209811rrr 

وسائل إيصال الخطاب الديني هي التي تحتاج إلى تجديد.. والتنشئة وحدها لا تصنع عالِمًا

على المجتمع أن ينتقل من حيز العبادة العادة إلى العبادة النافعة

أدعوا الشباب المسلم وطلبة العلم إلى إخلاص النية واحترام العالِم وتوقيره

 

القاهرة - آية سرور:

أكد د.حذيفة المسير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر، أهمية التنشئة في حياة المسلم، إلا أنه أكد أن النشأة في بيت علم لا تصنع وحدها عالِمًا، بل تتطلب اجتهادًا وإرادة من الإنسان ذاته.. ونفى في حواره مع "الوعي الشبابي" وجود موجة إلحادية بين المسلمين، موضحًا أنها مجرد أصوات تتخذ من الفضاء الإليكتروني منبرًا لإحداث هالة حولها، كما تطرق إلى مسألة تجديد الخطاب الديني، موضحًا أن الخطاب في حد ذاته لا يحتاج إلى تجديد، إنما وسائل إيصاله هي التي تحتاج إلى تحديث بما يتناسب مع طبيعة العصر، كما تطرق إلى العديد من القضايا نتعرف إليها في سياق الحوار التالي.

 

نشأتم في بيت علم وفقه.. فوالدكم هو العالم د.محمد المسير رحمه الله.. اسمح لنا بإطلالة على الآداب التربوية التي تلقيتها من الوالد رحمه الله وهل أسهمت في أن تواصل مسيرته كأستاذ للعقيدة في جامعة الأزهر؟

•• طبيعة علاقة الابن بأبيه غير علاقة التلميذ بالمُعلم، لأن الابن يأخذ المسألة قدوة وليس تلقين، فنحن من تلقاء أنفسنا مع وجود التربية وتوجيه الوالد رحمه الله مع المعرفة الشخصية سرنا في الدرب نفسه، لكن الأمر ليس فرضًا، فكل إنسان يشكل حياته وفق قناعاته جنبًا إلى جنب مع أساسيات التربية الأسرية، لكن ليس شرطًا أن يخلف الابن والده في علمه، فكما أن هناك كثير من الابناء حققوا مكانات علمية متميزة دون أن يكون لدى والديهم قدر من التعليم، فليس بالضرورة أن يصبح ابن العالم عالمًا.. ليس هُناك قواعد معينة للحصول على العلم والمعرفة، ولكن هُناك أصول تربية موضوعة في إطار قدوة للسلوك والتعلم.

د.حذيفة المسير1

فضيلتك عالم في ريعان الشباب.. فهل النشأة وحدها هي التي تقود طلبة العلم إلى تحقيق مكانة متقدمة في العلم.. أم لا يشترط توفر هذه النشأة كي يحقق الشاب إنجازاته العلمية؟

•• بالطبع لا، ليست النشأة وحدها هي التي يحقق الشاب من خلالها إنجازاته العلمية، هناك علماء كثيرون لم ينشأوا في بيت علم وبعضهم كانوا يلجأون إلى المدارس الداخلية للعلم بسبب الاحتياج للمسكن والمأكل وذلك لوفاة من يعولهم، فلا يحتاج الشاب أساس علمي في النشأة للوصول إلى مكانة علمية متقدمة، الأمر يتطلب من الإنسان عزيمة وإرادة واجتهاد لتحصيل العلم والصبر عليه، لكن بلا شك إن توافرت له هذه التنشئة فهي خير يساعده ويعينه وييسر له طريقه إلى العلم.

كعالم شاب.. هل تجد ضرورة في تجديد الخطاب الديني.. أم تجديد وسائل إيصاله لتتناغم مع طبيعة العصر؟

•• حتى الآن لم أفهم ما المقصود بمعني تجديد الخطاب الديني، لكن في رأيي هذا الأمر له معنيين من خلال الحديث الموجود على الساحة، المعنى الأول أن هناك شخصاً يُحاول أن يستخدم تجديد الخطاب، ليثير الشبهات حول قضايا دينية لمنع الناس من الحديث فيها، المعنى الثاني هو أن تجديد الخطاب هو تغيير موضوعات أم تغير رأي، وهذا التغيير يقوم على اجتهادات العلماء وهذا غير مطروح في مسألة تجديد الخطاب الديني، ولكن من الممكن أن يتم باستخدم أساليب جديدة وخلاقة تتناسب مع طبيعة وظروف كل مجتمع لإلقاء الدعوة الدينية وليس تجديد الخطاب الديني.

د.حذيفة المسير3

يشتكي كثيرون من دور الإعلام في إفساد الناس عامة والناشئة خاصة.. فهل يمكن أن يكون له دور إيجابي وواقعي في صناع الشخصية الإسلامية العصرية؟

•• الدور الإيجابي في هذه المسألة له جانبين، الأول على من يتولى مسؤولية الإعلام والثاني على المُتلقي، فالمسؤول عن الإعلام يهدف إلى الربح المادي والاستثمار، وبالتالي الجانب الثاني هو الذي يوجه الجانب الأول من خلال نسبة المشاهدة والبيع، وهنا يأتي دور المجتمع في توجيه الإعلام في نشر أخباره، لأنه هو الذي يساعد على نشر الإعلام المفسد، لأننا عندما فقدنا في البيوت التعليم والتوجيه الديني وأصبح ليس هناك رقابة على الأمور وبالتالي أصبح النشء يُلبي رغباته من خلال القنوات التليفزيونية التي تقدم برامج خارجة عن مبادئ الإسلام، وبالتالي أصبح الأمر صناعة للاستثمار يحكمها المُشاهد وليس صناعة الشخصية الإسلامية، فالدور الأكبر يقع على عاتق صاحب القناة الإعلامية في محاولة رفع أذواق المشاهدين وأن يصلح منهم، ولكن كما ذكرنا من قبل أن معظمهم يهدفون إلى الربح المادي فهذا أكبر عامل يساعد على فساد الذوق العالي في محتوي المادة الإعلامية، ويجب أن يكون هناك نوع من الإلزام الاجتماعي الأدبي وليس القانوني، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

كيف يتم الحفاظ على الهوية الإسلامية من خلال الفلسفة والعقيدة الإسلامية؟

••الحفاظ على الهوية الإسلامية من خلال العقيدة يكون من خلال اتجاهين، الاتجاه الأول إرادة واتباع العقائد الإسلامية والأدلة الصحيحة، والاتجاه الآخر هو الرد على شبهات المضللين ومواجهة الفساد الإلحادي، والمجتمع يحتاج هوية إسلامية من ناحيتين، الأولى إرادة فردية للحفاظ على عقيدة المجتمع والأخرى علم صحيح موجود ليقدم عقيدة صحيحة نقية ويدافع ضد الشبهات التي تحيق بالمجتمع الإسلامي.

هل تؤثر موجه الإلحاد التي تغزو المجتمع الإسلامي حالياً على الفرد والمجتمع؟ وكيف يتم مواجهتها؟

••ليست هناك موجة إلحاد في المجتمع، لأن الإلحاد هو إنكار وجود الخالق تماماً، بل هناك أصوات لبعض الملحدين عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي مع وجود الانفتاح في وسائل الإعلام خاصة بعد الثورات التي حدثت في بعض البلاد العربية، وتلك الأصوات تعمل على تدمير أثر الدين في النفوس، ومن الممكن أن يكون هناك ملحدين في السنوات التالية، وتؤثر تلك الموجة على الفرد والمجتمع في حالة عدم التصدي لها والعمل على منع انتشارها بين الناس، وتكون تلك الوسائل وسائل اجتماعية وليست قانونية، عن طريق النقاش العلمي ووسائل الإعلام، ولذلك نحن نحتاج إلى وسيلة حماية وأمان من خلال التعليم الديني الصحيح، ونحاول تغيير المجتمع من حيز العبادة العادة إلى حيز العبادة النافعة والإيجابية.

د.حذيفة المسير2

كيف يتم تنمية قيمة الانتماء وحب الأوطان في قلوب أبنائنا من خلال الدين الإسلامي؟

•• من خلال آثار التعليم الديني وتعميق أثره في نفوس الأبناء أن يشعر الإنسان بانتمائه لوطنه ووجوب الدفاع عنه، لذلك أي محاولة لتنمية حب الوطن والانتماء بعيداً عن الدين الإسلامي سيكون نوع من الصراع الداخلي، وبالتالي سيكون ضد مصالح الوطن، فإذا عمق الإيمان أصبح يوجه الإنسان لأعمال في صالح الوطن أو الأفراد.

إلى أي مدى أتاح الإسلام لأتباعه حرية الرأي والتعبير والاختيار؟ وهل للديمقراطية العصرية صدى جوهري في حياة المسلمين؟

•• أتاح الإسلام الحرية إلى المدى الذي يمكن أن يُتصور، بحيث لا يُدمر مجتمعاً ولا يُدمر بشرًا، ولا يوجد بلد لديها حرية الرأي والتعبير مفتوحة، الحرية المطلقة غير موجودة ولكن هناك حرية مقيدة وتكون طبقاً للمجتمع الذي تُطبق به تلك الحدود ولا يجوز أن يتخطاها أحد، حرية الرأي تكون منضبطة بضوابط معينة في أي مجتمع، ولابد من الحفاظ عليها، لأن الإسلام يحافظ على أتباعه، والديمقراطية العصرية خارج إطار حدود الدين والدولة والقانونين لا تعتبر صدى جوهري في حياة المسلمين.

كان للوالد رحمه الله رأي في مسألة ظهور المهدي المنتظر نفى خلاله ظهوره.. فماذا تقول في هذا الشأن؟

•• كانت وجهة نظر الوالد رحمه الله، أن الأحاديث تحتمل معنيين، المعنى الأول هو وجود المهدي المنتظر، والمعنى الثاني هو عدم وجوده، وذلك يرجع لفهم الأحاديث، ولم يقل بعدم وجود أحاديث صحيحة في مسألة ظهوره، وقد بحث كثير من علماء العقيدة هذه المسألة، وهناك اختلاف في الآراء بينهم، هناك أُناس لم يذكروا وجود المهدي المنتظر، ومنهم من يؤكد ظهوره ويختلفوا في هل هو عيسي بن مريم أم لا؟ ومنهم من يقول إن المهدي المنتظر هو عبارة عن حالة هِداية للأمة.

نصيحة أخيرة توجهها إلى الشباب المسلم وإلى طلبة العلم؟

•• أولاً يجب على الشباب المسلم وطلبة العلم إخلاص النية واحترام العالِم وتوقيره أي كان رأيه المقابل، ولا يصح أن يتخذ من رأي عالِم ليهاجم به عالمًا آخر، من حقك أن تأخذ برأيه لكن ليس من حقك أن تحكم على اجتهاد الآخرين بالضلال لمجرد الاختلاف في الآراء، ويجب أن يأخذوا العلم من مصادره الصحيحة ليكونوا على الطريق الصحيح.