ezz1 

كثير مما يُصدره مبدعونا لا يهم القراء!

القاهرة - محمد حبيب:

اعترف الناقد والفنان التشكيلي عز الدين نجيب بأن المثقفين لم يقوموا بدورهم على الوجه الأكمل خلال الفترات السابقة، وعزا ذلك إلى معاناتهم منذ عقود من التهميش المتعمد سواء من جانب مؤسسات الدولة أو من أفراد المجتمع.. وأضاف أن المجتمع يمر بحالة ملحوظة من الانصراف والعزوف عن كل ما يتصل بالثقافة من مسرح وسينما ومتاحف ومراكز ثقافية مختلفة.. وأن أعداد من يقرؤون يتناقصون ولا يزيدون.. ورفض تحميل المسؤولية في ذلك لسوء الأوضاع الاقتصادية للمواطن المصري.. إلى التفاصيل.

 

يعاني المجتمع المصري طوال السنوات الماضية من سلوكيات دخيلة لا تتفق مع كون مصر مركز إشعاع ثقافي.. فأين المثقفون من ذلك؟

المثقفون يعانون منذ عقود عديدة ومتصلة من التهميش الواضح والمتعمد من قبل الدولة ومن قبل المجتمع على حد سواء، ومعظم هؤلاء ممن يشتغلون بمجالات الفن والأدب والدراسات الإنسانية والتنمية الثقافية، الأمر الذي تسبب في عدم تمكينهم من أداء مهامهم ورسالاتهم تجاه مجتمعاتهم بشكل أكثر تواصلًا وأكثر تفاعلًا مع الوسط المحيط، سواء من خلال برامج الإعلام الأكثر شمولية والأكثر تنوعًا أم من خلال لجان متخصصة لوضع نظم تعليم جادة ومتطورة، بالشكل الذي يتيح للثقافة المصرية أن تكون ركنا أصيلًا وفاعلًا في بناء المجتمعات الجديدة.. كما يعاني المثقفون من نقص دور العرض والمراكز التى من المفترض ان تحتضن اعمالهم الأدبية والإبداعية حيث تتناقص باطراد عدد قاعات المسرح والموسيقى والسينما والفنون التشكيلية، وإن كان المتاح منها يتركز أغلبه في وسط القاهرة وحى الجزيرة، ناهيك عن اقتصار المجتمع التفاعلى مع هذه الإبداعات على فئة محددة تندرج تحت إطار أولئك الذين لديهم حاسة التذوق التاريخي وبعض الأثرياء المهتمين بالحركة الثقافية والإبداعية.

عزوف مجتمعي

ألاحظ في كلامك بعض أوجه العتاب على الجمهور والمجتمع ككل؟

من زاوية المجتمع فإن معاناة المثقفين تعد هي الأشد، إذ يثبت المجتمع يومًا بعد يوم أنه ليس بحاجة إلى هذه النوعية من الثقافة، والكثير منهم لا يهتم أصلا بقراءة ما يصدره الكتَّاب في مختلف مجالات الأدب والشعر والفلسفة والقضايا المجتمعية، الأمر الذي يضطر الكاتب والناشر إلى ألا تتجاوز عدد النسخ المطبوعة 3000 نسخة وقد يستغرق توزيعها اكثر من ثلاث سنوات في بلد يبلغ عدد الحاصلين فيه على شهادات عليا أكثر من عشرين مليونًا على الأقل بخلاف عدد المتعلمين تعليمًا متوسطًا أو إعداديًا، ولعل هذه الأسباب تؤكد على منطقية زيادة نسبة الأمية والأمية الثقافية داخل جنبات المجتمع، ما يدعونا للتنبه والرصد والتأمل بما يسمح بوضع أطروحات تحد من هذه الأزمة المجتمعية الضارية.

معنى ذلك أنك تشكك في قيمة الثقافة وأهميتها لدى قطاع كبير من المجتمع المصري؟

من دون شك يجب أن نعترف أن المجتمع يمر بحالة ملحوظة من الانصراف والعزوف عن التردد على المتاحف وقصور الثقافة والمراكز الثقافية والعدد يتناقص ولا يزيد، ما يؤكد أن هناك حالة من الانصراف المجتمعي عن الفنون والآداب الجادة وأن الثقافة في مجملها لم تعد ضرورية في حياتهم وبما لا تصل في قيمتها لديهم إلى حد الكماليات، وربما اتجه المجتمع في العقود الأخيرة مقبلًا على اعتياد عادات يفضلها عن الثقافة مثل اقتناء الأجهزة التكنولوجية الحديثة والسيارات والملابس المستوردة، ناهيك عن الهوس الكبير بالتسارع التكنولوجي في مجال الاتصالات والإنترنت، وعلى الرغم من أن هذه الظواهر المجتمعية لها من الدلالات الإيجابية التى تعبر عن انتقال المجتمع المصري إلى مرحلة الحداثة ولو ظاهريًا، إلا أننا في أمس الحاجة إلى توجيه هذه الاهتمامات ولو بنفس القدر أو أقرب نحو الارتقاء بالسلوك المجتمعي العام والقيم الإنسانية للفرد ومشاركته من أجل بناء وتنمية مجتمعه.

ezz2

مشروع قومي

هل يتناقض ذلك مع فكرة أن العامل الاقتصادي وضغوط الحياة الصعبة من عوامل التردي والتراجع الثقافي؟

المدهش في الأمر أن الوضع الاقتصادى وإن كان له تأثير كبير في هذا الصدد لكني لا أستطيع أن أجعل منه هو المحك الرئيس للنمو والازدهار الثقافي داخل أي مجتمع، فتحقيق ذلك يكون من خلال منظومة تكاملية يتقاسم فيها أطرافها المسئولية كل في مداره، فعلى الدولة العديد من الأدوار وعلى الفرد مثلها كما على المثقف عبء كبير كذلك، وبالتالي فإن المجتمع بشكل عام يحتاج من أجل تطوره ثقافيًا إلى تضافر الجميع نحو تحقيق مشروع ثقافي قومي يتسق وقدرات الدولة وتطلعاتها في بناء شكل كيان معين، ولعلى استطيع القول بأن العامل الأكبر في هذا الصدد هو شمولية الرغبة والإرادة لدى الفرد في تنويع مصادر معرفته وتطويعها لخدمة حياته وفق تصورات تضعها الدولة ضمن هذا المشروع الكبير، الأمر الذي يتطلب وعي الفرد من الأساس بأهمية وقيمة الثقافة مما يكسبه غريزة البحث التنقيب عن المعلومات التي تفيده في بناء وجدانه وتطويع مداركه لخدمة الكون من حوله، هذه الرغبة في المعرفة هي الفيصل في تحقيق أي بناء ثقافي ثم تأتى بعدها أية عوامل أو مؤثرات أخرى، فضلًا عن مدى قدرة المنتج الثقافي على تحقيق أعلى عائد جذب للفرد والأسرة والمجتمع.. ثم تأتى بعدها مرحلة التزاوج بين الثقافات واندماج وتفاعل ثقافة مع أخرى بالشكل الذي يعد قيمة مضافة لدى إحدى هاتين الثقافتين وقوة تأثير متبادلة تضفي طابعًا مميزًا على كينونة عملية البناء الثقافي ككل، ويا حبذا لو أن هناك قادة سلطويين يؤمنون بماهية مثل هذه الأطروحات وتفعيلها داخل مجتمعاتهم سيشكل ذلك دفعة قوية في إطار تحقيق ذلك.

ezz3

دائمًا ما تربط في كلامك بين الثقافة والتغيير.. من تابع لمن؟ أو من يجر من؟

سؤالك في غاية الأهمية وله من الخطورة بمكان أن ننتبه إليه لما قلنا في السابق أن ما شهدته الثقافة من ازدهار في الستينيات كان نابعًا في الأصل من حركة تغيير ثورية فعلينا أن ندرك أن الأمل في التطور الثقافي ينعقد على أساس الرغبة الجارفة في التغيير.

هل يمكن أن نعتبر الفن والثقافة في مضمونيهما يحملان ملامح ثورة التغيير؟

بالقطع الفن هو عمل ثورى من الطراز الأول والثورة هي روح الإبداع ودماؤه الجياشة والمبدع في جوهرة هو شخص ثوري بالفطرة فالإبداع هو ثورة على الواقع بخيال المبدع وفكره، فلا إبداع بغير حرية، ولا حرية بغير نضال لتحقيقها.

تحدثت عن مشروع ثقافي حتمي لبناء مجتمعي أصيل.. هل لديك تصورات محددة بهذا الصدد؟

إن مستقبل العمل الثقافي ازدهارًا أو اندثارًا واضمحلالًا يتوقف على حتمية وجود التوافق الوطني على المنحيين السياسي والاجتماعي ما بين الدولة والمجتمع، ويتم التوافق سواء من خلال الدستور أو من خلال التوافق الضمني على أن الثقافة تعد إستراتيجية لا غنى عنها ولا تحتمل في ثناياها أي شروع في التأجيل أو التهميش أو التجزئة أو الاعتماد في أطروحاتها على المبادرات الثقافية والتوعوية الفردية، باختصار أن تكون الصورة الذهنية عن الثقافة ومعانيها وفحواها يحويها مشروع وعمل مؤسسي يليق بهوية وحضارة وعراقة الوطن.

لو كنت مسئولًا بالدولة.. أي العراقيل ستشرع في القضاء عليها بأقصى سرعة؟

إقامة مشروع فوري تحت عنوان "اقرأ – اعرف – تحرر"، فمن دون شك سأسعى بكل قوة وكل السبل للقضاء على الأمية التي هي آفة الوطن الحقيقية، وسوف يكون القضاء عليها في اتجاهين متوازيين غاية في الأهمية لما يمثلانه من خطورة على البنية الأساسية لأية دولة تريد ان تنهض الإتجاه الأول هو القضاء على الأمية بمعناها الأبجدي من انعدام القدرة لدى الأشخاص على القراءة والكتابة من الأصل، ثم الإطار الثاني هو القضاء على الأمية الثقافية التي تتمثل في محدودية الثقافة حتى العام والخاصة لدى الأشخاص، فعار علينا كل العار ونحن في مشارف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين أن يوجد بيننا عشرات الملايين من الأميين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة، وإذا لم تحل هذه المعضلة الكبيرة فلا يمكن أن تؤدى الثقافة ولا الفن دوريهما في تنفيذ مقتضيات هذا المشروع المنشود.