فيما يُطرح في كثير من البلدان عن ضرورة تجديد الخطاب الديني؟

بخصوص قضية تجديد الخطاب الديني أو الخطاب الإسلامي، برهنتْ الأحداث على ضرورته، وصار تجديد الخطاب الديني مسألة حياة أو موت لشعوب الإسلام، وصار قاسمًا مشتركًا بين كل المسلمين مهما كانت بيئاتهم واختلاف مشاربهم.

ويجب أن نعلم أن الله الموجود الحي القيوم هو أول أصحاب الشأن في هذا الصدد، ولا بد من بحث دوره فيه؛ إذ الكلام عنه ولا بد له من الدفاع عن دينه.

ولا يخفى علينا كذلك أن الإعلام له دوره البناء للأمم لو عزم بنية صادقة، والإعلاميون حالياً يتصورون أنفسهم قادرين على سياسة مشروع كهذا، ولكن لا يمكن ترك هذا الأمر العظيم للإعلاميين وحدهم وضيوفهم يعالجونه كل بما في ذهنه؛ فمصير الأمم أخطر من أن يترك لجماعات إعلامية وضيوفها.

لقد اقتنعت الجهات المعنية بصلاح الحال بحتمية التجديد، وانطلق الإعلاميون يتكلمون، واستضافوا جهات شتى، وتصاعد الاختلاف واحتدت الكلمات، واشتبك المشايخ وانطلقت القذائف مع وضد إسلام بحيري وإبراهيم عيسى، وتصاعدت الاتهامات بين الأزهر وبين الشيخ محمد عبد الله والشيخ الجندي، وحار المذيعون بين الشيخ أحمد كريمة وبين مناوئيه من المؤسسة الأزهرية، وزعم طائفة أنهم لو صعدوا المنابر فهم قادرون على معالجة التجديد الديني.

ومن الواجب فض الاشتباك حتى لا يفسد الأمر وتستفيد جهات الخراب مادة لدوام الحال، والحق أن دوام الحال من المحال؛ فهو لم يعد مقبولا.

المسألة في شموليتها وخطورتها تتحدد بأن هناك نصوصًا لا يمكن إلغاؤها أو تجاهلها؛ وهي تتعلق بحقائق صلبة، مثل نصوص "أن من فعل كذا فقد كفر أو أشرك"، وموضوعات وظيفة الدولة، ومسألة الجهاد وإقامة الخلافة وضلال الأمة وفتح القسطنطينية والدجال ونزول المسيح وقتل الدجال وكسر الصليب ونشر الدين الحق وفتح روما والمهدي ويأجوج ومأجوج... ومن المستحيل التجاهل.

من حق الشعب المظلوم أرضًا أو مالاً أو عِرضًا أن يدافع عن نفسه، وأعمال القتال تقوم بها شعوب ذات قيادة، لها أسباب وتتعرض إلى التدخل مناصرة أو إصلاحًا. وليس هذا هو جهاد القرآن. ويختلط الجهاد القرآني بالدفاع الواجب إنسانيًا على كل مظلوم ضد من يهاجمه.

قد يهاجم شعبٌ مسلمٌ (أ) أرضَ جيرانه المسلمين (ب) لاعتبارات يراها، فيقاتله الشعب المسلم (ب)، والقرآن لا يأمر هنا إلا بالإصلاح.

الجهاد القرآني الوارد في النصوص الربانية قاصر على مسألة واحدة: وهي حالة جيش يقاتلنا لنكفر ولا نوحد الله ربنا. جيش يفتننا بالقوة المسلحة عن اختيارنا الروحي. والله يحرم الأسر إلا في قتال، والأسير في القرآن مآله المن أو الفداء.

وأما الدفاع عن المال والنفس والحدود والعرض فهو أمر إنساني فطري، يسري خلال التاريخ ولا يحتاج أهله بالضرورة إلى انتظار القرآن.

ولكن، يتدخل القرآن فقط ليكون الدفاع أخلاقيًا؛ لأن القرآن لا يعفي حياتنا كلها بشمولها من الالتزام بالخلق القويم...

والمشكلة الكبرى اليوم في الذهول والخلط والدهس المتعلق بهذه النصوص. فالنصوص لها تفصيلها ولها أسباب نزولها ولها ظروفها وأحوالها، ولها أهلها في الفهم والاستيعاب والتنزيل.

ولكي لا نفصّل القول أكثر؛ لأن السؤال يحتاج إلى تفصيل -إن لم نقل إلى ندوة علمية موسعة متخصصة تجمع خيرة أهل الأرض، فإننا نرى من خلال رؤية المركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي أن موضوع تجديد الخطاب الديني أو الإسلامي أو الفقهي بصفة عامة لا يتغير كثيرًا عما يراه العلماء الربانيون والباحثون والفاعلون في الساحة الثقافية والشرعية من حيث ضرورته وحضوره في الملتقيات والندوات والدورات التكوينية... كونه أصبح في الواقع الراهن أكثر إلحاحًا وضرورة؛ لما يشهده العالم اليوم من تحديات وتفاعلات وتجاذبات في علاقات المجتمعات المسلمة اليوم وباقي المجتمعات الأخرى، وطبيعة هذه العلاقات -وفي عمقها- نوعية الخطاب الديني ومركزية الشباب وما تحيط به من متغيرات إقليمية ودولية لا يعلم حقيقتها إلا من غاص في خيوطها ودقق في تقلباتها وتجلياتها على البلاد والعباد.

لكننا نرى من جهة أخرى أن ضرورة تجديد الخطاب الديني لا تعني مطلقًا تغيير هذا الخطاب أو هدمه والإتيان بخطاب بديل، وإنما نرى أن مفهوم التجديد أن نعيد إلى الخطاب الديني صفاءه وحيويته ومجده التليد الذي كان عليه في السابق، مُدارَسَة وممارسة وفهمًا وتنزيلاً ودعوة وتبليغًا...

aziz 2wasfy

•     ونحن نعيش أجواء شهر رمضان المبارك.. كيف ترى فوائده في استقامة الفرد والمجتمع؟ وكيف يخرج المسلم -خاصة الشاب- من رمضان فائزًا لا خاسرًا؟

جعل الله شهر رمضان موسماً للأجور والأرباح، وغدًا يستقبل المسلمون في أنحاء العالم شهرًا عظيمًا طيبًا معطاء، هو رمضان المبارك، هذا الشهر أخي الفاضل يعني لدينا كمسلمين ولديك كمسلم الكثير، وأنت شأنك شأن سائر المسلمين قد استبشرتَ بهذا الشهر الكريم ولاشك.

إن المصارحة أخي الفاضل قد تكون مُرّة الطعم، لكن نتائجها محمودة، وقد ذقنا جميعاً مرارة التستر على العيوب، ولمسنا شؤم دفن الأخطاء باسم المجاملة.

 نجد البعض من الشباب يحتج حين تنهاه عن معصية، أو تأمره بطاعة أنه مقتنع تمام الاقتناع، لكن شهوته تغلبه وهو لا يستطيع ضبط نفسه، وقد يبدو العذر منطقياً لدى البعض لأول وهلة. لكن حين ترى حال مثل هذا الشاب مع الصيام ترى منطقاً آخر.

فما إن يحِن أذان الفجر حتى يُمْسِك مباشرة عن الطعام ولو كانت ما بيده أول لقمة؛ لأنه استيقظ متأخراً. ويبقى عنده مائدة الإفطار ولا يتجرأ على مد يده قبل أن يسمع الأذان، وهو أثناء النهار مهما بلغ به العطش والجهد لا يفكر في خرق سياج الصوم واستباحة حماه... ألا ترى أن هذا السلوك -وهو سلوك محمود ولا شك- يدل على أنه يملك القدرة على ضبط نفسه والانتصار على شهوته؟

إن الصيام أخي الشاب يعطينا درساً أننا قادرون بمشيئة الله على ضبط أنفسنا والانتصار على شهواتنا.

ومن المعلوم أن رمضان يعد محطة من محطات التغيير ومؤسسة تربوية للإنسان، وكأنه يولد ولادة جديدة متى حصل مقصد التزكية في المجالات الآتية:

فوائد روحية: تكثير الحسنات وتكفير السيئات، اغتنام فرص القربات وتكثير الخيرات والطاعات...

فوائد تربوية: يتعلم الصائم كيف يتحلى بالفضائل ويتخلى عن الرذائل؛ فمقياس الصوم الناجح ما حققه من آثار سلوكية للصائم في علاقته بنفسه وبربه وبغيره.

فللصيام دوره التربوي على المستوى الشخصي والذاتي؛ من خلال خشوع النفس، وتصفيتها وتزكيتها، والارتقاء بها من حضيض النفس البهيميّة إلى ذروّة التشبّه بالملائكة الروحانيين...

       وعلى المستوى الاجتماعي والإنساني، وذلك من خلال التحسّس لآلام الضعفاء، والتعاون والتكافل بين أبناء المجتمع...

ولا بد أن نذكّر هنا بأهمية اغتنام الوقت في هذا الشهر العظيم في كل ما ينفع الشاب والشابة في دنياه وآخرته؛ حتى لا يخرج رمضان والحسرة تملأ قلوبنا والعياذ بالله.

ويجب بالمناسبة أن نتذكر ونتدارس النماذج المضيئة والصور المشرقة التي تشير إلى اجتهاد سلفنا الكرام في عبادة الله تعالى وحسن طاعته في امتثال أوامره واجتناب مناهيه.

والحمد للّه على نعمائه وجزيل عطائه وامتنانه.

•     كيف يمكن إحياء الإيجابية على مستوى الفرد والمجتمع لاسيما من خلال قيم التكافل التي يشهدها الشهر الكريم؟

في ظل الحراك الذي تشهده أمتنا الإسلامية ومطالب الإصلاح والتغيير في محاولة للنهوض بأمتنا، تبرز أهمية التأكيد على بناء خلق الإيجابية في نفوس النشء.

ونعني بالإيجابية: تربية الأجيال القادمة على الإرادة والإقدام والفعالية والإبداع والإنشاء والتوجّه؛ فتؤدّي مهامها في الحياة وتسهم في نهضة مجتمعاتها.

     إن الإيجابية هي التي تساعد على مقاومة الشر في النفس والمجتمع، فلو كان الإنسان سلبياً تجاه كل شيء لتفشت الأمراض والشرور دون أن يقاومها أو يغيّر ما فيها من منكر، وتخضع النفوس للفساد وللظلم، وينتهي الأمر بالبوار والدمار. كما أن الإيجابية تساعد على إبداع النظم الجديدة التي تدفع البشرية إلى الأمام، دون خوف من الخروج على "مألوف" الناس حين يفسد هذا المألوف ويصبح مصدراً للفساد، وكلها أمور حيوية بالنسبة إلى الفرد والمجتمع والحياة.

     إننا نأمل صناعة جيل إيجابي قوي متفائل حين تدلهمّ الخطوب، لا ييأس حين يقنط الناس، ولا يتراخى عن العمل حين يفتر العاملون، يصنع من الشمعة نورًا، ومن الحزن سرورًا؛ بهذا الجيل تُبنى الحضارات وتُصنع الأمم.

     لقد كانت الطاقة الإيجابية التي غرسها رسول الله في أصحابه هي القوة الدافعة لهم لإنشاء هذه الحضارة الشامخة؛ فبعد أن امتلأت قلوبهم بالإيمان حقًا أخذوا ينشئون نظامًا غير مسبوق في كل الأرض: نظامًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وفكريًا وروحيًا لا توحي به ضرورة من ضرورات الأرض، وليس نتيجة (حتمية) لشيء من ظروف الأرض؛ إنما يُنْشَأ إنشاء، إرادة واقتدارًا، بدافع من الإيمان والطاقة الإيجابية.

     إن الأفكار تبقى ميتة حتى لو كانت صادقة وصحيحة حين لا تكون ذات فاعلية في إطار زمني محدد، والأشياء تصبح باهتة ومجرد أكداس إذا لم تكن متأتية عن حركة الحضارة ومتسقة مع وظيفتها. إن التقدم أو التخلف لا يعتمد على الأفكار الصحيحة فقط؛ وإنما يعتمد أيضاً على أسلوب الحياة الذي ينتهجه أفراد الأمة في سبيل تحقيق أهدافها!

     والإنسان أساس الحضارة؛ ولذلك يؤكد منهج التغيير الحضاري الإسلامي على صياغة الإنسان المسلم من جديد قبل بناء العمارات، وإنشاء المصانع وتعبيد الطرق وتنظيم الحياة المادية، أو معها على الأقل؛ فالطريق الصحيح للخروج بالأمة الإسلامية من دائرة التخلف أن نعود إلى منهاج الإسلام في التغيير الحضاري، فنقوم بتفجير الطاقات الكامنة في الإنسان المسلم، وعندها نمتلك القدرة على القفز فوق كل الحواجز لتحقيق التقدم والإنجاز الحضاري.

ويمكن إحياء الإيجابية في الفرد والمجتمع من خلال قيم التكافل عن طريق:

إن التخلف الذي ترسف فيه أمتنا إنما هو في حقيقته نتيجة أزمة لكسلنا وعجزنا عن المبادأة في أي ميدان، ولا طريق لنا إلى التقدم؛ إلا أن نكون على يقين أن الفعالية هي طريق الأمم إلى الحضارة.

إن تزايد مناخ الحريات الذي بدأ يسود عددًا من المجتمعات العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة يساعد على إنشاء مثل هذا الجيل، لكن يبقى السؤال العريض: ما هي الخطوات العملية التي تساهم في ترسيخ مثل هذا الخلق في الأجيال القادمة؟

•     ما أهم الروافد التي ينبغي أن ينهل منها المرء -خاصة من الشباب- ليكون على درجة متقدمة في الوعي؟

شهد القرن الماضي نشاطاً فاعلاً للمؤسسات الثقافية غير الحكومية، أسهم إلى حد كبير في تطوير وعي الشباب وفتح جسور الحوار بين الحضارات والثقافات المتباعدة.

وتستقطب هذه المراكز والمؤسسات في جميع أنحاء العالم الشباب من الجنسين؛ إذ يجدون فيها ما يرضي تطلعاتهم الفكرية في ميادين الأدب والموسيقى والفنون التشكيلية وتعلم اللغات وإتقان العلوم الحديثة...

وفي المغرب نشطت هذه المؤسسات في الخمسينيات من القرن الماضي، وبلغت أحسن مستويات أدائها في الستينيات والسبعينيات، ثم انطفأت جذوة فاعليتها في الثمانينيات والتسعينيات...

وفي العقد الأول من الألفية الثانية تعود هذه المؤسسات إلى المشهد المغربي لتحاول أن يكون لها صوت قوي مسموع، ومن ضمن هذه المراكز الشبابية التي أسست على تقوى من الله لتحقيق الخير في البلاد والعباد نشير إلى المركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي، وهو مركز شبابي بامتياز؛ هدفه نشر الوعي وسط فئات اليافعين والشباب بشتى الوسائل والطرق العلمية المتاحة شرعًا وقانونًا، وقد بدأ مشروعه بالفعل ولاقى استحسانًا كبيرًا وتجاوبًا منقطع النظير إلى حدود الساعة ولله الحمد.

فهو مركز ينظر إلى الشباب باعتبارهم روح الأمة، وعنوان حيويتها، وطاقتها البانية، وليس هناك مجتمع أخذ بأسباب التقدم ولم يجعل لشبابه الموقع الأول من اهتمامه؛ فهم معين الحياة الذي لا ينضب، ولم تُعرف أمة من الأمم أولت لشبابها الاهتمام والرعاية ما أولته لهم الأمة المحمدية، بقيادة مربيها وقائدها الفذ خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.

أما فيما يخص الروافد التي يمكن أن ينهل منها المرء لبناء وعي متقدم فهي كثيرة ومتنوعة؛ فبالإضافة إلى ربطه بالدين الإسلامي عقيدة وشريعة، وجب دمج هؤلاء في واقعهم وفي قضايا أمتهم وأوطانهم، وأن ينفتحوا على مختلف العلوم والتخصصات حتى يتبلور في أذهانهم فكر شمولي يستطيعون من خلاله مواجهة مختلف الشبهات التي قد تعترض حياتهم الفكرية والعلمية والعملية...

ومنها أيضًا:

ولا بد في هذا المقام أن نشير إلى أنه يجب استشعار رسالة الإنسان في الحياة، وهي إعمارها؛ فجلّ أحكام الشريعة والعقائد ليس فيها مجال إلا أن نتلاقى مع كتاب الله، ثم يأتي الباب الواسع الذي هو الأحكام الدنيوية في قضايا الحياة وتفاصيلها، وجاءت هذه الأمور في الوحي الذي نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنظام الذي تسير عليه الحياة هو نظام من خلق الوجود، والله يتعهد لنا بجميع المؤكدات في ذلك، قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، لا بد من تلقي التوجيه من الله؛ فالنفوس البشرية فُطرت على أنها غير مستقلة بذاتها، لا بد لها من توجيه وتشريع وتنظيم؛ إما أن توجه إلى التوجيه الرباني فتسمو وتمضي وترتفع، وإما أن تُوجهه لغير الله بضعفها وقصورها وظلمها وعجزها وفقرها.

ولا ننسى هنا أيضًا ما ميز عصرنا من حصول ثورة المعلوميات، فتحصلت لنا درجة من الوعي حادة ودقيقة أنتجت إرادة قوية لأجل التغيير نحو الأفضل والقطع مع أنظمة الفساد والاستبداد التي أهلكت البلاد والعباد.

ghfgyi

•     كيف تنظر إلى أهمية القدوة في حياتنا؟

موضوع التربية بالقدوة عريض الأطراف؛ وهو موضوع العصر الذي يجب أن يدركه كل مربٍّ أو أب أو من وكله الله مسؤولية حراسة النشء والسهر عليه؛ لأن التربية بالقدوة من الأمور الأساسية في بناء الشخصية المسلمة المتزنة، وهذا منهج نبوي وجب إحياؤه واستثماره في رسم وبناء شخصية الشباب المسلم الذي يعد عماد الأمة ومستقبلها ونماءها وتطورها...

والتربية بالقدوة من أهم وأمثل الطرق في ترسيخ المبادئ والأخلاق وتربية الأجيال، وهي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالمناهجُ والنظرياتِ التربويةَ في حاجةٍ دائمة إلى من يُطَبِّقهَا ويعملُ بها، وتظلُّ تلك المناهجُ نظرية وحبرًا على ورق فقط ولا تحقق جدواها ما لم تتحول إلى سلوكٍ عَمَلِيٍّ للمربين أنفسهم، ولذا كان المنهجُ النبوي في إصلاحِ البشريَّةِ وهدايتها يعتمد على وجودِ القُدْوَةِ التي تحوِّل تعاليمَ ومبادئ الإسلام إلى سلوكٍ عمليٍّ، وحقيقة واقعة أمام الناس جميعاً، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء عمل به أولا، وإذا نهى عن شيء كان أول المنتهين عنه؛ فكان صلى الله عليه وسلم القدوةَ والأسوة العملية التي تترجم الإسلام إلى حقيقة وواقع.

والسيرة النبوية بأحداثها ومواقفها مدرسة نبويّة متكاملة؛ لما تحمله بين ثناياها من المعاني التربوية العظيمة التي تضع للدعاة والمربين منهج التربية الصحيح وتبين لهم وسائل الإصلاح للفرد والمجتمع؛ ومنها التربية بالقدوة والأسوة الحسنة، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21).

 قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: "الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله".

ولأهمية موضوع الاقتداء بيّن لنا الرسول صلى الله عليه وسلم من هم أولى أن يُقتدى بهم بعده، فذكر خلفاءه وأفضل أصحابه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. وقال صلى الله عليه وسلم: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» رواه الترمذي وصححه ابن حبان والألباني.

وموضوع التربية بالقدوة الصالحة  مهم للغاية وميدان فسيح للتباري بين ذوي الهمم العالية والنفوس الزكية في ترشيد وإصلاح النشء والرعية؛ وهو من أولويات وأهداف المركز العلمي التربوي الذي أسسناه بمجهوداتنا الشخصية البسيطة ونتشرف به في إطار تفعيل دور الشباب المسلم الفاعل كينونة وعقلا ومسؤولية وتفاعلا...

أخيرًا.. كيف يمكن تبسيط الفقه بشكل يقبل التطبيق؟

نظرا لتطور الحياة المتسارع طرأت الكثير من القضايا التي تستلزم من العلماء أن يستجلوا النظر لاستخراج الحكم الشرعي؛ فالعلماء السابقون لم يدخروا جهدًا في إيجاد الأجوبة عما قد وقع في عصورهم، والكثير من ذلكم التراث الضخم المبارك ينبغي أن يوظف فيما يعين على تجديد واسع وشامل لمد مظلة الفقه الإسلامي لتشمل كل ما يحتاجه الناس من حلول لقضاياهم المعاصرة؛مصداقًا لقوله تعالى: {… وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} النحل/89.

وتبسيط الفقه الإسلامي لا بد أن يمر من قناة التجديد؛ لأن هذا الأخير يحمل معنى الحيوية المتجددة التي تبث في النفس السعي الدؤوب لإعادة صبغة الدين لمختلف جوانب الحياة.

والمحرك الأساس للتجديد هو: الاجتهاد الصحيح القائم على الأسس الثابتة.

ومن لم يهتم بأمر التجديد حرم خير المستجدات وفي ذات الوقت لم يتمكن من دفع شرها؛ لأنها ستصل إليه لا محالة.

وليس معنى التجديد متابعة كل ما يجد على ساحات الحياة وفضاءات الفكر؛ وإنما محاكمة الجديد بالقواعد الثابتة.

وهنا لا بد من فهم الواقع لمن يتسنم قضية التجديد؛ وهي تشمل علوم الاجتماع والنفس والفلك ونحوها لأمر القرآن بالنظر والاستبصار، وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل في الكون.

ووفق هذه الرؤية الموسوعية فإن المركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي يجمع بين الأصالة والمعاصرة من حيث الطرح والبناء؛ فهو مركز يستمد قوته من الإسلام أصولا وفروعا، ويرسخ بناءه على قواعده وأسسه، غير أن طرحه للإسلام وتقريبه للمتلقين يعتمد نظرة مستجدة عمادها تبسيط الفكرة بشكل يقبل التنزيل والتطبيق ويستجيب لمتطلبات الوقع ومقتضياته (وهذا تفعيل لفقه الواقع).

إلى هذا الحد نكون قد أجبنا عن جميع أسئلتكم، ونتمنى أن نكون قد وفقنا إلى جانب من الصواب؛ لأن هذا ما ظهر لنا بإيجاز، فإن كان فيه من الصواب فمن الله وحده؛ وهو الموفق إليه، وإن كان دون ذلك فهو من حظ النفس ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان.

وفي الختام نسأل الله أن يبارك جهودنا وجهودكم لكل خير، وأن يسدد أحوال جميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، وأن يهدي شبابنا في كل مكان، وأن ييسر لنا صيام وقيام هذا الشهر العظيم كما أمر سبحانه. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين الذي تتم بنعمته الصالحات.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.