الخميس، 28 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

57 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

أحاديث نبوية عن الأخلاق

نجاح عبدالقادر سرور - شاعر وكاتب إسلامي - مصر:

لقد كان رسول الله ومايزال معلم البشرية جمعاء في كل العصور. كم كان رائعا وهو يطبق قاعدة: «إن لكل مقام مقالا، وإن لكل موقف ما يناسبه». فإذا به يستخدم اللين في الوقت الذي لا ينفع فيه إلا اللين، ويستخدم الحزم في الموقف الذي لا يجدي معه إلا الحزم.

وبنيت على أساس ذلك نظرية التربية والتعليم الإسلامية التي لا تأخذ باللين وحده فيكون الانفلات من الإطار التكليفي، ولا تأخذ بالحزم وحده فيكون العنف والغلظة. والمواقف التي استخدم فيها الرفق واللين كثيرة، وكذا المواقف التي استخدم فيها الحزم. وصدق الله العظيم في قوله: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} (النساء:113). وقبل أن نتناول بعض المواقف التي تبرهن على هذه النظرية التربوية التعليمية، نشير إلى أن القرآن العظيم عمر بآيات بينات في مواقف أكد فيها على أن هناك موقفا لا ينفع فيه إلا اللين، وآخر لا ينفع فيه إلا الحزم. فمن ذلك على سبيل المثال: استخدام اللين من رب العزة سبحانه مع مريم وقت مخاضها {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا} (مريم:24-26) ذاك لأن الموقف موقف معاناة، وولادة آية من آيات الله. فكان لابد أن يطمئنها رب العزة ويهدئ من روعها. وكذا قوله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (التوبة:43) فقدم العفو على اللوم والعتاب؛ لأنه يعلم سبحانه أن نبيه ما أراد باجتهاده إلا صالح الدعوة.

ومن المواقف التي استخدم فيها رب العزة والجلال الحزم حين قال نوح عندما غرق ولده في الطوفان: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} (هود:45-46). فالقرار هنا حازم؛ لأن الأمر الإلهي كان متمثلا في البقاء للمؤمنين فحسب، أما الكافرون فلا مناقشة بشأنهم. وكذا قوله تعالى لزكريا حين سأل ربه: {قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} (آل عمران:40)؛ ليعلمنا أنه إذا شاء الله فالقرار نافذ لا محالة.

من هنا علم رسول الله الأمة -وخاصة أهل التربية والتعليم من الآباء والمعلمين والمربين- كيف ومتى نستخدم اللين، وكيف ومتى نستخدم الحزم.

فمن المواقف التي علمنا فيها الرفق واللين:

- موقفه مع الرجل الذي بال في المسجد: عن أنس بن مالك قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله: مه مه!. فقال رسول الله: «لا تزرموه.. دعوه». فتركوه حتى بال؛ ثم إن رسول الله دعاه فقال له: «إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن» أو كما قال رسول الله. قال فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه (1). لقد استخدم الرفق واللين مع هذا الرجل لأن هذا الرجل معذور بجهله وحديث عهد بالإسلام، ولم يسعفه الوقت ليتعلم آداب المسجد؛ فإذا بمعلم البشرية يستخدم معه منتهى الرفق، ثم يعلمه أهمية تقديس المسجد وتنزيهه عن القذر.

- موقفه مع قريش حين فتح مكة: وهو موقف مشهور ومعلوم للجميع حين جمعت له الجموع فقال: «يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته «لا تثريب عليكم اليوم» اذهبوا فأنتم الطلقاء» (2). لقد عفا عنهم ورفق بهم، بل طمأن رئيسهم أبا سفيان حين فزع من قول سعد بن عبادة: اليوم يوم الملحمة. فطمأنه رسول الله وقال له: «بل اليوم يوم المرحمة». إن الموقف استوجب منه الرفق واللين؛ لأن الهدف قد تحقق وهو الفتح، وهو لا يرغب إلا في فتح قلوب هؤلاء للإسلام.

- موقفه مع عائشة حين ردت على اليهود لقولهم السام عليك: عن عائشة رضي الله عنها أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا السام عليك قال: «وعليكم»، فقالت عائشة السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم. فقال رسول الله: «مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش»، قالت أولم تسمع ما قالوا؟! قال: «أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في» (3). وهو موقف تعليمي رفيع نتعلم فيه الترفع فوق الصغار والصغائر، وعدم مجاراة الجهلاء في جهلهم.

- موقفه مع كعب بن زهير: دخل كعب بن زهير -الشاعر الذي كان يهجو رسول الله- المدينة تائبا راغبا في الإسلام، فقام إلى رسول الله حتى جلس إليه فوضع يده في يده وكان رسول الله لا يعرفه. فقال: يا رسول الله إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمنك تائبا مسلما فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به؟ قال رسول الله: «نعم». قال أنا يا رسول الله كعب بن زهير. فوثب عليه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه! فقال رسول الله: «دعه عنك فقد جاء تائبا نازعا عما كان عليه». فقال قصيدته اللامية التي يصف فيها محبوبته وناقته التي أولها:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

متيم إثرها لم يفد مكبول (4)

فانظر إلى هديه وتعليمه الأمة أن من تاب ونزع عما كان عليه عفي عنه، وقابلناه بالصفح الجميل.

- موقفه مع الرجل الذي طالبه بدين: قال زيد بن سعنة –وكان يهوديا-: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد، إلا اثنتين: يسبق حلمه جهله، ولا تزيد شدة الجهل عليه إلا حلما؛ فأردت أن أعرف حلمه من جهله، فأتيته فأعطيته مالا إلى مدة. فلما كان قبل محل الأجل، أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه، ونظرت إليه بوجه غليظ، فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي?, فوالله ما علمتكم بني عبدالمطلب لمطل!. ونظرت إلى عمر، وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره، فقال: يا عدو الله أتقول لرسول الله ما أسمع، وتصنع به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر وأعطه حقه وزده عشرين صاعا من تمر مكان ما روعته» (5). إن رسول الله استخدم الرفق مع الرجل، وكف اندفاع عمر وضبط فورة تحمسه، بل جعله هو نفسه الذي يصحب الرجل إلى بيت المال فيعطيه حقه ويزيده نظير ترويعه إياه. وكانت النتيجة إسلام زيد بن سعنة.

ومن المواقف التي علمنا فيها الحزم:

- موقفه من عمر حين وجد معه جوامع من التوراة: عن عبدالله بن ثابت قال: جاء عمر بن الخطاب إلى النبي فقال: يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال فتغير وجه رسول الله. قال عبدالله: فقلت له ألا ترى ما بوجه رسول الله؟! فقال عمر: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، قال فسري عن النبي ثم قال: «والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين» (6). لقد استخدم هنا الحزم، لأن الأمر يتعلق بالعقيدة، وقد ختم الله برسوله النبوة وجعل كتابه القرآن العظيم هو المهيمن، فلا حاجة لنا إلى غيره.

- ذروني ما تركتكم: وهذا موقف آخر استخدم فيه الحزم؛ عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا»، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت. حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله: «لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم»، ثم قال: «ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» (7). إنه يضع أساسا حازما يتمثل في النهى عن كثرة السؤال، وأن يكون شعارنا: «سمعنا وأطعنا».

- موقفه مع معاذ حين أطال الصلاة: عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي رجل فقال: يارسول الله إني لأتأخر في صلاة الغداة من أجل فلان لما يطيل بنا فيها. قال: فما رأيت رسول الله قط في موعظة أشد غضبا منه يومئذ، فقال: «يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم ما صلى بالناس فليجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة» (8)، وفي رواية أخرى بيان أنه معاذ وأن النبي قال له مغضبا: «يا معاذ أفتان أنت أو أفاتن - ثلاث مرار- فلولا صليت بسبح اسم ربك والشمس وضحاها والليل إذا يغشى، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة» (9)، لقد كان حازما مع معاذ حتى لا يستثقل الناس التكاليف الشرعية، وإنما لابد من الرفق بهم، وتحبيب الصلاة إليهم.

- لا.. ونبيك الذي أرسلت: عن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك؛ رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به»، قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، قلت ورسولك قال: لا؛ ونبيك الذي أرسلت (10). وهنا أيضا يستخدم الحزم، لأن الأمر يتعلق بنقل الحديث عنه، إنه بحزمه يـــعلم الأمــــة وخاصــــة الدعـــاة منهم ألا يتساهلوا في نقل حديثه، وإنما يجب أن يذكر الحديث بحرفيته دون زيادة أو نقصان أو تغيير، فحديثه تشريع، فلابد من الاحتياط الكامل ونحن نقول: قال رسول الله.

- فهل أنتم تاركو لي صاحبى: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبوبكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما صاحبكم فقد غامر»، فسلم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك. فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر» ثلاثا. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبوبكر؟ فقالوا لا. فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى أشفق أبوبكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم مرتين! فقال النبي: «إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبوبكر صدق وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين» فما أوذي بعدها (11). إن الحزم في هذا الموقف مع عمر كان لابد منه، ليعرف الجميع فضل أبى بكر وسبقه إلى الإسلام ومكانته كصديق هذه الأمة.

- من أكل ثوما: عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا»، أو قال: «فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته» (12). هنا أيضا موقف حازم منه، بقوله: «فليعتزلنا»، «فليعتزل مسجدنا»؛ لأنه يحرص على وجود الملائكة في المساجد، ووجودها حتما في مصلحة المصلين؛ لأنها تدعو لهم ما داموا في مصلاهم، فليحرص المسلم على وجود الملائكة معه في المسجد ليزداد خيرا وبركة؛ وذلك بابتعاده عما يؤذي الملائكة وينفرها.

فلنستخدم اللين في المواقف التي تتطلب اللين، ولنستخدم الحزم في المواقف التي تتطلب الحزم، لأن هذا منهج التربية والتعليم النبوى.

هذا والله أعلم، والله من وراء القصد.

الهوامش

1- مسلم، 2/133.

2- زاد المعاد، 3/356.

3- البخارى، 20/13.

4- زاد المعاد، 3/455.

5- المعجم الكبير للطبرانى، 5/164.

6- أحمد، 32/18.

7- مسلم، 7/42.

8- البخاري، 3/254.

9- البخاري، 3/122.

10- البخاري، 1/412.

11- البخاري،11/496.

12- البخاري، 3/362.

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال