الجمعة، 29 مارس 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

471 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

 edmaan1

أكثر من 90% من المدمنين كانت بدايتهم من خلال التدخين

مريض الإدمان تتغير سلوكياته سلبًا وبالتالي تتأثر أسرته وبيئته المحيطة

80% من جرائم القتل و75% من جرائم التحرش تتم تحت تأثير المخدر

الدراما نشرت ثقافة التعاطي في المجتمع وعلى الإعلام أن يقوم بدور إيجابي

د.حماد: لا تبحث عن حلول مشكلاتك في المخدرات.. اختر البدائل الصحيحة!

د.سما: الإدمان مرض له طبيعة علاجية خاصة.. والشفاء ليس مستحيلًا

د.سعيد: سعادة وهمية مؤقتة أضرارها لا تُحصى!

د.هند: 14 يومًا كفيلة بالتخلص من سموم المخدرات وبدء التعافي المبكر

نبيل: برنامجنا العلاجي مخصص للمريض وأسرته

د.رخا: علاج المدمنات بنسبة شفاء 100% وتدريبهن على المواجهة

ريهام: إدمان المرأة يفقدها السيطرة على نفسها ومشاعرها

القاهرة- مصعب ناصر:

تصوير: رمضان إبراهيم

"كن واقعيًا ولا تبحث عن حلول لمشكلاتك بإلقاء نفسك في براثن الإدمان، وإن سقطتَ فلا تستسلم، فبوسعك الانتصار على الإدمان والتعافي منه بنسبة 100% ما دامت لديك الرغبة وامتلكت العزيمة لذلك".. هذا ما يؤكده خبراء علاج الإدمان في وحدة طب الإدمان بمستشفى العباسية بالقاهرة، الذين بشَّروا بوجود استجابة كبيرة من جانب المرضى لطلب العلاج والعودة إلى الطريق المستقيم.

وأكدوا خلال ندوة لـ"الوعي الإسلامي" مدى الآثار السلبية الناجمة عن الإدمان، وأوضحوا في نقاشاتهم طبيعة الإدمان وأسبابه وأنماطه وسبل الوقاية والعلاج.. كما التقينا عددًا من المرضى وقصوا علينا تجاربهم مع المرض.. فإلى التفاصيل.

بدأ د.عبدالرحمن حماد، مدير وحدة طب الإدمان، الحديث عن التجربة العلاجية التي يقدمونها لآلاف المرضى قائلًا: تأسست الوحدة منذ قرابة عشر سنوات، وفي عام (2013) بلغ عدد طالبي العلاج قرابة 10 آلاف شخص، وفي 2014 بلغ عددهم 16800، وفي 2015 بلغ 26300، ويتزايد إقبالهم لطلب العلاج من الإدمان بصورة مستمرة. 

hamaad

استراتيجية المريض

وتابع د.عبدالرحمن حماد: بمجرد أن يشرفنا (المريض) نرحب به في قسم "الحالات الجديدة"، ويفتح له الطبيب المختص ملفًا يضم تفاصيله منذ بداية تاريخ مرضه وأسبابه والأنواع التي تعاطاها، ووفقًا لحالته يتم تحديد الخطة العلاجية المناسبة؛ وتنقسم إلى نوعين: إما خطة علاج خارجية يتم خلالها العلاج بطريقة مكثفة ومن خلال تردد المريض على الوحدة دون الحاجة إلى حجزه، أو خطة تستدعي حجزه في قسم السموم بوحدة الإدمان.

ويضيف: المخدرات هي كل مادة تؤثر على كيمياء المخ بالتثبيط أو الإثارة أو التنشيط أو الهلوسة، وتنقسم إلى ثلاثة أنواع: طبيعية ومخلَّقة ونصف مخلَّقة، وينقسم كل منها إلى 3 أقسام أيضًا: مثبطة أو مهبطة (تهبط كل وظائف الجسم وتقلل من النشاط والحركة ورد الفعل) أو منشطة (تزود الرغبة الجنسية أو تقلل الرغبة في الطعام والنوم) أو مهلوسة (تجعل المتعاطي بعيدًا عن الحقيقة وفي حالة هلاوس سمعية أو مرئية). 

النوع الأول من المخدرات "الطبيعية"، وهي التي يُتحصل عليها من الأرض (التربة) وقد يستخدمها المتعاطي مباشرة دون إضافات؛ منها ما هو مثبط (مثل الحشيش والأفيون) ومنها ما هو منشِّط (مثل أوراق الكوكايين) ومنها المهلوس (مثل فطر عيش الغراب).

أما النوع الثاني "المخلّقة" فمثل حبوب (الترامادول). والنوع الثالث "نصف المخلّقة" يتحصل عليه من الطبيعة ويضيف إليه الإنسان بالقدر البسيط (مثل الهيروين المستخلص من الأفيون والكوكايين المستخلص من أوراق الكوكا).

ويوضح د.حماد أن الإدمان كمرض يشمل أربع نواحٍ أساسية: بيولوجية ونفسية واجتماعية وروحانية.

البيولوجية مثل احتمالات الوراثة (أن يكون أحد الوالدين أو كلاهما أو الإخوة يدمن)، والنفسية مثل وجود اضطراب نفسي معين أو اضطراب في الشخصية أو مرض نفسي (كالاكتئاب) دفعه إلى تناول المخدرات. أما الأسباب الاجتماعية فهي متعددة (مثل البطالة وانتشار ثقافة المخدرات في المجتمع وتوفرها والانفصال بين الأبوين والعنف المجتمعي). وبالنسبة إلى الأسباب الروحانية، فإن غالبية المتعاطين من الأشخاص البعيدين عن الدين والذين تخلو أرواحهم من الجوانب الروحانية (مثل الصدق وحب الخير وحسن التعامل مع الناس والتضحية والمساعدة).

alaa elsaeyd

بدوره، يوضح د.علاء سعيد، نائب مدير وحدة طب الإدمان، أنه نتيجة لمرض الإدمان تُصاب كيمياء المخ بخلل في الهرمونات والأفيونات الطبيعية؛ لأن متناولها اعتمد لفترات طويلة على استبدالها بهرمونات من خارج الجسم؛ وبالتالي تُغلق المراكز الطبيعية في الجسم المسؤولة عن إفراز هذه الهرمونات.

هل المخدرات مفيدة؟

يجيب د.حماد قائلًا: نفرق بين نمطي التعاطي والإدمان؛ فالتعاطي مثلًا أن يتناول الشخص المادة المخدرة ويستطيع السيطرة على نفسه وعلى تصرفاته وانفعالاته وسلوكياته ويؤدي أدواره الحياتية بشكل جيد في بداية الأمر، ومع مرور الوقت وبمجرد وصوله إلى حالة "الإدمان" يفقد السيطرة على نفسه؛ وهذا بدوره يقود إلى فشل في كل مناحي الحياة صحيًا (كالإصابة بفيرس سي أو HIV) وأسريًا ومهنيًا واجتماعيًا واقتصاديًا؛ ومن ثم ينتقل ضرره السلبي إلى المجتمع.

ونحن نعتبر التدخين البوابة الملكية للإدمان؛ فأكثر من 90% من المدمنين مروا بالتدخين قبل المخدرات. وهناك نمط مشهور للتعاطي: تدخين، ثم حشيش، ترامادول وهكذا؛ ولكن الخطورة أيضًا أن يستمر في التدخين فقط، ونسبة المدخنين فقط أعلى من مدمني المخدرات.

ويضيف: تستخدم بعض المخدرات في علاج أمراض معينة، فمثلًا يعاني شخصٌ من "الرهاب الاجتماعي" ويخشى الحديث أمام الناس، وعندما تعاطى المخدرات هدّأت حدة الرهاب واستطاع أن يتفاعل مع الناس ويتحدث إليهم. مثلًا شخص يعاني من ضغوط مختلفة فتناول كحولًا وشعر أنه ارتاح مؤقتًا من الضغوط، وهنا نقول له: لو أن هناك نوعًا من المخدرات سيحل مشكلتك دائمًا ولن يسبب لك أي مشاكل أخرى في حياتك -سواء كانت صحية أو قانونية أو اجتماعية- تناوله. لكن في الحقيقة لا توجد أي مخدرات في الدنيا من هذا النوع؛ ومن يتعاط المخدرات ليحل مشكلة بعينها فإنه يتعرض إلى مشكلات أخرى ويستمر إضرار التعاطي. ويكمن الحل في أن يبحث الإنسان عن متخصص يساعده في حل المشاكل والضغوط التي يتعرض إليها، سواء صحيًا أو نفسيًا أو روحانيًا؛ فأنت لست بحاجة إلى تناول مخدرات لتحل مشاكلك.

وفي السياق ذاته يقول د.علاء سعيد: المخدرات لها سعادة وهمية، وتكمن مشكلتها في المدى الذي يتوصل إليه الإنسان مع كل لحظة يتعاطى فيها، والأساس في برنامجنا العلاجي أن يتعافى المريض من الإدمان ويعود إلى مواجهة حياته بشتى أوجهها بصورة طبيعية، بل وأكثر فعالية، من خلال ما يتم التدريب عليه من سبل مواجهة الصعوبات والضغوطات والآلام، وأيضًا الاندماج مع المجتمع بصورة أكثر تطورًا ودون رهاب أو خوف أو قلق.

hend ramadan

لماذا نُعالج من الإدمان؟

ومن خلال حالات عديدة وقفت عليها "الوعي الإسلامي"، تصل العلاقة بين المدمنين وأسرهم إلى طريق مسدود، ولذا سألنا عن سبب وصول العلاقة بين الأسرة وابنها المدمن إلى مثل هذا الحدّ، قالت الدكتورة هند رمضان، طبيبة مقيمة بوحدة طب الإدمان، إن المصاب بالإدمان تتغير سلوكياته وعاداته في تعاملاته مع أسرته؛ نظرًا لما طرأ عليه من تعلم عادة جديدة، فمثلًا يزداد طلبه للمال ويزداد سهره خارج المنزل، وحينما يتواجد داخل المنزل ولم يحصل على (مادته) يتغير مزاجه ويتعصب، ولا تفهم الأسرة حالاته؛ فأوقات يكون مسرورًا وأوقات غير مسرور، ولا يطيق أن يطلب أحدٌ منه شيئًا؛ وبالتالي هناك عدم اتزان في حياته بشكل عام.

إضافة إلى ذلك، السمعة السلبية التي تتعرض إليها الأسرة أو العائلة من مريض الإدمان؛ ففي أوقات كثيرة يشتكي الناس إليهم أنهم رؤوا ابنهم يتعاطى مادة كذا أو مادة كذا، أو أنه يقترض الأموال -في حالة أصحاب الظروف المحدودة- كثيرًا ليشبع حاجته من الإدمان، وحتى لو كان من أصحاب الدخل الميسور فإن أسرته تلاحظ إقباله على المال بشراهة ويزداد طلبه، وهذا لا شك له تأثيره السلبي مع الوقت. وكل هذا يدفع الأسرة إلى التفكير في التخلص منه وإهمال مسؤوليته؛ لأنه "لا فائدة منه وتأثيره السلبي فاق الحدود".

ولا يتوقف الأمر عند السلوكيات المرفوضة اجتماعيًا التي تنتاب مريض الإدمان؛ بل أيضًا تتأثر صحته سلبًا، فدائمًا وجهه مُصْفَرٌّ ووزن جسده في حالة نقصان مستمرة، وكذلك احمرار لون العينين ووجود هالة سوداء تحتهما. وكذلك اضطراب مواعيد نومه وقلة الاهتمام بالنظافة الشخصية ومظهره.

أخطر المخدرات وأصعبها تأثيرًا

يقول د.حماد: حينما نتحدث عن خطورة المخدرات فإننا دائمًا نصحح المعلومة المغلوطة القائلة بأن هناك نوعًا معينًا هو الأكثر خطورة؛ ففي الحقيقة لا توجد مخدرات أخطر من أخرى؛ لأن الخطورة الحقيقية في "مدى تأثير المخدر على المتعاطي أو المدمن"، فمثلًا: يتعاطى سائقٌ حبوب الترامادول أثناء قيادته فيصاب بنوبة صرع تنتج عنها حوادث وإصابات، وبالتالي الضرر هنا تعدى حدود الفرد وأصبح مجتمعيًا وخلّف أضرارًا كثيرة، وهذا أخطر ممن يتعاطى في زاوية منعزلة ويكون ضرره على نفسه وحسب.

sama hesham

وتدخل د.سما هشام محمد، طبيبة مقيمة بوحدة طب الإدمان، في السياق قائلة: أصعب أنواع المخدرات تأثيرًا تلك التي تتناول عن طريق "الحقن"، فحتى في طرق العلاج أيضًا أصعب الوسائل عن طريق الحقن؛ لأنه أسرع انتشارًا في الدم داخل الجسم. وتكمن مخاطر "الحقن" في إصابتها للجسم بفيروسات مثل بي وسي فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) المسبب للإيدز، كما أن الجرعة الزائدة تسبب مضاعفات أخطر.

وتقول ريهام عبدالرازق، متخصصة نفسية، هناك مؤشرات جيدة إذا تعافى العميل من الإدمان ومن ثم امتنع عن التدخين تمامًا، وهذا يدل أن نسبة تعافيه تزداد، ويعطي دلالة بأن الشخص سار على منهج التعافي جيدًا وأصبحت لديه القدرة على السيطرة على نفسه والتحكم في مشاعره جيدًا.

alaa nabel

رحلة التعافي

يوضح علاء نبيل، رئيس هيئة التمريض بقسم التأهيل، أن وحدة إدمان العباسية تستقبل المريض في قسم "العيادة الخارجية"، وتنقسم إلى نوعين: "العيادة الصباحية"، و"الخط الساخن" ويتحمل صندوق مكافحة الإدمان نفقاته. بعد هذه المرحلة ينضم المريض إلى قسم "إزالة السموم" فترة تتراوح من 10 إلى 15 يومًا، بعد ذلك مرحلة "التأهيل" على مدار 90 يومًا يكمل خلالها رحلة العلاج، ثم مرحلة "المتابعة والرعاية المهنية" أيضًا على مدار ثلاثة أشهر، وخلال هذه الفترة يبدأ العودة والاندماج مع المجتمع ويُقيَّم سلوكه خلالها، ثم دعم نقاط القوة والوقوف على نقاط الضعف لمعالجتها.

بعد كل ذلك، تعقد جلسات مع أسرة المريض لمتابعة كيفية دعمه ومساندته خلال مرحلته القادمة ومواجهة التأثيرات الخارجية في الحياة؛ وذلك عن طريق برنامج مخصص للأسر، ويتم خلاله التأكد من تعافي الأسر أولًا وتصحيح الأفكار الخاطئة عن مرض الإدمان.

وتوضح د.سما أن أولى المعلومات الخاطئة عند الأُسر التي يتعرض أبناؤها إلى الإدمان أنه ناتج عن تقصير منهم في التربية أو من تأثير رفقاء السوء عليه وأنه ليس مرضًا؛ والصواب أن الإدمان مرض مزمن، مثله مثل أي مرض يتعرض إليه الإنسان، أيًا كانت الأسباب؛ لكن له طبيعة علاجية خاصة لا تكتفي بالأدوية والبرنامج الغذائي وحسب؛ وإنما تحتاج إلى مهارات وسلوكيات وأخلاقيات متبعة يتم تطبيقها، وقد تحدث خلالها انتكاسات أحيانًا خارجة عن إرادة المريض ولا يستطيع التحكم فيها؛ لكن في المجمل الشفاء منه ممكن وليس مستحيلًا.

ويكمن الفرق بين الإدمان وبقية الأمراض في مدى تأثير المريض على مختلف نواحي حياته وعلى البيئة المحيطة به (سواء الأسرة أو الزوج أو الإخوة أو الأبناء)، بخلاف مثلًا مريض السكر أو الضغط؛ فتأثيرهما يكون على الأهل نفسيًا لفترة محدودة فور العلم بالمرض ثم تسير الأمور طبيعية وعادية جدًا؛ لأن مريض الإدمان تتغير سلوكياته وحدة انفعالاته وردود أفعاله؛ وبالتالي تتأثر أسرته وبيئته المحيطة بذلك.

ويقول د.علاء سعيد: الإدمان مرض "بيولوجي"، وأثبتت الدراسات والأشعة التصويرية أن المخ والهرمونات يعودان إلى وظائفهما الطبيعية خلال ستة أشهر على الأقل؛ وبناءً عليه فإن فترة العلاج في المجمل ثلاثة أشهر للتعافي من الإدمان والتخلص منه وثلاثة أشهر للمتابعة؛ ولذا ندرس حالة كل مريض على حدة ونعتبره حالة استثنائية وله برنامجًا علاجيًا خاصًا لا يخرج عن مدرستين: الأولى تقول إذا كان الطبيب على علم 100% بأن المريض سيدخل في حالات اكتئاب وعصبية فيستبق الأمر بعلاج مقاوم خلال الفترة الأولى من التعافي (3-6 أشهر)، أما المدرسة الأخرى فترى أن الجسم يحاول أن يعوض ما فقده خلال فترة أسرع فيتناول علاجًا تدعيميًا فقط خلال أول أسبوعين من سحب المخدرات من جسمه، بعد ذلك يتم الاعتماد على الجسم ذاته ليعوض نفسه بنفسه طبيعيًا.

وتضيف د.سما: كما نتبع برنامجًا علاجيًا يسمى "ماتريكس"، يضم جلسات للمريض نفسه وأيضًا لأسرته؛ لتكتسب أساليب التعامل الصحيح معه.

جلسات التخلص من السموم

تقول د.هند: ينتقل المريض إلى قسم السموم ليمر بمرحلة انسحابها –أيًا كان نوع المادة المتعاطاة- ولها أعراضها النفسية والجسمانية، وخلال الخمسة أيام الأولى يتعرف المريض على قواعد المكان وسحب عينات الدم بصفة دورية للتعرف على مدى تحسن حالته ووظائف الكبد والكلى والسكر وما إن كانت هناك مشاكل في الأسنان أو الباطنة أو الجراحة وعرضه على الطبيب المتخصص؛ ومن ثم تحديد الاتجاهات التي تحتاجها حالة المريض للتعافي ونساعده ليمر بها دون آلام أو أوجاع.

بنهاية الفترة التي يقضيها المريض في قسم السموم (تتراوح بين 10-14 يومًا) يكون الأطباء قد توصلوا إلى تفاصيل المرض كافة –مثل تاريخ بداية المرض وأنواع التعاطي ومقدار الجرعات والتأثيرات النفسية والأسرية والاجتماعية التي نتجت عن ذلك- وقيّموا حالته وحددوا الخطة العلاجية المخصصة التي ستتبع معه في المرحلة القادمة بعدما أصبح لديه وعي كافٍ بخطورة المخدرات وما يتوجب عليه فعله والقواعد المتبعة وما هو مسموح له وتعرف على أساليب العلاج ومصطلحات مثل "المشاركة" و"الاستياء" و"تأكيد الحق"؛ وتعتبر هذه المرحلة تأسيسًا للمريض.

وتتابع: خلال هذه المرحلة يستيقظ المرضى في الثامنة صباحًا، وفي الثامنة والربع يعملون في مجموعة للتفكر والتدبر والتأمل "meditation" يخلصون من خلالها إلى مبدأ يعملون عليه طوال اليوم، بعد ذلك يفطر المريض ثم يتناول علاجه الخاص ويعقد جلسة مع طبيبه لمتابعة تحسن الحالة وما يحتاج إلى تدخل وإضافة، بعدها ينضم إلى إحدى مجموعات "التعافي المبكر". وفي الواحدة ظهرًا يتناول وجبة الغداء، ثم فقرة مفتوحة لممارسة أي نشاط يحبه حتى الرابعة عصرًا، ومن الرابعة حتى السادسة فقرة الرياضة والقراءة؛ ومن يواجه مشكلة في القراءة فإنه يرافق زميلًا يحسن القراءة، ومن السادسة حتى الثامنة أيضًا فقرة مفتوحة، وفي الثامنة مساءً تعقد جلسة "جرد/ كشف حساب يومي" من خلال أسئلة معينة توجه إلى المرضى ومدى انطباعهم عن يومهم وإيجابياته وسلبياته، وأيضًا أي تحفظات أو أفكار يرغبون في إضافتها ومدى تحقيقهم لهدفهم بالتوقف عن المخدرات على مدار اليوم، ثم تهيئة النفس للمشوار الجديد في اليوم التالي، ويختتم بتناول العشاء والعلاج والنوم في حدود الثانية عشرة.

التعافي المبكر

وتواصل د.سما: بعد أن تنتهي فترة تواجد المريض في قسم "السموم" ومتابعة التدخلات العلاجية التي تحدث معه يخضع إلى ثماني جلسات "تعافٍ مبكر" يتبع خلالها تدريبات علاجية محددة تتضمن التمرين وأداء واجبات من خلالها ينمي مهارات نفسه، ثم يتعرض إلى جلسات فردية مع الأخصائي النفسي؛ إذ كل مريض له برنامج محدد واحتياجات علاجية تختلف من شخص لآخر.

بعد ذلك يخضع إلى 32 جلسة في قسم "التأهيل" لمنع الانتكاسة، من خلال دراسة ومعرفة الأسباب التي قد تؤدي إلى ذلك وسبل علاجها. توضح دكتورة هند: يتم خلالها دراسة وتعريف المريض بالأسباب الدافعة إلى العودة لتعاطي المخدرات، سواء داخلية (مثل المشاعر والرغبات) أو خارجية (مثل الرفقاء أو من يشتري منهم أو المال نفسه). أيضًا يتم تعريفه بالفرق بين الأفكار والمشاعر والأحاسيس، وكيف نمنع الأفكار أن تتحول إلى سلوك.

وكذلك يتم تعريفه بالصعوبات الحياتية التي قد يواجهها خارجيًا والبدائل المتاحة لتفاديها؛ مثل تعاطي أحد أفراد العائلة في المنزل أو أن المنطقة معظمها تتعاطى أو رفقاء العمل يتعاطون.

وبعدها يخضع إلى 12 جلسة لـ"الدعم والإرشاد". ويتدرب المريض على كيفية التعامل مع مشاعر الغضب وفنون تكوين العلاقات والصداقات الجيدة والتعافي الجنسي وغيرها. أيضًا، يتم التدريب على "تبرير الانتكاسة"؛ بحيث يتمكن من مراقبة تصرفاته وتقييمها، ومعرفة ما يوصل منها إلى انتكاسة لاحقة؛ ومن ثم مواجهة نفسه وبحث سبل علاجها. كذلك جلسات "زيادة الدافعية"، بحيث يتمكن من خلق دوافع جديدة لنفسه في الحياة ويخطط كيف يصل إليها ويحققها.

وعندما ينضم المريض إلى قسم "التأهيل" يتدرب فعليًا على مدار 12 جلسة على مواجهة السلبيات التي تم تحديدها في المرحلة السابقة. على سبيل المثال: توصل المريض إلى أن "الغضب" يحركه تجاه المخدرات، فيبدأ التدريب في "التأهيل" على كيفية إدارة الغضب والتحكم في مشاعر الاكتئاب والحزن، وهكذا حتى يتدرب على مواجهة السلبيات والعقبات التي يواجهها في حياته كلها دون اللجوء إلى المخدرات مرة أخرى.

وتضيف د. سما: أيضًا يتم تنظيم جلسات للأهالي لتعريفهم بطبيعة "مرض الإدمان" وكيفية إحداث تفاعل بينهم والابن المريض بالإدمان؛ لأنه -في الغالب- يتقبل الأهالي حقيقة مرض أبنائهم بالإدمان بصعوبة وفي أجواء غير مُرْضِيَة وغير مفهومة عن خصوصية المرض. وخلال الفترة القادمة -إن شاء الله- سنطبق جلسات علاجية تمكن مريض الإدمان من الاندماج في المجتمع والتفاعل معه بصورة أكثر احترافية.

إعادة تأهيل غذائي

وعن فقدان المدمنين أوزانهم، تقول د.هند: المريض بالإدمان لا يهتم بالتغذية؛ لأنه إذا تناول الطعام سيذهب مفعول المخدرات سريعًا، وإذا تناول طعامًا يكون بقدر محدود؛ ما يؤدي إلى فقدان الوزن، وبمجرد أن يخضع إلى العلاج والتعافي نضع له برنامجًا غذائيًا شاملًا، فتُهيّأ شهيته ويعوض نقص الوزن وتبدو عليه علامات التحسن الجسمانية، وهذا ما يلاحظه المريض وكذلك أهله في أول زيارة له.

وخلال هذه الفترة مسموح لهم بكل أنواع التغذية، باستثناء أي مشروبات فيها مواد كافيين مثل القهوة والشاي والمنبهات؛ حتى يتمكنوا من النوم بشكل كافٍ ولا يؤثر على تركيزهم، وحتى لو كان مريض الإدمان يعاني من أمراض أخرى لها خصوصية كالسكر والضغط فإننا نراعي أيضًا البرامج الغذائية الخاصة بذلك، ومن يجد من المرضى في نفسه قدرة على الصيام فإننا نعينه ونساعده ونضع له أيضًا برنامجًا غذائيًا ملائمًا ومناسبًا. 

rakaaa

إدمان السيدات

يقول د. محمد توفيق رخا، متخصص الأمراض النفسية ومسؤول قسم إدمان المرأة بالوحدة، إن توصيف وتشخيص وعلاج مرض الإدمان عند السيدات لا يختلف عن الرجال؛ لكن الفارق يكمن في الظروف الاجتماعية والنفسية المحيطة بالمرأة، وأيضًا في خصوصيته؛ فمثلًا إن قلنا للرجل ستجلس في بيئة جديدة مستقلة بعيدة عن المخدرات من العلاج فإن قراره يكون سهلًا وميسرًا، في حين أن السيدات يواجهن مشكلة في ذلك؛ لأنهن يفضلن التكتم والسرية.

أيضًا في أثناء السلوك الإدماني نفسه تتعرض السيدات إلى ضغوط لا يتعرض إليها الرجل؛ مثل استغلالهم جنسيًا والانحراف الأخلاقي ومحاولة الاستفادة من عنصر الأنوثة لديهن للحصول على المخدرات. ومن الصعوبات التي تواجهها المرأة أيضًا عدم تقبل المجتمع لفكرة إصابتها بمرض الإدمان و"الخوف من العلاج" بسبب عادات وتقاليد أسرية تعتبر إدمان المرأة عارًا وقد تتحدث وتعلن بوضوح أن لها ابنًا مدمنًا، رغم أن المرض واحد!

ويوضح د. حماد أن السيدات يملن إلى تعاطي المهدئات أكثر من الرجال؛ لأنهن يتعرض إلى ضغوط أكبر، وكذلك لاختلاف نوع المادة المخدرة التي تتعاطاها. فمثلًا قد تكون المرأة حاملًا وتتعاطى المخدرات، وهذا ضرره أكبر، وتهمل في واجباتها تجاه زوجها وأبنائها.

وتكمن الخطورة في أن نسبة إقبال السيدات المدمنات على العلاج أقل بكثير من الرجال. فمثلًا في قسم السيدات لدينا 30 سريرًا ولا توجد سوى 14 نزيلة فقط، رغم أن علاجهن بالمجان! بينما في الرجال لدينا قوائم انتظار قد تتعدى الأسبوع.

ويوضح د.علاء سعيد أن المرأة توضع في ظروف خاصة تقودها إلى الإدمان تدريجيًا؛ مثلًا تعاني من بعض الآلام أو حالات الاكتئاب أو مشاكل أسرية لا تتحملها؛ فتذهب إلى العيادات الخاصة وتتلقى أدوية طبية مهدئة وموصوفة مثلًا لفترة محددة؛ لكنها مع تكرار الظروف والضغوطات قد تلجأ إلى هذه المهدئات من تلقاء نفسها وتجد فيها راحة مؤقتة، بعد ذلك تقودها إلى الإدمان والتدرج فيه.

النقطة الأخرى أن بعض السيدات لديها مرض متصاعد مع النفس، مثلًا 60 أو 70 من السيدات المدمنات تكون لديهن الشخصية العصبية والحادة واضطراب في المزاج والمشاعر، وتنظر إلى الدنيا إما حلوة جدًا وإما سيئة جدًا، وفي بعض الأوقات يكون لديها دوافع خوف أو قلق من المستقبل؛ فحينما تتعاطى المخدرات تهدئ من حدة مزاجها مؤقتًا ثم تنجر فيها إلى الإدمان.

وفي كثير من الأحيان تعمل المرأة في المنزل بصورة متواصلة ومضغوطة ومرهقة، أو في مهنة معينة، وقيل لها إن تعاطيتِ حبة من أحد المخدرات ستعطيكِ طاقة وقدرة على المواصلة دون ملل، وقد يحدث ذلك في البداية، وبمرور الوقت تتدرج حتى تصل إلى الإدمان. أيضًا، قد تواجه المرأة آلامًا خلال فترة الدورة الشهرية وتقلب المزاج، أو أن العلاقة الزوجية مع زوجها غير ممتعة لها، فيخبرها البعض أن تتناول حبوبًا معينة لتتغلب على الآلام ولتضفي بهجة في علاقتها؛ وكل هذه إيحاءات مغلوطة وتجر إلى الإدمان.

وتقول ريهام عبدالرازق، متخصصة نفسية: تكمن المشكلة في إدمان السيدات أنها أصبحت شخصية غير قادرة على السيطرة على نفسها ومشاعرها، ومن ثم تتلقى معلومات خاطئة عن الآخرين تدفعها بمرور الوقت إلى الإدمان. ومن وجهة نظري، فإن قبول معلومة –سواء صحيحة أو خاطئة- يتعلق بالبنية الشخصية للإنسان وأن لديه قبولًا لتلقي آراء معينة ويعني عدم وجود كفاءة ذاتية لمواجهة مشاكله بالصورة الأمثل؛ وبالتالي ينتظر من يوحي إليه بالحل وينفذ دون تفكير، وقد يكون من بين الحلول التعرض إلى التعاطي في حينه.

وتضيف د.هند أن الأضرار التي تصاب بيها البيئة المحيطة بالمرأة المدمنة أكثر من تأثير الرجل؛ فهي التي تتعامل مع الأبناء ومع ضغوطاتهم ومع المتطلبات منها داخل المنزل، ولأنها نواة الأسرة يظهر التقصير في واجباتها بصورة جلية، لأن المرأة تتعامل بمشاعرها وعواطفها أكثر؛ فتكون مضطربة وقوة تحملها للضغوط أقل.

وتكمن خطورة إدمان المرأة وتدخينها إذا كانت حاملًا؛ إذ يتسبب ذلك في تشوه الأجنة عند الجنين، وقد تتعرض إلى نوبة صرع أثناء فترات الحمل تؤدي إلى الإجهاض.

ويضيف د.رخا: نفسيًا، قد تشعر المرأة بالذنب أكثر إن حدث لمولودها أو جنينها أي إصابة نتيجة إدمانها؛ فتتزايد حدة الشعور بالذنب والخلافات العائلية. ويؤكد: نقول لكل امرأة: اطمئني، هناك علاج للإدمان؛ وكل المعلومات سرية وخاصة ولا يطلع عليها أحد. ومن خلال البرنامج العلاجي ستتعافين من الإدمان تمامًا وتتدربين على كيفية مواجهة كل المشكلات في حياتك والضغوطات والصعوبات.

الإدمان والجريمة

يقول د.حماد: هناك علاقة وثيقة بين الإدمان والجريمة؛ ففي دراسة للصندوق على خمسة آلاف من نزلاء المؤسسة العلاجية أوضحت أن 80% من جرائم القتل العمد تمت تحت تأثير المخدرات، وكذلك أكثر من 75% من جرائم التحرش وأكثر من 80% من الجرائم غير معروفة السبب تمت تحت تأثير المخدرات؛ لأنها تؤثر على وعي الشخص وإدراكه وحكمه على الأمور.

وأضاف د. رخا: "الإدمان أب الجرائم جميعًا"؛ فهو في حد ذاته جريمة، وقد اشتمل على جرائم أخرى كالكذب والقتل والنصب والسرقة.

تكاتف مجتمعي

ويؤكد د.علاء أن أكثر عامل مساعد في القضاء على الإدمان في المجتمعات هو الإعلام؛ فالإعلام يوضح خطورة الإدمان ويبرز النماذج المتعافاة والتجارب الناجحة، وأيضًا يعمل كحركة وصل بين المدمن الذي لا يعرف أين يعالج وبين الوحدات المتخصصة كوحدتنا.

ويقول د.رخا: نقول في رسالتنا إن علاج المرضى المدمنين في المجتمع يحتاج إلى تبني الدولة بأجهزتها ومؤسساتها كافة لقضية التعافي من الإدمان؛ فحينما تضع الدولة هدفًا معينًا في خطتها وتمتلك الرغبة الملحة لتحقيقه فإنها تدفع بكل العوامل المساعدة لنجاحه.

أما د.حماد فيقول: تعتمد استراتيجية مكافحة الإدمان على خفض العرض (في السوق) وخفض الطلب (تدريب الناس على المناعة من المخدرات)، وأولى خطوات خفض الطلب توعية الناس بمخاطر الإدمان من خلال خطباء المساجد ووسائل الإعلام المختلفة (مرئية ومسموعة ومقروءة)؛ وهذا له نتائج إيجابية، إذ حرص العديد من المواطنين على التواصل معنا عن طريق رقم الخط الساخن.

هناك إشكالية، جزء كبير من ثقافة تعاطي المخدرات انتشر في المجتمع بسبب زيادة مشاهد التعاطي المنتشرة وأنها أصبحت مألوفة عند الكثيرين؛ وقد سبق لصندوق مكافحة إجراء دراسة وجدت قرابة 142 ساعة من مشاهد التعاطي خلال مسلسلات رمضان 2014.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

محمد حسني عمران يكتب: الحنان وأثره في تربية الطفل

القاهرة – محمد حسني عمران: الأطفال هم مستقبل الأمة الواعد، وهم العناصر الفاعلة في المجتمع، ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال