السبت، 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

76 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

هذا ديننا

images1221

أ.د. أمان عبد المؤمن قحيف :

الأمن المجتمعي خاصية تتصف بها المجتمعات المتحضرة والأمم المتقدمة، فأنت لا تجد أمة متخلفة علميًّا وتكنولوجيًّا تنعم بتوافر الأمن والهدوء لأفراد مجتمعاتها، تمامًا مثلما يعز عليك أن تجد أمة نجحت في ارتياد آفاق التحضر والرقي وتعاني في الوقت نفسه من غياب الأمن المجتمعي الذي يحقق السكينة لكل أفرادها، وتعد المجتمعات الأوروبية والأميركية المتقدمة وبعض المجتمعات الأفريقية المتخلفة علميًّا أوضح الأمثلة على ذلك.

ولما كانت العبادة السليمة لا تتحقق، شأنها شأن عمارة الأرض، إلا في ظل جو من الأمن المجتمعي فقد حرص الإسلام الحنيف أشد الحرص على أن يتوفر للناس أمنهم، ويتوفر لهم الجو المناسب الذي يضمن فيه الإنسان صيانة ماله وعرضه وولده من التلف أو التعرض للمخاطر.

ويتبين للمدقق في تعاليم الإسلام الحنيف وتشريعاته أنها تصب في النهاية في مصلحة أن يعيش الناس في جو من السكينة والاطمئنان النفسي والروحي، فالله تعالى عندما حرم الزنا- مثلا- أراد من ذلك ألا يحدث أي نوع من التطاول أو الاعتداء على أعراض الناس، لأن ذلك يؤدي إلى اندلاع الخلافات والمشاحنات بينهم، ويؤدي أيضًا إلى ضياع الأنساب وانتشار الأمراض المستعصية- كالإيدز- مثلًا، ذلك المرض الذي انتشر في الحضارات التي لا تعيش حياتها وفقا للتعاليم والتشريعات الدينية التي تحض على فضائل الأعمال وتؤكد القيم الأخلاقية السامية.

هكذا يتأكد لدينا أن تحريم الإسلام للفاحشة يعد هو الآخر طريقًا نحو تمهيد الفضاء المجتمعي للأمة كي تعيش في حالة من الأمن والاستقرار والتوافق بين مكونات المجتمع التي تشكل بنيته العامة .

من هذا المنطلق يتبين لنا أن الإسلام كان حريصًا على أمن المجتمع واستقراره عندما حرم الزنا، ويقاس على ذلك تحريمه للكذب، والغيبة، والنميمة، وقتل النفس بغير الحق، والخداع، وسب الآخرين أو لعنهم، أو التطاول عليهم...إلخ من الأمور والمسائل التي حرمتها الشريعة الإسلامية، بهذا يكون التشريع قد جاء ليؤكد في الكثير من المواضع على حرص الإسلام الحنيف على توفير الأمن المجتمعي للناس جميعًا، الأمر الذي يفيد أن من يتطاول على الناس، أو يتسبب في ترويعهم، أو قض مضاجعهم، أو الإساءة إليهم بالقول أو الفعل، أو من يتسبب في إرهابهم وتخويفهم، كل من يفعل هذا أو يقدم عليه تتعارض سلوكاته تلك من حيث المعنى والمضمون مع ما أمرت به الشريعة وأقره الدين الحنيف.

إن الشريعة الإسلامية التي جعلت تبسم الإنسان في وجه أخيه صدقة لا يمكن أن توافق أو تبيح بحال من الأحوال لإنسان أن يتسبب في إرهاب الناس أو تخويفهم أو ترويعهم أيا ما كان هؤلاء الناس، وأيًا ما كانت مذاهبهم ومللهم وعقائدهم، لأن الله عز وجل أرسل نبيه ص رحمة للعالمين جميعًا سواء من آمن منهم به أو من لم يؤمن به، قال تعالى في محكم التنزيل: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء: 107)، ومعلوم أن النبي ص هو المثل والقدوة والأسوة الحسنة للمسلمين، كل المسلمين، قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا} (الأحزاب: 21)، من هنا كان على المؤمن أن يكون داعية خير ورسول سلام أينما كان وحيثما كان، لا فرق في ذلك بين وجوده في دار الإجابة أو في دار الدعوة، فالمؤمن لا يخيف الآخرين، ولا يرعبهم، ولا يقض مضجعهم، ولا يقلق أمنهم العام.

ولقد أراد الإسلام الحنيف من الناس أن يتعاملوا برباطة جأش وقوة إرادة مع الملمات التي قد تتعرض لها الأمم والشعوب في مراحل حياتها وتطورات تاريخها، فلا يجب الجزع، أو الهلع، أو الخوف، أو الانهيار النفسي عند حدوث طارئ ما، بما يؤثر سلبًا على حالة المجموع، ويؤدي إلى شيوع وإشاعة الرعب بين الناس، إذ يجب من الناحية الشرعية مواجهة الأمور بحزم وعزم ورباطة جأش، وهنا يشير الإسلام إلى ضرورة الاستفادة ممن يمتلك القدرة على توجيه الأمور نحو الوجهة الصحيحة والسليمة، بمعنى أنه لابد من أن يوسد الأمر إلى أهله، حتى يتمكن المجموع من النجاة من الملمات التي قد تصيب الناس على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، قال تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا} (النساء: 83).

والإسلام الذي جعل من قواعده الأساسية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينهى عن ترويع الناس، كل الناس، ذلك لأننا إذا قسمنا الأمور إلى «منكر ومعروف» فإن المرء لا يتردد للحظة واحدة في أن يضع مسألة ترويع الناس وتخويفهم ضمن المنكر الذي جاء الإسلام الحنيف لينهى كل الناس عن إتيانه أو الإقدام عليه، بل إن ديننا الحنيف جعل خيرية هذه الأمة تكمن في أمور عدة من أوائلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأكثر من ذلك أنه ذهب إلى أن شرط تحقق خيرية هذه الأمة يكمن في كونها تمارس الدعوة إلى الخير وتنهى عن المنكر والشرور، بعد إيمانها بالله تبارك وتعالى، قال عز وجل في هذا المعنى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} (آل عمران:110).

ونظرًا لتأكيد الأسلام على أهمية الأمن المجتمعي للحياة البشرية فقد جعله الله تبارك وتعالى بمنزلة إحدى المكافآت الكبرى التي يتحصل عليها المؤمنون جزاء إيمانهم بربهم والتزامهم بالمنهج السماوي في حياتهم الخاصة والعامة، أو في عباداتهم ومعاملاتهم، فالله تبارك وتعالى عندما يستخلف المؤمنين في الأرض، ويمكن لهم دينهم الذي ارتضاه لهم ويبدل الخوف في حياتهم أمنا، ويجعلهم يعيشون في طمأنينة وأمان، فإن ذلك كله يأتي كنتيجة لكونهم من أهل الإيمان والطاعة الخالصة الذين لا يرتدون إلى الكفر والفسوق، قال تعالى في محكم كتابة الكريم: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون } (النور: 55).

من ثم فإن من يعكر صفو المجتمع بتهديد الأمن فيه يعد فاعلًا للمنكر لا محالة، وهو منفلت من تعاليم الإسلام الشرعية التي حرصت على المحافظة على حياة الناس وأموالهم وأنفسهم، ومعلوم أن تلك الأمور من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية الغراء.

ولقد اشتملت سيرة رسول الله ص على العديد من المواقف التي تؤكد حرصه ص قبل البعثة وبعدها، على أن يكون الأمن المجتمعي متحققًا في أهله وقومه إلى أبعد مدى ممكن، فالثابت من كتب السير أن الناس هرعوا في صباح يوم من الأيام على سماع أصوات وجلبة حول مكة مما حرك مخاوفهم وأزعج نفوسهم، فهرعوا الى خارج مكة يتساءلون: ما الخطب؟ واذا بهم يرون رسول الله ص قد سبقهم الى استكشاف الأمر، وعاد ليطمئنهم جميعا بأنه لا شيء يدعو للخوف ولا للهلع أو التوتر، وهذا الأمر يكشف من جهة عن شجاعته وشهامته ص ويكشف في نفس الوقت عن حرصه على ان يكون مجتمعه الذي يعيش فيه ويحيا بين جنباته آمنا مستقرًّا طوال الوقت، أما بعد بعثته فقد كان ص من أحرص الناس على إشاعة الطمأنينة في النفوس وتكريس الأمن في المجتمع، لدرجة أنه ص لم يكن يحب أو يقبل أن يحدث أي نوع من أنواع التوتر في العلاقات بين الذوات الإنسانية المفردة من بني قومه، فضلاً عن حرصه على المجتمع ككل متكامل.

ولقد حرص الرسول ص على شيوع الأمن بين الأفراد والأسر داخل بنية المجتمع الواحد حتى في أبسط الأمور، لذلك كان يأمر المسلمين بأن من أعد مرقًا فعليه أن يكثر منه ليعطي جيرانه من هذا المرق، وأكثر من توصيتهم بالجيران خيرًا، ونقل لهم أن جبريل \ مازال يوصيه بالجار حتى ظن النبي ص أن الشرع سيعطي للجار حقًا أو جزءًا من الميراث.

كل هذه مسائل كانت تهدف ضمن ما تهدف إليه إلى تحقيق درجة عالية من التآخي، والتواصل، والتعاون، والتكافل بين أبناء المجتمع الواحد، تلك الأمور التي تصب في النهاية في تكريس الأمن والأمان للذوات الإنسانية المقررة، بل للمجتمع بشكل عام.

إن حرص الإسلام على استتباب الأمن يرجع إلى أمور عدة نذكر منها ما يلي:

أولًا: إن من مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على حياة الناس وأموالهم، ومعلوم أن استتباب الأمن يحافظ على الحياة والأموال، لأن افتقاد المجتمع للأمن يؤدي بالتالي إلى تعرض جميع الأنفس والممتلكات للتهلكة، والنهب، والتدمير، بهذا يأتي الحرص على الأمن المجتمعي في صدارة ما يأمر به الإسلام وما تهدف إليه مختلف القوانين الأخرى.

ثانيًا: إن الشريعة الإسلامية حريصة كل الحرص على تقليم أظافر أولئك الأفراد الذين يعيثون في الأرض فسادًا، حتى وإن ادعوا أنهم من أصحاب القلوب الطيبة والأفئدة النقية، ومعلوم أن انتشار الفساد في أي مجتمع من المجتمعات يؤدي بالضرورة إلى افتقاده للأمن، الأمر الذي يتيح لهؤلاء الأفراد الخارجين على الدين والقانون أن ينشطوا في الإفساد في الأرض، وهذا على خلاف مراد الله تبارك وتعالى في الكون، لذلك توعد الله عز وجل هذا الصنف من الناس بجهنم وبئس المصير، قال تعالى في هذا المعنى: {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام. وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد. وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} (البقرة: 204-206).

ثالثًا: المحافظة على إيجاد جو عام يناسب ممارسة العبادة والدعوة إلى الله تبارك وتعالى، لأن كلا من العبادة والدعوة في حاجة ماسة وضرورة إلى أجواء هادئة ومستقرة، يكون من شأنها اتاحة الفرصة للدعاة إلى الله أن يمارسوا عملهم في سكينة وروية، ويسهم في مساعدتهم في الأخذ بيد الأمة نحو الالتزام بالمبادئ الدينية والقيم الأخلاقية، الأمر الذي يهيئ المجتمع كله لتلقي جزاء الله تعالى وثوابه والفوز بالسعادة لكل فرد من أفراده، لأنه إذا مارست مجموعة معينة من الناس بعض الأفعال السلبية والخاطئة فإن الأمور قد تعود بالضرر على مختلف أفراد المجتمع وجميع أبنائه، وصدق الله العظيم القائل: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} (الأنفال: 25)، فالفتن أو السلوكات الشاذة تجلب على المجتمع كله ما لا يرضاه من المسائل والأمور، على النحو الذي يحذر منه الرسول ص في حديثه الذي جاء فيه: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعًا» (رواه البخاري).

رابعًا: المحافظة على إيجاد جو عام مناسب للعمل والانتاج وعمارة الأرض، فالله تبارك وتعالى كلف الإنسان بالسعي في الأرض وإعمارها لكي يأكل منها حلالًا طيبًا، قال عز وجل: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} (الملك: 15).. وغني عن البيان أن الإشارة إلى المشي في مناكب الأرض يفيد معنى الاجتهاد في الأخذ بأسباب طلب الرزق الحلال، تلك الأمور التي لا تتحقق إلا في ظل جو عام يتسم بالأمن والطمأنينة والهدوء.

ويجب أن ندرك جميعًا أن تحقيق الأمن المجتمعي ليس مسؤولية الدول والحكومات وحدها، بل هو قضية يجب أن تسهم فيها كل قطاعات الشعوب من أفراد ومؤسسات المجتمع المدني، بجانب الهيئات والمؤسسات الحكومية، ومختلف القوى والفعاليات التي يتشكل منها البناء العام للأمة والمجتمع.

252252

د. إيهاب عبد السلام :

لعل موقف التخيير الذي تعرض له محمد -صلى الله عليه وسلم- يبرز لنا الدوافع الحقيقية وراء دعوته، وذلك التخيير ما عرضه عليه عمه نقلًا عن كفار قريش بأن يجعلوا له الرياسة أو ما يشاء من أموال مقابل أن يكف عن دعوته؛ إن المستقرئ لهذا الحدث لا يجد أي تقارب بين وجهتي النظر أو دوافع كل طرف حتى إن الأمر كان مساومة من طرف واحد فقط، ولو أن هدف محمد -صلى الله عليه وسلم- كان الإصلاح من تلقاء نفسه بفكر بشرىٍّ ليس إلَّا؛ لكانت العبقرية تقتضي أن يقبل الرياسة عليهم، ثم يأمرهم بالإصلاح الذي ينشده لهم، ويوافق هذا الأمر هواه، ولكن محمدًا حسم الأمر بصرامة، توحي بأن القضية ليست في يده، ولا نابعة منه هو، ولا يملك التفاوض حولها، فقطع عليهم جميع السبل، وأخبرهم أنهم لو وضعوا الشمس والقمر في يديه – وهيهات ذلك – ما أجابهم إلى ما يريدون، وأخبرهم أنه بين خيارين لا ثالث لهما وهما أن يوفقه الله في إظهار دعوته ونجاحها أو أن يموت في سبيل ذلك.

يقول الدكتور محمد سعيد البوطي: "وإذن، فإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يقدم نفسه إلى العالم زعيمًا سياسيًّا، أو قائدا وطنيًّا، أو رجل فكرة ومذهب، أو مصلحًا اجتماعيًّا.. بل لم يتخذ لنفسه، خلال حياته كلها، أي سلوك قد يوحي بأنه يسعي سعيًا ذاتيًّا إلى شيء من ذلك."

 الأمر إذن لم يكن الدنيا وما فيها، ولا بعض مبادئ الإصلاح التي يريدها محمد -صلى الله عليه وسلم- منهم، وإنما هو أمر من الله ما عليه إلا أن يؤديه كما يريده الله، فلا مجال إذن للتفاوض حوله، ولمَ لا يفعل ذلك والوحي الذي يأتيه يقول له: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ  لاَ  يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ". [المائدة: 67]

موقف آخر يجعلنا ندرك أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يحاور أعداءه بما يمليه عليه فكره وعقله، بل لم يكن لديه ما يرد به إلا ما يرد به الوحي على لسانه في أغلب المواقف؛ ذلك الموقف عندما أقبل عليه عتبة بن ربيعة يفاوضه في أمر الدعوة، وقد كان عتبة سيدًا في قومه فقال لهم وهو جالس في نادي قريش، ومحمد وحده في المسجد: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ ... فقالوا: بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيت علمت من السطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «قل يا أبا الوليد، أسمع» قال: يا ابن أخي، إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدْناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا – أي من الجن – تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه... حتى إذا فرغ عتبة قال له رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: «فاسمع مني» قال: أفعل. فقال محمد-صلى الله عليه وسلم-: "حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ  لاَ  يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ" [فصلت: 1 - 6].

ومضى محمد -صلى الله عليه وسلم- يتلو سورة فصلت حتى إذا وصل إلى موضع السجدة سجد، وقد استمع عتبة إلى السورة جيدًا، ثم قال له محمد-صلى الله عليه وسلم-: «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك».

فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال لهم: ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.

قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.

فقال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.

إن الكفار لم يكونوا يستمعون إلى القرآن، وحرصوا على ذلك وتواصوا به، فقد أدركوا بالتجربة أنه سلاح محمد الوحيد، بل إنه سلاح قوي لم يجسروا على مواجهته، ولذلك انتهز محمد -صلى الله عليه وسلم- الفرصة عندما أقبل عليه أحد كبار الكفار وسادتهم، وقَبِلَ أن يسمع منه، فلم يسمعه غير القرآن، وكان ذلك كافيًا بأن يخسر عتبة تلك الجولة من التفاوض، فخرج على قومه بذلك الرأي الحكيم، ولعل عتبة عندما بادر بالذهاب إلى محمد وحده لم يكن في حسبانه أنه سيستمع إلى القرآن، ولو توقع ذلك لما ذهب إليه، لقد ذهب نائبًا عن الدنيا متحدثًا باسمها، ويظن أنه سيفاوض الدنيا أيضًا، فوجد نفسه لا يفاوض غير الله – تعالى – فقد تنحى محمدٌ جانبًا، ليرد الله تعالى على عتبة  من خلال آيات سورة فصلت، التي يتوعد فيها الكافرين بمصير كمصير عاد وثمود، وبخطاب قوي وشديد، يجعل لمحمد العزة والقوة ولأعدائه الخزي والهوان؛ ففي السورة بعد ذكر مصير عاد وثمود: "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا  لاَ  تَسْمَعُوا لِهَذَا القُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ" [فصلت: 26 - 28]، وفيها من التعزية والتسرية لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ما يجعل عتبة يدرك تمامًا أنه لا جدوى من المساومة وذلك كالآية: "مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ" [فصلت: 43].

ولعل عتبة قد أدرك في قرارة نفسه أن المعركة مع محمد -صلى الله عليه وسلم- خاسرة لا محالة، فآثر أن يربأ بنفسه وقومه عنها، وإن لم يؤمن عتبة بصدق محمد، فقد آمن أنه يحارب قوة يجهلها، وقد تطرق الشك إلى نفسه بأن محمدًا رسول الله حقًّا، أو قل: تطرق الإيمان إلى نفسه لولا عنجهية الكفر. إنه أراد من قومه أن يتركوا محمدًا للعرب فإمَّا يغلبوه وإمَّا يغلبهم، وأهل مكة في الحالين غالبون، ولكن أن ينتصر محمد على العرب سيكون خيرًا لأهل مكة لأن أمره إليهم؛ أي سيرثون حكم العرب بعده.

نعم، لقد حلل عتبة موقف قريش من محمد ودعوته تحليلًا سياسيًّا واقتصاديًّا فقط، وليس دينيًّا وإيمانيًّا، ويبدو أن ذلك المنحى لم يكن مطروحًا لديه، فقد كان من الذين غُلِّقَت قلوبهم.  

2336252

د. عبدالصبور فاضل :

الدعوة إلى الله -تعالى- هي مهمة ورسالة أشرف الخلق (الأنبياء والمرسلين) -عليهم الصلاة والسلام-، وهي سبب خيرية أمة الحبيب محمد  " صلى الله عليه وسلم" ، ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب  "رضي الله عنه"  حين كان يقول: من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها. قالوا: وما شرط الله فيها يا أمير المؤمنين؟ قال: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1).

والإسلام دين يصلح به كل زمان ومكان على مر العصور، حيث أخذ بكل الوسائل المتاحة لنشر الدعوة من الخطابة والرسائل والشعر والاتصال الجمعي في المساجد وموسم الحج والعمرة، ولنا في رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  أسوة حسنة، فهو الذي استخدم وسائل متنوعة منذ بعثته، مثل: الخطابة، والإشارة باليد والأصابع والعصي، كما استخدم الرسم على الأرض، فها هو  " صلى الله عليه وسلم"  يستخدم التخطيط والرسم على الرمال، ليبين لأصحابه الصراط المستقيم الذي أمرنا الله تعالى بالسير عليه، حتى لا نضل ولا نفترق، ويتضح ذلك من حديث ابن مسعود  "رضي الله عنه"  إذ يقول: خط رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  خطا بيده ثم قال: «هذا سبيل الله مستقيما» ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: «هذه السبل ليس سبيل منها إلا عليه شيطان يدعو إليه» ثم قرأ قوله تعالى: {وَأَنَّ هَ?ذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ? وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (الأنعام:153)، وتارة تجده يستخدم الإشارة فيقول  " صلى الله عليه وسلم"  فيما رواه سهل بن سعد الساعدي  "رضي الله عنه" : «بعثت أنا والساعة كهاتين»، ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، مشيرا إلى قرب قيامها، ضاربا بذلك أعظم الأمثلة الإعلامية في استخدام مختلف الوسائل، من أجل توصيل الرسالة الاتصالية عن طريق استثارة الحواس جميعها.

كما اعتنى الإسلام ورسوله بالاتصال المواجهي من شخص إلى آخر، أو إلى مجموعة قليلة من الناس، علما أن نظام الدواوين، والوقف والزكاة صنع إسلامي أصيل، حتى إن الإسلام استوعب ما سبقته إليه الأديان الأخرى من فضائل وإيجابيات، وبعضها أقرها كما هي والبعض الآخر طورها وصبغها بصبغة الإسلام، بما ينفع الناس كافة.

ومع التطورات المتلاحقة، وبخاصة ما يتعلق بالتقنيات الحديثة مثل الإنترنت التي أحدثت نقلة غير تقليدية في عالم الاتصال والتواصل، بوسائله المختلفة مثل الصحف والمواقع والإذاعات الإليكترونية المسموعة والمرئية، والمدونات، والشات، والمنتديات، والبريد الإليكتروني، والمجموعات، ومواقع التواصل الاجتماعي، فإن الدعوة الإسلامية أحوج ما تكون إلى استخدام هذه الوسائل وبفاعلية لشرح مبادئ، وقيم، وموقف الإسلام من القضايا المطروحة على الساحة في مختلف المجالات الدينية، والسياسية، والاقتصادية، والأخلاقية، والعسكرية، والإنسانية، وغيرها.

ويلاحظ أن مواقع التواصل الاجتماعي وبخاصة «الفيسبوك» و«تويتر» استحوذت على عقول كثير من الناس، وبخاصة الشباب منهم، مما يجعلنا نؤكد على ضرورة التوجه صوب هذه الوسيلة لاغتنامها في الدعوة الإسلامية، من خلال دعوة غير المسلمين للإسلام وتعريفهم به، ودعوة الشباب المسلم للتمسك بدينه وعدم الولوج في بحر الظلمات المليء بموبقات التواصل مع الآخرين، وهي لا تخفى على أحد، بل أكدتها الدراسات العلمية وغيرها، ومنها دراسة أجريت على عينة من طلاب الجامعة، حيث أكدوا أن الفيسبوك قد يتعارض مع الثقافة والقيم والمبادئ السائدة في مجتمعاتهم، ومع ذلك فهم لا يمكنهم الاستغناء عن متابعته (2).

وحسب دراسة أجرتها شركة كيتشوم بلون عام 2011م بعنوان «الفيسبوك وحماية الخصوصية الفردية» تبين أن حوالي (800) مليون يستخدمون الفيسبوك، وفي دراسة لشركة Surge ons digital المتخصصة بتسويق العلامات التجارية على الشبكات الاجتماعية عام 2010م بينت أن أكثر من 500 مليون مستخدم للفيسبوك، وأن حوالي 100 مليون مستخدم لتويتر.

كما توصلت إحدى الدراسات حول الطلاب والشبكات الاجتماعية عام 2010م إلى أن 40 في المئة من الطلاب موضوع الدراسة استخدموا الفيسبوك لاكتساب معارف وخبرات، و20 في المئة للبحث عن أصدقاء، وأن نسبة 50 في المئة منهم يستخدمون الفيسبوك كشبكة اجتماعية، وأن هذا الاستخدام يشغلهم عن الدراسة، وأن هذا الاستخدام يؤدي بهم إلى التكاسل والتراخي بنسبة 30 في المئة. (3).

وعلى الرغم من تلك الإيجابيات لمواقع التواصل الاجتماعي، فإن لها سلبيات خطيرة جدا على سلوك الشخصية المسلمة، وعلى عقيدتها وآدابها، وقيمها، وأخلاقياتها، لأنها ليس فيها حدود للتعامل بين المسموح والممنوع، أو بين الحلال والحرام؛ بل كل شخص حر فيما يطرحه من فكر أو سلوك أو اعتقاد، فتجد انتشارا كثيفا لتلك الصفحات التي تدعو إلى نشر الإباحية والإلحاد، وعقيدة الحرية الشخصية، وغير ذلك من الأفكار الخبيثة والدخيلة على هذا المجتمع المسلم الملتزم بحدود الله تعالى، بل هناك حرية شخصية تفعل ما تريد كيفما تريد، طالما لا تتعدى على حرية غيرها، وهذا مناف تماما للإسلام جملة وتفصيلا، وهدفه الوحيد هدم تلك الصلة القوية بين المسلم وبين دينه (4).

لكن الأخطر من ذلك، ومن هذه الصفحات الإباحية والتي تهدف إلى نشر الفاحشة في الذين آمنوا، هي تلك الصفحات التي تشكك المسلمين في دينهم وفي عقيدتهم، وقد انتشرت تلك الصفحات الاجتماعية بكثافة كبيرة جدا، خصوصا في الأعوام الثلاثة المنصرمة، فتجد الصفحة تسمي اسمها في البداية بأي اسم علمي، ثم تأخذ في عرض مميزات الإسلام، والتي تتفق مع ما يريدونه من أهداف، كاحترام الإسلام للمرأة مثلا، وكيف أن الله عزوجل وصى بها وكرمها، ثم بعد ذلك يأتي بطرح شبهة تمس المرأة أيضا، وذلك بعد أن جذب روادا كثرا لتلك الصفحة، ثم شبهة أخرى، وغالبية تلك الشبهات إنما هي من كتب المستشرقين، ثم يأخذ في تشكيك المسلمين في دينهم عقائديا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا، حتى يرسخ عند المسلم فكرة أن هذا الدين إنما هو بينك وبين ربك، ولا يصلح أبدا أن يخرج إلى الحياة بعد هذا التطور العلمي الصارخ الذي لن يستطيع الإسلام مجاراته (5).

كذلك من أخطار هذه المواقع على الشخصية المسلمة، أنها ضياع للأوقات بشكل كبير جدا، وأن هناك كثيرا من رواد تلك المواقع اكتفوا بالتواصل الافتراضي، واستغنوا به عن التواصل الحقيقي مع الناس العاديين، وحتى مع أقاربهم، مما يشكل خطرا شديدا على الصحة النفسية والاجتماعية، وكذلك القدرات العقلية، مع مرور الوقت، مما قد يجعل الشخص مصابا بمرض التوحد، وهذا الأمر أخطر ما يكون على الأطفال، بجانب أنها قد تكون مدخلا لإقامة علاقات شخصية محرمة.

فعلى سبيل المثال أكدت «سيتي هاريانتي» الأمينة في محكمة شرعية في جونونج كيدول في إندونيسيا أن الفيس بوك وراء حمل المراهقات، أو في الزواج المبكر مؤكدة لوكالة «أنتارا» الإندونيسية الحكومية أنه السبب في تزايد حالات حمل المراهقات في البلاد، وقالت «هاريانتي» إن «الدخول على الفيس بوك بات سهلا، حتى في القرى مما يؤدي إلى أن تصبح الفتيات حوامل خارج نطاق الزواج» حيث يبلغ عدد مستخدمي «فيس بوك» في إندونيسيا 35 مليون شخص، ما يجعلها ثاني أكبر سوق لاستخدام الموقع بعد الولايات المتحدة حسب موقع «جلوبال بوست» الأميركي على الإنترنت (6).

ومن يطالع الصفحة العربية للفيسبوك يجدها من أسوأ الصفحات على مستوى لغات الفيسبوك قاطبة، سياسيا وأخلاقيا ولغويا وحواريا وأدبيا وقيميا.. صحيح أن الكثيرين محترمون يدركون الفرق بين حياتهم الخاصة والعامة، ويتصفون بالرقي في كتاباتهم وحواراتهم، ومع ذلك هناك من يصرون على تشويه كل ما هو جميل في حياتنا، فهل كتب علينا أن نكون دائما في ذيل القائمة؟!

فقد أوصت دراسة سعودية حديثة بضرورة تنمية الأخلاقيات الإيمانية ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني، وتفعيل دور الجامعات السعودية في تقديم برامج تسهم في رفع مستوى هذه الأخلاقيات، حيث توصلت الدراسة التي أجراها الدكتور خالد بن علي القرشي من جامعة أم القرى على (1939) طالبا من خمس جامعات، وكانت بعنوان «أخلاقيات التواصل الاجتماعي الإلكتروني لدى طلاب الجامعات السعودية».. توصلت هذه الدراسة إلى أن 5 في المئة يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني استخداما سلبيا، وأن 75 في المئة من المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي يهتمون بنشر الفضائح على «الفيسبوك»، بينما يهتم 72 في المئة منهم بنشر الغيبة على «تويتر» (7).

ويمكن توظيف مواقع التواصل الاجتماعي في خدمة الدعوة الإسلامية على النحو التالي: (8).

أولا- الفيس بوك «Facebook»: وهو موقع اجتماعي شهير يدخل عليه الملايين على مستوى العالم، وهو ما يؤكد أهميته ورواجه الواقعي، ومن خلاله يمكن التواصل مع أي إنسان في أي مكان وزمان، ومن هنا فقد انتبه إليه دعاة كثر في زماننا، وتم عمل صفحات شخصية لهم عليه لمخاطبة جماهيرهم، ونشر الدين والدعوة داخل العالم العربي وخارجه، ولكن ليس بالحجم المطلوب، ويمكن توظيفه دعويا من خلال القيام بالآتي:

1- عمل مجموعات «GROUPS» تقوم بالحث على الفضيلة ونشرها بين الناس.

2- مراسلة جميع أصحاب الصفحات الموجودة لدى الداعية بما تريد توصيله من قيم وأخلاق وغيرها من أعمال فاضلة.

3- التواصل مع غير المسلمين لدعوتهم إلى الدين الإسلامي العظيم؛ وذلك بإتقان لغة المخاطب، وتوضيح صورة الإسلام الصحيحة التي شوهها الغرب عبر إعلامهم.

فقد تمكن داعية سعودي بالمكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بغرب الدمام (نور) من إقناع عروس كندية في العقد الثاني من عمرها بالإسلام عبر موقعي «الفيسبوك» و«سكايبي»، وأعلنت إسلامها تزامنا مع حفل زواجها في بداية العام الميلادي الحالي 2014 بحضور والدها، وأكد فضيلة الشيخ يوسف الرشيد، مدير المكتب على ممارسة دعاة المكتب هذه الدعوة الإلكترونية باستخدام آخر وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثات التقنية التي وجدت تفاعلا حقيقيا، حيث يوجد أكثر من 100 ألف طالب مستفيد من برامج الدعوة عبر الإنترنت، مع دعاة المكتب على مستوى العالم بأستراليا وبريطانيا والهند وبنجلاديش والفلبين، والتي حققت نتائج ممتازة (9).

4- محاربة المجموعات التي تقوم بتشويه صورة الإسلام والضغط على موقع الفيس بوك لإغلاقها، وهذا ما حدث بالفعل مرارا وتكرارا في مواقف مختلفة.

ثانيا- تويتر «TWITTER»: هو أحد المواقع التي تقدم خدمات مجانية للتواصل الاجتماعي والتدوين المصغر، ويسمح للمستخدمين بإرسال أهم اللحظات في حياتهم في شكل تدوينات نصية لا تزيد عن 140 حرفا؛ وذلك من خلال خدمة الرسائل النصية القصيرة، برامج التراسل الفوري، أو البريد الإلكتروني، ويتميز باستقطاب صفوة القوم، وقطاع لا بأس به من الشباب من الجنسين.

ثالثا- الإيميلات (E:mails) ومجموعات البريد الإلكتروني

(Hotmail - Yahoo maktoob - Gmail)

التي يمكن من خلالها:

1- نشر فكرة إسلامية معينة، أو إرسال رسالة مؤثرة تصحح مفهوما أو تدعو إلى خلق فاضل.

2- التذكرة بفضل المناسبات الإسلامية في وقتها، والدعوة إلى العمل الصالح فيها: ومثال ذلك: دعوة من لديك على بريدك الخاص إلى صيام الاثنين والخميس، أو إلى صدقة جارية أو قراءة القرآن.

3- المشاركة في أعمال خير، أو أعمال اجتماعية تخدم المجتمعات الإسلامية من خلال التعاون الإيجابي على القيام بها، ودعوة رجال الأعمال للمشاركة فيها.

رابعا- المدونات (bloggers): التي يمكن من خلالها القيام بالآتي:

1- توصيل رسالة المدون إلى متصفحي مدونته وتوجيه أفكارهم نحو الصالح.

2- يمكن من خلالها نشر مواعظ ومقالات وأخبار وتحليلات.

3- مواكبة الأحداث الجارية ونشر فكرة المدون وتعليقاته على الأحداث؛ وهو ما يجعلها أكثر فعالية وواقعية.

ويمكن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في عمل حملات إيمانية متواصلة، مثل حملة «كلمني فجرا» (CALL ME DAWN): لإيقاظ أكبر عدد من المسلمين لصلاة الفجر في جماعة، حملة «لا للتحرش» (NO HARSSEMENT):، حملــة «نصــرة غــزة وفلسـطين» (HELP GAZA)، حملات الحجاب، حملة ضد البنطلون الساقط، حملة نصرة الرسول  " صلى الله عليه وسلم" ، حملة علاج الفقراء، حملة نظافة البيئة، وحملة ضد ارتفاع الأسعار...الخ، وتوعية الشباب المسلم من الجنسين بعدم الوقوع في الرذيلة الافتراضية التي دمرت مستقبل كثير منهم، وتحذيرهم أشد التحذير من السقوط في شباك الأجهزة المشبوهة التي تجند فتيات في صورة أصدقاء، أو تطلب وظائف محددة ومغرية، فيتهافت إليها الشباب وسرعان ما يقعون فريسة لهذه الجهات.

هوامش :

1- عادل عبدالله هندي، وسائل التكنولوجيا الحديثة في خدمة الدعوة، متوفر:

http://islamselect.net/mat/87638.

2- عبدالكريم العجمي الزياني، استخدامات وتمثلات الشباب الليبي لشبكات التواصل الاجتماعي والإشباعات المتحققة منها (الفيسبوك نموذجا). دراسة ميدانية على عينة من طلاب جامعتي الفاتح وناصر الأممية في ليبيا.

3- صالحة الدماري، الطلاب والشبكات الاجتماعية -دراسة ميدانية في استخدامات وإشباعات طلاب كلية الفنون والإعلام للفيسبوك كشبكة اجتماعية، بحث مقدم ضمن متطلبات دبلوم الدراسات العليا، جامعة الفاتح، كلية الفنون والإعلام. 2010م.

4- مواقع التواصل الاجتماعي وأثرها على الشخصية المسلمة، متوفربتاريخ27/8/2013

http://www.noslih.com/Article.aspx?Art_id=1790.

5- المرجع السابق.

6- موقع مصراوي، خبر بعنوان: «مسؤولة إندونيسية: الفيس بوك وراء حمل المراهقات والزواج المبكر» متوفر بتاريخ 3/5/2011م

http://www.masrawy.com/News/Various/General/2011/august/4/indonesia_face.aspx

7- - متوفر بتاريخ 5/1/ 2014

http://www.albushraa.com/?p=9771.

8- عادل عبدالله هندي، المرجع السابق.

 9- صحيفة وطنيات الإليكترونية، خبر بعنوان «الدمام» داعية سعودي عبر الإنترنت يقنع كندية في كندا بدخولها الإسلام، متوفر بتاريخ الجمعة 16 ربيع الأول 1435 / 17 يناير 2014.

et46

تحقيق- نشوه صالح :

 دم المسلم لماذا حرمته الشريعة الإسلامية؟ وماهو الواجب على المسلمين عندما تكثر الفتن والصراعات التي تؤدي لمزيد من سفك الدماء؟ وماذا عن رأي الشرع في المفقودين في الأزمات والفتن التي تفتك بالمسلمين؟ هذه الأسئلة وغيرها طرحتها «الوعي الإسلامي» على رجال الدين الذين أكدوا على ضرورة الحفاظ على دماء المسلمين، لأن الله عز وجل أمر بعدم إباحتها بأي حال من الأحوال، بل إن الأمر يصل لأن تكون دماء المسلمين أهم عند الله من هدم الكعبة المشرفة.

وبينوا بأن الإسلام ينبذ العنف والقتل وترويع الآمنيين، لافتين إلى أن ما يحدث الآن في عدد من دول الأمة الإسلامية فتنة واضحة بين أهل الإسلام تستدعي عدم الانجرار في القتل رحمة بدماء هذه الأمة.. وإليكم التفاصيل:

بداية تقابلنا مع الداعية الإسلامي عضو مجمع البحوث الإسلامية الشيخ محمود عاشور الذي أكد بدوره على ضرورة حقن دماء المسلمين، وإنها من الواجبات الأساسية في منهج الشريعة الإسلامية التي تأمر المسلم بألا يشهر سيفه في وجه أخيه المسلم، والحديث النبوي الشريف في ذلك واضح، حيث جاء في صحيح البخاري: «حدثني أبو كامل فضيل بن حسين الجحدري حدثنا حماد بن زيد عن أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل فلقيني أبوبكرة فقال أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت أريد نصر ابن عم رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يعني عليًا قال: فقال لي يا أحنف ارجع فإني سمعت رسول الله  " صلى الله عليه وسلم"  يقول: إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قال: فقلت: أو قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه قد أراد قتل صاحبه» كما أن الآية الكريمة في سورة النساء تقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.

آملًا أن يسعى علماء الدين الإسلامي الحنيف في نشر الجوانب المشرقة في الدين الحنيف، لأنه ليس دين ترويع الناس وإباحة دمائهم بل هو دين الحفاظ على النفس البشرية التي خلقها الله عز وجل.

أما الداعية الإسلامي والخطيب في وزارة الأوقاف المصرية الشيخ أحمد موسى الذي علق على الأحداث الدموية التي تمر بها بعض الدول العربية قائلًا: الأمة الإسلامية يختبرها الله عز وجل ما بين الوقت والآخر، وأعظم المصائب التي حرمها الإسلام هي أن يقتل المسلم أخاه المسلم، سواء أكان ذلك لأغراض سياسية أو دنيوية بحتة، كما جاء في سورة الحجرات: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، وفي مواضع كثيرة يحذر الله تعالى من سفك الدماء، منها: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وكذلك يقول رب العزة: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُورًا رَحِيمًا} فأين الذين يبيحون دماء المسلمين بغير ذنب.

ويتفق الداعية الإسلامي الأستاذ بجامعة الأزهر د.فؤاد عبدالمنعم مع الآراء الداعية لحقن دماء المسلمين، حيث أكد بأن الدين الإسلامي يشدد على عدم الاقتراب من حرمة الدماء بين المسلمين كما أن سماحة الدين الإسلامي تأمر المسلمين بعدم استباحة أهل الديانات الأخرى، وفي هذا يقول الرسول محمد  " صلى الله عليه وسلم"  «من آذى ذميًا فقد آذاني» لافتًا إلى أن الإسلام طلب من المسلمين ضرورة التعاون على البر والتقوى، ورفض التعاون على الإثم، موضحًا بأن ما يحل بالأمة الإسلامية من فتن صارخة شجعت أن يقتل المسلم أخاه المسلم بدم بارد بصورة تقشعر لها الأبدان مطالبًا كل الأطراف المتنازعة بالجلوس على طاولة الحوار، لأنه من الممكن معالجة كل هذا بعيدًا عن الدماء، سواء كانت خلافات عائلية بسبب الميراث، أو خلافات سياسية يكون باعثها الصراع على الحكم، داعيًا بضرورة الاقتداء بالصحابة رضوان الله عليهم، حيث إنهم بعد وفاة الرسول محمد  " صلى الله عليه وسلم"  اختلفوا فيمن يكون خليفة للمسلمين، ولكنهم في الأخير أقروا البيعة للصحابي الجليل أبوبكر الصديق  "رضي الله عنه" .

وكل الصحابة امتثلوا لذلك من أجل الحفاظ على تماسك الدولة الإسلامية، مشددًا على أهمية تعاون كافة المؤسسات التعليمية بزرع قيم التسامح ونبذ العنف من أجل الحفاظ على دم المواطن والجندي ليحل الوئام بين أفراد الشعب، مطالبًا بضرورة الابتعاد عن التشدد في الرأي والمبالغة والتهويل واستخدام الوسائل الإعلامية في بث الفتن، لافتًا إلى أهمية أن يتعلم المسلم احترام الرأي الآخر دون حملات التخوين والتشهير التي تزيد من حالات الاحتقان.

وفي هذا الإطار يحذر الخبير الإعلامي محمد الحملاوي من وسائل الإعلام الموجهة التي تغذي الصراعات والفتن، خاصة وأن هذه الأبواق تكون في أحيان كثيرة وقودًا لنار الحروب، لافتًا إلى أن الإعلام إما أن يكون أداة للتصالح وإشاعة أجواء التسامح، وإما أن يكون شرًا على المجتمعات، وأكد أن الإعلام قد لعب دورًا كبيرًا في تأجيج الفتن بين التيارات السياسية المتناحرة، وبين الشيعة والسنة، وبين المعارضين والمؤيدين للحكم في بعض الدول العربية، وأعرب الحملاوي عن امتعاضه من بث مشاهد الجثث والدماء المتناثرة الناتجة عن هذه الصراعات، ويحلل أستاذ علم النفس د.صلاح عبدالهادي نفسية المسلم الذي يتقبل رؤية دماء أخيه دون أن تتحرك مشاعره، لافتًا إلى أن هذا المسلم يعاني من خلل نفسي ناتج عن حالة ارتباك وغموض بسبب عدم وضوح الرؤية أمامه، خاصة وأن وسائل الإعلام تلعب دورًا كبيرًا في غسل الأدمغة عن طريق شحن العقول بالكذب حتى يصدق المسلم هذا الكذب، وطالما أن الإعلام لديه قدرة على قلب الحقائق فمن الطبيعي أن تجد بعض النفوس لا تتحرك بالحزن على مخالفيهم حتى ولو وجدوهم في بركة من الدماء، بل إن الأمر وصل إلى التشمت في هذه الدماء، لافتًا إلى أن هذه المآسي تكثر في المجتمعات التي تستخدم الحروب الدعائية لتشويه الآخر، وأشار إلى أن خطر الإعلام في بعض الأحيان يكون أقوى من الأسلحة الفتاكة، ويطالب د.عبدالهادي الآباء والأمهات أن يبعدوا أولادهم عن المشاهد التي تبثها وسائل الإعلام التي تظهر القتل وأشلاء الجثث والدماء المتناثرة حتى لا يشب الأبناء على رؤية هذه المشاهد.

200122

د. مسعود صبري:

شاع بين بعض الشباب على مواقع الإنترنت التعارف بين الشباب والفتيات، ويقع الحب بينهما، ولبعد المسافات بين الشاب والفتاة، ولشدة التعلق بينهما يتزوجان على الإنترنت بصيغة أن تقول الفتاة للشاب: زوجتك نفسي، ويتعاملان كأنهما زوجان عبر الإنترنت لبعد المسافات..

وتفاجأ الفتاة بعد فترة باختفاء الشاب الذي لا تعرف عنه كثير تفاصيل، ثم على أرض الواقع يتقدم لها شاب ليتزوجها، لكنها تظل في حيرة، هل هي زوجة لمن تزوجها على الإنترنت ثم اختفى؟ هل تبقى أسيرة على الزواج الالكتروني، حتى يطلقها زوجها الالكتروني الذي فر منها بعيدا لا تعرف عنه شيئا، أو ربما يظلان على علاقة لكن لبعد المسافة – كما يزعمان- لا يستطيعان الزواج، ولكنها تشعر بحاجتها إلى الزواج الحقيقي، وربما يتقدم بعض الخطاب وترفض زعما أنها متزوجة، لكنها تظل في صراع بين حاجتها للزواج الحقيقي لمن تقدم لها، وبين زواجها الالكتروني..

إن هذه العلاقة  نوع من الوهم يحلل الشاب والفتاة لكليهما العلاقة المحرمة تحت مسمى الزواج حتى يخففا الضمير المؤنب لهما، وحتى يوهما نفسيهما بالزواج كي يمارسا ما يحبان تحت غطاء وهم الزوجية.

فالزواج في الشريعة والعرف الاجتماعي له شكل معين عرفته البشرية منذ القدم، وكان موجودا على مر العصور والدهور وفي كل البيئات والأعراف، واشتهر بين كل الأقوام وإن اختلفت بعض تفاصيله، وقد عرفته العرب الجاهلية وأقره الإسلام، من أن يذهب الرجل إلى والد الفتاة ويطلب الزواج منها، فتتم الموافقة منه ومن الفتاة ومن أبيها، ويكون بينهما شهود، ويدفع لها مهرا، ثم تنتقل المرأة إلى بيت زوجها بزفاف ونحوه، ويعرف كل الناس أن فلانا قد تزوج فلانة، ويعيشان حياة مستقرة بينهما تحت مرأى ومسمع من الناس بعد استيفاء الشروط الشرعية التي توجت بما يعرف حديثا بالتوثيق عند المأذون، أو في الدوائر الشرعية.

إن من أهم مقاصد الزواج في الإسلام هو السكن والارتباط والحياة الدائمة والمشاركة في الحياة؛ لأن الأسرة هي بنية المجتمع الرئيسة، وقد امتن الله تعالى على عباده بذلك فقال: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21].

ولما خلق الله تعالى حواء من ضلع آدم – عليه السلام- وكان نائما، فوجد امرأة بجواره، فسأل الملائكة: من هذه؟ قالوا: حواء. قال: ولم خلقت؟ قال: لتسكن إليها.

إن الزواج في الإسلام أكبر من أن يكون متعة جنسية واتصالا جسديا بين اثنين، وإلا فالزنى الذي حرمه الله تعالى في كتابه هو اتصال جنسي، وهذا الفارق الكبير بين الزواج والزنى، فالزواج فيه المتعة الجنسية التي هي فطرة وحاجة لكل إنسان، لكنه في إطار شرعي واجتماعي لا يخجل الإنسان منه، لكنه في الوقت نفسه لا يكون الزواج مجرد متعة جنسية، بل شراكة اجتماعية راقية بين الرجل والمرأة.

إن العلاقة بين الزوجين في الإسلام لا تتوقف على أداة تواصل مؤقتة، فالعقد في الإسلام مبني على الدوام، ولهذا حرم الإسلام نكاح المتعة؛ لأنه مجرد نظر إلى متعة جنسية مؤقتة، أو لمصلحة مؤقتة، إنه يتخطى حدود الدنيا إلى حدود الآخرة، فكما أن الزواج في الدنيا فهو يمتد إلى الآخرة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } [الطور: 21].

والزواج في الآخرة شرطه الزواج الشرعي في الدنيا، لكنه منزوع الخلافات والمنغصات، فما في الآخرة إلا السعادة والفرح والسرور، وكل ما بين الزوجين من خلاف واختلاف لا مكان له في الآخرة.

وفي الزواج مالا يحصى كثرة من الفوائد والمقاصد من حفظ النساء والقيام عليهن والإنفاق على الزوجة والأولاد، وصيانة النفوس من الزنى المحرم، وتكثير عباد الله تعالى وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإعمارا للأرض، والمشاركة الاجتماعية بين الزوجين، وتحقيقا لغريزة الأنس بين الرجل والمرأة، وإنشاء لجيل جديد، وإمضاء لسنة الله تعالى في الخلق من البقاء إلى يوم القيامة.

وكل هذا لا يتحقق بما يعرف بالزواج الالكتروني الذي هو ليس زواجا، ولا يترتب عليه أي آثار، فهو والعدم سواء، فتلك العلاقة العابرة المحرمة لا يترتب عليها أي شيء، ولا تكون الفتاة زوجة للمتحدث معها، بل هو مجرد حديث وكلام لا قيمة له في ميزان الشريعة إلا كونه كلاما محرما.

فالزواج في الإسلام له شروط وأركان، إن لم تتوافر؛ فلا يعد زواجا شرعا، من ذلك الإيجاب والقبول، فلابد من رضا الفتاة بمن تتزوج، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم زواج أب زوج ابنته دون رضاها، ومن شروطه موافقة الولي من الوالد أو من يقوم مقامه، كما قال تعالى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} ، فمن تزوج امرأة بغير إذن ولي لم يصح الزواج. ومن أركانه المهر، كما قال تعالى: {وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، كما اشترط الإسلام العفة والأخلاق فيمن يتزوجها فقال: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]،أي ليس لهن أصدقاء.

ومن شروطه أن يشهد المسلمون على ذلك العقد، كما في حديث ابن حبان عن عائشة – رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك، فهو باطل".

فهذا الزواج الذي شرعه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله، وما سوى ذلك فليس بزواج شرعا، ولا اعتبار له مطلقا، وتوبة الفتاة مما يعرف بزواج زوجتك نفسي بالزواج الذي شرعه الله تعالى من أحب الأعمال إلى الله تعالى، بل هو الواجب، ولا تجد الفتاة في نفسها حرجا من ترك المحرم إلى ما أحل الله تعالى.

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال