55522522

*لا تناقض بين النشيد والدعوة ، فالنشيد رسالة دعوية وأحد قوالبها

* يمكن للنشيد أن يقوم بدور مهم في نشر الدين، وتوصيله للعالم  

* أناشيد الأطفال أصعب أنواع النشيد وأهمها ، وأجد متعة في تقديم إعمال للطفل

حوار - ياسر أبو العلا :

يدعو المنشد سعد بن عبد الله الطلحة إلى تبني استراتيجية محددة الأهداف لاستثمار النشيد الإسلامي في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام ، وذلك عبر طرح مجموعة كبيرة من الأناشيد باللغات المختلفة ، الأمر الذي يستلزم – كما يقول – تكاتفًا بين المنشدين والإعلام وشركات الإنتاج الفني لإنتاج تلك الأناشيد بشكل احترافي جذاب ، كما يرى أن النشيد الإسلامي تمكن من الخروج من دائرة التوجه للمتدينين وحدهم ، ووصل إلى شرائح مختلفة بفضل التطوير في النشيد وعدم تكرار معانيه في الوقت الذي أفلست فيه الأغاني الأخرى ، وأصبحت تلجأ للعري والتبذل الذي ترفضه قطاعات كبيرة من الجمهور .

ويرى في الحوار الذي أجريناه معه  أن النشيد مؤهل للقيام بدور فاعل في حل المشكلات التي تعترض المجتمعات الإسلامية ، لافتا إلى عدم التناقض بين عمله في تدريس الدعوة واحترافه للإنشاد معتبرًا أن النشيد أحد أهم وسائل الدعوة إلى الله ، كما يؤكد متعته في الإنشاد للأطفال لافتًا إلى أنه من أصعب فنون الإنشاد وأكثرها حاجة إلى المنشد المتميز .

**لا أرى هذا التناقض إطلاقًا ، بل إن هناك  تكاملا بينهما. فالنشيد في ذاته رسالة دعوية وأحد قوالب الدعوة ؛ فهو يحمل الكلمة الهادفة والمعنى الصادق ، ويدعو إلى الإصلاح والسلام والمحبة والترابط بين المسلمين، كما أنه يذكرهم دائما بحقوق الله عليهم وحقوق بعضهم على بعض ، والنشيد أحد وسائل ترقيق القلوب وقيادتها إلى الله تعالى فضلا على أنه أحد وسائل التعريف بالإسلام والدعوة إليه .

**يمكن أن نوظف النشيد في الدعوة عن طريق اختيار الكلمات بعناية ، وطرح الموضوعات المهمة ، ومحاولة توضيح الصورة الحقيقية للإسلام ، وإظهار محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ودعوة غير المسلمين للإسلام ، وتعليم شرائع الدين للمسلمين ، والتأكيد على المعاني السامية التي يحتويها الدين والتي يمكن أن تصبح سببا في إيقاظ الغافلين من المسلمين وجذب غير المسلمين لاعتناق ديننا .

ولكني لا أوافقك القول بأن يكون النشيد بديلا للوعظ ، فالخطابة وسيلة عربية قديمة للتأثير في الناس ، وفي إسلامنا هناك خطب الجمعة والعيدين ، وتبقى الخطابة والوعظ محتفظة بدور فعال في الدعوة والإصلاح . ولا يتناقض ذلك مع الدور الذي يمكن للنشيد أن يقوم به إلى جوار الخطابة وليس بديلا عنها .

دعوة غير المسلمين

** يمكن للنشيد أن يقوم بدور مهم في نشر الدين، وتوصيله إلى الذين لم يضيء نور الإسلام قلوبهم بعد . عن طريق توضيح طبيعة الإسلام وسماحته وعظمة شريعته بلغات العالم كلها ، وهذا ما بدأ عدد من المنشدين في القيام به مؤخرًا ؛ حيث يطلقون أناشيد بلغات مختلفة موجهة إلى الذين يرغبون في التعرف على الإسلام والإحاطة به ، كما أن هناك منشدين كثيرين ينظمون حفلات في بلاد غير إسلامية .وأعتقد أن ذلك يعد وسيلة متميزة للدعوة للدين ، ويجب أن تحظى برعاية المؤسسات الدعوية التي تستهدف نشر الإسلام في شتى ربوع الأرض .

وأنتهز الفرصة لأدعو إلى تبني إستراتيجية واضحة لتوظيف النشيد في هذا المجال . لأن الأذن دائما تميل إلى النشيد وتستقبل كلماته باستعداد كبير للاستجابة والتأثر ، وأدعو الشعراء إلى التعمق في كتابة الكلمات التي تدعو غير المسلمين إلى الدين بطريقة محببة وغير مباشرة أو وعظية ، كما أدعو المنشدين ألا يتوانوا في أداء هذه الأناشيد  لتكون أصواتهم سفيرًا لنشر الإسلام ، ولا يخلو الأمر بالطبع من ضرورة قيام مؤسسات فنية قوية بدعم هذا المشروع وتبنيه حتى يكتب له النجاح . وأود أن أشير في هذا الإطار إلى أنني بدأت في نهج هذا الطريق حيث قمت أداء نشيد باللغة الصينية وانتشرت عبر الكثير من المواقع والمنتديات على شبكة الإنترنت . ومن ناحيتي فقد تحدثت مع مجموعة من طلاب المنح الذين يدرسون بجامعة الإمام محمد بن سعود ويتحدثون اللغات الهندية والسواحلية وغيرهما ، وطرحت عليهم  هذه الفكرة ليكتب من يستطيع منهم أناشيد بلغات بلادهم تساهم في نشر الإسلام وتوصيله إلى الآخرين ، وتكون رسلا معاصرة للإسلام . ووجدت  الفكرة لديهم قبولا جيدًا .

حبات القلوب

**لي تجارب متميزة – بفضل الله – في هذا المجال ، ورغم أنه من أصعب أنواع النشيد ، إلا أنني أشعر بأنه من أهم أنواعه ، باعتبار أنه من أقوى المؤثرات في تشكيل عقل الطفل ووجدانه ، وتهذيب سلوكه وبناء أخلاقه . وكما وصلت إلى الكبار ؛ حرصت على أن أصل إلى قلوب الصغار ، وقدمت تجارب كثيرة لهم ، حاولت أن تتنوع أشكالها ، رغم أن الطفل له أناشيد محددة ، ولأناشيده مقامات خاصة مثل مقام العجم .

**كتبت ما يقرب من 90% من كلمات الأناشيد التي قدمتها ، ورغم أني لم أولد شاعرًا إلا أنني طورت من إمكاناتي فأصبحت أعبر بشكل جيد عن مشاعري ، لأني أعتقد أن المنشد الذي يكتب لنفسه أكثر قدرة على التعبير عن ذاته من الذي يؤدي كلمات الآخرين .

ولا ينفي ذلك بالطبع أن المنشد في حاجة دائمة إلى الاستفادة بإبداعات الشعراء الذين تزخر بهم ساحة النشيد ، والتغني بكلماتهم الرقيقة والقوية والمعبرة . وأُفضل اللجوء – أيضًا – إلى الشعراء إذا خشيت من تكرار المعاني في أكثر من نشيد .

الصدق بوابة التأثير

**يعتبر الصدق هو العامل الأهم في استيعاب المتلقين للنشيد الإسلامي ؛ لأنه يحمل دائمًا في طياته إحساسًا ورسالة يود المنشد أن يوصلها إلى الآخرين . والصدق الأهم الذي يجب أن يتوافر لدى المنشد هو الصدق مع الله تعالى ، ويرتبط ذلك بالنية والهدف الذي يسعى المنشد إلى تحقيقه من وراء النشيد ، وهل الشهرة وزيادة الربح وحدهما اللذان يدفعانه إلى الإنشاد أم أن الرغبة في تبليغ كلمة الحق والمساهمة في تكريس المنظومة الأخلاقية هي دوافعه إلى السير في هذا الطريق .

ويأتي بعد ذلك الصدق مع النفس ، واقتناع المنشد بما يقول ، لأن غير الصادق مع نفسه يستحيل أن تصل كلماته أو فنه إلى غيره ، وفي النهاية تأتي أهمية الصدق مع الناس ، وعدم تغييب وعيهم بكلمات لا فائدة منها أو تهبط بالذوق العام ولا تلبي تطلعات الجمهور الذي ينظر للنشيد الإسلامي باعتباره رسالة سامية تسعي إلى نشر الخير والفضيلة .

ومن ناحيتي أعتز كثيرًا بالمكالمات الهاتفية التي أتلقاها ، والتي يبشرني أصحابها بأن أناشيدي كانت سببًا في هداية أبنائهم أوذويهم أو التغيير من سلوكياتهم إلى الأفضل ، فكم من أمهات اتصلن بي يؤكدن – مثلا – أن كلمات نشيدي " القلب يحزن " ساهمت في ترقيق قلوب أبنائهن القاسية . وهذه قمة النجاح للمنشد ، أن يكون صادقًا في أداء رسالته ، وأن يجد صدى لهذا لصدق لدى الجمهور .

التوسع والاحتراف

** بالتأكيد ؛ ولو شاهدت حفلا من حفلات النشيد الإسلامي التي يتم تقديمها حاليًا لتيقنت من ذلك ، حيث تحضرها أعداد غير قليلة من غير المتدينين . فالنشيد أصبح رسالة تصل إلى القلوب وتغذيها روحانيا وإيمانيا بعد أن زاد الوعي لدى الناس بالحلال والحرام ، وبعد أن زاد ضجرهم من الانحلال الذي يقدم باسم الفن على القنوات الفضائية ليل نهار ، فأصبح اللجوء إلى الاستماع للنشيد الراقي هو المنفد الوحيد لمن يعشق الكلمة الجيدة واللحن الراقي حتى لو لم يكن متدينًا .

ومما ساهم في انتشار النشيد بين قطاعات أوسع هو حالة الملل التي أصابت الجمهور من تكرار موضوعات الأغاني والتي لا تخرج عن الحب والهجر والعذاب ، وهي موضوعات مستهلكة ولا تلبي احتياجات الناس على كافة مستويات تدينهم وأخلاقهم في الوقت الذي تتجدد فيه موضوعات الأناشيد ؛ فمن الصعب أن تجد تكرارا فيها ، فلكل منشد أسلوبه ورسالته .

**أعتقد أن النشيد الإسلامي وصل إلى مرحلة الاحترافية مؤخرًا . فأصبح هناك احتراف في فنون النشيد . وأهمها على الإطلاق احتراف الهدف ! بمعنى أن الهدف من النشيد أصبح مترسخًا في وجدان المتعاملين في ساحة النشيد ، وهو الأمر الذي يميز النشيد عن غيره . كما أصبح هناك احتراف في اختيار الكلمات ، واستخدام التقنيات الحديثة في إخراج النشيد فنيًّا ، فضلا عن طرق التواصل مع الجمهور على المسرح ، كما أصبح المنشدون – مع التفاوت بينهم – محترفون في طريقة الأداء ، والتعامل مع الإعلام ، وكذلك في مد جسور العلاقة مع الجماهير عبر مواقع الإنترنت الشخصية للمنشدين والعامة التي تتناول كافة فنون النشيد ووسائله ، كما بدأت مهرجانات النشيد في تكريس هذه الاحترافية والتأكيد عليها .