الإثنين، 29 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

195 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

 hqdefa ult

نشأ في أسرة متدينة وعاش زاهداً حتى رحل في هدوء وصمت

شارك أساطيل التلاوة في إنشاء أول رابطة لقراء القرآن الكريم

طاف معظم بلدان العالم الإسلامي وسجل مصحفه المرتل بدولة الكويت

القاهرة - محمد عبدالعزيز يونس:

من الجنوب، ومن ذات المحافظة التي أنجبت المقرئ عبدالباسط عبدالصمد، محافظة قنا بصعيد مصر، ولد مقرئنا قبل الشيخ عبدالباسط بسبعة أعوام وتوفي قبله بستة أعوام.. مقرئ عابد زاهد.. منَّ الله عليه بصوت متميز.. تحس في صوته برنة حزن شكلت مع قوة نبراته حالة من الخشوع التام خلال تلاوته، لاسيما مع ما حباه الله من "قرار" عميق و"جواب" سليم.. هذا هو الشيخ محمود عبدالحكم، الذي لم تنجح الأضواء في أن تحرمه زهده وعزوفه عن الشهرة.. تعالوا نتعرف إلى مسيرته مع التنزيل الحكيم.

كانت قرية "الكرنك" التابعة لمركز أبو تشت بمحافظة قنا، على موعد يوم الاثنين 17 ربيع الأول 1333هـ الموافق الأول من فبراير عام 1915م، مع ميلاد الشيخ محمود أحمد عبدالحكم، الذي نشأ في أسرة متدينة، فقد كان والده من أبرز علماء بلدته المشهود لهم بالعلم والحكمة، والذي حرص بدوره على إلحاق ابنه بكتاب القرية منذ صغره، فأتم حفظ التنزيل الحكيم قبل بلوغ العاشرة من عمره، ولاحظ المقربون منه جودة صوته وتميزه بنبرة خاصة قوامها الخشوع الممزوج بالحزن، فشجعه الأهل وشيوخه على تعلم أصول القراءة وقواعدها، فكان يرتل القرآن ويجوده وسط تشجيع الأهل وفرحتهم الغامرة بحلاوة صوته وإتقانه التلاوة دون رهبة، وحينما لمس والده تفانيه في التلاوة وحرصه على إتقان أساليبها، ألحقه بالمعهد الأحمدي بمدينة طنطا التي تبعد عن قريته أكثر من 600 كيلو مترا، فلم تنل الغربة من عزيمته، فمكث في المعهد عامين اكتسب خلالهما الكثير من علوم القراءات ومقامات التلاوة، ومن ثم التحق بالأزهر الشريف في القاهرة لينهل من علومه عامين آخرين.

زاهد في عرض الدنيا

في القاهرة، احتك الصبي "محمود" بأساطين التلاوة، وتلمس بدأب طريق العلماء، وحرص على أن يكون أول الحاضرين إلى مجالسهم، فنهل من علومهم الكثير، وحرص أيضا إبان تلك الفترة على تقليد كبار قراء عصره بشكل نال استحسان الناس والمعارف الذين شجعوه على المضي في طريق التلاوة، حتى طافت موهبته الأفاق، وكما غزا القاهرة طلبا للعلم فقد غزا قلوب مستمعيه من أهلها بصوته الشجي، فنال حبهم لاسيما أنه وهب نفسه لخدمة القرآن، فقد كان زاهدا في عرض الدنيا، متنزها عن طلب الأجر على قراءته، راغبا في العطاء الأوفى من الرزاق الكريم، فصدع بتلاوته في مشارق الأرض ومغاربها ابتغاء مرضاة الله ملتزما بالأداء السليم، حتى أصبح من قراء عصره المتميزين.

وفي عام 1940 شارك مع رموز التلاوة المشايخ علي محمود ومحمد رفعت والصيفي وغيرهم في إنشاء أول رابطة لقراء القرآن الكريم، واختير أمينا للصندوق بها، قبل أن يتقدم للامتحان أمام لجنة اختبار القراء بالإذاعة المصرية، وأثناء تلك الفترة شجعه الشيخ محمد رفعت وطلب منه التقدم لاختبار الإذاعة، فكان ذلك وتم اعتماده بها في العام 1944م، فانطلق صوته بالتنزيل الحكيم عبر الأثير إلى أرجاء العالم الإسلامي كافة، كما تناقلت تلاواته العديد من الإذاعات العربية والأجنبية وإذاعات الشرقين الأدنى والأقصى.

بعدها مباشرة عين مقرئا بمسجد الأشراف بالغورية، ثم انتقل إلى مسجد السيدة نفيسة قارئا للسورة، واختير عضوا بمشيخة المقارئ المصرية برئاسة الشيخ عامر السيد عثمان في عهد الدكتور زكريا البري وزير الأوقاف الأسبق.. وتلك المشيخة أسست وقتها لبحث كيفية النهوض بخدمة كتاب الله الكريم قراءة وتلاوة وحفظا وتفسيرا وطباعة وتسجيلا.

وقد طاف الشيخ معظم بلدان العالمين العربي والإسلامي إحياء لليالي رمضان الكريم، فزار كل البلاد العربية بلا استثناء وعلى رأسها السعودية التي كان يداوم على الحج والعمرة سنويا، كما سافر إلى الهند وماليزيا والملايو وسنغافورة وسيئول بكوريا الجنوبية.

حادث مميت

ولعل زهد الرجل وحرصه الشديد على خدمة القرآن الكريم ونشر آياته في مشارق الأرض ومغاربها ابتغاء وجه الله وثوابه لا غير إلى جانب تواضعه الشديد جعله في غنى عن ملاحقة وسائل الإعلام، حتى تلك الحادثة الشهيرة التي تعرض لها خلال زيارته لدولة الجزائر عام 1965م عندما انقلبت به السيارة وتوفي جميع ركابها، وكتب الله له النجاة وحده، فعزف عن التحدث عنها حتى لا يقال إن الشيخ استثمرها في الدعاية لنفسه.

وكانت هذه الزيارة بدعوة من وزير الأوقاف الجزائري لافتتاح أحد المساجد في شهر رمضان، وفي الطريق إلى المسجد انقلبت السيارة به وبمرافقيه من كبار المسئولين بوزارة الأوقاف الجزائرية فأصيب الشيخ ونقل إلى المستشفى وظل بها مدة شهر تقريبا، ثم عاد إلى القاهرة، وكانت مفاجأة له عندما علم بموت مرافقيه صرعى بسبب الحادث ولم يكتب لغيره النجاة.

ومنذ ذلك الوقت ظل يردد بقلب يملأه الإيمان: (في سبيل تلاوة القرآن وخدمة كتاب الله يهون كل شيء)، ومن ثم عزف رحمه الله عليه عن التحدث عن تلك الحادثة، وكان دائم السجود لله شكرا على نجاته.

ولم يثني ذلك الحادث الشيخ عن مواصلة جولاته القرآنية في مشارق الأرض ومغاربها، إنما تواصلت شرقا وغربا، في الكويت، الإمارات، البحرين، قطر، عمان، الصومال، السودان، المغرب.. كما قام بتسجيل المصحف المرتل بدولة الكويت الشقيقة عام 1980م، كما سجل لإذاعات المملكة العربية السعودية، باكستان، الهند، اندونيسيا، كوريا، قطر، تركيا، المغرب، فضلا على العديد من التسجيلات في بعض الإذاعات الأجنبية التي تبث برامجها باللغة العربية مثل إذاعة لندن وصوت أمريكا.

بين أمرين

ولعل كثيرين يتساءلون عن السر في عدم تحقيق الشيخ محمود عبدالحكم شهرة واسعة كتلك التي حققها ابن محافظته الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، أو غيره من مشاهير القراء، والإجابة عن ذلك بأن التواضع والزهد في الدنيا لدرجة كبيرة كانت السبب في ذلك، فعلى الرغم من أن الشيخ كان من قراء الصف الأول، إلا أنه كان حريصا على الابتعاد عن الأضواء ورجال الإعلام، مثلما كان زاهدا في عرض الدنيا الزائل، فلم يكن يشاهده أحد خارج البيت سوى بالمسجد الذي كان يصلي فيه أو في المقارئ التي كان يدعى إليها.

أما في بيته، فكان الشيخ رحمه الله حلو المعشر، دمس الخلق، هادئ الطبع، لا يحب المظاهر، فكان يقضي وقته كله بين أمرين: خدمة كتاب الله ثم خدمة أولاده وحسن تربيتهم والحنو عليهم، مقبلا على طاعات الله التي ربى عليها أولاده الثمانية، وجميعهم يحفظون كتاب الله.. وعلى الرغم من حلاوة صوت بعضهم إلا أنه لم يطلب من أحد منهم أن لكي يحذو حذوه، بل ترك لكل منهم حرية الاختيار حسب ميوله.. فكان أكبرهم المهندس حسين، ثم محمد الضابط بالقوات المسلحة، ثم الدكتور عبدالمنعم، ثم المحاسب محمود.. أما بناته الأربع الإناث فتزوجت اثنتان منهما باثنين من أولاد الشيخ محمد صديق المنشاوي: سعودي المنشاوي، والدكتور عمر المنشاوي.

رحيل هادئ

وظل الشيخ ملتحفًا بزهده حتى رحل عن دنيانا يوم الاثنين الموافق 13 سبتمبر من عام 1982م، عن عمر يناهز 67 عاما.. رحل في صمت وهدوء مثلما عاش في صمت هدوء.. وبعد عشرة أعوام من رحيله كرم اسمه في احتفال مصر بليلة القدر يوم الاثنين الموافق 30 من مارس عام 1992 م الموافق 26 من رمضان عام 1412 هجرية، ومنحه الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وتسلم النوط نجله المهندس حسين محمود عبدالحكم، تقدير للشيخ على مسيرته الحافلة في دولة التلاوة.

التعليقات   

+1 #1 عبد الوهاب زيان 2018-09-13 20:57
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم جزيل الشكر على هذا التعريف بسيرة الشيخ محمود عبد الحكم رحمه الله
فعلا لقد كان ذا صوت متميز ، عندما سمعت تلاوته في الثمانينيات ، عرفت أنه مقرئ كبير ولم أكن أعرف اسمه إلا أنني بحثت حتى تعرفت عليه
اللهم اغفر له وارحمه واجمعنا معه لنسمع تلاوته
اقتباس

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال