sobhy mosa1 

دور النشر صنعت العديد من النجوم في وقتٍ قصير وسيسقطون سريعًا

ثورة الاتصالات أضافت طبقة قراء برجوازيين يقرؤون بهدف الاستعراض

آليات النقد تطورت كثيرًا لكن يظل الإبداع سابقاً بمسافة كبيرة

صراع الأصالة والحداثة محور جدلية "الموريسكي الأخير"

القاهرة- آية إيهاب:

يؤمن الروائي صبحي موسى بأن أدب الشباب ليس ظاهرة وقتية، بل سجل حضورًا متواصلا على امتداد تاريخ الإبداع، إلا أنه يؤكد في الوقت ذاته أن تيمة "النجم" في عالم الكتابة ظاهرة وقتية ما يلبث صاحبها أن يسقط بالسرعة ذاتها التي صعد بها.

وأوضح رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، وصاحب رواية "الموريسكي الأخير" أن ثورة الاتصالات أضافت طبقات برجوازية جديدة إلى عالم القراءة تقرأ بهدف الاستعراض، مؤكدًا أن روايته الأخيرة غاصت في فكر الأقليات المهمشة التي لا يلتفت إليها المجتمع.. وهذا نص الحوار.

شهدت السنوات الأخيرة انتشارًا واسعًا لكتابات جيل الشباب لدرجة رأى فيها البعض منافسة شرسة لكتابات الكبار.. فإلى أي مدى تتوقع استمرارية هذا النوع من الكتابة؟

مصطلح "أدب الشباب" سيظل موجوداً؛ لأنه يعبر عن التغيرات في النوع الكتابي الذي تنتجه المراحل العمرية المختلفة، والتي ترددت تحت أسماء عدة، إذ أن ظاهرة الكتب "الأكثر مبيعاً" المرتبطة بأدب الشباب، موجودة على مدار التاريخ وليست وليدة السنوات الأخيرة كما يظن كثيرون، فهناك أنواع من الكتابات المختلفة استطاعت أن تجذب الشباب إلى القراءة، ونقلت الشباب من القراءة المدرسية إلى الأفق الأكثر اتساعاً، مثل كتابات مصطفى محمود وأنيس منصور وفاروق جويدة في الشعر وغيرهم.

وكيف تبرر سطوع نجم بعض الكتاب دون أن يتناسب هذا السطوع مع مستواهم الإبداعي؟

دور النشر في مصر تحاول أن تعتمد فكرة "صناعة النجم" من خلال قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، والطبعات المتعددة للعمل الأدبي، والأفكار التي يتناولها العمل، ما أفرز تيمات معينة للكتابة، والمشكلة تبقى في أنها خلقت العديد من النجوم في وقتٍ قصير، لكنهم سيسقطون بالسرعة ذاتها التي تواجدوا بها.

sobhy mosa2

برأيك.. هل تتغير البلاغة من جيل إلى جيل؟

لا يوجد أدب دون بلاغة، لكن لكل زمن بلاغته الخاصة به، فتطور العلاقات واللغة ينتج مجازات ودلالات جديدة، كما أن الحقول الدلالية للكلمات تتطور، فالتطور البلاغي في المجتمعات اقتضى التخفف من البلاغات القديمة، فبلاغة المنفلوطي لا يمكن أن تكون على نفس مستوى بلاغة جيل الستينيات، وهكذا بالنسبة لبلاغة جيل اليوم.

فكتاب "الأكثر مبيعاً" يراهنون على ما يريده القراء من جمهورهم، سواء أكان ذلك سياسة أم دين أم جنس، في حين تبرز فكرة "الاستغراب في مقابل الاستشراق" لدى نوع آخر من كتاب الشباب، الذين يراهنون على كتابة جيدة ومتميزة، باستخدام لغة رصينة وكلاسيكية، خاصة أن إيقاع الحياة بالنسبة للشباب مختلف عن الجيل السابق، فالتطورات التي شهدها الشباب سواء تكنولوجياً أو سياسياً أو غيره، تنعكس على كتاباتهم.

وهل ترى أن التكنولوجيا الحديثة أفادت القراءة في وقتنا الحالي؟

ثورة الاتصالات منذ بداية الألفية أضافت طبقة جديدة من القراء، وهي الطبقة البرجوازية التي تقرأ بهدف المنافسات الاستعراضية، فليس هدفها الثقافة في حد ذاتها بل الاستعراض، وهو ما أضاف جانباً جديداً من ظاهرة "الأكثر مبيعاً"، من خلال نشر نوع من الكتب يخاطب الجمهور العام، وهدفه التسلية.

كثيرون يلقون باللائمة على النقد.. فهل بات قاصرًا في هذه الآونة؟

آليات النقد تطورت بشكل كبير، وذلك من خلال تطور ما ينشر في الصحف، لكن يظل الإبداع سابقاً النقد بمسافة كبيرة، فالتطورات الإبداعية سابقة للنقد وليست على نفس المستوى.

وماذا عن روايتك الجديدة "الموريسكي الأخير"؟

منذ وقت طويل كنت أسعى لكتابة رواية عن تاريخ المغرب العربي، خاصة ما تعرض له الموريسكيون، بشكل تحليلي عن الأسباب والنتائج، وعندما اندلعت الثورة المصرية، وتعاظم دور الإسلاميين ولمع نجمهم، كنت أنا مسئولًا عن النشر داخل هيئة قصور الثقافة المصرية، حينها تركت منصبي لعدة أسباب، وبالصدفة قامت صديقة لي بإرسال رابط عن منحة للصندوق العربي للثقافة والفنون لكتابة رواية، وحاولت إقناعي بجدوى المشاركة، حتى شاركت بالفعل وكتبت نحو 150 كلمة عن فكرة الرواية، وبالفعل وافقوا على إعطائي المنحة، وهكذا كتبت "الموريسكي الأخير".

وما الذي أردت إيصاله من خلال الرواية؟

بالتأكيد لكل عمل أخطائه، إذ أن فكرة العمل المكتمل هي ضرب من الخيال، وتحاول هذه الرواية مناقشة تفكير الأقليات المهمشة التي لا يلتفت إليها المجتمع، إضافة إلى البحث بشكل خاص في موقفنا إزاء التراث، والذي يشبه برأيي غرفة مليئة بالأشياء المتراكمة ولا نعرف بينها ما نحتاجه، وما الذي لا نحتاجه، لذا فنحن بحاجة إلى تبيان موقفنا النقدي من هذا التراث الكبير، والذي يؤثر بشكل محوري في مستقبلنا، إذ أن هناك من يخبرنا بأن نعود إلى عصر السلف الصالح من أجل أن نتطور، ويخبرنا آخرون بأن علينا أن نأخذ بأساليب النهضة الحديثة، وهذا الاتجاهان متصارعان حتى الآن، وكل فريق يرى أنه الأصوب والأجدر بأن تنفذ أفكاره، وهذه قضية في منتهى الأهمية في الوقت الحالي ارتأيت أن أناقشها من خلال عمل روائي مثلما فعلت في الموريسكي الأخير.

ركز عديد من الروايات على عنصر الزمن وحده أو المكان وحده بينما عنيت داخل روايتك بالعنصرين معًا؟

بالفعل قصدت التنوع في الزمن، إذ رصدت أكثر من مستوى ومن حقبة، من خلال الزمن الحاضر والماضي والماضي التام المستمر، لكن فيما يخص الزمن فإن روايتي الماضية "أساطير رجل الثلاثاء" رسمت خريطة للعالم العربي، نظرًا للتنوع الهائل في أماكن الرواية، أما في الموريسكي فتناولت المغرب وقديمًا الأندلس والتي حوت البشرات وغرناطة وطليطلة ثم المكان الحديث هو القاهرة.

sobhy mosa3

هناك أزمة تخص هذا النوع من الروايات إذ يربطها القراء بالتاريخ دائمًا.. فكيف تتعامل مع القراء الذين يصرون على اعتبارها تأريخًا ما؟

هذه الهواجس تحدث مع الأعمال التي استقرت في الوجدان الثقافي مثل رواية "وا إسلاماه" لعلي أحمد باكثير، والتي تعامل البعض بوصفها هي التاريخ، بل وصاروا يستقون منها معلوماتهم، وأرى أن الكتابة التاريخية أصعب من الكتابة العادية، ففي الروايات التاريخية لا نعيد سرد الأحداث بل نقوم بملء الفراغات التي تركها التاريخ، فشخصية مثل "عبدالله جهور" لم يزد في كتب التاريخ الحديث عنها سوى سطور، ثم حولتها في روايتي إلى شخصية كاملة، ويشبه هذا النمط في طريقته الخيال العلمي، أحيانًا نحتاج هذا في النصوص لنبدع وفقًا لشروط معينة أكثر احترافًا.

فيما يخص لغتك لاحظت أنها تميل إلى الرصانة؟

بدايتي في كتابة الشعر ساهمت في أن تكون لغتي رصينة بشكل كبير، لكنني أسعى إلى التخفف من اللغة، فما يتمناه كل كاتب أن ينتج نصاً يقرأه عابر السبيل في الشارع، أي يقرأه الجميع وليس النخبة فقط.

قلت سابقًا إن بوكر جائزة مربكة فهل يعني هذا أنك لا تنوي الترشح لها؟ وما الجائزة التي ترى أنها بعيدة عن الاتهامات؟

ليس لدي أزمة حيال مسألة الترشح طالما أن الناشر هو من يقوم بها؛ لأن المبدع لا يرشح عمله من أجل مكسب، ففي النهاية لا يجب أن يتحول المبدع إلى صائد جوائز يبحث عن أي تقدير لعمله، رغم أن الجوائز بالفعل تساهم في ترويج الأعمال وشهرتها، لذا فأنا لن أقف أمام رغبة الناشر في ترشيح عملي لجائزة ما، ولكن طالما هذا لا يتعارض مع وطنيتنا أو غيرها مثل أن ترشح الجائزة لجائزة إسرائيلية أو داعشية مثلًا، غير أنني لا أمانع في الترشح لأي دولة عربية.

أما فيما يخص بلفظة مربكة التي قلتها فهذا لأنه ليس هناك قانون واضح وصريح حول شروط وطرق الترشيح، خاصة أن هناك أعمالاً قوية لا تصل للقائمة القصيرة والطويلة، وأحيانًا تصل أعمال دون المستوى، لذا أرى أن المسوغ الأساسي للنجاح هو التوزيع الجغرافي بشكل كبير، وأظن أن العام القادم ربما يشهد نجاح أديب يمني.

أخيرًا.. ما الجديد الذي تحضره لقرائك؟

كان لدي بالفعل رواية جديدة، لكن انشغالي بالموريسكي الأخير جعلني أؤجل هذه الرواية، وبعد نشر الموريسكي انتهيت من اللمسات الأخيرة لروايتي، لكنني أود أن أترك فرصة للموريسكي في الظهور قبل أن أنشر روايتي الجديدة، لذا لن ترى النور هذا العام، وتدور قصة الرواية حول مؤلف يحاول أن يكتب عن قريته ثم يدون فصلًا بالفعل، ويذهب مرة أخرى إليها، لكن يحدث أن يختفي ربع هذه القرية جراء انفجار ما، ليصبح الكاتب حبيس هذه القرية، لتختلط الفانتازيا بالواقع في الأحداث.

 

sobhy mosa5

صبحي موسى

صبحي موسى شاعر وروائي مصري، صدر له في وقت سابق أعمال مثل "في وداع المحبة، صمت الكهنة، المؤلف، لهذا أرحل، أساطير رجل الثلاثاء" وأخيرًا "الموريسكي الأخير" والتي كتبها بمنحة من الصندوق العربي للثقافة والفنون "آفاق" التي فاز بها عام 2013، وكتبها خلال عامين لتصدر في معرض القاهرة الدولي للكتاب عن الدار المصرية اللبنانية.

يشغل حاليًا منصب مدير إدارة بالهيئة العامة لقصور الثقافة، وسبق أن حصل على جائزة أفضل عمل روائي في معرض القاهرة الدولي للكتاب في 2014 عن روايته "أساطير رجل الثلاثاء" ليصبح في غضون سنوات من أهم الأصوات الروائية في مصر.