استخدام الإنترنت الآمن

محمد شعطيط - باحث في تقنية المعلومات - المغرب:

احتفل العالم للمرة الرابعة عشرة في فبراير الماضي باليوم العالمي للإنترنت الآمن. بدأ الاحتفال بهذا اليوم مختصا بدول معدودة في الاتحاد الأوربي سنة 2004م، وقد بلغت في العام الحالي حوالي 100 دولة. بعد أن بدأت أكثر دول العالم تستشعر أهمية إشعار الأطفال خصوصا والشباب عموما بأهمية الاستخدام الآمن والسليم للإنترنت، وتشجيعهم على السلوك المسؤول أثناء تعاملهم مع الشبكة العنكبوتية وسائر ارتباطاتها وتفرعاتها من مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الفيديوهات وغيرها.

وإذا كان الغرب عموما هو من بدأ هذه المبادرة وتبعته مختلف دول العالم فإن العالم العربي والإسلامي مدعو إلى بذل مزيد من الجهود للمساهمة في تطوير هذا المجال بإنتاج ودعم وتوفير محتوى إيجابي وآمن. فمازال المحتوى العربي على النت ضعيفا ولا يلبي متطلبات الفئات العمرية الصغرى. كما أن التوعية بمخاطر الإنترنت وسلبياتها تكاد تنعدم في البرامج التعليمية والمناهج التربوية، فبمجرد دخول الطفل إلى مركز تجاري مليء بالألعاب تجده قد فقد صوابه، فتراه يسبح يمينا وشمالا، يأخذ هذه ويضع أخرى، ثم ما يلبث أن يغير رأيه عندما يرى الأجود والأفضل في نظره. فلا يدري أيها يشتري وأيها يدع نظرا لفيض الاختيارات وتنوع المعروض.

هذا بالنسبة لفضاء محدود في رقعة صغيرة. فماذا يقال عند دخول الطفل إلى عالم الإنترنت. عالم لا نهاية له من السلع والمعروضات والألعاب والأفلام والموارد الرقمية التي لا نهاية لها. النافعة منها والضارة، المهمة وغير المهمة، العاجلة والآجلة. والتي توضع للطفل في سلة واحدة وفي مستوى واحد. فلا يستطيع التمييز بين ما يصلح له وما لا يصلح.

لأنها وراء فضاء براق داخل «صندوق للعجائب». فكل ما كان يشغل الأطفال والمراهقين في العهد القريب في المنزل من قصص ورسوم متحركة وألعاب تقليدية حية أو عبر الأجهزة الإلكترونية البدائية فقد مصداقيته لصالح الإنترنت.

الدواعي والأسباب

أهم الأسباب التي دعت المنظمات الدولية والحكومية والشعبية إلى تكثيف حديثها عن الإنترنت الآمن أو الأمن السيبيري أو المعلوماتي هو ما أصبح يشكل تحديا حقيقيا من انتشار الجريمة الإلكترونية بشتى تجلياتها الفكرية والقيمية والمادية تحت مسميات عدة، مما استدعى دق ناقوس الخطر وتحريك الشعور الفطري في ولي الأمر خوفا على فلذات الأكباد.

فهو يحب أن يراهم دائما في أرفع منزلة وأعلى مقام. والحديث عن الأمن المعلوماتي وحماية الأبناء لم يصدر عن تعاليم دينية أو وعظ مسجدي أو برنامج ديني فقط، بل هو همٌ عالمي أصبحت تقتسمه كل شعوب الأرض. والمتتبع للإحصاءات والبرامج والمواقع ومؤتمرات الأمن المعلوماتي عبر العالم يدرك هذه الحقيقة، وإن كان استشعار أهمية هذا الأمر في العالم العربي مازال في بداياته ولم يرق بعد إلى المستوى المطلوب.

ففي فرنسا مثلا يعترف 60 في المئة من الآباء بقراءة رسائل أبنائهم والبحث في تاريخ المتصحف للاطلاع على المواقع التي يدخلها فلذات أكبادهم، وعلى مستوى الدول الغربية تظهر المعطيات أن 33 في المئة من الغربيين يطلعون على رسائل أبنائهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

من هنا جاء التفكير في مجموعة من الخطوات للمساهمة في تأمين أطفالنا وتحصينهم قدر الإمكان وتوعية أوليائهم ببعض المقترحات الفعالة لتقليص خطر الشبكة ومواقع التواصل. فهناك أمور بسيطة وهامة يمكن أن يقوم بها الأطفال والآباء دون أي عناء.

وفيها غناء عن كثير من الضجيج والصراخ والصراع. وهي أمور رغم سهولتها يجهلها الكثير من أولياء الأمور. ولا ننكر أن الغربيين قد قطعوا أشواطا في هذا المجال، لكن من سار على الدرب وصل، وطريق الألف ميل يبدأ بخطوة..

فمن هذه الخطوات:

- تعليم الطفل احترام خصوصيات الآخرين بعدم نشر أي معطيات أو بيانات أو معلومات شخصية على الإنترنت تؤذي الآخرين أو تشهر بهم أو تمجد أعمالا إرهابية أو إجرامية، خصوصا بعد سن مجموعة من الدول العربية والغربية لقوانين تجرم الدعاية للأعمال الإرهابية أو تمجدها.

- تعريف الطفل وتنبيهه بمسألة التحرش عبر الإنترنت ومدى خطورته، وإقناعه بعدم التواصل مع الغرباء تحت أي ذريعة كانت، وإفهامه أن هؤلاء الغرباء يتصلون بأسماء مستعارة وأن بعضهم أو أكثرهم إنما هم ذئاب في جلود حملان.

- تعزيز التواصل مع الأبناء بشكل مستمر ويومي مع اختيار الأوقات المناسبة لمفاتحتهم في مسألة الإنترنت الآمن، كتوقيت مرافقتهم إلى المدرسة أو أثناء إعداد إحدى الوجبات أو الواجبات أو حين مشاهدة التلفاز أو في جلسة عائلية مع الحاسوب.

- توعية الأطفال أن ما يخدش القيم المجتمعية في الحياة الواقعية هو نفسه في العالم الافتراضي، وأن الأخلاق الحسنة والقيم النبيلة تبقى حسنة والسيئة كذلك، رغم تغير المكان والزمان والحال، وأن عالم النت لا يزيد الحسن إلا حسنا بإشهاره وانتشاره ولا يزيد السيئ إلا قبحا وسوءا لأنه حينها تصير له أجنحة يطير بها ليبلغ الآفاق.

- الإفادة من اجتهاد الغربيين في توعية أبنائهم بالاستعمال الآمن للإنترنت عن طريق استعمال ملصقات إشهارية ومقاطع فيديو وأغان ورسوم متحركة وبرامج متلفزة تنفر من المحتوى السيئ للإنترنت وتدعو إلى حسن استعمالها في التربية والتعليم والمعرفة والتواصل بشكل فعال وبناء يسهم في نهضة الأمة ورفعتها بدل إدخال الأطفال والمراهقين في دوامة من الإدمان والانعزالية والتخدير الممنهج.

وقد قامت مجموعة من الجمعيات المهتمة بحماية الطفولة بدعم بعض الصور والفيديوهات التربوية التوعوية لتنشر في الكثير من المنتديات والمواقع التواصلية باعتبارها الأكثر ولوجا من الأطفال والشباب، كما أن بعض المواقع تطوعت مجانا بعرض هذه اللافتات والمواد مساهمة منها في القضاء على هذه الظاهرة.. ونحن هنا نستغل الفرصة لدعوة نظيراتها العربية لاقتفاء أثرها والنسج على منوالها.

- استخدام برامج الرقابة العائلية ذات الفعالية العالية لإيقاف الدخول إلى المواقع المشبوهة سواء كانت مواقع العنف أو الإرهاب أو الجنس.. وذلك بتنزيلها على حاسوب الطفل أو الشاب أو تنزيلها في الحساب الخاص بالطفل على الحاسوب المشترك الذي يقبل أكثر من حساب (sessions) حتى يكون الأطفال والشباب في منأى عن المواقع السلبية والحساسة.

وهذه البرامج أصبحت في بعض الدول الغربية إلزامية بل ومجانية من طرف مزودي الخدمة لتعليم الطفل والمراهق الكيفية السليمة للإبحار في النت، باقتراح مجموعة من المواقع المهمة والمتنوعة والمفيدة، ضمن الاقتراحات وعلى الشاشة الرئيسية للمتصفح. وقديما قيل إن لم تشغل النفس بالحق شغلتك بالباطل. هذا للراشد فكيف بالطفل. وهذا التعليم يجعل الطفل ممتنا لوالديه لأنه بفضلهما عرف الدخول إلى عالم المعلومات والتقنية الحديثة، فيظل دائما محترما لآرائهما وتوجيهاتهما لأنه يدرك أنهما يتحدثان عن خبرة ودراية.

- مصاحبة الأطفال دون سن السابعة أثناء مجالستهم للحاسوب، أما في السن من 7-12 فينصح خبراء حماية الأطفال بتحديد وقت الإبحار في الشبكة.

- دعوة الطفل إلى اعتبار الإنترنت مساحة مشتركة للمواطنة الفاعلة والبناءة مثلها مثل الشارع والمؤسسات والفضاءات العمومية، استغلال الجلسات العائلية الهادئة لمناقشة قضايا الساعة ومشاهدة بعض الفيديوهات بشكل جماعي بطريقة هادئة ومعبرة بتؤدة وحكمة وصبر، وتوجيه الأطفال والمراهقين توجيها ذكيا دون وعظ مباشر، بل استدراج الطفل عن طريق أسئلة موحية إلى استخلاص النتائج المراد الوصول إليها.. ليصل إليها بنفسه دون إكراه ولا فرض لوجهة نظر أحادية يحس معها الطفل أنه مقموع أو أن حرية تعبيره عن رأيه مصادرة.

تطوير التفكير النقدي لدى الطفل أثناء حياته العادية أو أثناء استخدامه لشبكة الإنترنت، وتعليمه أنه ليس كل ما ينشر في الشبكة أو عبر مواقع التواصل هو شيء مقدس، بل يتعلم الطفل انتقاد واعتراض مضامين وسائل الإعلام المستحدثة، وتمييز المواقع ذات المصداقية من غيرها، والمواقع الرسمية للمؤسسات والهيئات والأشخاص من المنتديات التي يكتب فيها الناس ويعيدون نشر أخبار وأفكار غيرهم دون تمحيص ولا تنخيل.

- دعم السلوك المسؤول لدى المستخدمين الأطفال وتحسيسهم بالمسؤولية الملقاة عليهم وأنهم يجب أن يكونوا واعين بتصرفاتهم وعواقبها حتى وهم في سن مبكرة.

محركات بحث للأطفال

تعتبر محركات البحث أهم أبواب دخول عالم النت، ولربح الوقت يلجأ المبحرون إلى طرح أسئلتهم المباشرة للوصول إلى أجوبة مباشرة، وأثناء الحصول على الرد يغرق السائل في بحر من الأجوبة التي يختلط فيها الصالح بالطالح، والتربوي بغيره. وكعلاج لمشاكل محركات البحث الكثيرة وأجوبتها اللامتناهية عن سؤال واحد استطاع خبراء المعلومات وضع محركات بحث خاصة بالأطفال، بحيث تسهل عليهم الحصول على المعلومات المطلوبة بطريقة سريعة وآمنة.

فهذه المحركات توفر الجهد والوقت بحيث تعطي أجوبة مناسبة ومختصرة، كما أنها تمنع المضامين السيئة وغير المناسبة لسن ومستوى الأطفال، فهي تتوفر على «فلترات» تحجب المحتويات السلبية كما أنها مقسمة حسب الأعمار، فبعضها لــ 7-8 سنوات، وبعضها لـ 10 سنوات فما فوق.

أما المراهقون فقد أدى اللجوء إلى خدمة الفلترة safe search الموجودة في المتصفحات ومحركات البحث في الإعدادات لمنع المشاهد الجنسية ومشاهد العنف وغيرها. وهذه الفلترة تتوفر أيضا حتى على مستوى الفيديوهات بحيث هناك مواقع فيديوهات خاصة بالأطفال تتوفر فيها نفس المواصفات التي تحدثنا عنها سابقا من حيث الأمان واحترام السن والاقتصار على المضمون المطلوب دون التيهان يمينا أو شمالا، وأغلب هذه المحركات هي محركات بلغات أجنبية وهي دعوة لخبراء التقنية العرب لابتكار محركات تدعم المضمون العربي للناشئة في الشبكة العنكبوتية مع الأمن المطلوب.

ولمن أراد تثبيت هذه المحركات على جهاز الطفل يكفي أن يكتب: محرك بحث للأطفال ليحصل على مجموعة من الاختيارات. وبالإضافة إلى محركات البحث ومواقع الفيديوهات الخاصة بالأطفال والمراهقين هناك ويكيبيديا خاصة بالأطفال بحيث يصل الطفل إلى هدفه بأخصر طريق ودون التعرض لمحتويات ضارة.

أما ما يتعلق بمواقع التواصل فقد استطاع خبراء التقنية العمل على مجموعة من الحلول التي قلصت مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي باختراع تقنيات حماية جد متقدمة، كما أن بعض الخطوات البسيطة كفيلة بتقليص أضرار هذه المواقع لمستوى أدنى نذكر منها:

- وضع برامج محادثة للأطفال ما دون سن 13 فيها متعة وإبداع يشرف عليها تربويون.

- إضافة إلى برامج حماية للمحادثات يتم تثبيتها من طرف الوالدين لأبنائهما الصغار على أجهزتهم بحيث تمنع هذه البرامج إضافة صديق جديد إلا بعد موافقة الوالدين. إذ كلما حاول الطفل إضافة صديق جديد يتلقى الوالدان رسالة على هواتفهما من موقع التواصل يطلب إذنهما للترخيص لهذا الوافد الجديد.

- توعية الطفل بضرر كشف أسراره الشخصية وبياناته للغرباء على المواقع الاجتماعية من أسماء وعناوين أو اسم مدرسته أو مؤسسته.. والتأكيد على عدم تحديد أي موعد للقاء أي شخص تعرف عليه في العالم الافتراضي.

- تحديد زمن دردشة الطفل في المواقع التواصلية بالاستعانة ببرامج الحماية التي أصبحت جد متقدمة بحيث يمكن تحديد أوقات الإبحار والأزمنة المناسبة، بل تحديد حتى الأيام التي لا يود فيها الآباء أن ينشغل فيها أبناؤهم بالنت عن دراستهم وواجباتهم المدرسية خصوصا فترات الامتحانات إلا لداعي الإعداد والمذاكرة.

دور المؤسسات الرسمية

عملت المؤسسات الرسمية على تركيز جهودها على حماية الطفولة من أخطار عالم التقنية والمعلومات ومازالت تعمل، خصوصا في الدول الغربية.

وفي الدول العربية تبذل جهود مشكورة في هذا المجال إلا أنها تحتاج إلى مزيد من التنسيق والتكامل حتى تؤتي أكلها. فإذا كانت الدول الغربية قد استطاعت تحقيق مجموعة من الأهداف المرسومة بسبب وعي الآباء وانتشار الوعي المعلوماتي بين الفئات الناضجة فإن انتشار الأمية بنسب مختلفة بين الدول العربية ساهم في فشل مجموعة من المبادرات الرسمية لخلق وتوفير ولوج إنترنت آمن ومسؤول. وهذه المخرجات المتواضعة يجب ألا تثني العزم عن مواصلة الجهود وتنويع العرض لتحقيق الأهداف.

فمما يمكن للمؤسسات الرسمية والدول والأنظمة أن تفعله لتحصين عقول الأطفال والشباب من المحتوى الرقمي المسيء بشتى أصنافه، كتكوين لجنة من الخبراء من أعلى المستويات وفي شتى التخصصات التي لها ارتباط بعالم الطفولة لإنتاج وتصميم أفلام وتوفير موارد رقمية ووثائق وفيديوهات ورسوم متحركة هادفة وبناءة، وبرامج توعية تبث في الإذاعات والتلفزات الرسمية وفي أوقات الذروة لتوعية الشباب بمخاطر المحتوى السيئ للإنترنت وطرق تجنبه وكيفية التفاعل مع الإنترنت الآمن وإيجابيات ذلك، مع تنظيم ورشات تثقيف وفقرات توعوية في المدارس والمناهج الدراسية، ودعم مسرحيات وإنتاجات فنية تحاكي المشاكل التي تواجه الأطفال أثناء استخدامهم للإنترنت من قبيل المحتويات التي تمجد العنف والإرهاب أو التي تحسن التعاطي للمخدرات أو التحرش الجنسي أو الأفكار السيئة والسلبية.

والتجربة الفرنسية رائدة في هذا المجال، من خلال الإجابة عن جميع تساؤلات الأطفال عبر فيديوهات قصيرة ممتعة تغلب عليها روح الدعابة والإثارة.

وقد قطعت الدول الغربية شوطا بعيدا في هذا المجال، حتى أصبحت شخصيات هذه الأفلام الكرتونية التعليمية الهادفة رموزا معروفة ومشهورة.. الاهتمام بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ومراعاة شعورهم ورغبتهم في اكتشاف هذا المجال بتسهيل استعمالهم للشبكة المعلوماتية بتوفير حسابات خاصة بهم، إضافة إلى نشر الحواسيب الموجهة لهذه الفئات مع إشراكهم في دورات تدريبية لبعض ما ذكرناه من حلول لمسألة الأمن المعلوماتي والإنترنت الآمن.

مع هذا الكم الهائل من الموارد الرقمية التي تغرق الفضاء والزمان والمكان لم يعد للوالدين من مبرر للبقاء مكتوفي الأيدي وهم يرون أبناءهم يختطفون من بين أيديهم وهم لا يحركون ساكنا. بل الواجب يقتضي الدفاع عن فلذات الأكباد بالحكمة والسبل الحسنة دون صراع أو مواجهة أو حرمان شامل من هذه المستحدثات المستجدة، وأفضل وسيلة لحماية الأبناء هي مصاحبتهم والتقرب منهم وكسب ثقتهم، وتجنب كل سبل العنف والصراخ والصياح والكسر والتحطيم، لأن التجربة والممارسة أثبتت أن هذه السبل لا تأتي إلا بنتائج عكسية والحكيم من اتعظ بغيره.