الإثنين، 04 ديسمبر 2023
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

هذا ديننا

thum2003

د.محمد سعيد :

البحث والنظر في قيم الجمال من البحوث العميقة التي اهتم بها علم الأخلاق، باعتباره علمًا يقوِّم الملكات الإنسانية المختلفة، ويسدد نظرة الإنسان في اتجاه إيجابي وهو يحيى حياته الفردية والجماعية، ويتقلب في آلاء هذه البسيطة.

والإنسان مفطور على حب تذوق القيم الجمالية في كل فعل يفعله أو يُفعل له، وفي كل مُيسَّر يُسِّر له، لذلك تجده بالفطرة يُقبل إقبال الفرِح الطرِب على كل ما يتلقاه ويواجهه، إذا توفرت فيه شروط الصحة والحق، وغشيته ولفته قوالب الحسن والجمال، وقل مثل ذلك في باقي النعم التي منَّ بها المنعم على خلقه، أطعمةً و دوابَّ و جناتِ الأزهار و تضاريسَ في غاية الحبك والإحكام، وآفاقَ السموات وزينتها.. وما لا عد له من قبيل آيات الجمال المقروءة والمنظورة.

وعلى هذا النسق يبحث الأستاذ الدكتور سعيد بن أحمد بوعصاب الطنجي هذا الموضوع ويحرر فيه كتابًا جديدًا- هو الثاني في حلقة تآليفه- وسمّاه بعنوان «القرآن الكريم والدعوة إلى الحس الجمالي» نشرته مطبعة ليتوغر اف بطنجة ط1 /2012 في 208 صفحات من الحجم المتوسط.

استُهِل الكتابُ بمقدمتين، الأولى للدكتور محمد الشربجي الشامي، أستاذ الدراسات القرآنية في كليتي الشريعة والآداب بجامعة دمشق، فرج الله كربها، ختمها بقوله: «وكان أسلوبه سلسًا، ولغته سليمة، وألفاظه جميلة، وعبارته جزلة، وسجعه جميل دون تكلف أو تصنع، يأسرك عند قراءته، فلا تكاد تترك الكتاب إلا وقد أتيت على آخره»، وهو ما نستشف منه طبيعة الشكل والقالب الفني الذي حوى المضامين التي عالجها المؤلف في كتابه، إذ لا يستساغ أن تقارب موضوعًا دقيقًا يتتبع مواقع الجمال في الآفاق بلغة بعيدة عن نَفَسِ الذوق الرفيع والإحساس المرهف، لذلك تجدني أوافق د.الشربجي في هذا التعليق الجميل الذي أبداه تجاه التركيب اللغوي والمعجمي والأسلوبي للكتاب.

والمقدمة الثانية لصاحب الكتاب، والذي أبدى فيها شغفه بموضوع الجمال وما حبَّره قلم المرحوم فريد الأنصاري في كتابه «جمالية الدين»، إلا أن استهواءه لهذا التأليف وجده «قد وقف عند معان محدودة، وقضايا معدودة، وددت لو أن شيخنا الحبيب تناول قلمه غيرها، فضمها إلى أخواتها».. لذلك عقد الأستاذ سعيد بوعصاب العزم على خوض غمار بحث وصف موضوعه بـ «جد خطير»؛ لأنه وُظفت له منابرُ ووسائل جد معتبرة «لتلعب بالأفهام، وتزخرف الكلام فتضل الأنام، حيث حصرت الحديث فيه في جانب الأجسام، وغفلت ما للروح من سمو المقام، فكان لزامًا على كل من له بالفن إلمام، أن يعمد لإماطة اللثام..».

قيم كونية

ونظرا لما لحق الفكر والحضارة الإسلاميين من سوء فهم وغرابة تأويل، من قِبل بعض المعاصرين الذين أدركوا من الدين طقوسًا ورسومًا جافة وتقاليدَ؛ بدل شرائعَ وأركان وقيم كونية خالدة، فإن المقام- كما يرى صاحب الكتاب- حري بأهل العلم وجمالية القول أن يبرزوا «تلك الأخلاق الجمالية الرفيعة، التي كانت تمثل زمن حضارة الإسلام الوجه الحقيقي للمسلمين، إذ هي تبرز الذوق الرفيع، والسلوك النبيل، والرؤية الجميلة، والنظرة الراقية، والحركة البانية، كما أن الخطاب الدعوي بحاجة ماسة اليوم إلى إبراز مكامن الحسن والجمال في العرض والأسلوب، والمعنى والموضوع.. ».

يمكن تقريب متن الكتاب للسادة القراء عبر تقسيم بنيته إلى محورين، المحور الأول: نظري خصه للحقل الدلالي والمفهومي لكلمة «الجمال»، ولسمات ومعايير الجمال في النص القرآني. فالسمات لخصها المؤلف في:

  • الدقة والإحكام.
  • التناسق والنظام.
  •  الإبداع والابتكار.
  • التبديل والاستمرارية.
  • التنوع والإكثار.
  • السهولة واليسر.

أما خصائص الجمال التي ضبط القرآن موازينها وحدودها فاستوعبتها خصيصة «الربانية» التي تربط الانسان بربه، وتربط مظاهر الجمال وسحرها بفعل صانع الجمال وموجده، على نحو من الروعة واللذة والبهاء.. وخصيصة «السمو» والذي يرمز به إلى العفة اللفظية والفعلية في التعاطي مع مواقع الجمال في مختلف ضروب الحياة.. وأخيرا خصيصة «الشمول» الذي أثار فيه الخلط- الذي وقع فيه البعض فجعلوا «الفن» و«الجمال» واحدًا- «والواقع أن الفن هو ميدان واحد من ميادين الجمال المتنوعة والمتعددة، ذلك أن الجمال في الذوق القرآني يربي في المسلم المتأمِّل تلمسَ قيم الجمال في منحاها الشمولي والتركيبي، بدل الفعل التجزيئي والتصنيفي الذي سقط فيه الكثير. فأية قيمة لجمال الصورة- يقول الأستاذ سعيد بوعصاب- التي تسحر الألباب إذا كان صاحبها فجَّ السلوك، سيئ الأخلاق، ذابل الروح، قد جمع في داخله كل معاني الشر التي يستعاذ منها في كل الأحوال..».

ورصد المحور النظري الأخير «مقاصد التربية الجمالية في القرآن» التي تهدف إلى تنمية الجانب الإيماني، وتكوين الشخصية السوية المتكاملة، وتنمية ملكة الإبداع والإتقان، والتحلي بالذوق العالي.

وانتقل المؤلف في حيز عريض من كتابه إلى الجانب التطبيقي، والذي وسمه بـ «مع القرآن الكريم في تنمية الحس الجمالي»، حيث أبان فيه قدرة وبراعة في استشفاف واستقصاء ملامح الجمال التي نوه إليها الوحي، ولفت انتباه قارئيه ومستمعيه (الوحي) عبر العصور والقرون إلى أهمية إعمال النظر في الآيات المنظورة، وإحكام الصنعة والخلق والجمال فيها. ولأن الباري تعالى وضع الكون وصنعه لمرام وغايات.. فمن الطبيعي والمنطقي أن تُستثمر آيات الكون في آيات القرآن لتثبيت عقائد الناس وتوحيد نظرتهم تجاه موجِد الوجود وتوحيده، ومن ثمة اتباع هديه وشرائعه، وهكذا توقف المؤلف مع الآيات القرآنية التي ترصد جمالية السماء، والأرض، والبحر، والإنسان، والصورة، والحيوان.

وفي الشعائر التعبدية تتبع المعالم الجمالية الشفافة والعميقة في كل من شعيرة الصلاة، والصدقة، والصيام، والحج. ثم انتقل إلى تقصي قيم الجمال في الأحوال الشخصية، وقسمه إلى قسمين:

1- «في جانب فقه الأسرة» التي استوحى درر جمالياتها من الصداق، والزواج، والمعاشرة الزوجية، والأبناء والحفدة، ومعالجة الشقاق، والطلاق، والميراث، والعِدَّة.

2- «في جانب الآداب الاجتماعية»، واكتفى فيها بقيمتين كبيرتين في الحياة الاجتماعية: جمالية الاستئذان وجمالية الضيافة.

وفي المعاملات يسبر غور الجمال والقيم العليا في: المعاملات المالية، والتجارة، والدَّيْن، الحدود والكفَّارات، والعلاقات الدولية، والسلام، والجهاد.

فن القول

وفي آخر قسم تناول المؤلف جمالية فن القول من خلال مهارات التواصل وعنونه بـ«القرآن الكريم ومعالم التربية الجمالية في الأخلاق»، وتتبع فيه جماليات التأدب في مخاطبة الله تعالى، وفي مخاطبة الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، وفي مخاطبة الوالدين، وفي مخاطبة الناس عامة. وختم بجمالية الأفعال: الذوق في طريقة المشي، والإقبال على المتكلم بالوجه، والعفو عند المقدرة، والشفاعة الحسنة، وبذل المعروف.

ثم نبه قبل الختم إلى جمالية الخطاب الدعوي القائم على «الحكمة والموعظة الحسنة» و«المعرفة بمضمون الخطاب ومآل الخطاب وظروف الخطاب زماناً ومكاناً». وفي كل ذلك كان المؤلف يغذي تحريره بالاستشهاد والنقل عن الشاطبي والطبري ومحمد الطاهر بن عاشور وسيد قطب ومحمد المكي الناصري، ومسفر القحطاني وفريد الأنصاري ومحمد عمارة وفهمي هويدي، وغيرهم كثر، مما أثمر حصيلة مرجعية مهمة تفيد الباحث في الجماليات وفق المنظور الإسلامي.

لقد وفق المؤلف في اختيار الموضوع، الذي نستشف منه أن صاحبه لاحظ حدود التعامل مع النص القرآني الذي لا يفارق حدَّ القراءةِ الظاهرية والتفسيرِ البسيط والمعاملات المناقضة لجوهر نص الوحي وقيمه العليا، لذلك نقول- وبموضوعية- إن التأليف ذو راهنية ملحاحة، ولفت صريح- وبلغة جذابة- لأهمية اهتمام المسلمين بجمالية التدين في كل مناحي الحياة.

1502042620012

محمد شعبان أيوب :

إن نظرة القرآن الكريم للنفس الإنسانية عمومًا هي نظرة التوجيه والرحمة والهداية والحنو والأمل والسعادة والرأفة وترسيخ معاني الطمأنينة وغيرها من المعاني التي تبعث في هذه النفس كل قيمة مطلقة تأخذ بنا تجاه الهدوء والسكينة والراحة والجنة في نهاية الأمر. وهذه النفس التي يراها القرآن غير متقولبة في طور واحد، فهي متغيرة ما بين الاطمئنان والضيق، وما بين الرضا والشقاء، بيد أن هذا الكتاب الرباني المعجز يحرص على أن «يأخذ الإنسان كما هو بفطرته وميوله الطبيعية واستعداداته، ثم يسير به من حيث هو كائن، ومن حيث هو واقف.. يسير به خطوة خطوة، صعدًا في المرتقى العالي، على هينة وفي يُسر، فيصعد وهو مستريح، هو يلبي فطرته وميوله واستعداداته، وهو ينمي الحياة معه ويرقيها لا يحس بالجهد والرهق، ولا يكبل بالسلاسل والأغلال ليجر في المرتقى، ولا تكبت طاقاته وميوله الفطرية ليحلق ويرفُّ، ولا يعتسف به الطريق اعتسافًا، ولا يطير به طيرانًا من فوق الآكام، إنما يصعدها به صعودًا هينًا لينًا وقدماه على الأرض وبصره معلق بالسماء، وقلبه يتطلع إلى الأفق الأعلى، وروحه موصولة باللّه في علاه»(2).

والشباب هم التجسيد لحيوية وسمو هذه النفس وقوتها ونشاطها، ولعل ما يندهش له القارئ الكريم ألا يجد لفظة «الشباب» في القرآن الكريم ولو لمرة واحدة، بل يزداد تعجبه حينما يرى أن القرآن يعبر عن هذه المرحلة المهمة من عمر الإنسان بالفتوة، وهي عند علماء اللغة صفة تجمع ما بين الشباب والكرم والشجاعة، بل إن العلامة النسفي يقول في تفسيره: «الفتى من لا يدعي قبلَ الفعل، ولا يُزكي نفسه بعد الفعل»(3)، إشارة إلى الإخلاص الذي يجب أن يتمتع به الشاب المسلم، بل الأعجب من ذلك أن قصص القرآن المتعلقة بالفتوة هي قصص تؤكد على قدرة هذه الفئة من المجتمع على التغيير، بل على الفهم والوعي الذي ربما لا يوجد عند من هم أكبر منهم سنًّا، وأكثر منهم خبرة!

إن نبي الله إبراهيم هو نموذج الشاب الذي اصطفاه الله لرسالاته، هو النموذج المبهر لقوة الشباب والعقل معًا، انظر إلى حواره المنطقي والعقلي الرائع مع قومه كلهم، هو وحيد بينهم، لكنه قوي الإرادة، ثاقب الذهن، قادر على الإقناع بالحجة والمنطق، مؤمن إيمانًا راسخًا بما يقوم به، إنه شاب استطاع أن يغير القناعات والعقائد الفاسدة التي تأصلت في نفوس قومه، وما أعظم هذا الحوار القرآني الخالد الذي يصور لنا تلك المشاهد الحية التي يستطيع كل منا أن يتخيلها وكأنه ناظر إليها من قريب، يقول تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57)}( الأنبياء: 51- 57).

لقد حسبه قومه شابًّا لاهثًا لاعبًا يريد المجادلة من أجل الجدال، وما أغربها من نظرة استعلائية لا تقيم لهذا الشاب وزنه، إنها ذات النظرة التي تُوجّه للشباب اليوم، فهم في نظر كثير من الناس نموذج للضياع والحمق والتفاهة، لكنه- عليه السلام- يقبل هذا التحدي {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)} (الأنبياء:58- 70)، لقد استطاع أن يحطم هذه العقائد البالية على صخرة الحقيقة والعقل، لقد استطاع أن يغير هؤلاء بالفعل، لقد رجعوا إلى أنفسهم وأقروا ببغيهم وكبرهم وانحلالهم، ومع ذلك أصروا واستكبروا استكبارًا، ورغم ذلك ضحّى هذا الشاب في نهاية الأمر بنفسه من أجل ما يؤمن به، لكن الله سلّم ونجّاه من النار.

إن الشباب هم القوة القادرة على التغيير، وطالما أن القرآن يقر بذلك فهذه سنة يؤكدها التاريخ والواقع، فقصة أصحاب الكهف هي قصة التضحية والإرادة والإيمان بالله الذي لا تشوبه شائبة، إنها رمز للوحدانية المطلقة متجسدة في تضحية مجموعة من الشباب الطاهر النقي، شباب دعا إلى عقيدة التوحيد بالله- عز وجل- عندما رأوا ضلال قومهم وعبادتهم الطواغيت من دون الله، فهُم {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)} (الكهف:13- 15)، ولقد علّق العلامة ابن كثير رحمه الله على هذه الآيات بما يؤكد على كون الشباب هم القوة القادرة على التغيير تجاه الحق، فيقول: «ذكر تعالى أنهم فتية- وهم الشباب- وهم أقبلُ للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ، الذين قد عتوا وعَسَوا في دين الباطل؛ ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله [ شبابًا، وأما المشايخ من قريش، فعامتهم بَقُوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل، وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شبابًا»(4).

ولكون هؤلاء الشباب دافعوا ونافحوا وضحّوا بأنفسهم من أجل ما يؤمنون به، جعلهم الله آية للعالمين، يعلمها قارئ القرآن الكريم إلى يوم القيامة، لقد علم قومُهم حقيقة الوحدانية والبعث من خلال هؤلاء الفتية الذين بعثهم الله من نومهم، صحيح أن ثمرة ما قاموا به لم تتجل إلا بعد ثلاثمائة ونيف من السنين لكنهم استطاعوا بفضل الله أن يكونوا أداة لتغيير مجتمعهم، وهي ثمرة بلا ريب عظيمة، لم يستطع أحد أن يقوم بها إلا هُم.

وأما يوسف الصديق \ فهو شاب آخر ووجه باهر من وجوه البذل والتضحية من أجل الإيمان بالله والاستعصام به، إنه نموذج الشاب الطاهر العفيف الذي أعانه الله على تغيير سمت الشرك والإلحاد الذي أصاب المجتمع المصري القديم لقرون عدة، ولا غرو في ذلك فلقد أتاه الله العلم والحكمة والنبوة يقول- عز وجل-:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 22)، وقد ابتُلي هذا الشاب بإغواء امرأة العزيز له، لكن الله أعاذه من مكرها، فكان السجن أحب إليه من هذه الرذيلة، في السجن مارس يوسف \ الدعوة إلى ربه بالقول والعمل، فيختصر السياق القرآني «ما كان من أمر يوسف الشاب في السجن، وما ظهر من صلاحه وإحسانه، فوجّه إليه الأنظار، وجعله موضع ثقة المساجين، وفيهم الكثيرون ممن ساقهم سوء الطالع مثله للعمل في القصر أو الحاشية، فغضب عليهم في نزوة عارضة، فألقي بهم في السجن.. يختصر السياق هذا كله ليعرض مشهد يوسف في السجن وإلى جواره فتيان أَنِسا إليه، فهما يقصّان عليه رؤيا رأياها، ويطلبان إليه تعبيرها، لما يتوسمانه فيه من الطيبة والصلاح وإحسان العبادة والذكر والسلوك(5) وبقية القصة معلومة ومعروفة، فقد استطاع يوسف \ أن يصبر في السجن سنين عدة، وقد احتاجه الملك في تأويل الرؤيا، ثم اعتمد عليه في تسيير شؤون مصر في قحطها ومحنتها، فكان خير وزير للمالية والزراعة في مصر القديمة، وكانت كفاءته العلمية والإدارية وأخلاقه محل إعجاب الجميع حتى آمن آلاف من أهل مصر بدين إبراهيم الذي جاء به يوسف الشاب \ مبشرًا وداعيًا.

هذه إذن نظرة القرآن الكريم للشباب، إنها نظرة تؤكد على قدرة هذه الفئة من المجتمعات على إحداث التغيير، وهو تغيير ليس عضليًّا جسمانيًّا بطبيعة المرحلة التي تؤهل هؤلاء لذلك، وإنما هو تغييرٌ إيمانيٌّ عقلي حياتي وجداني كذلك، ولا عجب أن نرى ما يحدث في مجتمعاتنا اليوم من تغيير منطلقُهُ ومبتداه من الشباب، فصدقَ كلامُ رب العزة الذي أخبرنا أن التغيير سنة من سننه الثابتة، وأن الشباب هم وقود هذا التغيير.

الهوامش :

1- باحث مصري في التاريخ والتراث.

2- سيد قطب: في ظلال القرآن، 1/221، 222.

3- النسفي: مدارك التنزيل وحقائق التأويل، 2/227.

4- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 5/140.

5- سيد قطب: في ظلال القرآن ، 4/1987.

8 11 2015 9 17 21 AM

علاء عبدالفتاح :

 تحت عنوان «القرآن الكريم في الجوال.. مسائله الفقهية» يقدم لنا الأستاذ الدكتور فهد بن عبدالرحمن اليحيى أستاذ الفقه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية بحثا محكما في موضوع افتقرت إليه المكتبة العربية الإسلامية.. في هذا الكتاب مجموعة من المسائل المهمة التي ظهرت بعد استخدام القرآن الكريم في الجوال، منها ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال من حيث اشتراط الطهارة للمسه، ومن حيث الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء، إضافة إلى حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال، وكنغمة جرس للتنبيه.

إلى أن يتناول البحث -المهم- حكم قراءة القرآن من الجوال، ثم حكم إلحاق القراءة من الجوال بالقراءة من المصحف.

ويصف مدير جامعة القصيم خالد بن عبدالرحمن الحمودي الكتاب بقوله: وجدته مؤلفا رصينا، عالج موضوعا معاصرا يتعلق بالعديد من الأحكام الفقهية المترتبة على وجود القرآن الكريم في جهاز الجوال، وغيرها من المسائل التي تهم كثيرا من الناس.

وبالرجوع إلى أصل هذا الكتاب نجده بحثا محكما نشر في مجلة علمية محكمة، ثم حاز على جائزة التميز البحثي في جامعة القصيم لعام 1430، يقول المؤلف: وكانت المجلة تصرفت في العنوان فنشرت البحث بعنوان «تخزين القرآن الكريم في الجوال وما يتعلق به من مسائل فقهية» وهو العنوان الذي أعلن في جائزة التميز، ولكن الآن أنشره بعنوانه الأصلي الذي أراه وأرتضيه.

ويضيف في مقدمة الكتاب: من تلك الخدمات التي تشتمل عليها كثير من أنواع «الجوال» إمكانية تخزين نسخة من القرآن الكريم في ذاكرة ذلك الجوال، ومن ثم استخدام هذه النسخة ،على اختلاف في كيفية التخزين وآليته، والبرامج التي من خلالها يمكن تشغيل تلك النسخة.

ولما شاعت هذه التقنية تساءل البعض عن مسائل في هذا الاستخدام، وهو دليل على حرص الناس على معرفة الحلال والحرام، أسأل الله تعالى أن يزيدنا جميعا علما نافعا وعملا صالحا، وخدمة لكتاب الله تعالى، ثم لأولئك الذين يبحثون عن حكم الله ليتبعوه رغبت أن أكتب في تلك المسائل مجتهدا في تلمس الحكم الشرعي لعل الله يفتح به علي، أو أكون سببا في عرض المسائل فيقيض الله من يحرر الحكم فيها ويجليه.

وقد جاء هذا البحث في تمهيد وأربعة مباحث وخاتمة، وتناول التمهيد التعريف ببعض برامج القرآن المصممة لأجهزة الجوال، بينما تناول المبحث الأول ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال من حيث اشتراط الطهارة للمسه، ومن حيث الدخول به إلى الخلاء، أما المبحث الثاني فيتناول حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال.

ثم نأتي للمبحث الثالث، حيث حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة جرس للتنبيه، ويأتينا الرابع بحكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة.

وفيه مطلبان: المطلب الأول: حكم القراءة من المصحف في الصلاة، والمطلب الثاني: حكم إلحاق القراءة من الجوال بالقراءة من المصحف، ثم تأتي المقدمة بأهم نتائج البحث وتوصياته.

ولنعرض بشيء من التفصيل لإحدى المسائل التي تناولها الكتاب حيث يقول المؤلف: لا يخفى خلاف أهل العلم في اشتراط الطهارة عند لمس المصحف. وليس المقصود من هذا البحث عرض الخلاف في هذه المسألة، بل مسألتنا هي ما يتعلق بمس الجوال المشتمل على المصحف، هل تشترط له الطهارة بناء على قول عامة أهل العلم في اشتراط الطهارة عند لمس المصحف، وهو الراجح في هذه المسألة.

ويضيف: لا يخلو الجوال المشتمل على المصحف من حالين: الحال الأولى: أن يكون المصحف مغلقا (أي في غير حالة التشغيل) والحال الثانية: أن يكون المصحف مفتوحا (في حالة التشغيل)، فأما الحال الأولى: فإنه لا يعتبر له حكم المصحف، لذا فمس الجوال لا تشترط له الطهارة، ولم أجد من الفقهاء المعاصرين من قال باشتراط الطهارة في هذه الحال، وأما الحال الثانية: وهي حال فتح برنامج المصحف في الجوال (في حال التشغيل)، حيث تظهر على شاشة الجوال صورة آيات المصحف، فهذه المسألة في نظري تنبني على مسألتين من مسائل مس المصحف: المسألة الأولى: مس المصحف من وراء حائل، والمسألة الثانية: مس كتب التفسير.

ووجه كونها تنبني على هاتين المسألتين: أن المس في الجوال لا يكون غالبا للشاشة مباشرة، وإنما من خلال الجهاز، وهو حائل بين اليد وبين الآيات ذاتها، كالجلد الذي يكون على المصحف. ولذا فلو كان المس مباشرة للشاشة خرج من الإلحاق بمسألة الحائل وبقيت المسألة الأخرى.

أما أهم نتائج البحث فتتلخص في أن الجوال الذي يضم المصحف إن كان مغلقا (أي في غير حالة التشغيل) لا يعتبر له حكم المصحف، لذا فمس الجوال لا تشترط له الطهارة، وإن كان المصحف مفتوحا (في حالة التشغيل)، فهذه المسألة تنبني على مسألتين: مس المصحف من وراء حائل، ومس كتب التفسير، والأرجح هو عدم اشتراط الطهارة لمس الحائل ولو كان متصلا بالمصحف، وعدم اشتراط الطهارة لمس كتب التفسير، فكذلك الجوال لا تشترط الطهارة لمسه إذا كان في وضع التشغيل بشرط عدم مس الشاشة ذاتها، لأن مسها حينئذٍ مس للمصحف فتشترط له الطهارة.

وفي مسألة الدخول بالجوال ذي المصحف إلى الخلاء ينبغي التفريق بين حال تشغيل البرنامج بحيث تظهر الآيات على شاشة الجوال، وبين حال عدم التشغيل، ففي الحال الأولى يعتبر الدخول به كالدخول بالمصحف، وأما في الحال الثانية فلا يعتبر دخولا بالقرآن إلى الخلاء، نظرا إلى عدم ظهور تلك الآيات.

أما حكم استخدام قراءة القرآن كنغمة اتصال، وكنغمة جرس للتنبيه فينبغي الإشارة إلى الفرق بين نغمة الاتصال ونغمة جرس التنبيه، فإن علل المنع أو الكراهة في اتخاذ صوت القرآن كنغمة جرس أوضح منها في المسألة الأخرى.

كما عرضت الخاتمة للخلاف في حكم القراءة من المصحف في الصلاة، مرجحة أن الأصل الإباحة في هذه المسألة، وعلى من يمنع الدليل.

يقع الكتاب في 80 صفحة من القطع المتوسط ونشرته دار التدمرية بالرياض.

22252225

هاني إسماعيل محمد:

لم يحظ فن من فنون الأدب العربي بكثرة الدراسات وتنوعها، سواء القديمة منها أو الحديثة، مثلما حظي الشعر العربي، وخاصة الجاهلي منه، إذ يعد المرجع الموثوق به لأساليب العرب البلاغية والبيانية والمصدر الأصيل لمفرداتهم اللغوية وطرقهم التعبيرية، فضلا عما يحويه الشعر العربي من مآثر العرب ومفاخرها، وأحداث أيامها ووقائعها، فهو الوثيقة الرسمية الأولى التي دونت تاريخ العرب الوجداني والاجتماعي منذ بزوغ الجنس العربي ونبوغ عقليته.

يفسر لنا هذا مدى احتفاء القبائل العربية بالشعراء الذين كانوا بمثابة المتحدثين الاعلاميين أو الرسميين لقبائلهم، فهم الذين يعبرون عن آراء قبيلتهم وتوجهاتها وينافحون عن جنابها وحرماتها، وهذا ما أكده ابن رشيق في عمدته فقال:

«كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان، لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج»(1).

وكما احتفت القبيلة العربية بالشعراء وأشعارهم احتفى المفسرون على اختلاف توجهاتهم وتباين مناهجهم بالشعر، وقاموا بتوظيفه في تفسير النص القرآني الكريم وكشف ما فيه من غريب الألفاظ وغامض المعاني، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، ومن ثم كانت معرفة اللغة وأسرارها شرطًا أساسيًا من شروط من يتصدر للتفسير «وروى البيهقي في الشعب عن مالك قال: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا»(2)، وقال أبوالليث: «وأما من لم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على وجه التفسير»(3).

ويؤكد هذا الشاطبي في موافقاته فيقول:

«إن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة، لأن الله تعالى يقول: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا}، وقال {بلسان عربي مبين}، وقال: {ولو جعلناه قرآنا أعجميًا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي}، إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب، لا أنه أعجمي أو بلسان العجم، فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة»(4).

ومع بداية ظهور التفسير بدأ الاهتمام بالشعر في فهم المفردة القرآنية ودلالتها اللغوية، وذلك نظرا لما يتضمنه الشعر من ثراء لغوي، ولما يحتويه من خصائص الأسلوب العربي المبين، «فقد كان المفسرون من علماء اللغة الذين يحرصون على حفظ الشعر وقراءة الدواوين ودراستها حتى ذكر الواحدي انه درس اللغة ودواوين الشعراء على شيخه العروضي»(5).

وتشير المصادر إلى أن حبر الأمة عبدالله بن عباس  "رضي الله عنه"  ورد عنه كثيرًا من الشواهد الشعرية في تفسير آي الذكر الحكيم، يقول عكرمة: «ما سمعت ابن عباس فسر آية من كتاب الله عز وجل إلا نزع فيها بيتًا من الشعر، وكان يقول: إذا اعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب»(6).

وعن سعيد بن جبير قال: «سمعنا ابن عباس يُسأل عن الشيء من القرآن فيقول فيه كذا وكذا، أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا»(7)، وعنه أيضا وعن يوسف بن مهران أن ابن عباس، «قال: إذا تعاجم شيء من القرآن، فانظروا في الشعر، فإن الشعر عربيّ، ثم دعا ابن عباس أعرابيًا، فقال: ما الحرج؟ قال: الضيق. قال: صدقت»(8).

وعلى الرغم من كثرة هذه الروايات التي وردت عن ابن عباس في هذا الباب إلا أن هناك بعض الروايات التي تفيد بأن قصب السبق كان لعمر بن الخطاب  "رضي الله عنه"  فهو أول من لفت الأنظار إلى أهمية الشعر في فهم القرآن الكريم وغريب ألفاظه، فقد روي عنه أنه سُئل على المنبر عن قوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} فقال له رجل من هذيل التخوف عندنا التنقص، ثم أنشده.

تخوّف الرجل منها تامِكا قَرِدا

كما تخوف عود النَّبْعَة السَّفَن

فقال عمر: أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإنه فيه تفسير كتابكم(9).

ومع أن هذه الدعوات صدرت من الرعيل الأول من صحابة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بيد أن فريقًا من المفسرين انصرف عن «الولوج في الشواهد الشعرية لتفسير الآيات القرآنية حذرا من الزلل لاسيما في كتاب الله»(10)، وقد ذكر السيوطي أن الفضل بن زياد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله «أنه سئل عن القرآن، يمثل له الرجل ببيت من الشعر؟ فقال: ما يعجبني فقيل ظاهره المنع»(11)، وهذا يفسر لنا عزوف بل إنكار فريق من المفسرين الاستشهاد ولو ببيت من الشعر مفرد في تفاسيره.

وما عزف المفسرون عن الشعر إلا ورعا وكراهة أن يُصرف معنى من معاني القرآن إلى غير مقصوده، وفي هذا يقول السيوطي: «الكراهة تحمل على صرف الآية عن ظاهرها إلى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب، ولا يوجد غالبا إلا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها»(12).

ومع هذا نجد أن هذا الاتجاه الذي تورع عن توظيف الشعر العربي في فهم النص القرآني لم يكن اتجاهًا سائدا بل كان محدودًا، وعلى العكس من ذلك كان معظم المفسرين ومن قبلهم النحويون يلجأون إلى الشواهد الشعرية لتفسير غريب ألفاظ القرآن، ويصرح بذلك ابن الأنباري بعدما ذكر دور ابن عباس في الاستشهاد بالشعر في الرد على مسائل نافع بن الأزرق عن مواضع في القرآن فيقول: «فيه دلالة على بطلان قول من أنكر على النحويين احتجاجهم على القرآن بالشعر، وأنهم جعلوا الشعر أصلا للقرآن، وليس كذلك، وإنما أراد النحويون (وعلى إثرهم المفسرون) أن يثبتوا الحرف الغريب من القرآن بالشعر، لأن الله تعالى قال:{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا} وقال تعالى: {بلسان عربي مبين} (13).

وقد قال أبوهلال العسكري في صناعتيه وهو ينوه إلى فضائل الشعر: «من ذلك أيضا أن الشواهد تنزع من الشعر، ولولاه لم يكن على ما يلتبس من ألفاظ القرآن وأخبار الرسول شاهد»(14).

وهذا القول يلفت انظارنا إلى قضية الطعن في الشعر العربي، والجاهلي منه خاصة، كما رأينا في كتاب الدكتور طه حسين «في الشعر الجاهلي»، فالطعن في المصدر الرئيسي والمنبع الأول للغة القرآن الكريم يعد طعنًا صريحًا في القرآن الكريم وطعنا في شواهدها التي عول عليها المفسرون(15)، حيث أراد الطاعنون من مستشرقين وتلامذتهم أن يطعنوا في القرآن ومعانيه «عن طريق خافت الضوء هو الشعر، حتى لا تحدث ضجيجًا أو صياحًا يفسد عليها هدفها الذي تسير فيه حتى تصل إلى غايتها الخطيرة، وهي تقصد أساسًا إلى محاربة القيم الإسلامية وإزاحة فكرة الأصول الثابتة»(16)، عبر التشكيك في شاهد القضية الرئيسي، الشعر العربي الذي وصفه ابن رشيق في عمدته: «بأكبر علوم العرب، وأوفر حظوظ الأدب، وأحرى أن تقبل شهادته، وتمتثل إرادته»(17)، ومن قبله وصفه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  "رضي الله عنه"  بأصح علوم العرب حين قال: «كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه»(18).

ومن الأمثلة الموضحة لمدى توظيف الشعر في كشف غموض الدلالة اللفظية والتراكيب اللغوية في السياق القرآني ما جاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} أي قعر النار، ومنها منشؤها ، ثم هي متفرعة في جهنم، طلعها أي ثمرها، سمي طلعها لطلوعه، كأنه رؤوس الشياطين قيل: يعني الشياطين بأعيانهم، شبهها برؤوسهم لقبحهم، ورؤوس الشياطين متصور في النفوس وإن كان غير مرئي، ومن ذلك قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان، ولكل صورة حسنة هي كصورة ملك، ومنه قوله تعالى مخبرًا عن صواحب يوسف: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} وهذا تشبيه تخييلي، روي معناه عن ابن عباس والقرظي، ومنه قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وإن كانت الغول لا تعرف، ولكن لما تصور من قبحها في النفوس، وقد قال الله تعالى: {شياطين الإنس والجن} فمردة الإنس شياطين مرئية، وفي الحديث الصحيح: ولكأن نخلها رؤوس الشياطين وقد ادعى كثير من العرب رؤية الشياطين والغيلان، وقال الزجاج والفراء: الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف، وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسمًا.

مع بداية ظهور التفسير بدأ الاهتمام بالشعر في فهم المفردة القرآنية ودلالتها اللغوية

الهوامش:

1- ابن رشيق: العمدة 1/65.

2- السيوطي: الاتقان في علوم القرآن 2/444.

3- السابق: 2/447.

4- الموافقات: 2/305.

5- الشاهد الشعري في تفسير القرآن عبدالرحمن الشهري ص 209.

6- التبريزي، شرح حماسة أبي تمام 3/1.

7- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 41.

8- تفسير الطبري: 690.

9- الموافقات: 2/321.

10- المفسرون واهتمامهم بالشعر العربي: د.أحمد حمد سليمان الصقعبي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، ع 83 ديسمبر 2010، ص 31.

11- الإتقان للسيوطي: 2/444.

12- السابق: نفس الصفحة.

13- البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/397.

14- الصناعتين لأبي هلال العسكري: 1/43.

15- انظر تفصيل الطعن في الشعر والرد عليه في الشاهد الشعري للدكتور الشهري ص 212 وما بعدها.

16- أنور الجندي: مقال الحداثة، مجلة منار الإسلام الإماراتية، عدد ربيع الأول 1406هـ.

17- العمدة: 1/16.

18- طبقات فحول الشعراء للجمحي: 1/24.

652256

د. محمد سعد :

الأسماء في كل أمة عنوان حضارتها، وميسم أصلها الذي تفتخر به، ودليل واضح على سموها، ورفعتها، ومرآة صافية لكثير من قيمها وعاداتها.

ذلك بأن الأسماء في حقيقتها هي مجموعة من القيم الإنسانية والمعاني الجمالية، والآثار التاريخية.

فقد كان لأهل الجاهلية قبل الإسلام أسماؤهم التي تصور حياتهم وترسم بيئتهم بكل مكوناتها فسموا: صخرا، وحجرا، وجحرا، وأسدا، وفهدا، وقيسا، وكلبا وسرحان، وظبية، ومها، وزينب، وهندا، ودعدا، وظالما، ومغيرة.... وواضح إلى أي مدى تعكس هذه الأسماء مكونات البيئة التي عاشوا فيها والقيم الإنسانية التي تربوا عليها.

 وعن هذه الطريقة يقول الجاحظ في كتابه الحيوان: «كان الرجل إذا ولد له ذكر خرج يتعرض لزجر الطير والفأل، فإن سمع إنسانا يقول حجرا أو رأى حجرا سمى ابنه به وتفاءل فيه الشدة والصلابة والبقاء والصبر وأنه يحطم ما لقي، وكذلك إن سمع إنسانا يقول ذئبا أو رأى ذئبا تأول فيه الفطنة والخب والمكر والكسب، وإن كان حمارا تأول فيه طول العمر والوقاحة والقوة والجلد، وإن كان كلبا تأول فيه الحراسة واليقظة وبعد الصوت والكسب وغير ذلك» (1).

وهكذا تصبح البيئة بكل مكوناتها وقيمها من أهم الروافد، وأصفى المنابع التي يستقي منها الناس أسماءهم.

وإذا طبقت هذا على كثير من البيئات تجد مصداق ذلك واضحا جليا، فالبيئة البدوية تختلف أسماؤها عن الحضرية، وتختلف الريفية عن المدنية، وأرباب الصناعة والتجارة يختلفون عن غيرهم من أرباب الفكر والثقافة وهكذا.

ولقد كان للإسلام منهج فريد في التعامل مع الأسماء وطريقة التسمية، وقد بدا ذلك واضحا في سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حين وجه الأنظار نحو وجوب اختيار الأحسن من الأسماء حين قال «إنكم تدعون - أي ينادى عليكم - يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فحسنوا أسماءكم» (2).

ولم يقف المنهج النبوي في اختيار الأسماء عند هذا الحد بل تعداه إلى عدة قواعد ومعايير مهمة أوجب على الأب باعتباره المسؤول الأول عن التسمية أن يلتزم بها وهذه المعايير هي:

1- اختيار الأحسن من الأسماء

فعلى المربي أن يحرص دائما على اختيار أحسن الأسماء وأجملها، لا كما يفعل بعض الناس حين يحرص على وجود عنصر الغرابة أو الطرافة في الاسم؛ غير ملتفت إلى معناه ودلالته.

ومن الطريف أن شخصا يدعى ميمونا رزق ببنت فلما أراد أن يسميها قال سوف أبحث عن أصغر الأسماء، فوقع اختياره على اسم «مي» فسألته: بم سميت ابنتك يا أستاذ ميمون؟ فقال: مي. فقلت له: هل تعرف معنى «مي»؟ قال: لا. قلت؟ إنه القرد الصغير.

فأنشأ يضحك قائلا: عائلة قرود..!!

وما أجمل أن نتذكر هذا الحديث ونحن نفكر في اختيار أسماء أولادنا:

«إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبدالله وعبدالرحمن» (3).

ولقد كان الصحابي يأتي إلى النبي  فيسأله صلى الله عليه وسلم عن اسمه فإن وجد في اسمه دلالة قبيحة أو معنى يدعو إلى خلق ذميم، غيره إلى اسم آخر، وربما غير اسمه الحسن إلى ما هو أحسن منه.

كما غير: حازم، وشهاب، وزيد الخيل، وكلها أسماء حسنة في ذاتها لكنه غيرها إلى ما هو أحسن منها. فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم حازم إلى «مطعم» بمعنى مرزوق، وغير اسم «شهاب» إلى «هشام»، وغير اسم «زيد الخيل» إلى «زيد الخير» (4).

2- البعد عن الأسماء ذات الإيحاءات الصادمة والمتشائمة

إن تعاليم الإسلام تحمل في ثناياها وفي مغازيها حفاظا على المشاعر الإنسانية الراقية، لأن الإسلام ما جاء إلا لهداية البشر وتنوير حيواتهم بكل ما هو سام ورفيع، ومن ثم لم يسغ الإسلام صدم مشاعر الناس بالأسماء التي تثير التشاؤم أو الخلاف أو الحرب أو الكآبة.

وإذا كانت بعض الأسماء تدعو إلى التشاؤم فإن الأصل أن المسلم لا يتطير، ولا يتشاءم، إذ المتشائم لا يبرح أن يكون خائفا رعديدا، فضلا عن إيمان المسلم بأن كل شيء يجري بقدر الله يجعله ساكن النفس مطمئنا، لكن لما كانت النفس البشرية، التي خلقها الله تجنح دوما إلى كل جميل، وتنفر من كل قبيح، كان الرسول صلى الله عليه وسلم[ يحب الفأل الصالح، والكلمة الحسنة، ويتفاءل بالاسم الحسن، فقد روي عنه أنه لما هاجر هو وأبو بكر مروا بإبل بالجحفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم[: «لمن هذه الإبل؟»، قال: رجل من أسلم، فالتفت إلى أبي بكر فقال: «سلمت إن شاء الله» فقال: «ما اسمك؟» فقال: مسعود، فالتفت إلى أبي بكر فقال: «سعدت إن شاء الله» (5).

3- البعد عن الأسماء التي تخالف المعتقد الصحيح لكل مسلم

فمن المقرر أنه لا يجوز التسمية بما يخالف المعتقد الصحيح لكل مسلم، كالتسمية بأسماء الله مثلا كمن يسمي ابنه: رحمن، أو أكبر، أو قيوم، وكذلك التسمية بما لا ينبغي أن يوصف به إلا الله سبحانه وتعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أشنع الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ، لا ملك إلا الله عز وجل» (6).

أو التسمية بالتعبيد لغير الله، كعبد النبي وعبد الرسول وعبد علي وعبدالحسين وعبد الحسن، وعبد الملاك، وعبد المسيح ونحو ذلك.

4- البعد عن الأسماء التي تدعو إلى خلق ذمه الإسلام

ونعني بالمعيار الخلقي ألا يكون الاسم دالا على خلق ذمه الإسلام، أو تعارض مع الغاية العظمى لديننا، وهي إتمام مكارم الأخلاق، كأن يعبر الاسم عن مسلك نفسي منحرف كالكبر، أو تزكية النفس، أو الذل والاحتقار ونحو ذلك.

ولهذا السبب غير النبي صلى الله عليه وسلم اسم «برة» لكونه دالا على تزكية النفس، بينما المسلم متواضع وقور، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع هذا الاسم: «لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم» (7).

كذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم : حزن، وعتلة، لكونهما يحملان معنى الشدة والغلظة، بينما المسلم لين سهل، وكذا غير اسم «بغيض»، إلى محبوب واسم «خرقة» غيره إلى عبدالله، لكونهما يحملان معنى الذل والاحتقار، والمسلم عزيز ومكرم.

5- البعد عن الأسماء ذات الدلالات القبيحة

ونعني بقبح الدلالة كون الاسم دالا على معنى قبيح، تأنف الطباع السليمة منه، وينفر منه ذو الفطرة السوية، وقبح الدلالة هنا قد يكون في الوصف الذي يحمله الاسم كالتسمية بغافل، أو عاص، أو غاو أو ظالم ونحو ذلك.

فلاشك أن هذه الأسماء تحمل من قبيح الصفات ما يجعل صاحب الطبع السليم يأنف من التسمية بها، ومن ثم فقد غير النبي الكريم صلى الله عليه وسلم اسم «جعيل» تصغير «جُعَل» وهو حشرة صغيرة كالخنفساء إلى اسم «عمرو» (8)، وغير اسم «شيطان» إلى عبدالله (9)، وغير اسم العاصي إلى مطيع (10)، وعاصية إلى جميـلة (11)، وإلى مطيعة (12)، كل هذا وفقا لهذا المعيار، وهو قبح الدلالة.

ومن الأسماء ذات الإيحاءات الصادمة بل المقززة: إغراء، فتنة، وناهد (13)، وفاتن، ورماس (14) ومي (15) وسوزان (16).

هوامش :

1- الحيوان للجاحظ 1/324، والاشتقاق لابن دريد، ص7.

2- صحيح ابن حبان، ج13/ص135، ح5818، ومسند أحمد، ج5/ص194، ح21739.

3- أخرجه مسلم (3/1682، رقم 2132). والحاكم (4/304، رقم 7719) وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي (9/306، رقم 19089).

4- المعجم الكبير للطبراني، وراجع معرفة الصحابة لأبي نعيم.

5- خرج الحديث.

6- خرج الحديث.

7- وقد غير الرسول صلى الله عليه وسلم[ هذا الاسم إلى زينب، وهي زينب بنت جحش أم المؤمنين، وكذلك زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد وإلى جويرية، وهي جويرية بنت الحارث المصطلقية أم المؤمنين وإلى ميمونة، أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية (انظر كتاب أحسنوا أسماءكم، ص413).

8- غير منسوب، استشهد يوم الخندق، سنن البيهقي ج 9 ص 308.

9- وهو عبدالله بن قرط، سنن البيهقي، ج 9 ص308.

10- وهو مطيع بن الأسود العدوي والد عبدالله بن مطيع، قال البيهقي عن عبدالله ابن الحارث بن جزء الزبيدي قال: توفي صاحب لي غريبا فكنا على قبره أنا وعبدالله ابن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص، وكان اسمي العاص واسم ابن عمر العاص واسم ابن عمرو العاص، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم[: «انزلوا واقبروه وأنتم عبيدالله، قال فنزلنا فقبرنا أخانا وصعدنا من القبر وقد أبدلت أسماؤنا». سنن البيهقي، ج 9 ص307.

11- وهي جميلة بت عمر بن الخطاب، وجميلة بنت أبي الأفلج.

12- وهي مطيعة بنت النعمان.

13- الناهد: الفتاة التي نهد صدرها أي ارتفع.

14- «رماس» جمع رمس والرمس هو القبر، وقيل الرماس ظلمة القبور، راجع لسان العرب مادة «رمس».

15- مي: القرد الصغير.

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

أحمد المنزلاوي يكتب: التسامح بين الزوجين نماء واستمرار

القاهرة – أحمد المنزلاوي: لا تكاد تخلو الحياة الزوجية من مشكلات وخلافات، سيقع البعض في أخطاء ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال