د. رياض العيسى:

في يوم الأربعاء السادس من شهر صفر سنة: (1442هـ)، الموافق: (23) من شهر سبتمبر سنة: (2020م) ترجل فارس من فرسان علماء الأمة الإسلامية، ومحدث من محدثي الديار الشامية، وهو الشيخ المحدث المحقق نور الدين عتر رحمه الله تعالى، والذي رحل في وقت هز فيه العالم الإسلامي.

اسمه ونسبه

وهو الشيخ نور الدين بن محمد بن حسن عتر، حسني الأب وحسيني الأم. حلبي المولد والنشأة، مصري التحصيل العلمي والدراسة، دمشقي المقام والسكنى.

نشأته وتعلمه

تعلم في الثانوية الشرعية في مدينة حلب الشهيرة بالخسروية، وتخرج فيها سنة: (1954م)، ثم سافر إلى جامعة الأزهر طالبا للعلم عندما بلغ السابعة عشرة، وبرز فيها متميزا بالجد والإخلاص في الطلب، والتفوق بالمرتبة الأولى على دفعته، وتخرج فيها سنة: (1958م).

ثم حصل على الشهادة العالمية الدكتوراه من شعبة التفسير والحديث بجامعة الأزهر سنة: (1964م)، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وكانت أطروحته بعنوان: (الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين)، والتي تعد نموذجا في الدراسة والمنهج، بل إن الكثير من الباحثين في مناهج الحديث ساروا على طريقته في التبويب ودراسة الأسانيد ومناهج المحدثين.

أبرز شيوخه

وكان نور الدين رحمه الله موضع تقدير واهتمام أساتذته لما رأوا فيه من النجابة والهمة والتقوى، ومنهم:

الشيخ مصطفى مجاهد (ت:1389هـ)، والشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد (ت:1392هـ) والشيخ محمد المكي الكتاني (ت:1393هـ) والشيخ محمد أبو شهبة (1403هـ)، والشيخ محمد محمد السماحي (ت:1404هـ) والمحدث حبيب الرحمن الأعظمي (ت:1412هـ) والشيخ عبدالله سراج الدين (ت:1422هـ)، رحمهم الله تعالى، وقد اعترف شيوخه بتفوقه ونبوغه منذ شبابه في حلب، إلى أن تخرج في جامعة الأزهر أستاذا متخصصا في علوم القرآن والسنة.

صفاته ومآثره

وكان نور الدين رحمه الله تعالى يولي طلاب العلم عناية خاصة ويظهر اهتماما بهم غير مسبوق، فكثيرا ما كان يعود الطلاب ويتفقد أحوالهم، ويوجه في قضاء حوائجهم، وكثيرا ما كان يهديهم نسخا من كتبه تشجيعا لهم على الدراسة وطلب العلم، وكان يقدم لبعضهم المال بطي صفحات كتاب يهديه إليهم.

وهو صاحب الفضل الكبير في نشر العلم الشرعي عموما والسنة النبوية خصوصا بين النساء والفتيات، حيث أشرف على برامج تحفيظ السنة النبوية لهن في حلقات تعقد في البيوت والمساجد، ومن ثم تطورت بعد أن ضاقت عنها البيوت لتضمها حلقات المساجد وتحتضنها أروقة المدارس القديمة، منها «دار الحديث النورية». وبهذا النهج انتشرت السنة النبوية في معظم البيوت الدمشقية.

وأفاد من صحبة الشيخ وعلمه الكثير من الطلاب والطالبات، وتميز منهم العلماء الذين يشار إليهم في تخصصاتهم العلمية، وانتشر تلامذته في شتى بلاد العالم، وكثير منهم من يقف على مسؤوليات جمة في بلدانهم، يضيق المجال هنا عن ذكرهم. كما ترك الشيخ من المؤلفات المهمة التي تنهض بحال المسلم وشخصية طالب العلم، تأليفا وتحقيقا، بالإضافة إلى محاضرات قيمة محفوظة في وسائل مرئية ومسموعة.

أهم مصنفاته تأليفا وتحقيقا

1- الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين.

2- منهج النقد في علوم الحديث.

3- إعلام الأنام في شرح بلوغ المرام من أحاديث الأحكام.

4- الحج والعمرة في الفقه الإسلامي.

5- أصول الجرح والتعديل وعلم الرجال.

6- ماذا عن المرأة.

7- فكر المسلم وتحديات الألف الثالثة.

8- إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق للنووي.

9- علوم الحديث لابن الصلاح.

10- شرح علل الترمذي لابن رجب.

11- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني.

12- الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي.

ومما يذكر: أن للشيخ نور الدين رحمه الله إسهامات وجهودا علمية وحديثية في مجلة: (الوعي الإسلامي) و(الموسوعة الفقهية الكويتية)، ولعلها ترى النور قريبا في كتاب مستقل إن شاء الله تعالى.

وقد كرمته مدينته دمشق التي أحبته، وخرجت بشيبها وشبابها في جنازة مهيبة بعد أن صلي عليه في مسجد: (أرسلان الدمشقي)، ثم دفن في مقبرة (أرسلان الدمشقي).

رحم الله تعالى الشيخ نور الدين عتر، وجزاه عنا وعن الأمة خير ما جزى معلما عن طلابه وعالما عن أمته.