الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

103 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

fasad

حمزة بلقرية - باحث في الفكر الإسلامي - الجزائر: 

إن مجتمعاتنا المسلمة أصابتها أمراض عديدة أدت إلى فساد الأفراد فيها وانحرافهم عن الحق، مما أدى إلى فساد المجتمع ككل وسيره نحو الهلاك.

وكثيرا ما نسمع صيحات الفزع الداعية للإصلاح الاجتماعي ومحاربة مظاهر الفساد داخل المجتمع المسلم، لكن غالبا ما تكون هذه الإصلاحات بعيدة عن مبادئ الإسلام ومنهجه فلا تؤدي إلى نتيجة، بل تنقلب في بعض الأحيان فتكون سببا لزيادة الانحلال داخل المجتمع.

وفي مثل هذه الظروف نرى أنه قد حان الوقت للعودة إلى مبادئ ديننا والتمسك بها من أجل إصلاح أحوالنا والرقي بمجتمعاتنا.

إن الإسلام غايته واضحة فمنذ البداية، قبل خلق سيدنا آدم، عليه السلام، حدد الله وظيفة الإنسان على وجه الأرض ألا وهي الخلافة التي لا تكون إلا بتعمير الأرض ونشر الخير فيها وبإنشاء الجماعة الصالحة السائرة على المنهج الذي حدده الله لها، ويظهر ذلك في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة:30)، فخلافة الإنسان في الأرض تكون نقيض الإفساد فيها وسفك الدماء، بل إن الإسلام أمر المسلمين بالإصلاح في الأرض ومحاربة الفساد وبإنشاء مجتمع نقي طاهر، وهذا ما نحتاج إليه في زماننا هذا.

ونحن مطالبون بإصلاح أنفسنا أولا وبإصلاح مجتمعنا ثانيا مع الالتزام بالأعمال الصالحة، وقد بين الله لنا هذه الحقيقة فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).

ومن أجل أن يكون المجتمع صالحا لابد من أن يكون أفراده صالحين؛ لأنهم هم نواة المجتمع، فإن صلحوا صلح المجتمع كله، فالإسلام يدعو أفراده إلى أن يكونوا صالحين في أنفسهم ويحققوا معنى الإيمان في أنفسهم وأن يجعلوا الإسلام منهج حياتهم، ولذلك لابد من منهج إصلاحي واضح يوصلنا إلى هذه النتيجة.

فأهم ركن وجبت العناية به في الإصلاح الفردي ووجب إحياؤه في قلوب العامة وضمائرهم هو الإصلاح العقائدي، ويعتبر بمنزلة الروح من الجسد، فإذا فارقت الروح الجسد انتهت حياة الفرد وتحول جسده إلى جثة هامدة، وكذلك بالنسبة إلى العقيدة، فإذا ضعفت في النفوس وفقد أثرها العملي، فهو إعلان بانتهاء حياة الأمة المسلمة وغيابها عن أداء دورها الحضاري؛ فالعقيدة هي الأصل الذي يستمد منه الفرد أفكاره وأعماله، فإن صلحت عقيدة الفرد وتشبع منها صلحت أفكاره، وإن صلحت أفكاره صلح عمله.

فلا بد أولا من الاشتغال بإصلاح العقيدة في نفوس الأفراد وتنقيتها من المفاسد والأضرار التي أصابتها بمرور الزمن ومن ثم يأتي إصلاح التفكير والأعمال، فقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التدرج في الإصلاح، فعن أبي عمرو -وقيل: أبي عمرة- سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك. قال: «قل آمنت بالله، ثم استقم»(1)، فالإيمان بالله هو الإصلاح العقائدي الذي دل عليه الحديث، والاستقامة هي الإصلاح في العمل.

فإن كانت عقيدة الفرد ناقصة أو أصابها لبس وفساد ثم جئت وأمرته بإحسان العمل وانشغلت بإصلاح العمل، فإن جهدك سيضيع سدى؛ لأن المنبع الذي يأخذ منه هذا الفرد تصوراته والذي تتفرع منه أعماله غير صالح، فلا بد لنا أولا أن نعمل على إصلاح العقيدة التي أصابها انحراف شديد في زماننا هذا، فهي نقطة التغيير والإصلاح في نفوس الأفراد.

وما نعيبه اليوم هو انشغال المصلحين والدعاة عن هذا الأمر، فترى جهودهم تذهب سدى ولا تؤتي ثمارها، وصدق صاحب الحكمة القائلة إن «الإنسان عقل تخدمه أعضاؤه»، فإصلاح عقل الإنسان وباطنه يؤدي إلى إصلاح سلوكه وعمله.

لقد اهتم الإسلام بقضية العقيدة اهتماما شديدا وكانت هي اللبنة الأولى في بناء الإنسان الصالح، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم منذ بداية الدعوة، حيث لم تكن هنالك تكاليف ولا أحكام منزلة من الله، وكان الإسلام في بدايته مع ثلة قليلة من الصحابة المستضعفين الذين وصفوا هذه المرحلة بقولهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلامه كان يفرغهم ثم يملأهم، وبقي هذا الأمر سنوات طويلة؛ فمم كان يفرغهم رسول الله صلوات الله عليه وسلامه وبم كان يملأهم؟

فالإجابة الواضحة أنه صلى الله عليه وسلم كان يزيل من نفوسهم أدران الشرك والوثنية ويطهر قلوبهم من العقائد الفاسدة، وفي المقابل كان يملأهم بالعقيدة الصحيحة وبالتوحيد الخالص ويملأ نفوسهم وقلوبهم بمعاني التوحيد والإيمان، حتى أصبحت كل حركاتهم وأقوالهم وأفعالهم منسجمة مع هذه العقيدة.

أما اليوم، فإننا نرى ابتعادا عن معاني التوحيد وضعف الإيمان في النفوس، مما أدى إلى فساد العقيدة وانحرافها عن الحق في ظل وجود العديد من المذاهب والتيارات الضالة. ومن ثمار العقيدة الصحيحة أن تحرر صاحبها من الخضوع والاستسلام لغير الله، وأن تكون الدينونة كلها لله وحده، فتنكسر كل قيود الذل والاستبداد الذي نعيشه اليوم، فتجد الفرد منا يخاف من الجهر بالحق ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بسبب الخوف.

وتجد الفرد منا لا يحارب الفساد في ميدان عمله وفي مجتمعه بصفة عامة خوفا من الناس وخوفا من انتقادهم له ومن مواجهتهم بالحق الواضح، فيلتزم الصمت إزاء ما يحدث من مخالفات وسرقات من المال العام في صلب الدولة وغيرها من الانتهاكات، فأصبحنا نعيش مكبلين بقيود وهمية قد يفرضها المجتمع على أفراده أو الحاكم الظالم على شعبه أو بعض الأفراد الفاسدين المالكين للقوة على باقي أفراد المجتمع.

وأما إذا استقرت في نفوسنا حقيقة أن الموت والحياة بيد الله، وأن الضر والنفع بيد الله، وأن الرزق بيد الله، وأن الدنيا كلها بيد الله، فلا يبقى في النفس مكان للخوف من العباد ولا الخوف من الموت؛ فآجالنا كلها مقررة ومعلومة عند الله، وأرزاقنا مقسومة عند الله لا يقدر أحد من المخلوقين على منع وصولها إلينا، ولن يصيبنا ضر أو نفع إلا بإذن الله، فتورث هذه الحقائق في نفوسنا الطمأنينة والشجاعة والإقبال على نصرة الحق والتضحية في سبيله بالمال والنفس والوقت.

وقد اعتنى القرآن الكريم بهذا الجانب في قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَن يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انتِقَامٍ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (الزمر:36-38).

أيضا من ثمار العقيدة الصحيحة علو النفس والرقي بها نحو الكمال البشري واستعلاؤها عن الشهوات الزائلة، فيكسر الفرد منا قيود العبودية لشهوات الفرج والبطن والمال والنفوذ، فلا تصبح الغاية من حياته إشباع غرائزه، بل تصبح الآخرة نصب عينيه، فيعيش في الدنيا بما أحله الله له ويبتعد عما حرمه الله فلا يغره المال فيسعى لكسبه من الحلال ويسخره في خدمة الحق وينفقه على الفقراء، ولا يغـــره النفوذ فلا يظلم ولا يطغى ويستشعر بثقل الأمانة التي وكل بها فيأخذها بحقها، ولا تستدرجه شهوات الفرج فيكتفي بالزواج والحب الحلال، ولا يتحقق ذلك إلا بشعوره بقرب الله منه واطلاعه على ما في نفسه ويظهر ذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق:16-18).

إن هذه العقيدة الواضحة المقرة بوحدانية الله عزوجل وببعثة الرسل وبالجزاء والبعث، لا يمكن لعقل سليم أن يرفضها، وإذا استقرت في النفوس وتشبعت منها فمن المستحيل لها مفارقتهــــــا، لذلك أخبرنـــــا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عن إعلان الشيطان يأسه من أن يعبد غير الله في أرض انتشر فيها الإسلام واستقرت فيها عقيدة الإسلام في نفوس أهلها، فعن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال: «يئس الشيطان بأن يعبد بأرضكم ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا»(2).

فالعقيدة البينة الصالحة التي تقبلها العقول النيرة ومن ثم تجعلها منهجا لحياتها ستحدث تغييرا ورقيا في كل فرد منهم، ومن ثم سينعكس ذلك التغيير الإيجابي في واقع الحياة، فتكون النتيجة استقامة في السلوك الفردي والجماعي لأصحاب هذه العقيدة، ول ابد أن نعلم أنه عندما تنصلح عقائد الناس فإنه حتما سينصلح فكرهم وستنصلح أعمالهم، وأينما وجد الفكر الصالح والعمل الصالح عم الخير وانتشر الحق، وسعى كل فرد إلى نبذ الباطل ومحاربة الفساد، وأما إذا فسدت العقيدة في مجتمع ما فإن أفراده سينشغلون بالباطل وبالعمل به.

الهوامش

1- صحيح مسلم.

2- المستدرك على الصحيحين.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال