الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

43 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

shaltot

د. إبراهيم نويري - كاتب وباحث أكاديمي: 

يعد الشيخ الإمام محمود شلتوت، رحمه الله، من أعلام المسلمين المعاصرين، ومن فقهاء هذه الأمة المنافحين عن الإسلام؛ عقيدة وشريعة ومنهاجا، وممن وقفوا بصلابة أمام تيارات الغزو الفكري والثقافي التي عملت على إبعاد الإسلام وشريعته عن حركة المجتمع.

ولد في محافظة البحيرة، وتحديدا في بلدة بني منصور، التابعة إداريا لمركز إيتاي البارود، سنة 1893م؛ أتم حفظ القرآن الكريم في صباه المبكر، ثم تدرج بعد ذلك في مراحل التحصيل العلمي ضمن المعاهد الأزهرية، وبعد نيله الشهادة العالمية وتخرجه في الأزهر سنة 1918م، عين مدرسا في معهد الإسكندرية الديني، كما اشتغل فترة من حياته بالمحاماة، لكنه لم يستمر في ذلك طويلا، حيث عاد مرة أخرى إلى الأزهر الشريف.

كان عضوا في هيئات علمية كثيرة، منها جماعة كبار العلماء، ومجمع اللغة العربية؛ وهو أول من حمل لقب «الإمام الأكبر» عندما أصبح الشيخ الثالث والأربعين للأزهر سنة 1958م. توفي إلى رحمة الله ليلة الجمعة 13 ديسمبر سنة 1963م.

ترك أعمالا ومؤلفات جليلة، أشهرها: يسألونك (مجموعة فتاوى) - فقه القرآن والسنة - الإسلام عقيدة وشريعة - من توجيهات الإسلام - مقارنة المذاهب - الإسلام والوجود الدولي - عنصر الخلود في الإسلام - القرآن والمرأة - تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام - إلى القرآن الكريم - تفسير القرآن الكريم (الأجزاء العشرة الأولى).. إلخ(1).

وفي هذا المقال نحاول إعادة قراءة بعض أفكار الشيخ شلتوت ورؤاه وتصوراته، المتصلة بالحج، بوصفه ركنا من أركان الإسلام الحنيف، ومؤتمرا عالميا للاحتفاء بالتوحيد الذي ركز دعائمه الرهط الكريم من رسل الله وأنبيائه وأصفيائه من خلقه.

ولم يؤلف الشيخ شلتوت كتابا مستقلا عن الركن الخامس في الإسلام، بيد أن من يعود إلى مؤلفاته وتراثه العلمي والفقهي الغزير ومقالاته في المجلات الإسلامية، يجد له كتابات كثيرة متنوعة عن الحج وشؤونه الكثيرة، سواء تلك المتعلقة بأحكامه الشرعية، أو الشؤون المستجدة في سيرورته.

وهو يؤكد على أن الحج في شريعة الإسلام له من الخصائص والمزايا والنفحات ما لا يتوافر لأي شعيرة أو عبادة أخرى، وهو في الجملة: «عبادة تنتظم من الإنسان قلبه وبدنه وماله، وليس ذلك لغيرها من العبادات. يقوم بها المستطيع من المسلمين في زمن معلوم، وأمكنة معلومة؛ امتثالا لأمر الله، وابتغاء مرضاته. وتبتدئ تلك العبادة بنية الحج خالصا لله، مع التجرد من الثياب المخيطة، ومن صنوف الزينة والترف، وتنتهي بالطواف حول بيت الله الحرام»(2).

ويرى الإمام شلتوت أن الحج إذا اقتصرنا فيه على معنى زيارة أمكنة مخصوصة، فإنه يعد من صور العبادات القديمة، فقد عرفه قدماء المصريين، وعرفه قدماء اليونانيين، وعرفه اليابانيون والهنود وغيرهم، لكنه في الإسلام له ميزات وخصائص عظيمة مرتبطة أشد الارتباط بعقيدة التوحيد، ولذلك ارتفع به الإسلام وجعله ركنا من أركانه؛ وأولى تلك الميزات المنيرة المقررة في الحج أنه إحياء وبعث لذكريات أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، الذي نثر التوحيد الخالص ورسخه في الأفئدة والأرواح، وبذل وسعه في سبيل إبقاء الناس على الفطرة السليمة.

وقد سجل القرآن لنا هذه الصفحة التاريخية الناصعة، كما نقرأ مثلا في قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة:127) وقوله أيضا: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج:26-27).

ولقد جاء رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مجددا لدعوة إبراهيم الخليل، مثبتا للتوحيد الخالص والوفاء لمسار الكوكبة المنيرة من أنبياء الله ورسله، لأن الدين عند الله الإسلام، وقد وضح القرآن الكريم ذلك ببيانه المشرق المعجز، ونحن نجد ذلك في مواضع كثيرة منه، كما في قوله جل شأنه: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام:161) وقوله أيضا: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ} (الحج:78)، وقوله: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (البقرة:130).

قصة الحج الأول

ونظرا لكون التوحيد هو أساس الدين وقاعدته المثلى الراسخة، فإن الشيخ الإمام شلتوت يأتي برأي يفسر به حادثة تاريخية في السيرة النبوية، هذا الرأي يتعلق بدواعي عدم خروج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة مع المسلمين المتوجهين إلى مكة للحج، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يتطلع إلى أن تختفي جميع مظاهر الشرك في الأرض الطاهرة منزل الوحي، حيث يذهب الشيخ شلتوت إلى أن المسلمين عند التمكن من فتح مكة في السنة الثامنة، أبرموا «معاهدة الفتح» التي أباحت مؤقتا للمشركين دخول المسجد الحرام والطواف حول الكعبة (وفق منهجهم).

لذلك عندما أقبل موسم الحج في السنة التاسعة من الهجرة الشريفة، تهيأ جمع من المسلمين -برح بهم الشوق إلى حج بيت الله الحرام- إلى مغادرة المدينة -مأرز الإيمان- والتوجه إلى مكة، وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقهم إلى منزل الوحي، فجعل أبا بكر الصديق صلى الله عليه وسلم أميرا على وفد الحج، لكن الله عز وجل، رحيم بنبيه، فما أن خرج الوفد المسلم متجها إلى مكة المكرمة، حتى أنزل الله على رسوله أوائل سورة التوبة، التي وضعت حدا نهائيا للمفاصلة بين عبادة الحج وفق منهج الإسلام، وطقوس الحج وفق منهج الشرك. ولم يؤجل النبي صلى الله عليه وسلم إعلان ذلك للناس، حيث أرسل ابن عمه عليا بن أبي طالب رضي الله عنه يتعقب خطى وفد الحج، من أجل تبليغ ما نزل من وحي كريم، وبيان ذلك بأفضل صورة يوم الحج الأكبر.

وفي اليوم الثامن من ذي الحجة من السنة التاسعة، خطب أبو بكر الصديق خطابا عاما جامعا للناس كافة، بعد أن أبلغه علي مضمون رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال من جملة ما قال: «أيها الناس، إني رسول رسول الله إليكم. فقالوا: بماذا؟ فقرأ عليهم أوائل سورة التوبة، ثم قال: أمرت بتبليغ أربع: لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عند رسول الله عهد فهو إلى مدته»(3).

والشيخ شلتوت يصوغ هذه النتيجة الحاسمة، التي انتصر فيها التوحيد، بعبارات قوية، توضح للقارئ المسلم أن التوحيد الخالص في الجزيرة العربية قد احتوش وأحاط بالحج الأول للمسلمين، ولم يتأجل الحسم إلى السنة العاشرة التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: «وبهذا التبليغ أعلنت كلمة التوحيد النهائية في أول حج جماعي للمسلمين، وتمت التصفية بين الشرك والإيمان، ولم يكد ينتشر أمره بين الناس حتى ازدحمت المدينة بوفود القبائل معلنة إسلامها وسلامها.

وهكذا يفعل الحزم، وتفعل أوامر من عرفوا بالحزم، وحسبهم أن يعلنوا أمرهم، وأن يعرف الناس تصميمهم.. فهذه صفحة الحج الأول لجماعة المسلمين.. وبها تمت كلمة الله في الجزيرة العربية، وعبد الله وحده في بيته الحرام، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة على رأس المسلمين لحج بيت الله، وفيها علمهم المناسك، وتوج رسالته بخطبته الجامعة»(4).

والمقصود بالخطبة الجامعة هنا، خطبة حجة الوداع بتعبير كتاب السيرة النبوية، وهي الحجة الوحيدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي نزل فيها قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة:3).

دلالة لبيك اللهم لبيك..

للشيخ الإمام شلتوت وقفات مسهبة مع أحكام الحج، وشرح المسائل والشعارات والأدعية التي تلهج بها ألسنة حجاج بيت الله الحرام، وقد خصص لأحكام الحج والأسرار التي تنطوي عليها أركانه ومناسكه بابا ضافيا في كتابه «الإسلام عقيدة وشريعة». ويحسن بي هنا أن أقتصر على شعيرة «التلبية» التي هي في أصلها إهلال بالتوحيد والتجاء إلى الله سبحانه وتعالى في كل الأحوال والظروف.

وقد هتفت بها حناجر الموحدين منذ زمن أبي الأنبياء إبراهيم الخليل، ثم امتدت عبر الزمن، فكتب الله لها الخلود، بعد أن أحياها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في حديث صحيح الإمام مسلم، وقد شرحها الإمام شلتوت، وقال إنها من أهم شعارات الإيمان، وأن زبدة مضمونها توجه والتجاء إلى الله معناه: «أنا الواقف ببابك، المستمع لأوامرك، المسارع لإجابتك، المقيم على عهدك دون تحول أو تردد، وأنت أنت الواحد الأحد، الذي تلبى دعوته، وتهرع النفوس إليه، أنت الواحد الأحد، رب النعمة التي لا تحصى، رب العزة التي لا تذل، رب القوة التي لا تعجز، رب السلطان النافذ في الأرض والسماء، سبحانك لا إله إلا أنت»(5).

ومن أسرار بركة هذه التلبية أن جميع مخلوقات الله تتجاوب مع من يرددها ويلهج بها، لأنها أصدق تعبير عن الفطرة السليمة، كما ثبت ذلك في حديث سهل بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يلبي إلا لبى من عن يمينه، أو عن شماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من هاهنا وهاهنا»(6).

والشيخ شلتوت يدعو إلى ضرورة التأمل في المقاصد الكامنة في شعائر الحج جميعا، فالإحرام في نظره إنما هو رمز للتجرد من شهوات النفس والهوى، والتلبية ما هي إلا شهادة على النفس بالتزام الطاعة والامتثال، وما الطواف بعد التجرد إلا دوران القلب حول قدسية الله، والسعي وإن يبدو ظاهريا أنه هرولة، لكنه في جوهره استمطار للرحمة والتماس للمغفرة، وما الوقوف على صعيد عرفة سوى رمز لبذل المهج في الضراعة بقلوب مملوءة بالخشية وأيد مرفوعة بالرجاء وألسنة مشغولة بالدعاء وآمال صادقة في أرحم الراحمين.

أما الرمي فهو رمز لمقت الشر واحتقار لنزغات النفس الأمارة بالسوء، كما أنه شحن للإرادة والعزيمة في سبيل طرد الهوى المفسد للأفراد والجماعات(7). إن من يراجع ما طرسه الإمام شلتوت عن الحج، يتأكد بأن الحج في جوهره ضراعة مخبتة أمام صمدية الواحد الأحد جل جلاله وعظم في علاه، ولذلك فهو في كلمة واحدة: عبادة تجليات التوحيد الخالص بشتى أبعاده ومعانيه.

الهوامش

1- محمد عبدالمنعم خفاجي وعلي صبح، الأزهر في ألف عام، الجزء الأول، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة، ط1، 2012م، من ص:305 إلى ص:307.

2- محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، دار الشروق، ط10، القاهرة، 1980م، ص:113.

3- محمود شلتوت، من توجيهات الإسلام، دار الشروق، ط7، القاهرة، 1980م، ص:399.

4- المرجع نفسه، ص:400-401.

5- المرجع نفسه، ص:406.

6- رواه الترمذي تحت رقم (828)، وابن خزيمة والبيهقي بسند صحيح.

7- محمود شلتوت، الإسلام عقيدة وشريعة، مرجع سابق، ص:128-129.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال