الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

79 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

EL HSJRHLH

د.بديع السيد اللحام -أستاذ الحديث بكلية الشريعة جامعة دمشق -

إن من المسلمات أن الله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه عمل عامل من خلقه، ولو كان مثقال ذرة، قال تعالى:{ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } (يونس:61)،

وإذا انقلب العباد إلى ربهم سينبؤهم بما كانوا يعملون، { إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (المائدة:105)، { وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (الأنعام:60) فهو سبحانه محيط بأعمال خلقه { إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } (هود:92)، ومطلع عليهم لا تخفى منهم خافية، ولن يتر الناس أعمالهم { وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } (محمد:35).

إذا استشعر الإنسان ما تقدم كان ذلك دافعا ومحفزا له للقيام بصالح الأعمال، فينعم المجتمع بآثاره الطيبة التي لا يضيع ثوابها وأجرها عند الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما سيجد العون من الله تعالى في الدنيا، وكان يقال: «صاحب المعروف لا يقع فإذا وقع أصاب متكأ».

ثم إن الاستقامة على فعل الصالحات وترك المنكرات تحتاج إلى صبر ومصابرة، يقول تعالى {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ } (مريم:65) وقال عز من قائل: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا } (طه:132).

فالصبر -كما قال العلماء- على أنواع؛ صبر على الطاعة والعمل الصالح، وصبر عن المعصية، وصبر على أقدار المولى المؤلمة.

ثم إنه لا أدل على أن الاستقامة والصبر عليها منجاة للمؤمن من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {46/13} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأحقاف:١٤،١٣).

ومن الأسباب التي تدفع المرء إلى فعل الخيرات والأعمال الصالحات، وتمنعه من فعل المنكرات، وتعينه على الاستقامة:

* الإيمان الصادق، الذي يزود الوجدان بعناصر استقامته ويقظته، ويحرره من كل سلطان غير سلطان الحق الذي يرى المؤمن مصداقه في كل حكم من أحكام دينه، فهو لا يعبد إلا الله، ولا يخشى أحدا سواه، ولا يستعين إلا به، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرجو إلا منه، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء، { وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ } (المؤمنون:88) وهو الذي جعل لرسوله وللمؤمنين نصيبا موفورا من العزة التي قرنها سبحانه وتعالى تفضلا بعزته، وهو سبحانه مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك مما يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير إنه على كل شيء قدير.

* التزود بالعلم والمعرفة التي تغذي الإيمان وتقويه، وتزيد المؤمن مراقبة لمولاه، تنعكس آثارها إخاء ورحمة ومساواة بين أفراد المجتمع.

وقد دلنا القرآن الكريم والسنة المطهرة على الطريق الصحيح للمعاملة الحسنة:

- فإسلامنا يعلمنا الصدق قولا وعملا، فلا يكون المؤمن إمعة يكون على الحق مادام الناس معه, ويغدو مع الباطل ما غدا الناس معه، فهو موطن نفسه أن يحسن إن أحسن الناس، فإن أساؤوا اجتنب إساءتهم، قال رسول الله [: «لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» (1).

وقد ضرب لنا كتاب الله المثل بقارون المثري المتكبر مبينا عاقبة الغرور والإعراض عن الهدى، وكيف يتمنى الجاهلون زخارف الحياة خلافا للذين أوتو العلم: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {28/79} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} (القصص:79-٨٠)

ألا ما أحوجنا في هذه الأيام إلى تدبر معاني تلك الأمثال التي ضربها الله في كتابه لنثبت على فعل الخير الذي يتطلب مجاهدة أهواء النفس ومنعها من الانجرار وراء زخارف الدنيا ومتعها.

على أن لا تأخذنا هذه المجاهدة إلى حد التنطع المهلك، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله [: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثا (2)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عنه أن نفرا من أصحاب النبي [سألوا أزواج النبي [عن عمله في السر؟ فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه. فقال: «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (3).

- ويعلمنا الدين بر الوالدين ورعايتهما وطاعتهما في غير معصية بمنتهى الاحترام والحنان. قال الله تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {31/ 14} وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } (لقمان:١٥،١٤) فقرن بشكره سبحانه شكرهما.

وقال تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {17/23} وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (الإسراء:٢٤،٢٣).

- ويحثنا إسلامنا على صلة الرحم، فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي [قال: «الرحم شجنة، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته» (4). ومعنى قوله (شجنه من الرحمن) أي أن اسمها اشتق من هذا الاسم الذي هو من صفات الله تعالى فالرحم أثر من آثار رحمته تعالى، مشتبكة بها، فمن قطعها كان منقطعا من رحمة الله عز وجل، ومن وصلها وصلته رحمة الله تعالى.

وقال رسول الله [تعزيزا لهذا المعنى: «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك»، ثم قال رسول الله [: اقرؤوا إن شئتم: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ {47/22} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ { } (محمد:٢٣،٢٢)(5).

- وجعل إسلامنا كمال الإيمان متحققا بحسن الأخلاق لطيف المعاشرة، قال رسول الله [: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله» (6).

- وأمرنا أمرا مؤكدا بحسن الجوار، قال رسول الله [: «ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورثه» (7).

- كما حذرنا تحذيرا شديدا من نؤذي جيراننا أو نعكر عليهم صفو الحياة، فعن أبي شريح رضي الله عنه، أن النبي [قال: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه» (8).

- ورغبنا إسلامنا بتنفيس كرب المكروبين، والسعي في التخفيف من معاناتهم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله [: «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ...» (9).

وهذا غيض من فيض ما تضمنته شريعتنا الغراء من توجيهات وتعاليم كفيلة ببناء مجتمع المحبة والألفة والتعاون والتماسك، إذا ما أخذنا بتلك التعاليم وعملنا بتلك التوجيهات، ووطنا أنفسنا على الاستقامة على هذا النهج الواضح البعيد عن التعسف والتعقيد، والذين نستطيع من خلاله أن ننعم بتثبيت الله تعالى لنا في الحياة الدنيا وندرك البشرى في الآخرة، وصدق الله القائل: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ {41/30} نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ {41/31} نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } (فصلت:30-32).

الهوامش

1- سنن الترمذي (2007).

2- أخرجه مسلم ((2670)

3- أخرجه البخاري (5063) ومسلم (1401).

4- أخرجه البخاري (5988).

5- أخرجه مسلم (2554).

6- سنن الترمذي (2612)، عن عائشة رضي الله عنها.

7- أخرجه البخاري (6015) ومسلم (2625).

8- أخرجه البخاري (6016)، وأخرجه مسلم (46) عن أبي هريرة رضي الله عنه. ومعنى (بوائقه) ظلمه وشره.

9- أخرجه مسلم (2699).

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال