الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

129 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

1689794

د.محمد حسن بدر الدين - باحث في الفكر الإسلامي - تونس:

تقوم رسالة الآداب والفنون في المجتمع الإسلامي، على تجميل الحياة، ودعم مسيرة الحق والخير، فهي ليست ترفا فكريا ولا طريقا لكسب العيش، ولا مجرد أصداء لوصف ما يحصل في المجتمع من قضايا ومشكلات، بل هي دعوة إلى تجاوز تلك الآفاق نحو واقع أفضل، يحل تلك المشكلات، ويقترح لها البدائل القويمة أخلاقيا وإنسانيا؛ لأن تلك الآداب والفنون لا تنطلق من فراغ، بل ترتكز على رؤية إسلامية، وتصورات إيمانية، عن الكون والإنسان والحياة.

وهذه الرؤية هي التي حاول الأديب الراحل نجيب الكيلاني (1931-1995م) بلورتها في أدبه تنظيرا وإبداعا، فهو لم يكتف بالتنظير للأدب الإسلامي والدفاع عنه بالمقالات والدراسات، وإنما بالإبداع الفكري، والإنتاج الروائي والقصصي الغزير، الذي ملأ ساحة الفكر الإسلامي بنماذج من الأدب الرفيع.

وفي هذا المقال نقدم ملامح مختصرة عن حياته وأفكاره وبعض أعماله الأدبية، باعتباره نموذجا مثاليا يصلح للاقتداء حياة وفكرا وأدبا، وشخصية إسلامية معتبرة، تقتضي منا القيام بذلك وفاء للذكرى، وعرفانا بالجميل؛ لأن الأدب الرفيع يمكث في الأرض، والأدب الوضيع يذهب جفاء.

نشأته وحياته

نجيب الكيلاني هو طبيب وأديب مصري، ولد يوم 14 محرم 1350هـ، الموافق الأول من يونيو 1931م، في قرية «شرشابة»، التابعة لمحافظة الغربية. دخل كتاب القرية كغيره من الأطفال وحفظ جزءا من القرآن الكريم، ثم أكمل المرحلة الابتدائية، ثم انتقل إلى مدينة طنطا، وحصل على الشهادة الثانوية بامتياز، مما خول له الالتحاق بكلية طب قصر العيني بالقاهرة عام 1951م. وبعد تخرجه عمل طبيبا في مدينة الجيزة، ثم انتقل إلى وزارة النقل والمواصلات، ومنها سافر إلى الكويت عام 1968م، ثم الإمارات، وقضى فيهما أكثر من ربع قرن من الزمان.

بدأت موهبته الأدبية مبكرا في الشعر، ثم اتجه إلى القصص والروايات، التي وجدها أكثر ملاءمة لعرض أفكاره، وأوسع أفقا في القضايا الاجتماعية والفكرية التي نهض لمعالجتها معالجة ملتزمة بروح الإسلام وهموم الناس.

أعماله

أول عمل قصصي له تمثل في رواية «الطريق الطويل»، التي نالت جائزة وزارة التربية والتعليم سنة 1957م. ثم أصدر رواية «اليوم الموعود»، سنة 1960م، التي نالت جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بمصر. ثم توالت رواياته على نمط غزير مثل: «قاتل حمزة، ونور الله، ومواكب الأحرار، وعمر يظهر بالقدس، وليالي تركستان، وعمالقة الشمال، وعذراء جاكرتا، واعترافات عبد المتجلي».

واهتم بالدراسات وكتابة السير إلى جانب الرواية، فأبدع بحوثا عديدة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: «الطريق إلى اتحاد إسلامي، ومدخل إلى الأدب الإسلامي، والإسلامية والمذاهب الأدبية، وإقبال الشاعر الثائر، وفي رحاب الطب النبوي».

وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات مثل: الإنجليزية والتركية والأردية والفارسية والإندونيسية. وظل يبدع روائيا وفكريا متحملا آلام مرضه صابرا محتسبا وراضيا بقضاء الله وقدره، حتى وافاه الأجل في السابع من شهر مارس 1995م. بعد أن ملأ الساحة الفكرية العربية ببدائل إسلامية سليمة، وإبداعات فنية ثرية؛ فكان بحق أغزر الكتاب إنتاجا، وأصدقهم تعبيرا عن واقعية الإسلام ومشاغل المسلمين.

مفهومه للأدب الإسلامي

إن النزعة الإسلامية في أدبه حسب تعبيره هي: «منهج في الفكر والسلوك، وجمع بين النظرية والتطبيق. فالإسلام هو رحمة للعالمين؛ لأن الله تعالى أراد به إسعاد العباد في الدنيا والآخرة، وأراده منهجا يحقق التوازن للفرد والمجتمع، ويراعي التطور والثبات، وجعله أخلاقا تضمن تأكيد الخير والعدل والمحبة والإيثار»(1).

وإذا كان هذا التوجه الإسلامي يشمل الاقتصاد والسياسة وشؤون المجتمع، فمن الأولى أن يشمل الفكر والأدب. وفي نظر الكيلاني؛ فإن الفنون والآداب في الحضارة الإسلامية، استمدت أصولها من مصدرين هما: القرآن والسنة أولا، ثم من التجربة الحضارية الإسلامية التي شهدت ازدهارا كبيرا، حيث تألقت فنون الشعر والكتابة والقصة والمقامة، وقدم الكتاب والمؤلفون المسلمون تراثا خالدا، اتصف بالعمق والأصالة، في مختلف الميادين الثقافية والعلمية. كما تميز هذا التراث بالابتعاد عن الوثنية والانحراف العقائدي، فكان خادما لمجتمعه ومتناسبا مع تطلعاته وأشواقه(2).

لكن الرؤية الإسلامية المنشودة، لن تكون حبيسة العقول والأذهان، بل لابد أن تتحول إلى واقع حي تجمع العمل والتطبيق مع النظر والتدبر، فتكون قدوة حسنة للناس ومشاركة بناءة في حل مشكلاتهم المطردة، باعتماد الأساليب العلمية المتطورة، من أجل مواجهة التحديات ومظاهر الفساد والانحراف(3)، كما قال كيلاني.

هذا الانتقال من التنظير إلى الفعل، في فضاءاته الفكرية والتربوية، يتعلق أساسا بمشكلة الصراع بين الأفكار الإسلامية والأفكار الغربية، وهو موضوع ثقافي وحضاري مهم جدا، تناوله بالتحليل والتفكيك، كثير من المؤلفين المسلمين المعاصرين، قبل نجيب الكيلاني. نذكر منهم الشيخ أبو الحسن الندوي (1913 - 1999م) الذي ألف عدة كتب حول ضرورة التمسك بأصول الإسلام في مواجهة الأفكار الغربية، وخاصة في كتابه الشهير: «الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية»، الذي بيّن فيه أن نهضة المجتمعات الإسلامية، لا يمكن أن تتحقق بالكامل، إلا إذا تمسكت بالعقائد والأخلاق، ومنهج الحياة الإسلامية، وقامت بوظيفة التوجيه والشهادة على الناس(4).

ونذكر أيضا المفكر الجزائري مالك ابن نبي (1905- 1973م) الذي عرض في كتبه ومحاضراته منهجا تحليليا، بين من خلاله طبيعة الاستعمار، ومشكلة الأفكار، وكيف ننشئ أفكارا فعالة في مجتمعنا، وكيف يجب أن نفهم أسلوب الاستعمار في الصراع الفكري، حتى لا يكون له أي سلطان على عقولنا(5).

لاحظ نجيب الكيلاني أن الآداب والفنون، كان لها أبلغ الأثر في تشكيل الفكر والوجدان في العالم العربي والإسلامي، أكثر من الاستعمار العسكري المباشر، فقد قلد كتابنا وأدباؤنا الأعداء فيما يكتبون، لذا نجد القصص والأفلام والمسرحيات والأشعار التي كتبوها، أغلبها مستعارا من الموضوعات والأساليب الغربية، التي تفننت في إبراز الشخصيات الشاذة في تصرفاتها وأفكارها، والتي نبعت تصوراتها وسلوكها من منبع آخر دخيل على منابعنا الأصيلة. ولذلك قل ما يمكن أن نسميه بالأدب الإسلامي. وكان حريا بكتابنا وعلمائنا أن ينهلوا من تراثهم، ومبادئهم وضمائرهم، فلا يسقطوا في براثن التقليد، ولا يبتعدوا عن المكونات الأساسية لشخصياتهم(6).

العقيدة والوطن

إن الثقافة في منظور الأدب الإسلامي في حاجة إلى الوجدان الديني، الذي يدفع إلى تهذيب المشاعر، وترقيق جوانب الحياة، عبر منظومة من القيم تصون الشخصية الاجتماعية وتمنع حدوث النزاعات والتشققات، وخاصة في خضم مخاطر الحياة المادية والاستهلاكية، التي جففت ينابيع الجمال من قلب الإنسان، وحصرت تطلعاته في فلك المادية القاتمة؛ وهذا ما عالجه نجيب الكيلاني في رواياته وأقاصيصه الأدبية؛ فمهمة الآداب والفنون لديه تستكمل وظائف العلم، الذي يتعلق بالبحث فيما هو الحق، أما هي فتتناول ما هو خير.

ولا يعني هذا، الالتزام الجاف بقضايا محددة، كما لا يمكن أن يكون تحررا تاما، يعطي الأدباء حرية مطلقة، تتجاوز مجموعة القيم الاجتماعية، التي توحد الناس، وتمنع الإبداع من شطحاته المغالية، التي تجعل الفنون كلها مجردة، وبلا رسالة وظيفية في المجتمع. وهذه الوسطية اعتبرها نجيب الكيلاني واجبا إسلاميا عبر عنها بقوله: «لن يستطيع جيلنا الحائر أن يصل إلى شاطئ اليقين والثقة والاطمئنان، إلا إذا اتخذ من دينه دواء لعلله وسلاحا في معركته»(7).

وقد جسم نجيب الكيلاني في رواية «رمضان حبيبي» تلك المعاني والأهداف، حيث صور فيها ما حدث في معركة العاشر من رمضان 1393هـ، الموافق السادس من أكتوبر 1973م، مبرزا فضائل شهر الصيام في تعبئة الروح المعنوية للشعب المصري، قبل خوض المعركة وأثناء المواجهة، مبينا أهمية العقيدة الإسلامية في دفع الناس إلى القوة والصبر والنصر، ملمحا إلى أحداث بدر الكبرى، ملتمسا العبر ودروس الحياة الإيمانية، واستخلاص السنن الإلهية في النصر والتمكين. وأبرز ذلك في شخصيات حية، تسعى نحو اليقين والحق، وفهم رسالة الحياة والدين، مثل الجندي الباسل أحمد المملوء بالإيمان بالله، والواثق بنصر الله عزوجل، وجليلة خطيبته التي تنسجم مع أجواء التحول نحو الحق والصدق، فتكشف لها التجارب والأحداث معادن الناس وطبيعة الحياة على حقيقتها. وعبد الفتاح والد أحمد، المناضل الذي لا يرهب الموت، المتفاني في خدمة الوطن والدفاع عنه(8).

كما بين في رواية «مواكب الأحرار» أن الدين هو الدافع دائما، لمقاومة الظلم والاستعمار والفساد، وهو المسؤول عن مظاهر التكافل والتعاون بين الناس. فالحاج مصطفى البشتيلي، بطل الرواية، هو نموذج للإنسان المسلم، الذي لا يخضع للذل والظلم. ويقاوم ويدافع عن وطنه، مهما كانت التحديات المقابلة. ورغم أنه قد ألقي عليه القبض، وسجن وعذب، فإنه عاد إلى ساحة القتال، مفضلا أن يموت ضمن مواكب الأحرار والشهداء، الذين قال في شأنهم الحق تبارك وتعالى في سورة آل عمران: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. (آل عمران:169-170)

وفي رواية «الظل الأسود» وظف القضية الخالدة في عالم البشر، وهي: الصراع بين الحق والباطل، في تنويعات قصصية وفنية رائدة؛ فبطل الرواية «إيازو» الزعيم المسلم، رغم أسره وهزيمته، يظل منتصرا في أقواله وأفعاله، وبقي مثالا للمجاهد البطل، الذي ترتبط بطولته بإيمانه، وبقدرته على التضحية من أجل قضية عادلة، والتفاني في إعلاء شأن الحق والعدل، وقهر الشر والظلم(9).

قد لا يظل المسلم قويا وثابتا دائما، فيمكن أن تعتريه لحظات ضعف ويأس، حين تضغط عليه ظروف الحياة، ولكن إذا ما تسرب إلى نفسه اليأس أو الشك، أمام طغيان الظلم وانتشار الفساد، فإنه سرعان ما يثوب إلى رشده، ويهتف من أعماق نفسه، كما هتف بطل الرواية: «غفرانك يارب. فلترحم ضعفي. إنني إنسان محدود الطاقة. هكذا خلقتني. إنني أقرأ القرآن فينشرح قلبي، ويتسع ضيق السجن، ويتحول إلى جنة وارفة الظلال، وتفيض روحي بالأمل والإيمان»(10).

من الواضح أن نجيب الكيلاني وظف القيم الدينية الإسلامية الرفيعة، ومنظومة الأخلاق النبوية في خدمة الأدب، وبالتالي في خدمة الإنسان والمجتمع، وبناء الذات المسلمة، بناء فكريا ووجدانيا، لأن القصص كما علمنا القرآن الكريم، إنما هو للوعظ والاعتبار والإنابة إلى الحق. قال تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف 176). واحتوت الآية الكريمة أمرا للرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يقص القصص، ويضرب الأمثال الواردة في القرآن، ويرويها للناس، للتدبر والاعتبار، لعلها تظهر في آثار تربوية، ونتائج سلوكية، تنمي الاعتدال والتوازن، وتنهى عن المنكر والضلال. وتلك وظائف الأدب الإسلامي الرفيع.

الهوامش

1 - نجيب الكيلاني، أعداء الإسلامية، مؤسسة الرسالة، القاهرة، 1981م، ص7.

2 - المرجع السابق، ص14.

3 - المرجع السابق، ص18.

4 - أبو الحسن الندوي، الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار الإسلامية، دار القلم، الكويت، 1403هـ/ 1983م، ص8.

5 - مالك بن نبي، الصراع الفكري في البلاد المستعمرة، دار الفكر، دمشق، 1401هـ/1981م، ص20.

6 - المرجع السابق، ص21.

7 - علاء الدين وحيد، نجيب الكيلاني والدعوة إلى الإسلامية، مجلة الدعوة، العدد:51، السنة:30، أغسطس، القاهرة، 1980م، ص35.

8 - نجيب الكيلاني، رمضان حبيبي، دار المختار الإسلامي، القاهرة، 2006م، ص70.

9 - أحمد موساوي، في أدب نجيب الكيلاني، مكتبة الآداب، القاهرة، 1430هـ/2009م، ص72.

10 - نجيب الكيلاني، الظل الأسود، دار النفائس، بيروت، 1982م، ص193.

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال