السبت، 27 يوليو 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

الدكتور أحمد زكي عاكف وتأديب العلم

د. محمود صالح البيلي - دكتوراه في الأدب والنقد: قيض الله سبحانه وتعالى للعربية من الكتاب من جمع ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

247 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

عبد الحميد محمد الراوي - كبير أئمة بوزارة الأوقاف المصرية:

الحج خامس أركان الإسلام، والفريضة الجامعة لمعنى العبادة الحقة، وبهذا يجتمع فيه خصائص الأركان، فهو يشارك الصلاة في الإعراض عن الدنيا والانسلاخ منها والتجرد لله عز وجل من كل لغو وعبث، والإكثار من الذكر والصلة بالله سبحانه وتعالى.

ويشارك الصوم في الخشية والتقوى والمساواة، ويأخذ من الزكاة البذل والتضحية والإنفاق، فهو بهذا عبادة روحية ومالية وبدنية، وهو مع هذا مؤتمر عام ومعسكر سنوي، ورياضة للبدن والروح معا، وبهما كان فيه من الأسرار والحكم ما لا يذوق طعمه ويلمس أثره إلا من أدى مناسكه على الكيفية التي أداه بها رسول الله [شأن كل عبادة لا تؤدي غرضها، ولا تحدث في النفوس أثرها، إلا إذا جاءت على المنهج النبوي من حيث المظهر والجوهر، وهو القائل عليه السلام «خذوا عني مناسككم»، والقائل «صلوا كما رأيتموني أصلي» (رواه البخاري).

إن العبادات من حيث هي والحج على وجه الخصوص فيها من الكمالات النفسية والمنافع الاجتماعية ما لو أدركه المسلمون لانعكس على حياتهم خيرا وبركة ورشادا، وهذه الكمالات والمعاني لا تدرك ولا تحصل، إلا بإتقان العبادة وتجويدها وأدائها على الوجه الأكمل وإدراك أسرارها وحقائقها ليتحقق المسلم بها ويحقق الغاية منها.

ولهذا ترتبط العبادات بها ارتباطا وثيقا بالفرد والأمة والمجتمع، ويكون المسلم عنوانا على إسلامه من كل جوانب حياته، فلا تنفصل حياته ومعاملاته عن صلاته وصومه وزكاته وحجه، ولا ينفصل تفكيره وتصوراته عن عقيدته وإيمانه، وبالتالي تنقرض الشخصيات الملتوية والمتلونة التي تسيء إلى الإسلام وتلقي عليه عبئا هو منه براء.

وبأسلوب آخر أقول: إن من أخطر ما أضر بنا أننا أمة نؤدي عباداتنا صورة لا حقيقة، وفرق كبير بين الصورة والحقيقة لا يخرج عن الفرق بين الحي والميت، فكم هو الفرق الواضح بين حقيقة الإنسان وهو يتحرك ويفكر ويعطي وينتج، وبين الصورة المعلقة على جدار البيت للذكرى فلا تقدم نفعا ولا تحرك ساكنا.

ولا يكاد يخرج هذا الفرق الكبير بين الجيل الأول أصحاب رسول الله [، وبين أجيال هذا العصر عن هذه الحقيقة وهذا المعنى، وما نال أصحاب رسول الله ] ومن يتبعهم بإحسان ما نالوه من العزة والمهابة إلا لأنهم كانوا يؤدون عباداتهم على حقيقتها المبينة في الشرع النبوي تعمقا في مدلولاتها التربوية وسيرا لأسرارها التشريعية، والتماسا لفوائدها الاجتماعية، فلا عجب أن كانوا أعز الأمم وأقواها وأعظم الشعوب وأرقاها.

وإذا أردنا أن نلتمس حكم العبادات وأسرارها وآثارها على النفس والمجتمع، وجدناها مجملة في كتاب الله عزوجل واضحة في سنة نبيه [، حقيقة في حياة السلف الصالح رضوان الله عليهم، قال تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } (العنكبوت:45).

والفواحش والمنكرات من أقوى أسباب الضعف التي تقود المجتمع إلى المرض والهلاك، ولا يحتاج العاقل إلى نظرة المقارنة بين ذلك الرعيل، وهذا الجيل فالفرق أوضح من الشمس في كبد السماء.

كذا الحال في فريضة الزكاة يقول الله عز وجل: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } (التوبة:103)، فهي طهرة للنفوس من البخل والشح والأنانية وحب الذات وكفى بالمجتمع تراحما وتعاطفا وقوة وسعادة أن يخلو من هذه الأمراض الخطيرة التي تهد قواه وتزعزع أمنه وتصدع وحدته.

أما الصوم فهو الذي يقول الله فيه: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183)، فأي غاية أنبل وأكرم من التقوى أن تتحقق في حياة الفرد والأمة في القول والتفكير والإحساس.

وأما عن الحج فحسبك قوله تعالى: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } (البقرة:197) فهو تربية على مكارم الأخلاق ومحاسن الصفات، وسمو الكمال النفسي والروحي.

تعاون العبادات

وهكذا تتعاون هذه العبادات على بناء الإنسان وتهذيب أخلاقه وتزكية نفسه وطهارة روحه، والمجتمع الفاضل المتراحم المتآخى المتعاون المتآزر أمنية أقضت مضاجع المصلحين وأسهرت ليل المفكرين فماتوا ولما يتحقق منها شيء، حتى جاء رسول الله [ بمنهج الله فإذا المجتمع الذي كان أمنية في عالم الخيال حقيقة دنت من الناس، ورمت إليهم بخيراتها وثمراتها وملأت عيونهم بجمالها، وقلوبهم بجلالها، فإذا هم في مجتمع العدل والأمن والقوة، والأخوة والمحبة والعزة.

روى التاريخ أن عمر بن الخطاب ] عندما تولى قضاء المدينة على عهد أبي بكر ] مكث عاما كاملا لم ترفع إليه قضية واحدة فطلب من الخليفة إعفاءه، فلما سأله عن السبب قال «إن قوما يوقر صغيرهم كبيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، القوي منهم ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف فيهم قوي حتى يؤخذ الحق له، إذا مرض أحدهم عادوه، وإذا مات شيعوه واتبعوه واستغفروا له، قوم هذا شأنهم لا حاجة لهم بقضاء عمر (رواه الطبراني في تاريخه 6/426).

والحج من أخص العبادات التي تساهم في بناء الفرد والمجتمع، والأمة فأي مجتمع أنظف وأي أمة أطهر وأي فرد أزكى وأتقى ممن انسلخ وابتعد وتجرد عن ألصق صفاته وأخص خصائصه { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } (البقرة:197).

فهو سمو وعلو وتجرد وارتقاء عن الرفث والغريزة المتمكنة من الإنسان والمسيطرة عليه كثيرا، ثم التخلي والترك للجدال الذي يقول الله فيه: {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } (الكهف:54) أي إن أكثر صفات الإنسان قوة «الجدل» كما في بعض الآراء، فإذا تخليت وأدركت إنسانا أو مجتمعا تجرد عن الرفث الذي يشبع به غريزته ويسعد ذاته، ثم الجدل الذي يدفع به عن الذات نفصها ليظهر كمالها وجمالها فأي رقي وسمو بعد ذلك أعظم وأنبل؟ ولابد من الإشارة «والحكم للغالب» لا يتمكن المسلم من تحقيق هذا المقام، إلا من بعد مروره بمقام المراقبة لله تعالى، يتحقق فيه من خلال صلاته وصومه وزكاته، أي من بعد ما يتخلى عن الفحشاء والمنكر بمداومته على صلاته وخشوعه فيها وتزكية لنفسه من الشح والبخل بإخراج الزكاة والإكثار من الصدقات وتحليه بالتقوى بصيام رمضان وقيام ليله، فإذا ما عزم على الحج بعد ذلك هان عليه أن ينسلخ من الرفث والفسوق والجدال، وبهذا يتجرد من غريزته ومقوماتها والدنيا وزينتها واللغو ولهو الحديث.

وهو عن المشاحنة والبغضاء والحقد والحسد أبعد، وللغيبة والنميمة وإفساد ذات البين أترك، ومن تجرد وانسلخ من الرذائل تحلى وتجمل بالفضائل، ومن ابتعد عن النقص اقترب من الكمال.

وتلكم هي بعض انفغالات الفطرة ومتطلباتها، روي أن أكثم بن صيفي خطيب العرب المشهور وحكيمهم في الجاهلية قال حين علم ما يدعو إليه رسول الله [ «إن الذي يدعو إليه محمد لو لم يكن دينا لكان في أخلاق الناس حسنا» (حياة وأخلاق الأنبياء، محمد الفحام).

مشكلات مجتمعاتنا

والواقع أن المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا في انهياره وتفكك أواصره وتخلفه الحضاري ليست مشكلة سياسية ولا هي اقتصادية، إنما هي مشكلة أخلاق والتزام وانفصال العقيدة في مضمونها وآثارها عن حياة الفرد والأمة، فنحن في زمن كثر فيه الشر وحاملوه، وقل فيه الخير وفاعلوه، وماتت الضمائر وخربت الذمم وتفشت الأنانية مما كان له أثر سيئ على المجتمع، فضعف وانهار وتفكك، فكف بذله وخف بين الأمم وزنه فإذا ما حلت هذه المشكلة تداعت كل المشكلات أو معظمها.

وفي الحج تروض نفس المسلم في هذا المؤتمر العالمي الفريد، فإذا هي الأخلاق قد تأصلت في نفسه ونزلت منها منزلة الطبع والتطبع، فيعود إلى بلاده مدرعا بها داعيا إليها متفاعلا مع مقتضياتها ونبل غايتها برشاقة وارتياح دونما تعب يثقل كاهله، وخاصة أنه إن نال الحج المبرور خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

وفي الحج يقترب المسلم على كمال الطاعة لله عزوجل واتباع رسوله [، لأنه يؤدي بعض الشعائر، وقد لا يدري ما وراءها من حكمة وهذا أدخل في باب الطاعة لله تعالى، والاقتداء برسوله [ وبه كمال التسليم لله عزوجل دون أن يكون لقناعته العقلية أثر أو ضرورة.

لأن الإسلام في معناه الأساسي هو الاستسلام والتسليم المطلق في كل شأن وعلى أي حال لله عزوجل سواء أظهرت الحكمة أو غابت وعلى قدر إيمان المسلم تكون الطاعة وبالتالي يكون الثواب والأجر العظيم.

وفي الحج تدريب على حياة الجندية وتحمل المشاق وترك المألوف من الحياة والطعام، كل نسك له زمنه وكيفيته فلا يقدم نسكا على زمانه ولا يغير نسكا عن مكانه، فالوقوف لابد أن يكون في عرفة والطواف لن يكون إلا حول البيت، والسعي لا يؤدى إلا بين الصفا والمروة وهكذا الحال في بقية المناسك والأركان فالإفاضة من عرفات والمبيت بالمزدلفة، والنحر يوم العيد ثم التهليل والتكبير، كل ذلك برضى نفس ولذة عيش، جهاد للنفس والبدن، وتضحية بالمال والجهد وصبر على الزحام والتجاوزات فهو في جهاد مادام محرما ولعل ذلك هو المقصود بقوله [: «الحج جهاد لا قتال فيه» (أخرجه ابن ماجه 1/376).

حكم وأسرار الحج

ثم إذا نظرت إلى الإحرام وجدت فيه من الحكم والأسرار والفوائد ما يجعله منهجا تربويا فريدا في بابه عظيما في آثاره، فهو نية في القلب قبل أن يكون تجردا من المحيط والمخيط، وهو إقبال على الله قبل أن يكون قدوما للبيت الحرام، وهناك تلازم بين الظاهر والباطن، وترابط بين المادة والروح، وهذا ما يميز الإسلام عن النصرانية الروحانية واليهودية المادية، فهو دين الكمال وهو دين الفطرة.

وتظهر روعة التربية في أن المحرم يحرم عليه الطيب ولبس المخيط وإزالة الشعر من جميع بدنه وتغطية رأسه وتقليم أظافره والجماع والمباشرة وعقد النكاح، وقتل الصيد ما دام محرما، وهي فترة يتدرب فيها المسلم على حبس النفس عن شهواتها، وصرع سلطان الهوى ليكسب في النهاية قوة العزيمة وشدة الشكيمة وصلابة الإرادة والخروج عن مألوف العادة.

صدق الولاء

وفي التلبية إعلان صريح لصدق الولاء لله وحده، وكلما كررها ورفع الصوت بها كانت الدلالة أمكن وأصدق في أنه يجيب داعي الله تعالى في كل الأوقات وعلى مختلف الحالات، فلا يمنعه عنها بيع ولا شراء ولا شغل ولا دنيا، فهو يجيب على الدوام منادي الصلاة وداعي الجهاد، ويبادر إلى كل عمل فيه صلاح لدينه ودنياه، لأنه منسلخ من كل شيء حتى من نفسه وغرائزها والدنيا وزينتها، ويرتفع المسلم من مقام المراقبة إلى مقام المشاهدة، فيرى ربه أكبر كل شيء، ويراه في كل شيء، ويرى كل ما عداه هباء فتقوى بذلك عزته بربه ويتأصل انتماؤه لدينه ويخلص لمولاه فيصير بعد ذلك ربانيا أدرك وجوده وحقيقة عبوديته لله تعالى.

رمز الالتزام

أما الطواف بالبيت فأمره عجيب فهو رمز إلى التزام شرع الله، والعمل به وترك ما عداه من أفكار ومذاهب ونظم أرضية، فهو يلتزم بمنهج الله تعالى التزامه الطواف حول بيته الحرام عملا ودعوة إليه.

والسعي تردد بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة تذكير بيوم القيامة، فهو فرصة للوقوف مع النفس لمحاسبتها فإن وجد خيرا حمد الله وسأله المزيد منه والثبات عليه وإن وجد غير ذلك بادر بالتوبة والعزم على عدم العود، ورمي الجمرات بعد ذلك هو رمي للشيطان، وما يزينه من شهوات وأباطيل، وكل ما يخالف الله وشرعه القويم، وأما الذبح فله معناه الخاص فلن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم.

ولابد أن يكون الحاج قد أدرك في نفسه الآثار الطيبة للرفقة الصالحة التي صحبها في سفره وأدى معها مناسك حجه، وتعلم منها الكثير من المزايا السامية والصفات العالية للقيام بواجب الدعوة إلى الله عزوجل.

فالحج من أعظم المناسبات التي يجب على المسلمين استغلالها بما يعود عليهم بالتميز والعز والنصر والقوة، والسؤدد فها هم قد تلاقوا في هذه الأرض التي باركها رب السماء، ويتلاقون كل عام وذلك أتقى للشتات والفرقة والتمزيق وأدعى للوحدة والوئام وأحمل لهم على أن يتباحثوا ويبرموا الاتفاقيات ويتبادلوا المنتوجات، ويتدارسوا المشكلات التي تشغل بال شعوبهم.

وعلى المسلمين عامة وولاة الأمر على وجه الخصوص أن يتخذوا من هذا المؤتمر وحدة لشعوبهم بعدما اتحدت عقيدتهم وعباداتهم، وأن يكون ذلك من مضمون كتاب الله عزوجل وسنة رسوله [ وهو القائل «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي»، (أخرجه مالك مرسلا، والحاكم مسندا وصححه).

والله تعالى نسأل أن يعيننا على ما يرضيه قولا وعملا إنه نعم المجيب.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

تربية إبداعية لأبنائك.. كيف؟

رويدا محمد - كاتبة وباحثة تربوية: يعرف الإبداع بأنه النشاط الإنساني المختلف عن المألوف، والذي يؤدي ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال