الثلاثاء، 03 أكتوبر 2023
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

البخاري.. أمير المؤمنين في الحديث

د.محمد صالح عوض - عضو المجمع العلمي لبحوث القرآن والسنة: إن الحياة في ظلال الحديث الشريف، نعمة ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

107 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

هذا ديننا

1926801222

د. يحيى حسن وزيري :

عندما نذكر أرض الله الحرام، فإننا نعني بذلك مساحات محددة من مكة المكرمة (وينطبق ذلك أيضا على المدينة المنورة)، وذلك طبقا لما ورد وجاء ذكره في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

ويروى أن أول من نصب حدود الحرم إبراهيم عليه السلام، ثم إن قريشا قلعوها في زمن النبي  " صلى الله عليه وسلم" ، فشق ذلك عليه، ثم إنهم أعادوها وجددها النبي  " صلى الله عليه وسلم"  (1)، فقد روى أبونعيم عن ابن عباس  "رضي الله عنه" ، أن النبي  " صلى الله عليه وسلم" : بعث عام الفتح أسدا الخزاعي فجدد أنصاب الحرم، وكان إبراهيم وضعها يريه إياها جبريل» (2).

ويخبرنا القرآن الكريم عن حرمة مكة المكرمة في قول الله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى  إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (القصص:57)، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (العنكبوت:67)، كما يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ   وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (النمل:91)، كما يوضح القرآن الكريم في موضع آخر حرمة الصيد على المحرم في قول الله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (المائدة:96).

ويوضح الرسول  " صلى الله عليه وسلم"  المعاني الجليلة الواردة في الآيات القرآنية الكريمة السابقة، في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الحج عن حرمة مكة (3): عن ابن عباس  "رضي الله عنه"  قال: قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يوم الفتح: «لا هجرة ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا» وقال يوم الفتح: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفر صيده، ولا يلتقط إلا من عرفها، ولا يختلى خلاها. فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم، فقال: إلا الإذخر».

فالحديث الشريف ينهى بوضوح عن قطع أشجار الحرم ونباته، وإن كانت شوكا، كما ينهى عن تنفير صيد الحرم، فما بالنا بصيده، وهو ما يشير إلى أهمية المحافظة على البيئة الطبيعية لمكة المكرمة بكل عناصرها النباتية والحيوانية.

كما أنه يحرم القتال بمكة المكرمة، ففي الصحيحين: أن عمرو بن سعيد لما أراد بعث الناس إلى مكة لقتال ابن الزبير، قال له أبوشريح: «يا أيها الأمير أحدثك حديثا سمعته أذناي ووعاه قلبي، أنه  " صلى الله عليه وسلم"  قال: إن مكة حرّمها الله ولم يحرّمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله فيها، فقولوا: إن الله عزوجل أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، فليبلغ الشاهد الغائب».

وجدير بالذكر هنا أن نوضح أن الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، قد حرّم المدينة المنورة وقرر حدود الأرض الحرام بها، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه (4)، عن أنس  "رضي الله عنه"  عن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  قال: «المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يقطع شجرها، ولا يحدث فيها حدث، من أحدث حدثا، فعليه لعنة الله والملائكة، والناس أجمعين»، والحدث: الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة، وأما المحدِث فيروى بكسر الدال (وهو فاعل الحدث) لا بفتحها وهو الأمر المبتدع نفسه.

كما روى الإمام مسلم في صحيحه (5)، عن رافع بن خديج  "رضي الله عنه"  قال: قال رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" : «إن إبراهيم حرم مكة، وأنا أحرم ما بين لابتيها». (يريد المدينة). و«اللابّة»: الحرة، وهي الأرض ذات الحجارة السود، والمدينة بين حرتين.

وبذلك يتضح لنا سبق المنهج الإسلامي من خلال القرآن والسنة الصحيحة في حماية البيئة الطبيعية للمدن، وهو بذلك قد سبق ما يعرف اليوم بنظام «المحميات الطبيعية» بتحريمه الصيد أو قطع الأشجار في مكة والمدينة، ولا يظن أحد أنني أذهب بالحديث بعيدا عن السبب الذي سيق من أجله وهو تقديس هذه الأماكن، وأن تبقى بقعا آمنة يأمن كل مخلوق فيها على نفسه، غير أن هذا الأمر يجعل موضوع المحميات الطبيعية غير غريب أيضا عن الحس الإسلامي.

مما سبق يمكن أن نحدد الأحكام المتعلقة بالأرض الحرام والتي تتصل ببيئتها وحدودها، فيما يلي (6):

1- تحريم تنفير الصيد بمكة وقتله، ويستثنى من ذلك الفواسق الخمس لحديث رسول الله  " صلى الله عليه وسلم" .

2- تحريم قطع الشجر والشوك والخلى، ويستثنى من ذلك نبات الإذخر لحديث الرسول  " صلى الله عليه وسلم" .

3- تحريم أخذ لقطة الحرم إلا للتعريف.

ومن الأشياء المهمة أيضا التي تتعلق بالحرم المكي هو تحريم القتال وسفك الدماء فيه، فقد روى الإمام البخاري عن أبي شريح  "رضي الله عنه" ، عن النبي  " صلى الله عليه وسلم"  (7): «فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بِهَا دما ».

ولم يأذن الله لرسوله  " صلى الله عليه وسلم"  وللمسلمين بقتال فيها، إلا إذا ابتدرهم الكافرون بالقتال، قال تعالى: { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى  يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ} (البقرة:191).

وبناء على ما سبق فإننا إذا ما عقدنا مقارنة مع القوانين الوضعية بشأن المحميات الطبيعية، وما ورد في القرآن والسنة بشأن أحكام الحرم المكي، يتضح لنا سبق وتميز المنهج الإسلامي في هذا الصدد.

فإذا أخذنا القانون المصري في هذا الشأن كنموذج، فقد صدر القانون رقم 102 لسنة 1983م في شأن المحميات الطبيعية بمصر، لتوفير الحماية للموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، وللحفاظ على الاتزان البيئي (8)، نجد أن المادة الأولى من هذا القانون تعرف المحمية الطبيعية على أنها: «مساحة من الأرض أو المياه الساحلية أو الداخلية تتميز بما تضمه من كائنات حية، أو نباتات، أو حيوانات، أو أسماك، أو ظواهر طبيعية ذات قيمة ثقافية، أو علمية، أو سياحية، أو جمالية». أما المادة الثانية من نفس القانون فتضع ضوابط التعامل مع تلك المحميات كما يلي: «يحظر القيام بأعمال، أو تصرفات، أو أنشطة، أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعية، أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو المساس بمستواها الجمالي بمنطقة المحمية».

أي إن قانون المحميات الطبيعية في مصر يحظر تدمير أو إتلاف الحياة البرية (الحيوانات)، أو البحرية (الأسماك)، أو النباتية، وهو ما سبق إليه المنهج الإسلامي (القرآن والسنة) بحوالي أربعة عشر قرنا من الزمان، بل وتفوّق على القانون الوضعي ليس في قتل صيد البر فقط بل وتنفيره أيضا، ووصل نهيه بالنسبة للحياة النباتية بعدم قطع الشوك وليس فقط الأشجار الموجودة في أرض الله الحرام، بل وتحريم القتال وسفك الدماء.

وفي المادة السابعة من قانون المحميات الطبيعية بمصر عقوبات تتراوح ما بين الغرامة المالية والحبس، لمن لم يلتزم بما ورد في مواد القانون، وفي هذا الشأن أيضا نجد أن علماء المسلمين أوجبوا إيقاع عقوبة على من يقطع شجر الحرم.

فقد قال الواقدي (9): «لما أرادت قريش البنيان قالوا لقصي: كيف نصنع بشجر الحرم؟ فنهاهم وحذرهم في قطعها وخوفهم من العقوبة في ذلك، فكان أحدهم يحوق بالبنيان حول الشجرة حتى تحصل في منزله، قال: وأول من رخص في قطع شجر الحرم في البنيان عبدالله بن الزبير، حين ابتنى دورا بقعيقعان (جبل بمكة)، لكنه جعل دية كل شجرة بقرة، وكان يروى عن عمر أنه قطع دوحة كانت في دار أسد بن عبدالعزى، وكانت تنال أطرافها ثياب الطائفين بالكعبة، وذلك قبل أن يوسع المسجد، فقطعها عمر  "رضي الله عنه" ، ووادها (دفع ديتها) ببقرة».

وقال النووي (10): «اتفق العلماء على تحريم قطع أشجار مكة التي لا يستنبتها الآدميون في العادة، وعلى تحريم قطع خلاها وهو الرطب من الكلأ، واختلفوا في ضمان الشجر إذا قطع، فقال مالك: يأثم ولا فدية، وقال الشافعي وأبوحنيفة: عليه الفدية، وأوجب أبوحنيفة القيمة، والشافعي في الكبيرة بقرة والصغيرة شاة، وكذا جاء عن ابن عباس».

الخلاصة:

سيظل المنهج الإسلامي سبّاقا ومهيمنا على القوانين التي يضعها البشر في كل زمان ومكان، وهو ما ظهر في دراستنا هذه التي تناولت سبق القرآن والسنة في حماية البيئة الطبيعية للحرمين الشريفين، واستخدام مصطلح «الأرض الحرام»، وهو مصطلح شرعي تتعلق به أحكام وواجبات شرعية، ولكن في نفس الوقت يسهم بطريقة مباشرة في الحفاظ على البيئة الطبيعية للحرمين الشريفين، وكذلك الارتقاء بالتربية البيئية للمسلمين زوار الأماكن المقدسة في الحرمين الشريفين، وتهذيب سلوكهم في التعامل مع البيئة النباتية والحيوانية لأرض الله الحرام، مما ينعكس على سلوكهم بصفة عامة في بقاع الأرض المختلفة.

الهوامش

(1) بدر الدين الزركشي، إعلام الساجد بأحكام المساجد، ص 63.

(2) انظر كتاب: الإصابة في تمييز الصحابة 1/183.

(3) انظر صحيح مسلم: (باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد على الدوام).

(4) انظر صحيح البخاري: (كتاب فضائل المدينة).

(5) انظر صحيح مسلم: (كتاب الحج).

(6) البلد الحرام فضائل وأحكام، إعداد كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى (1423هـ)، ص43 وما بعدها.

(7) انظر صحيح البخاري: (باب لا يحل القتال بمكة).

(8) يمكن الاطلاع على القانون المصري الخاص بالمحميات الطبيعية على شبكة الإنترنت.

(9) بدر الدين الزركشي، إعلام الساجد بأحكام المساجد، ص 155.

 (10) بدر الدين الزركشي، إعلام الساجد بأحكام المساجد، ص 226 ومابعدها.

large 1238

د. مسعود صبري:

ضجت المجلات العلمية والمراكز الطبية بالحديث عن علاج الشيخوخة ومنعها، وقد دفعت طوائف من الناس آلاف الأموال أملا في أن يؤخروا الشيخوخة أو يمنعونها، لكن مؤخرا امتنعت شركات الأدوية عن تمويل أبحاث علاج الشيخوخة؛ استنادا إلى أن كل الأبحاث التي كتبت، بالأموال التي صرفت؛ لم تفد في علاج الشيخوخة، وأنه من الأولى إغلاق هذا الباب في الطب والعلاج.

وهذه النتيجة التي توصل إليها الأطباء من كون الشيخوخة لا تعالج، وجدت في السنة النبوية من أكثر من ألف وأربعمائة عام، ولو عُمل بها، لوفرت على العالم ملايين الدولارات التي أنفقت بلا طائل، فكل دارس للشريعة، وعالم ببعض مبادئه يدرك تلك النتيجة التي توصل لها العلماء بعد سنوات من الجهد وإنفاق والمال، وهي أنه: لا علاج للشيخوخة.

وهذا يشير إلى الإعجاز النبوي في عالم الطب، والحديث الذي أشار إلى هذه الحقيقة الطبية هو قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح من حديث الترمذي وغيره: " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم" .. يعني الشيخوخة.

وهذه الحديث يحمل حقيقتين في الطب:

الحقيقة الأولى: لا علاج بلا مرض:

 أن كل الأمراض التي يصاب بها الإنسان يمكن أن يتداوى منها، لأن القاعدة أن الله تعالى خلق الداء والدواء، وهذا يفتح آفاقا للعلماء في الطب، من البحث عن الدواء، وأن الدواء مخلوق موجود، ولكن مطلوب البحث والكشف عنه، مما يعطي دفعة قوية للأطباء في اكتشاف كل الأمراض، وهذا الفكر الراقي يجعل الأطباء غير محجمين عن الاختراعات والاكتشافات الطبية للعلاج، لأن عندهم القاعدة التي تقول: لا داء إلا له دواء.

الحقيقة الثانية: الشيخوخة لا علاج لها:

 إن الشيخوخة ليست مرضا حتى يعالج، فالشيخوخة لا تتغير، فهي أقصى الكبر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها مع الأمراض؛ لأنه مع هذه السن تكثر أمراض الإنسان، فيتعالج الإنسان من الأمراض التي تصيبه مع الشيخوخة، لا أن يترك نفسه بغير علاج، لكن هذا التداوي خاص بالأدوية دون الشيخوخة نفسها.

تعريف الشيخوخة في الطب:

و الشيخوخة في الطب  معناها إصابة الأعضاء الجسدية بالضعف وإصابتها بالتدهور.

فالشيخوخة تقدم في العمر يصيب الإنسان فيحدث خللا وتلفا في عملية النمو، فيحدث فقدان الخلايا لقابلية الانقسام فلا يتجدد، فيضمر وينتهي رويدا رويدا.

وكان أول من تنبه لظاهرة الشيخوخة كعلم مستقل، الطبيب الفرنسي شاركوت عام 1881م، ولكن هذه المعلومة العلمية من الطبيب الفرنسي لم يتبعه الأطباء فيها، إلا أنه أعيد الحديث عنها في القرن العشرين، لكنَّ بيعَ الوهم دفع شركات الأدوية بإنفاق أموال طائلة لظن الوصول إلى علاج، محاولين طمس حقيقية نبوية وقرآنية، من أن الشيخوخة لا علاج لها، وهو ما قاله الله تعالى في قوله:

 (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) الروم :54.


الشيخوخة في الفقه:

ولقد عرف الفقهاء الشيخوخة ووضعوا لها حدا، وجعلوا لها أحكاما خاصة، فالشيخوخة والهرم تشمل:

الشيخ الفاني , وهو الذي فنيت قوته , أو أشرف على الفناء , وأصبح كل يوم في نقص إلى أن يموت .

و العجوز , وهي المرأة المسنة .

ومن رحمة الله تعالى بالرجل الشيخ والمرأة العجوز إن أسقط عنهما الصيام، إذا كان الصوم يجهدهما ويشق عليهما مشقة شديدة، كما قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184]

كما ذهب بعض الفقهاء إلى سقوط الجزية عن الكتابي إن أصيب ببعض العاهات منها الشيخوخة.

قال القرطبي: "قال علماؤنا: الذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من المقاتلين... وهذا إجماع من العلماء على أن الجزية إنما توضع على جماجم الرجال الأحرار البالغين، وهم الذين يقاتلون دون النساء والذرية والعبيد والمجانين المغلوبين على عقولهم والشيخ الفاني".

ومن أحكام الشيخوخة تقدير وتوقير كبار السن والمسنين، والتعامل معهم برحمة ورفق، ويسطر الإسلام في قانونه النبوي نصا يوجب على المسلمين التعامل بالرفق واللين معهم، فهي من رحمة الإسلام، فأخرج أحمد والترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر".

وسيظل العلم يثبت لنا تلك الحقائق الكبرى المسطورة في القرآن، لكن لا ينتبه إلى قيمتها إلا بعد قرون عديدة، مما يدل على صدق هذا الكتاب وأنه كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 41، 42]، فالقرآن كتاب الحقائق لا الأباطيل.



22252225

هاني إسماعيل محمد :

لم يحظ فن من فنون الأدب العربي بكثرة الدراسات وتنوعها، سواء القديمة منها أو الحديثة، مثلما حظي الشعر العربي، وخاصة الجاهلي منه، إذ يعد المرجع الموثوق به لأساليب العرب البلاغية والبيانية والمصدر الأصيل لمفرداتهم اللغوية وطرقهم التعبيرية، فضلا عما يحويه الشعر العربي من مآثر العرب ومفاخرها، وأحداث أيامها ووقائعها، فهو الوثيقة الرسمية الأولى التي دونت تاريخ العرب الوجداني والاجتماعي منذ بزوغ الجنس العربي ونبوغ عقليته.

يفسر لنا هذا مدى احتفاء القبائل العربية بالشعراء الذين كانوا بمثابة المتحدثين الاعلاميين أو الرسميين لقبائلهم، فهم الذين يعبرون عن آراء قبيلتهم وتوجهاتها وينافحون عن جنابها وحرماتها، وهذا ما أكده ابن رشيق في عمدته فقال:

«كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر كما يصنعن في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان، لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم، وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج»(1).

وكما احتفت القبيلة العربية بالشعراء وأشعارهم احتفى المفسرون على اختلاف توجهاتهم وتباين مناهجهم بالشعر، وقاموا بتوظيفه في تفسير النص القرآني الكريم وكشف ما فيه من غريب الألفاظ وغامض المعاني، فالقرآن نزل بلسان عربي مبين، ومن ثم كانت معرفة اللغة وأسرارها شرطًا أساسيًا من شروط من يتصدر للتفسير «وروى البيهقي في الشعب عن مالك قال: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا»(2)، وقال أبوالليث: «وأما من لم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على وجه التفسير»(3).

ويؤكد هذا الشاطبي في موافقاته فيقول:

«إن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة، لأن الله تعالى يقول: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا}، وقال {بلسان عربي مبين}، وقال: {ولو جعلناه قرآنا أعجميًا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي}، إلى غير ذلك مما يدل على أنه عربي وبلسان العرب، لا أنه أعجمي أو بلسان العجم، فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة»(4).

ومع بداية ظهور التفسير بدأ الاهتمام بالشعر في فهم المفردة القرآنية ودلالتها اللغوية، وذلك نظرا لما يتضمنه الشعر من ثراء لغوي، ولما يحتويه من خصائص الأسلوب العربي المبين، «فقد كان المفسرون من علماء اللغة الذين يحرصون على حفظ الشعر وقراءة الدواوين ودراستها حتى ذكر الواحدي انه درس اللغة ودواوين الشعراء على شيخه العروضي»(5).

وتشير المصادر إلى أن حبر الأمة عبدالله بن عباس  "رضي الله عنه"  ورد عنه كثيرًا من الشواهد الشعرية في تفسير آي الذكر الحكيم، يقول عكرمة: «ما سمعت ابن عباس فسر آية من كتاب الله عز وجل إلا نزع فيها بيتًا من الشعر، وكان يقول: إذا اعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب»(6).

وعن سعيد بن جبير قال: «سمعنا ابن عباس يُسأل عن الشيء من القرآن فيقول فيه كذا وكذا، أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا»(7)، وعنه أيضا وعن يوسف بن مهران أن ابن عباس، «قال: إذا تعاجم شيء من القرآن، فانظروا في الشعر، فإن الشعر عربيّ، ثم دعا ابن عباس أعرابيًا، فقال: ما الحرج؟ قال: الضيق. قال: صدقت»(8).

وعلى الرغم من كثرة هذه الروايات التي وردت عن ابن عباس في هذا الباب إلا أن هناك بعض الروايات التي تفيد بأن قصب السبق كان لعمر بن الخطاب  "رضي الله عنه"  فهو أول من لفت الأنظار إلى أهمية الشعر في فهم القرآن الكريم وغريب ألفاظه، فقد روي عنه أنه سُئل على المنبر عن قوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوف} فقال له رجل من هذيل التخوف عندنا التنقص، ثم أنشده.

تخوّف الرجل منها تامِكا قَرِدا

كما تخوف عود النَّبْعَة السَّفَن

فقال عمر: أيها الناس تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإنه فيه تفسير كتابكم(9).

ومع أن هذه الدعوات صدرت من الرعيل الأول من صحابة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بيد أن فريقًا من المفسرين انصرف عن «الولوج في الشواهد الشعرية لتفسير الآيات القرآنية حذرا من الزلل لاسيما في كتاب الله»(10)، وقد ذكر السيوطي أن الفضل بن زياد نقل عن الإمام أحمد رحمه الله «أنه سئل عن القرآن، يمثل له الرجل ببيت من الشعر؟ فقال: ما يعجبني فقيل ظاهره المنع»(11)، وهذا يفسر لنا عزوف بل إنكار فريق من المفسرين الاستشهاد ولو ببيت من الشعر مفرد في تفاسيره.

وما عزف المفسرون عن الشعر إلا ورعا وكراهة أن يُصرف معنى من معاني القرآن إلى غير مقصوده، وفي هذا يقول السيوطي: «الكراهة تحمل على صرف الآية عن ظاهرها إلى معان خارجة محتملة يدل عليها القليل من كلام العرب، ولا يوجد غالبا إلا في الشعر ونحوه، ويكون المتبادر خلافها»(12).

ومع هذا نجد أن هذا الاتجاه الذي تورع عن توظيف الشعر العربي في فهم النص القرآني لم يكن اتجاهًا سائدا بل كان محدودًا، وعلى العكس من ذلك كان معظم المفسرين ومن قبلهم النحويون يلجأون إلى الشواهد الشعرية لتفسير غريب ألفاظ القرآن، ويصرح بذلك ابن الأنباري بعدما ذكر دور ابن عباس في الاستشهاد بالشعر في الرد على مسائل نافع بن الأزرق عن مواضع في القرآن فيقول: «فيه دلالة على بطلان قول من أنكر على النحويين احتجاجهم على القرآن بالشعر، وأنهم جعلوا الشعر أصلا للقرآن، وليس كذلك، وإنما أراد النحويون (وعلى إثرهم المفسرون) أن يثبتوا الحرف الغريب من القرآن بالشعر، لأن الله تعالى قال:{ إنا أنزلناه قرآنا عربيا} وقال تعالى: {بلسان عربي مبين} (13).

وقد قال أبوهلال العسكري في صناعتيه وهو ينوه إلى فضائل الشعر: «من ذلك أيضا أن الشواهد تنزع من الشعر، ولولاه لم يكن على ما يلتبس من ألفاظ القرآن وأخبار الرسول شاهد»(14).

وهذا القول يلفت انظارنا إلى قضية الطعن في الشعر العربي، والجاهلي منه خاصة، كما رأينا في كتاب الدكتور طه حسين «في الشعر الجاهلي»، فالطعن في المصدر الرئيسي والمنبع الأول للغة القرآن الكريم يعد طعنًا صريحًا في القرآن الكريم وطعنا في شواهدها التي عول عليها المفسرون(15)، حيث أراد الطاعنون من مستشرقين وتلامذتهم أن يطعنوا في القرآن ومعانيه «عن طريق خافت الضوء هو الشعر، حتى لا تحدث ضجيجًا أو صياحًا يفسد عليها هدفها الذي تسير فيه حتى تصل إلى غايتها الخطيرة، وهي تقصد أساسًا إلى محاربة القيم الإسلامية وإزاحة فكرة الأصول الثابتة»(16)، عبر التشكيك في شاهد القضية الرئيسي، الشعر العربي الذي وصفه ابن رشيق في عمدته: «بأكبر علوم العرب، وأوفر حظوظ الأدب، وأحرى أن تقبل شهادته، وتمتثل إرادته»(17)، ومن قبله وصفه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  "رضي الله عنه"  بأصح علوم العرب حين قال: «كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه»(18).

ومن الأمثلة الموضحة لمدى توظيف الشعر في كشف غموض الدلالة اللفظية والتراكيب اللغوية في السياق القرآني ما جاء في تفسير القرطبي لقوله تعالى: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} أي قعر النار، ومنها منشؤها ، ثم هي متفرعة في جهنم، طلعها أي ثمرها، سمي طلعها لطلوعه، كأنه رؤوس الشياطين قيل: يعني الشياطين بأعيانهم، شبهها برؤوسهم لقبحهم، ورؤوس الشياطين متصور في النفوس وإن كان غير مرئي، ومن ذلك قولهم لكل قبيح هو كصورة الشيطان، ولكل صورة حسنة هي كصورة ملك، ومنه قوله تعالى مخبرًا عن صواحب يوسف: {ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم} وهذا تشبيه تخييلي، روي معناه عن ابن عباس والقرظي، ومنه قول امرئ القيس:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وإن كانت الغول لا تعرف، ولكن لما تصور من قبحها في النفوس، وقد قال الله تعالى: {شياطين الإنس والجن} فمردة الإنس شياطين مرئية، وفي الحديث الصحيح: ولكأن نخلها رؤوس الشياطين وقد ادعى كثير من العرب رؤية الشياطين والغيلان، وقال الزجاج والفراء: الشياطين حيات لها رؤوس وأعراف، وهي من أقبح الحيات وأخبثها وأخفها جسمًا.

مع بداية ظهور التفسير بدأ الاهتمام بالشعر في فهم المفردة القرآنية ودلالتها اللغوية

---

الهوامش

1- ابن رشيق: العمدة 1/65.

2- السيوطي: الاتقان في علوم القرآن 2/444.

3- السابق: 2/447.

4- الموافقات: 2/305.

5- الشاهد الشعري في تفسير القرآن عبدالرحمن الشهري ص 209.

6- التبريزي، شرح حماسة أبي تمام 3/1.

7- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 41.

8- تفسير الطبري: 690.

9- الموافقات: 2/321.

10- المفسرون واهتمامهم بالشعر العربي: د.أحمد حمد سليمان الصقعبي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، ع 83 ديسمبر 2010، ص 31.

11- الإتقان للسيوطي: 2/444.

12- السابق: نفس الصفحة.

13- البرهان في علوم القرآن للزركشي: 1/397.

14- الصناعتين لأبي هلال العسكري: 1/43.

15- انظر تفصيل الطعن في الشعر والرد عليه في الشاهد الشعري للدكتور الشهري ص 212 وما بعدها.

16- أنور الجندي: مقال الحداثة، مجلة منار الإسلام الإماراتية، عدد ربيع الأول 1406هـ.

17- العمدة: 1/16.

18- طبقات فحول الشعراء للجمحي: 1/24.

 

د. بدران بن لحسن :

كل دارس لابن عاشور -عليه رحمة الله- يدرك الخط الفكري الذي تموقع فيه. ولا يجد من له أدنى تأمل صعوبة في معرفة أن الخط الذي أسس له كل من الشاطبي وابن خلدون -عليهما رحمة الله- قد اجتمعت روافده في ابن عاشور. فإذا كان الإمام الشاطبي رائدا أكبر في مبحث المقاصد على مستوى العالم كله، فإن الإمام ابن عاشور هو مستأنف هذه الريادة في عصرنا الحديث (1).

د. الجيلالي سبيع :

وصف النبي  " صلى الله عليه وسلم"  في الحديث العظيم الذي رواه مسلم في صحيحه السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله بالرجال، والرجل مصطلح يحمل معاني القوة والأمانة والصدق والحلم والأناة، وفي إشارة لطيفة لأحد العلماء

فإن عدد المنعمين تحت ظل الرحمان ثمانية، لكن صار العدد سبعة لأن الحب في الله صهر المتحابين فيه فصارا رجلا واحدا وذاتا واحدة، وهذا ملحظ مهم يختصر مآل الصدق في محبة الغير بقصد طلب وجه الله تعالى.

دير جنادلة الغنايم تكرِّم حفظة القرآن الكريم

القاهرة – عبدالناصر العمدة: للعام الثالث على التوالي، شهدت قرية دير الجنادلة مركز الغنايم ...

أميمة عتيق تكتب: كيف تستقبلين شهر الصيام؟

 أميمة عتيق - باحثة وكاتبة مغربية: تقبل علينا في هذه الأيام القادمة نسمات عطرة للشهر الفضيل، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال