moharaaam 1

القاهرة – محمد عبدالعزيز يونس:

إن كنت تريد لابنك أن يكون شخصًا ناجحًا أيًا كانت قدراته.. فاحرص على أن ينشأ متقبلا نفسه وقدراته.. وليكن خلفه من يستكشف هذه القدرات وينميها ويوظفها في الإطار الصحيح.. هذا ما يؤكده الدكتور محرم فؤاد عبدالعال الحاصل على درجة الدكتوراه في صعوبات تعلم القراءة والفهم القرائي‏.. والذي يوضح في حوار خاص مع "الوعي الشبابي" أن اضطراب صعوبات تعلم القراءة هو اضطراب نوعي من صعوبات التعلم يُظهر فيه التلميذ تباعدًا دالاً بين قدراته ومعرفته القرائية ومستوى ذكائه.. مزيد من التفاصيل في سياق الحوار التالي.

بداية.. حصلتم على درجة الدكتوراه في صعوبات تعلم القراءة والفهم القرائي‏.. ماذا يعني هذا التخصص؟ وما أهم أهدافه ومجالاته وفوائده؟

بداية، يهتم هذا التخصص بالطلاب ذوي صعوبات الفهم القرائي، وهم عينة من الطلاب ذوي صعوبات تعلم القراءة، لديهم القدرة على القراءة لكنهم يواجهون مشكلة في فهم ما يقرؤون، وربط الأفكار بعضها ببعض، كما يجدون صعوبة في فهم المعاني أو فهم ما بين السطور، أو استنتاج بعض المعلومات الضمنية من النص المقروء، ويعجزون عن تحديد العناوين الرئيسة وتسلسل الأحداث والأفكار، ولديهم ضعف في التنبؤ والقدرة على الاستنتاج وإبداء آرائهم فيما يقرؤون، واضطراب صعوبات تعلم القراءة هو اضطراب نوعي من صعوبات التعلم يُظهر فيه التلميذ تباعدًا دالاً بين قدراته ومعرفته القرائية ومستوى ذكائه، كعدم القراءة جيدًا، أو يقرأ ولا يفهم المقصود بهذا الكلام كما يُتوقع منه، ويُظهر تأخرًا ملحوظًا في استجابته القرائية عمن هم في مثل سنه ونموه ومستوى قدراته العامة، ولا يرجع ذلك إلى نقص في الذكاء أو الفرص التعليمية المقدمة له، أو لإحدى الإعاقات، لكن قد يرجع إلى مشكلات في الوعي المورفولوجي للكلمات، أو التجهيز الفونيمي لها.

ويهدف هذا التخصص إلى مساعدة الطلاب ذوي صعوبات الفهم القرائي من خلال المساعدة في تشخيصهم، ووضع البرامج التدريبية المناسبة لهم، لتحسين مستوى الفهم لديهم، وتقديم العون لمعلمي الطلاب ذوي صعوبات تعلم القراءة وأولياء أمورهم.

على الرغم من تأكيد المسؤولين عن التعليم في العالم العربي بذلهم كل الجهود لتطوير التعليم.. لكن مازالت الفجوة قائمة بين المخرجات وحاجة المجتمع الفعلية.. أين المشكلة وما السبيل لحلها؟

بالفعل هناك فجوة حقيقية بين مخرجات التعليم وحاجة المجتمع الفعلية، والسبب من وجهة نظري يرجع لعدة عوامل، منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ قلة الأماكن التي تستوعب الخريجين من مصانع ومدارس ومستشفيات في ظل ضرورة وحتمية التعليم وتشجيع الدول له، بالإضافة إلى أن بُعد أساتذة الجامعات عن سوق العمل جعلهم يدرسون مواد غير مرتبطة بسوق العمل ولا تلبي احتياجاته، ناهيك عن قلة المخصصات المالية لمؤسسات التعليم التي جعلت مسئولي التعليم يقومون بتدريس كل شيء بطريقة نظرية فقط، الأمر الذي يترتب عليه نقص كفاءة الطلاب.

وأعتقد أن التوجه في الفترة الأخيرة نحو الاهتمام بإنشاء الجامعات والمدارس التكنولوجية هو أحد سبل تقليص الفجوة بين سوق العمل ومخرجات التعليم، فهذه خطوة ممتازة، لكن يجب الأخذ في الاعتبار ضرورة التوسع فيها بالتوازي مع إنشاء المصانع التي تستوعب تلك العمالة المدربة، وإلا سيؤدي ذلك إلى اتساع الفجوة، وزيادة البطالة.

ذوي الاحتياجات الخاصة جزء أساسي من المجتمع ولهم الحق في التعلم.. إلى أي مدى بدأ الاهتمام بهذه الفئة وهل ترى أن جهود تعليمهم حقيقية أم شكلية فقط؟

لا يخفى على أحد الاهتمام الكبير الذي يتلقاه ذوو الاحتياجات الخاصة خلال الفترة الأخيرة، سواء على المستوى التشريعي، أو المستوى البحثي، أو على مستوى توفير وتقديم الخدمات المساندة لهم، ولكن المشكلة من وجهة نظري لا تنحصر في معرفة تلك الجهود هل هي حقيقة أم شكلية بقدر أهمية معرفة ما إذا كان من يتصدون لتقديم تلك الخدمات على درجة من الوعي والحرص الحقيقي والداخلي لتقديم العون والمساعدة لتلك الفئات أم لا، مع الإيمان بقدراتهم، فعدم إيمان وفهم الأفراد الذين يقدمون الخدمات لتلك الفئات يجعل كل المجهودات المبذولة لهم تضيع سدى، ويصبح الاهتمام بهم مجرد وجاهة اجتماعية لنظهر أمام العالم بأننا نواكب التقدم والتحضر في الاهتمام بتلك الفئات الخاصة.

ما أود أن أقوله في تلك النقطة بالتحديد أن هناك اهتمام حقيقي بتقديم الخدمات المساندة لتلك الفئات، لكننا نفتقد الثقافة الصحيحة، والرغبة الداخلية الصادقة في التعامل معهم، والإيمان الحقيقي بهم، بداية من ولي الأمر الذي غالبًا ما يرفض تقبل حالة ابنه، وقد يدفع به لمدرسة داخلية ليشعر براحة الضمير تجاهه، إلى المتخصص في التعامل مع تلك الفئات الذي قد ينظر لتلك الحالات على أنها مجرد وظيفة لكسب الرزق.

 moharaaam 2

قد لا يقل ذوو الاحتياجات الخاصة ذكاءً عن أقرانهم الطبيعيين بدليل تحقيق كثير منهم بطولات عالمية في مجالات مختلفة.. كيف يمكن وضع هذه الفئة على بداية الطريق الصحيح لتوظيف طاقاتهم واستكشافإمكانياتهم؟

بالفعل فئة ذوي الاحتياجات الخاصة تشمل الطلاب ذوي الذكاء المرتفع من الفائقين، كما تشمل الطلاب ذوي الذكاء المنخفض، فنقص الذكاء ليس سمة مميزة لذوي الاحتياجات الخاصة، بل التمتع بذكاء طبيعي قد يكون شرطا ومحكا من محكات تشخيص ذوي صعوبات التعلم، بشرط وجود تباعد بين ذكائه ومستواه التحصيلي بالمقارنة بزملائه في المرحلة العمرية.

وكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة حققوا نجاحات كبيرة في جميع المجالات بدءًا من المجالات الرياضية، ومرورا بالمجالات الفنية، وانتهاء بالاختراعات العلمية، وإذا تتبعنا السر وراء نجاحات تلك الأمثلة نكتشف وجود ذلك الشخص الذي يؤمن بقدراته، أو بقدرات ابنه أو تلميذه الذي يعلمه، ويعمل على اكتشافها ومن ثم تنميتها وثقلها، ويجب في جميع الأحوال عدم إشعار الشخص بأنه يعاني من أي نقص، أو أنه مختلف عن أقرانه، فشعور الشفقة من أشد المشاعر التي يمكن أن تؤذي وتجرح الطالب ذوي الاحتياجات الخاصة.

فالتحدي الحقيقي هو خلق تلك النماذج المخلصة، التي ترى في عملها هذا رسالة تقوم بها.

ما نصائحك للأسرة التي لديها ابن يعاني من صعوبات في التعلم والقراءة؟

نصيحتي لكل أسرة لديها ابن يعاني من صعوبات التعلم في القراءة، هي تقبل ابنك كما هو، فهو ليس له يد في خلقه بتلك القدرات، شجعه وابحث وفتش عن قدراته الكامنة بداخله، فتش عما يحبه ويهواه ويتقنه، النجاح في الحياة ليس أن يكون ابنك طبيبا أو مهندسا، النجاح في الحياة أن ينشأ ابنك متقبلا نفسه وقدراته عندها فقط سيكون شخصا ناجحا.