الإثنين، 29 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

248 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

Item2522352

د. إيهاب عبد السلام:

من الصعب أن تجد مسلمًا على ظهر الأرض لا يعرف الصحابي الجليل أبا هريرة –رضي الله عنه- فكثير من أحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من روايته، رغم إن أبا هريرة لم يصحب النبي إلا أربع سنوات فقط، فقد قدم المدينة مهاجرًا من اليمن في أثناء غزوة خيبر، ولكنه لازم النبي–صلى الله عليه وسلم- حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى، فكان أكثر الصحابة حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

كان اسم أبي هريرة في الجاهلية (عبد شمس) فسماه الرسول –صلى الله عليه وسلم- (عبد الرحمن) وقد اشتهر بكنيته حتى إن اسمه كاد يُنسى، وقد ذكر أبو هريرة سبب هذه الكنية بأنه وجد هِرَّةً فحملها في كمه فقال له أبوه: أنت أبو هريرة، وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (يا أبا هِرّ) كما ثبت أنه قال له: (يا أبا هريرة) وكان يقول: لا تكنوني أبا هريرة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كناني أبا هِرّ. والذَّكَرُ خيرٌ من الأنثى.

إسلامه وهجرته رضي الله عنه:

قدم إلى مكة الشاعر (الطفيل بن عمرو الدوسي)، وكان ذا فضل ومنزلة في قومه، فخافت قريش أن يقتنع بالإسلام فيدعو قومه إليه، فسارعوا باستقباله وتحذيره من الاستجابة لما يدعو إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: (إنك قدمت بلادنَا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرّق جماعتنا وشتّت أمرنا، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وأبيه) ولكن الطفيل استمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل الإيمان قلبه، وعاد إلى قومه فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمه، فدعا قومه إلى الإسلام فأجابه أبو هريرة وحدَه، فعاد إلى النبي وطلب منه أن يدعو على قومه، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا لهم بدلا من أن يدعو عليهم، فقال: (اللهم اهدِ دُوسًا وائتِ بِهَا) فعاد إلى قومه قبل أن يهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- وظل بينهم يدعوهم حتى هاجر إلى المدينة بسبعين بيتًا من دوس دخلوا في الإسلام.

وهكذا قدم أبو هريرة إلى المدينة من اليمن مسلمًا مع الطفيل بن عمرو الدوسي. يقول أبو هريرة: (خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، وقدمت المدينة مهاجرًا فصليت الصبح خلف سباع بن عرفطة –كان استخلفه- فقرأ في السجدة الأولى بسورة مريم؛ وفي الآخرة ويل للمطففين، فقلت في نفسي: ويل لأبي فلان لرجل كان بأرض الأزد، وكان له مكيالان؛ مكيال يكيل به لنفسه ومكيال يبخس به الناس) (1)

وقد لازم أبو هريرة النبي  -صلى الله عليه وسلم- حتى آخر حياته، وقصر نفسه على خدمته، وتلقِي العلم منه، فكان يلازمه في كل مكان ويدخل بيته، ويغزو معه، يده في يده، في حله وترحاله في ليله ونهاره.

إسلام أمه:

قال أبو هريرة: (جئت إلى رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، فقلت يا رسول الله، إني كنت أدعو أمّ أبي هريرة إلى الإسلام فتأبى عليّ، وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادعُ الله أن يعدي قلب أم أبي هريرة إلى الإسلام. ففعل، فجئت البيت فإذا الباب مجاف وسمعت خضخضة الماء، وسمعتْ حِسِّي فقالت: كما أنت، فلبست درعها، وعجلت عن خمارها، ثم قالت: ادخل يا أبا هريرة. فدخلت فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح، كما بكيت من الحزن، فقلت: أبشر يا رسول الله، فقد أجاب الله دعوتك، قد هدى الله أم أبي هريرة إلى الإسلام، ثم قلت: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني وأمي إلى المؤمنين والمؤمنات، وإلى كل مؤمن ومؤمنة، فقال: اللهم حبب عُبَيدك هذا وأمّه إلى كل مؤمن ومؤمنة. فليس يسمع بي مؤمن ولا مؤمنة إلا أحبني)(2).

اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم:

كان أبو هريرة رضي الله عنه حريصًا على الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في معظم أعماله وأقواله وعبادته وتصرفاته وذِكره، وكان يفخر بذلك ويذكره لمن حوله، فقد روي الإمام أحمد -رضي الله عنه- أن أبا هريرة كان يُكَبِّر كلما خفض ورفع ويقول: إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم (3).

ومن ذلك الحرص على الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رواه الإمام الترمذي، عن عبيد الله بن أبي رافع قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى بنا أبو هريرة يوم الجمعة، فقرأ سورة الجمعة، وفي السجدة الثانية (إذا جاءك المنافقون). قال عُبَيد الله: فأدركت أبا هريرة، فقلت له: تقرأ بسورتين كان علي يقرأ بهما بالكوفة! قال أبو هريرة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بهما(4).

ولم يكن أبو هريرة -رضي الله عنه- يخشى أحدًا في الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر الناس بالاقتداء به، فقد روي الإمام أحمد في مسنده أن أبا هريرة حدّث قومًا حوله ذات يوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره، فلا يمنعه) فلما أخبرهم أبو هريرة بذلك طأطأوا رؤوسهم، وكأنهم خجلوا من عدم قدرتهم على الاقتداء بهذا القول، فقال لهم أبو هريرة: (ما لي أراكم معرضين؟! والله لأرمين بها بين أكتافكم) (5).

وقد ذهب عامة العلماء إلى أن ذلك الأمر ليس بالإيجاب الذي يُلزم به الجار، وإنما هو من الأدب الإسلامي والمعروف الذي يجب أن نتواصى به، وأن يتناصح به المسلمون، إلا الإمام أحمد بن حنبل فقد رأى فيه الوجوب، وعلى الحكام أن يُلزموا به الجار ويحكموا به عليه.

والأحاديث والمواقف والآثار التي يتجلَّى فيها حرص أبي هريرة -رضي الله عنه- على الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرة جدًّا، وهي مثبتة في كتب الأحاديث والأعلام.

جانب من ورعه وتقواه:

كان أبو هريرة رضي الله عنه تقيًّا ورعًا، يقابل الإساءة بالإحسان، ومن ذلك أن زنجية كانت له أساءت في عملها، فرفع عليها السوط، ثم قال: لولا القصاص يوم القيامة لغشيتك به، ولكن سأبيعك ممن يوفيني ثمنك أحوج ما أكون إليه، اذهبي فأنت حرة لله عز وجل(6).

وكان أبو هريرة يحب اتخاذ المساجد، والإكثار من الصلاة، فكان له مسجد في مخدعه، ومسجد في بيته، ومسجد في حجرته، ومسجد على باب داره، وكان إذا خرج صلى فيها جميعا وإذا دخل صلى فيها جميعا (7)

وقد أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يوليه، فرفض أبو هريرة، فقال له عمر: تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرًا منك؛ يوسف عليه السلام؟!

فقال أبو هريرة: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى من عملكم ثلاثًا  واثنتين. قال: فهلا قلت خمسًا؟! قال: لا؛ أخاف أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حلم، وأن يُضرب ظهري، ويُنزع مالي، ويُشتم عرضي(8).

وقد صبر أبو هريرة على الفقر طويلا، فكان يقنع بأقل شيء يسد جوعه، ولا يهتم من الحياة إلا بإقامة الدين وإحياء سنة النبي عليه السلام، وعندما أفاء الله عليه من رزقه وبارك له في ماله، كان كثير الشكر يذكر دائما أيام فقره وحاجته، ولم يزده المال إلا زهدا واقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقد مرَّ بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه أن يأكل معهم، فرفض، وقال: (إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من الدنيا وما شبع من خبز الشعير)(9).

مرويات أبي هريرة رضي الله عنه:

تتناول أحاديث أبي هريرة أغلب أبواب الفقه: في العقائد، والعبادات، والمعاملات، والتفسير، والجهاد، والسير، والمناقب، والنكاح، والطلاق، والأدب، والرقاق، والذكر، والتسبيح، وغير ذلك.

روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (3848) ثلاثة آلاف وثمانمائة وثمانية وأربعين حديثًا بالمكرر، وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه (2218) ألفين ومائتين وثمانية عشر حديثًا، له في الصحيحين منها (609) ستمائة وتسعة أحاديث، وروى له الإمام بقي بن مخلد في مسنده (5374) خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثًا(10).

  وفاته رضي الله عنه:

اختلف المؤرخون في تاريخ وفاته بين ثلاث سنوات؛ سنة سبع وخمسين، أو ثمان وخمسين أو تسع وخمسين من الهجرة، والغالب أنه توفي سنة تسع وخمسين من الهجرة وعمره ثمان وسبعون سنة.

رضي الله عن أبي هريرة وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وجعلنا على طريقه في حسن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.          

                   

هوامش :  

1 - البداية والنهاية ج8/104.

 2- طبقات ابن سعد: 2/55 والبداية والنهاية: 8/104 وسير أعلام النبلاء: 2/428.

 3- مسند الإمام أحمد حديث رقم 7250، وإسناده صحيح.

 4- سنن الترمذي تحقيق أحمد محمد شاكر الجزء الثاني صفحة 396-397.

5- مسند الإمام أحمد حديث رقم 7276.

 6- حلية الأولياء والبداية والنهاية.

 7- راجع في ذلك البداية والنهاية.

 8- طبقات ابن سعد.

  9- سير أعلام النبلاء ج2/440 والإصابة 7/206.

 10- راجع في ذلك: (أبو هريرة راوية الإسلام) للأستاذ محمد عجاج الخطيب ص 171 وما بعدها.

              

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال