✍ علاء عبدالفتاح:   

تمر على مثلث المتاحف في منطقة شرق، وبالتحديد أمام سفن الصيد الكويتية بنقعة الشملان، فترى سفينتين خشبيتين تحرسان متحفا بحريا اختير له أن يكون في المبنى الجنوبي من المدرسة الشرقية القديمة، أما الضلعان الآخران فيمثلهما متحفا الفن الحديث والخزف..

وثلاثتها متاحف يشرف عليها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. افتتح المتحف البحري في العاشر من يناير عام 2010م، بعد أن نجح المجلس في ترميم المبنى الجنوبي للمدرسة الشرقية وضم إليه جميع الأدوات التي استخدمها البحار الكويتي قديما معتمدا عليها في كسب الرزق الحلال الذي أمره الله بكسبه.

ثمة نماذج من السفن الشراعية التي صنعها «القلاليف» تجدها داخل المتحف، وهناك صور للغواصين أنفسهم الذين عانوا قديما في صيد اللؤلؤ، بالإضافة إلى الأدوات المستخدمة على دقتها أو ضخامتها.

تلعب الإضاءة دورا مهما في التأثير على زائر المتحف؛ فهي مركزة بطرق فنية معقدة على أجزاء من المعروضات دون غيرها، فتحس أنك في مشهد سينمائي أو لوحة تشكيلية وليس في متحف تعليمي ثقافي فقط.

عندما توجهت «الوعي الإسلامي» بعدستها إلى المتحف في اليوم الأول لم يكن من السهل العثور على دليل يوضح محتويات هذا المكان المظلوم إعلاميا، لكن في اليوم التالي ساعدنا الحارس في إضاءة إضافية خاصة فيما يخص الجزء العلوي من المتحف.

حبال وعصي.. مسامير ودفاتر.. دفة قيادة أو هلب تثبيت.. تمر على كل هذه الأدوات الدقيقة منبهرا بعالم مسكوت عنه الآن إلا قليلا؛ عالم يتكلم عن عمل دؤوب شاق تكبده الأجداد الذين تحملوا العطش والجوع واشتداد الحر أو البرد في فترة زمنية لم تعرف العمل تحت حماية أجهزة التكييف.

نعرف من الكتابات المتوافرة في المتحف أن ما نراه الآن من نموذج هو لسفن البوم، وهي الأشهر والأفضل من حيث كفاءتها وحجمها، وكانت تنقل السلع والبضائع عبر موانئ الخليج العربي وموانئ الهند وباكستان وإفريقيا، ويصل طولها إلى 150 قدما، ويتراوح وزنها ما بين 300 و750 طنا، بل مذكور أن هناك نوعين لسفن البوم، أحدهما ما يبحر إلى البعيد؛ ويعرف باسم السفار، والآخر يعرف باسم القطاع، ويستخدم في الإبحار لوجهات قريبة من موانئ الخليج العربي. وعندما نتوقف عند نموذج آخر نجد ما عرف باسم «الشوعي»، وهذا النوع استعمل للبحث عن اللؤلؤ وصيد الأسماك. ومن أنواع السفن والمراكب التقليدية التي اشتهرت في المنطقة «الصمعا»، وهو قارب خشبي يتراوح طوله بين 25 قدما و80 قدما، وعرضه بين 9 أقدام و20 قدما، فيما يصل ارتفاعه إلى 3 أقدام و10 أقدام، ويستخدم من قبل الغواصين بحثا عن المحار، ويشبه إلى حد ما قارب السنبوك.

إذن مما يميز هذا المتحف أنه يقدم التاريخ البحري الخاص بمدينة الكويت بكل دقة، بل يعتبر من أهم المعالم الحضارية هنا ومرجعا تعليميا لمن أراد التعرف على حرفة الصيد، حيث كان السمك هو الوجبة الرئيسية واللؤلؤ هو أساس التجارة، وتصميم وبناء السفن حرفة معتبرة بجانب صناعة الشباك والصنانير.

من الأدوات التي يحتفظ بها المتحف في صناديق زجاجية على شكل متوازي مستطيلات مضاءة بحرفية عالية كل من: المنقر المستخدم لنقر الخشب وتنظيفه، ومنقر كلفات وهو عبارة عن قطعة حديدية يتشعب أحد طرفيها إلى شعبتين لإدخال الخيوط بين الأخشاب، والجدوم وهي أداة يستخدمها عامل السفينة لنحت الخشب، إضافة إلى المنشار المعتاد الذي يستخدم في قطع الأخشاب، وغالبا ما يكون بأحجام متنوعة بحسب استخداماته، وأيضا الشبا وهي أداة تمسك الأخشاب.

إضافة إلى المجدح ويستخدم في ثقب الأخشاب بواسطة القوس الذي هو عبارة عن خشبة أسطوانية مستطيلة يربط بطرفيها وتر رفيع يستخدم في تشغيل المجدح لثقب الأخشاب التي تصنع منها السفن، إضافة إلى ذلك تستخدم الرندة أو الفارة لتنعيم الأخشاب، والشاكة؛ وهي طباشير يستخدمه الصناع في وضع علامات على السفينة، إضافة إلى استخدام البلد وهو عبارة عن كتلة من الرصاص لها عروة يربط فيها حبل به علامات للقياس.

ويحتوي المتحف، بالإضافة إلى كل ما سبق، على العديد من اللوحات التي تصور قديما هذه الحرف والمجالات، فهو يقوم بوصف وشرح المهن والصناعات التي عاش عليها وأتقنها ساكنو وأهل مدينة الكويت قديما.. قابلنا عند بوابة الخروج ماثيو (وهو سائح برفقة زوجته أوساكا) وقد بدأ الحديث تعليقا على زيارته للمتحف قائلا: هذا شيء مثل جوهرة في متاهة، لقد بحثنا عن هذا المتحف كثيرا في أدلة الكتب الأجنبية قبل المجيء إلى الكويت ولم يكن من السهل العثور عليه، وعندما عثرنا عليه لم نجده مفتوحا على الرغم من اللافتة التي تشير إلى اننا مازلنا في ساعات عمل المتحف.. أيضا نشعر أن الزوار قليلون جدا، وربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الدعاية أو لافتة كبرى على الشارع الرئيسي تشير إليه، لكن في صميم الموضوع أقول إنه متحف رائع وكنا سنخسر كثيرا لو لم نزره، خصوصا أنني مهتم بتاريخ الخليج العربي.

وتقول أوساكا: زرت متاحف كثيرة لكنني لم أر مثل هذا المتحف الذي يضم كل شيء عن البحر وعالم الصيد.. سعيدة بزيارتي هنا وسأخبر العالم عنه وعن ثرائه.

تجدر الإشارة إلى أن المركز العلمي بمنطقة رأس الأرض بالسالمية يعرض في واجهته مجموعة كذلك من قوارب الصيد، وأمام كل مركب لوحة تعريفية به وبتاريخه، كما يضم المتحف الوطني في واجهته سفينة صيد ضخمة سيتمكن الجمهور من المرور بجانبها والاطلاع على تفاصيلها ريثما ينتهي المتحف من التطوير والإصلاحات وقد قاربت بالفعل على الانتهاء.

• النقود في التاريخ الإسلامي
• تعلم اللغة العربية عند أبناء ...
• "أبراج الكويت".. نحو قائمة التراث ...
• "القرقيعان".. حصاد الخيـر فـي شهر ...
• "بعدانية"