✍ د.محمد محمود طه – باحث في الأديان والمذاهب:                                     :

من خصائص المجتمع المسلم التراحم بين أفراده، فالرحمة من أعظم سمات المؤمنين كما قال تعالى {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} (الفتح:29)، ومن مفردات التراحم المجتمعي السعي في قضاء حوائج الناس وخصوصا الضعفاء منهم، ومعاونة كل من يحتاج إلى المعونة، ويلاحظ في الفترات الحالية ضعف هذه الفضيلة في المجتمع الإسلامي، مما يوجب التذكير بفضلها وبيان أهميتها حتى ينتشر هذا الخلق العظيم في مجتمعات المسلمين ويعود كما كان في سالف عهود مجدهم التليد.

إن قضاء حوائج الناس من باب التعاون على البر والتقوى يقول تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة:2). قال الإمام الماوردي: «ندب الله سبحانه إلى التعاون بالبر وقرنه بالتقوى له، لأن في التقوى رضا الله تعالى وفي البر رضا الناس ومن جمع بين رضا الله تعالى ورضا الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته»(1).

وأبواب التعاون على البر متعددة، ومتسعة باتساع البر جاء في تفسير القرطبي: «والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة»(2).

وفوائد هذا التعاون متنوعة يقول الطاهر بن عاشور «وفائدة التعاون تيسير العمل وتوفير المصالح وإظهار الاتحاد والتناصر حتى يصبح ذلك خلقا للأمة»(3).

قضاء الحوائج من الإيثار

لقد مدح الله تعالى خلق الإيثار الذي انتشر بين صفوف الأنصار في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر:9).

ولا يقتصر قضاء حوائج الناس على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي، والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان، فعن سهل بن سعد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله مفتاحا للخير، ومغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر، ومغلاقا للخير»(4). ومن صور قضاء حوائج الناس؛ قضاء الحوائج من خلال النفع بالجاه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل، أو طلبت إليه حاجة، قال: «اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء»(5).

فوائد قضاء الحوائج

ولعل من المفيد للقارئ أن أجمل له في هذا المقال فوائد قضاء الحوائج للناس كالتالي:

1- حفظ الله لقاضي حوائج الناس من المصارع المكروهة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء»(6).

2- في قضاء الحوائج معنى الإنفاق؛ سواء أكان إنفاق المال أو العلم والمعرفة أو الوقت أو الجاه، وقد وعد الله المنفقين بالخلف القريب في الدنيا، بخلاف عظيم الأجر في الآخرة، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ: 39).

3- البشرى بزيادة الأجور؛ ففي الصحيحين من حديث أنس قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فمنا الصائم ومنا المفطر فنزلنا منزلا في يوم حار، وأكثرنا ظلا صاحب الكساء، فمنا من يتقي الشمس بيده. قال: فسقط الصوام وقام المفطرون وضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب المفطرون اليوم بالأجر».

4- رجاء الفلاح في الدنيا والآخرة؛ لأنه استجابة لوصية الله تعالى لعباده المؤمنين، يقول تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الحج:77).

5- من أعظم أبواب الصدقات، قال صلى الله عليه وسلم: «كل معروف صدقة»(7).

6- ينشر المودة بين المؤمنين؛ لأنه تحقيق لوصفه صلى الله عليه وسلم لمجتمع المؤمنين كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: هذا الحديث صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه(8).

7- خير الأبواب التي يظهر فيها التأسي بأخلاق النبوة، فقد وصفت لنا السيدة خديجة رضي الله عنها أخلاق النبي في قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق»(9). وتصل الرحم بمعنى تحسن إلى الأقارب وتواسيهم، وتحمل الكل أي تساعد الضعيف واليتيم وغيرهما، وتكسب المعدوم أي تعطي المال تبرعا للمحتاج والسائل، وتقري الضيف أي تقدم الطعام والشراب للضيف، وتعين على نوائب الحق أي تقف مع أصحاب المصائب والبلايا والمقادير الجارية على الخلائق.

8- علامة من علامات محبة الله للعبد، قال صلى الله عليه وسلم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس»(10). ولقضاء الحوائج يصطفي الله تعالى خلقا من خلقه، قال صلى الله عليه وسلم: «إن لله عبادا اختصهم بالنعم لمنافع العباد، يقرهم فيها ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم»(11). قال المناوي في «فيض القدير»: فالعاقل الحازم من يستديم النعمة ويداوم على الشكر والإفضال منها على عباده، واكتساب ما يفوز به في الآخرة، {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}(القصص: ٧٧)».

9ـ بقضاء الحوائج تنال معية الله تعالى، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه فيما بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه»(12).

الهوامش

1- تفسير القرطبي ج6، ص42، (القاهرة: دار الحديث طبعة 2002م).

2- تفسير القرطبي ج 6، ص424.

3- انظر تفسير التحرير والتنوير ج6 ص87.

4- أخرجه ابن ماجه (238).

5- البخاري 2/14 ومسلم 8/37.

6- أخرجه الطبراني في الكبير (8/261) وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (2/15).

7- البخاري حديث 6021، ومسلم حديث 1005.

8- مسلم بشرح النووي ج8، ص385.

9- متفق عليه.

10- الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما، وهو حديث حسن.

11- أخرجه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (1/24، رقم5)، والطبراني في الأوسط (5/228، رقم5162).

12- رواه مسلم (رقم:2699) بهذا اللفظ.

 

• البركة مع أكابركم
• التوبة والوقاية
• القدوة.. منهج إسلامي قويم
• جواب الفقيه الباجي على راهب فرنسا
• زوجتك نفسي على الإنترنت