الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

63 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

hghkjphhhhv

د. مسعود صبري - أستاذ مشارك في الفقه والأصول:

الانتحار ظاهرة غريبة عن المجتمعات المسلمة، بل هي منافية لفطرة الإنسان ولو كان بلا دين؛ فحب الإنسان نفسه وحب الحياة لدى الجميع فطرة لا تحتاج إلى بيان أو إقناع، وليس أدل على ذلك من فعل موسى، عليه السلام، مع ملك الموت حين فقأ عينه؛

لأنه دخل داره على هيئة آدمي من دون إذنه، لكن الأعجب قول ملك الموت عن موسى إنه لا يحب الموت، كما جاء في الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم من قول النبي [: «أرسل ملك الموت إلى موسى، عليهما السلام، فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت»، فإن كان موسى، عليه السلام، وهو أحد أولي العزم من الرسل يعبر عنه ملك الموت بأنه لا يحب الموت، فكيف بإنسان عادي؟!

ولكن الغريب أن يصبح الانتحار ظاهرة مع ما تعيشه البشرية من تقدم علمي وصل إلى الترف والترفيه في مجال الحياة، وكان مأمولا أن تختفي تلك الظاهرة مع ما تبذله الشركات العالمية من اختراع وسائل لترفيه الإنسان كي يعيش حياته مرتاحا، فإذا بطائفة من أناس ذلك العصر يزهدون في ذلك الترف ويفضلون عليه الموت انتحارا!

إن النظر إلى إحصائيات الانتحار يخيف الناظر إليها، ففي عام 2019م انتحر أكثر من 800 ألف شخص وفق إحصائيات الأمم المتحدة، بمعدل حالة انتحار كل 40 ثانية، والتي دعت إلى مبادرة «عش الحياة» للتخفيف من ظاهرة الانتحار، ولكن الأعجب في الإحصائيات أن يكون الشباب هم أكثر الفئات إقبالا على الانتحار، بدلا من الإقبال على الحياة، فغالب من يقدم على الانتحار من الشباب بين سن 15 و29، ومن العجائب أن يكون عدد الرجال ضعف عدد النساء في الانتحار، والأغرب من ذلك أن تكون نسبة الانتحار أعلى بين الأغنياء من الفقراء.

وتعد أوروبا الشرقية وكوريا الجنوبية وزيمبابوي وغويانا وسورينام من أكثر الدول في حالات الانتحار، ما يعني غياب الوازع الديني، وأثر الدين والعقيدة في التخفيف من حدة الانتحار، وإن لم يكن الدين مانعا لوقوعه، وإن غاب فيه التدين.

أسباب تحريم الانتحار في الإسلام؟

حرم الإسلام قتل النفس إلا بالحق، كما قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء:29)، والآية تحتمل النهي عن قتل الإنسان نفسه، أو قتله لغيره، كما قال الشيخ محمد رشيد رضا في «تفسير المنار» (5/36): «ظاهر هذه الجملة وحدها أن النهي إنما هو عن قتل الإنسان لنفسه وهو الانتحار، والمتبادر منها في هذا الأسلوب أن المراد: لا يقتل بعضكم بعضا، وهو الأقوى».

لكن ما أسباب تحريم قتل الإنسان نفسه وإقدامه على الانتحار ما دام لا يؤذي غيره؟

أولا- المخالفة الشرعية

فأول سبب من أسباب تحريم الانتحار أنه مخالفة لأمر الله تعالى ورسوله [، ومن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه من قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا». ويلاحظ مع جوامع كلم النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا أنه فصل وضرب أمثلة لوسائل الانتحار؛ تغليظا للعقوبة، وتنفيرا من إتيانه، وحثا للمسلم على الحفاظ على نفسه وعدم قتلها.

وروى البخاري ومسلم عن ثابت بن الضحاك (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة»، وهو حديث مجمل في وسائل الانتحار؛ ليشمل كل وسيلة، ولتكون تلك الوسيلة التي يعذب بها يوم القيامة؛ وذلك تنفيرا للنفس من الانتحار.

ثانيا- خيانة الأمانة

فالإنسان لا يملك نفسه التي بين جنبيه، بل هو مؤتمن عليها، فلا يجوز للإنسان أن يتصرف في روحه ولا جسده إلا وفق شريعة الله تعالى، لأن المالك لنفسه على الحقيقة إنما هو الله تعالى، ومن قتل نفسه فقد خان أمانة الله، واعتدى على البنيان الذي خلقه الله، والمطلوب من المسلم أن يؤدي أمانة نفسه إلى ربه كما هي، كما ورد في الحديث عند أبي داود: «أد الأمانة إلى من ائتمنك»، وإن كان أداء الأمانة للإنسان واجب، فأداء الأمانة إلى الله أوجب.

ثالثا- مخالفة فطرة الله وسنته

فالله تعالى لم يخلق الإنسان لأجل أن يقتل الإنسان نفسه، وإن الحياة هبة من الله تعالى، فكيف للإنسان أن يرفض هبة ربه، وإن من عادة الملوك الغضب على من لا يقبل هبتهم، فكيف بهبة الله تعالى العظمى، ثم إن تدخل الإنسان في إنهاء حياته افتراء على الله، وتعد على حقه سبحانه، فهو الذي له الحق في الموت والحياة، وليس للإنسان، كما قال تعالى: {وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} (النحل:70)، وقد وكل الله تعالى ملك الموت بهذا الفعل، كما قال سبحانه: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} (السجدة:11)، فعلى المرء أن يعلم أنه مخلوق، وأنه عبد، وأن له حدودا يتصرف فيها ولا يجب أن يتعداها، وأن عليه أن يلتزم حدوده مع الله تعالى، وإلا عوقب وعذب، كما قال تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون } (البقرة:229)، وقال أيضا: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} (الطلاق:1).

رابعا- مخالفة لمقاصد الشريعة

إن لله تعالى حكمة في خلقه الناس، وفي وهبه الناس أعمارا متفاوتة، فيموت غالب الناس شيوخا كبارا، ويموت بعضهم رجالا، ويموت بعضهم صغارا، ولله حكمة في كل ذلك.

وإن الانتحار يخالف مقاصد الشريعة الكبرى الخمسة، والتي هي مرعية في كل الأديان، بل كل المناهج والأفكار، كما قال الشاطبي في «الموافقات» (2/20): «ومجموع الضروريات خمسة، وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وقد قالوا: إنها مراعاة في كل ملة» وذلك على النحو التالي:

حفظ الدين

ينافي الانتحار حفظ الدين، من أكثر من جهة؛ فالانتحار يغيب عنه القائم بالدين، المطبق للشريعة، فحين يقتل الإنسان نفسه، فقد فقد دينه الذي كان يقيمه حال حياته، والذي خلقه الله تعالى لأجله، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56)، وقد كان النبي [ يستحب طول العمر لأجل عبادة الله تعالى، كما جاء في الحديث عند الترمذي: أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: من طال عمره وحسن عمله. قال: فأي الناس شر؟ قال: من طال عمره، وساء عمله.

وإن الإبقاء على النفس البشرية الصالحة فيه عبادة لله تعالى وإقامة لشرعه، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والحج والصدقة وبر الوالدين وعمل الصالحات.

حفظ النفس

فالانتحار إنهاء للنفس التي أمر الله تعالى بالحفاظ عليها، واعتداء على أمانة الله تعالى بالإنهاء، وتعد على حق الله تعالى في حفظها، وظلم للنفس التي كان يجب أن تصان وتحفظ، وأن تنال حفظها من الحياة مثل غيرها؛ حتى يأذن الله تعالى بزوالها فيما قدره الله تعالى من مقادير.

حفظ النسل

وفي الانتحار اعتداء على حفظ النسل، لأن الإنسان إذا عجل بقتل نفسه فإنه يمنع التناسل الذي هو أحد المقاصد العلية، وبترك الانتحار والإبقاء على الحياة يحصل التناسل بين البشر، وتتحقق الخلافة التي جعلها الله تعالى لبني آدم على الأرض، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ} (الأنعام:165)، ولهذا ربط النبي [ بين القتل والاقتتال من جهة وبين انعدام النسل من جهة أخرى، كما أخرج ابن ماجه في سننه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «ألا إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم، فلا تقتلن بعدي».

حفظ العقل

والانتحار ينافي العقل والتعقل، فليس من العقل والحكمة أن يقتل المرء نفسه، وإن العقل الصحيح مع الدين مانع للإنسان من الإقبال على الانتحار، وإن حفظ العقل فيه حفظ للنفس، وإن على المؤمن أن يعمل عقله في حفظ نفسه وعدم الاعتداء عليها، وقد جاء في الأثر: «تبارك الله الذي قسم العقل بين عباده أشتاتا.. إن الرجلين ليستوي عملهما وبرهما وصومهما وصلاتهما ولكنهما يتفاوتان في العقل كالذرة في جنب أحد وما قسم الله لخلقه حظا هو أفضل من العقل واليقين».

حفظ المال

وفي الانتحار اعتداء على مال الإنسان، إذ هو إنهاء لمال العبد من جهة، ومنع المال من نموه بعد موته من جهة، وهو اعتداء على أعظم مورد بشري من جهة أخرى.

علاج الانتحار

ومن أهم أدوية وعلاج الانتحار أن يعلم العبد أن الموت والحياة ليسا بيده ولكنهما بيد الله تعالى، فلا ينازع الله تعالى في ملكه، وأن يتأدب مع ربه، وأن يخاف عقابه يوم القيامة، وأن يكون إنسانا سويا يحب نفسه ويحب الحياة، لأن حب الحياة من الفطرة، وأن يصبر على ما ابتلاه الله تعالى، فإن البلاء من أمارات محبة الله تعالى، وأن ينعم بنعيم الله تعالى الذي وهبه الله من العمر والرزق والمال وغيرها من النعم، فإننا في هذه الحياة ضيوف على الله، ومن الأدب مع الله أن نقبل ضيافته، وألا نتعجل شيئا ليس من حقنا، فإن كره المسلم الحياة، فعليه بالدعاء، كما علمنا النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما أخرجه البخاري: «لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي».

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال