الأحد، 28 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

152 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

القاهرة – أحمد المنزلاوي:

لا تكاد تخلو الحياة الزوجية من مشكلات وخلافات، سيقع البعض في أخطاء ويخفق في واجبات، كما الشأن في الحياة كلها، فنحن بشر، والبشر خطاؤون، ولن تستقيم الحياة إلا بشيء من العفو والتسامح والتجاوز عن الخطأ.

أسوأ ما ينغص الحياة الزوجية، أن تتحول ذاكرة الزوج (ذكرا كان أو أثنى) إلى سجل يحتفظ بالأخطاء ويضخمها، ذاكرة مقلقة، مغضبة، تأزم أي علاقة وتفضي بها إلى الفراق.

إن أغلب الاستشارات المتعلقة بمرحلة الطلاق، تجعلنا نقف على سبب رئيسي وهو التشبث بالخطأ والقوف عنده كثيرا وعدم تمريره والتغافل عنه.

وكان الصحابي الجليل أبو الدرداء يعي هذا الأمر جيدا، فقال لزوجته أم الدرداء: «إذا غضبت فرضيني وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق»(1).

فالتسامح والتغاضي مفتاح أمان الحياة الزوجية، وسبيل الإبقاء عليها، فليس هناك الإنسان الكامل، بل إن فينا ما يستحسنه شريك الحياة وفينا ما يسوؤه، لذلك قال النبي ﷺ: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر»(2).

أي: ينبغي ألا يبغضها، لأنه إن وجد فيها خلقا يكره، فإنه سيجد فيها خلقا مرضيا.

وقد كان النبي ﷺ في تعامله مع زوجاته، لا يؤاخذهن بكل ما يقلن أو يفعلن، وسجل ذلك القرآن ليكون الخلق القويم في التعامل بين الأزواج، فقال الله تعالى: { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} (التحريم: 3).

قال كثير من المفسرين: هي حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها، أسر لها النبي ﷺ حديثا، وأمر أن لا تخبر به أحدا، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته، فعرفها ﷺ، ببعض ما قالت، وأعرض عن بعضه، كرما منه ﷺ، وحلما(3).

فلم يعرف ويلوم على كل ما قالت به زوجته، بل أعرض عن بعضه.

وهكذا كان النبي ﷺ يتجاوز عن الخطأ ولا يعاتب عليه بل ربما أعذر فيه واعتذر عن المخطئ، فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها أتت بطعام في صحفة (قصعة يقدم بها الطعام) لها إلى رسول الله ﷺ وأصحابه، فجاءت عائشة مؤتزرة بكساء ومعها فهر (حجر صلب ملء الكف)، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي ﷺ بين فلقتي الصحفة، ويقول: «كلوا غارت أمكم» مرتين، ثم أخذ رسول الله ﷺ صحفة عائشة فبعث بها إلى أم سلمة، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة(4).

قال ابن حجر: وقوله: (غارت أمكم) اعتذار منه ﷺ؛ لئلا يحمل صنيعها على ما يذم، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة، فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها(5).

فالنبي ﷺ لم يعاقبها بادئ ذي بدء، ولم يعنفها بكلمة جارحة، بل ذهب ليعتذر عنها، ويبين أن الذي حملها على ما قامت به هو غيرتها.

وفي حادثة الإفك كادت تكون فتنة عمياء، فقد أصابت المسلمين بهزة عنيفة زلزلت كيانهم، ولم يكن الناس فيها سواسية، ولكنهم كانوا مختلفين في آرائهم تجاه حادثة الافتراء والظلم.

فقد سكت بعضهم، فلم يدر من شدة الدهش والذهول ما يقول، وأفصح بعضهم بعظيمة العظائم، وقبيحة القبائح، وامتنع أناس عن الإفصاح بالحق في تنزيه حليلة النبي ﷺ.

ولك أن تتخيل تلك اللحظات الحرجة، بل الساعات والأيام التي قضوها، وهم يعيشون مرارة المحنة.. وأي محنة تلك التي تتعرض لها الأنثى حين تتهم في عفتها، ويغمز على شرفها، وهي من تلك التهمة وذلك الغمز براء، ولكنها أعظم المحن وأشد الفتن أن يختار المرجفون صفوة الله من النساء، وحبة خاتم الرسل والأنبياء، فيوجهوا إليها أصابع الاتهام، دون أن يرقبوا فيها أي إل أو ذمام.

ومع ما يرجفه المرجفون ويتناول الناس من عرض النبي وحرمه، فمع ذلك لم يتهم النبي عائشة، بل لم يخبرها بشيء البتة، قالت عائشة: فقدمنا المدينة فاشتكيت، حين قدمنا المدينة شهرا، والناس يفيضون في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله ﷺ اللطف، الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله ﷺ فيسلم، ثم يقول: «كيف تيكم؟» فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر(6).

لاحظ معي كيف فعلت الغيرة بالنبي ﷺ حينما أذيع الإفك واتهمت عائشة، بلغت الغيرة مبلغها حتى أثرت على معاملته لعائشة وأحست هي ذلك، لكنه لم يخونها أو يوجه لها أي اتهام، هكذا حتى كشف الله هذه الغمة ببراءة عائشة رضي الله عنها.

والنساء يحببن من أزواجهن المسامحة والتغافل، ففي حديث النسوة مع عائشة رضي الله عنها، نستلمح هذا، فقد قالت إحداهن: «زوجي أبو زرع، وما أبو زرع، أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني (عظمني) فبجحت إلي نفسي.... فعنده أقول فلا أقبح، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقنح»(7).

فهو لا يرد قولها ولا يقبحه بل يقبله ويستظرفه، ويجعلها تنام حتى أول النهار فيكفيها مؤنتها بالخدم، وإذا شربت لا يقطعها عن شرابها بل يتركها جتى ترتوي، وهنا قال الرسول لعائشة بعد قصها عليه أخبار النسوة الإحدى عشر: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع». فقالت عائشة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بل أنت خير إلي من أبي زرع.

البيت السعيد لا يقوم على المحبة المجردة، بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين، لذلك قال الله: { وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً }، فالرحمة هي الجناح الآخر الذي يحلق به الزوجان مع المودة، الرحمة التي تجعل كل منهما يرفق بالآخر ويعذره، ويغفر له الخطأ ولا يكثر في تأنيبه وتوبيخه، رحمة تجعله يتقبل الهفوة، ويتجاوز عن الذلة، ويتسامح في الأخطاء.

والتسامح بين الزوجين ناتج عن علاقة قوية قوامها حسن الظن والثقة بين طرفيها، والتعاون على تهيئة بيتهما إلى السكن والهناء، وذلك بالوصول إلى حلول للمشكلات واسترضاء كلا الطرافين للآخر في حالة غضبه، والاعتذار عن الخطأ وعدم تكراره، واعتبار وجهة نظر الآخر في المشكلة، وتقدير شعوره ناحيتها، فمعظم الشقاق ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الآخر، أو عدم إنصاف حقوق شريكه.

وتعتبر استجابة كل من الزوجين للأحداث الضاغطة في الزواج المحك الفعلي لنضج شخصيتهما ومتانة العلاقة الزوجية، فالزوجان الناضجان المرتبطان معا بعلاقات قوية، يواجهان عوائق كثيرة ولا يتأزمان في زواجهما بسرعة ويتحمل كل منهما الآخر.

أما الزوجان غير الناضجين أو المرتبطان معا بعلاقات ضعيفة فيتأزمان بسرعة وتنفك علاقاتهما ويختل تفاعلهما معا، ويتنافران ولا يتألفان أمام الأحداث البسيطة.

فكلما قوي الزوجان على تمرير الخطأ تأصلت الروابط بينهما، حتى ليتفهم كل منهما ما يثير غضب الآخر، أو يعرف شعور الغضب وشعور الرضا فيه، وفي ذلك يقول النبي ﷺ لعائشة: «إني لأعرفك إذا كنت غضبى، وإذا كنت راضية، إذا غضبت قلت: لا ورب إبراهيم، وإذا رضيت، قلت: لا ورب محمد»(8).

إذا غاب عن الحياة الزوجية قيم التسامح والتعاطف والعفو والتغافل، فهذا معناه تأزم الحياة وتوسع الخلافات وجرح النفوس والتوتر الدائم، أما إذا حضرت هذه القيم، فزيادة الحب، وتقوية العلاقة، وتفشي الاحترام، والتعايش في أمان.

وتأمل قول الله تعالى: { وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ }(البقرة: 237)، نجده جزء من آية تتحدث عن التعامل بين الرجل وزوجته عند الطلاق قبل الدخول وبعد فرض المهر؛ فيقول سبحانه وتعالى: { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ۚ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (البقرة: 237).

فالله يذكر الحقوق والواجبات، ومع ذلك يحض على العفو ، وحث في ثنايا الحديث عن الطلاق والفراق بين زوجين لم يلتقيا، ولم يكن بينهما طويل ود ولا عشرة عمر -كما يقال- فكيف بما هو فوق ذلك؟!

ليبقى قانون الزوجية هو (الفضل) لا (الحق).. { وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ }.

الهوامش

1- ابن حبان: روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، دار الكتب العلمية - بيروت، (ص: 72).

2- رواه مسلم (1469).

3- السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، مؤسسة الرسالة الطبعة الأولى (2000 م، ص: 873).

4- رواه البخاري وأحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي واللفظ له، وصححه الألباني.

5- فتح الباري (6/604).

6- رواه البخاري (4141)، ومسلم (2770).

7- رواه البخاري (5189) ومسلم (2448).

8- رواه أحمد في المسند (25779).   

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال