الجمعة، 19 أبريل 2024
رئيس التحرير
فهد محمد الخزّي

مرزوق العمري يكتب: من أعلام الدعوة الإسلامية.. الشيخ عمر العرباوي

الجزائر – مرزوق العمري: قيض الله عز وجل لخدمة دينه والدعوة إليه رجالا تميزوا بما آتاهم الله ...


 

 

المتواجدون على الموقع

المتواجدون الأن

135 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

m m j u rr

د. الحسين بودميع- أستاذ العقيدة والفكر الإسلامي- المغرب:

من المعلوم الثابت أن الطريقة التي يفكر بها الإنسان تنعكس على تصوره وسلوكه ووضعه النفسي؛ فإن كان تفكيره سليما في منطلقاته وطريقته كان تصوره للوجود والموجودات سليما وسلوكه قويما وضميره مرتاحا ومساعيه ناجحة، وإن كان تفكيره مضطربا وفاسدا كان تصوره خاطئا وسلوكه منحرفا ومشاعره مأزومة ومطامحه منتكسة؛ ومن هنا يستمد التفكير السليم وإدراك عوائقه أهميته.

وموانع التفكير السليم جملة من مظاهر الخلل تصيب منظار العقل فتشوش رؤيته للحقائق على ما هي عليه، وتمنعه من التفكير الصحيح؛ ومنها

1- التعميم في إصدار الأحكام؛ وهو إضفاء وصف فرد من الناس أو الأشياء وإشاعة حكمه على كل الأفراد المشاكلة له أو المشاركة له في بعض صفاته؛ كالجنس، أو العرق، أو اللون، أو الموطن، أو المذهب، أو الدين، أو اللغة...

والتعميم يشيع في أوساط البسطاء وأولي السذاجة من الناس؛ فلضعف إدراكهم لحقائق الأمور، وعدم تأنيهم في فهمها تجد أحدهم كثيرا ما يسرع في تعميم صفة فرد (فضيلة كانت أو رذيلة) على عائلته كلها أو قبيلته أو أهل دينه أو مذهبه، أو أهل لغته أو لونه أو موطنه؛ كالحكم على العرب جميعا بكراهة العمل وحب العطالة والكسل، أو الحكم للمجتمعات الغربية كلها باحترام المواعيد، أو لليابانيين كافة بالحرص على النظام وحب العمل...

وهذا المظهر من الخلل الفكري يقود صاحبه إلى الظلم والخطأ في إصدار الأحكام؛ فيتهم كثيرا من الأبرياء، ويبرئ كثيرا من الخاطئين.

وقد ورد في الشرع ما يحذر من التعميم، ويدل على خطأ من يسلك مسلكه؛ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت قال رسول الله «إن أعظم الناس فرية لرجل هجا رجلا فهجا القبيلة بأسرها» (1).

وقرر النبي أن اختلاف طبائع الناس ومعادنهم ما بين نفيس وخسيس قانون مطرد في كل زمان ومكان؛ فقال «تجدون الناس معادن» (صحيح البخاري)؛ فكل مجتمع -أيا كان عصره وموطنه- لابد مؤلف من الأخيار والأشرار، والأذكياء والأغبياء، ومن يحب الجد والعمل ومن شيمته حب اللهو والكسل، ومن يفي بالعهود والعقود والمواعيد ومن ينكثها، وما من قرية أو مدينة -أيا كان زمانها ومكانها- إلا ويصدق عليها ما سطره ابن بطوطة في وصف مصر من أن «بها ما شئت من عالم وجاهل، وجاد وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف» (2).

كما حذر [ من الحكم على أهل زمان بأسرهم بالضلال والشر؛ فقال «إذا قال الرجل هلك الناس، فهو أهلكهم» (صحيح مسلم).

وحين تحدث الله عن بعض مكائد اليهود وشرورهم قال { لَيْسُواْ سَوَاء } (آل عمران113). فلم يعمم.

2- الإسقاط؛ وهو أن يحكم الشخص على الغير بما في نفسه من الخير والشر، أو يعمم تجربته الشخصية على الآخرين، أو تجارب بعض الجماعات أو الشعوب على الجميع، غافلا عن الفوارق الموجودة بين الأفراد والشعوب؛ وهذا الخلل كالتعميم يقود صاحبه إلى الخطأ فيما يصدره من أحكام.

3- إبطال القانون الكلي بتخلف بعض أفراده عنه؛ ومعنى ذلك أن يحكم بفساد القاعدة العامة لشذوذ بعض جزئياتها عن حكمها، وهذا خطأ؛ فإن الاطراد التام ليس شرطا في صحة القواعد، لندرة ذلك فيها، خاصة في المجالات الإنسانية، ولقد قيل «من القواعد عدم اطراد القواعد»؛ فعلى سبيل المثال لا يقبل عاقل أن نحكم ببطلان القاعدة القرآنية التالية حول العسل { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ } (النحل69)، لأن بعض أفراد المرضى غير مشمول بقانونها؛ لهذا لما شذ مريض في زمن النبي عن شمول قاعدة نجاعة العسل في الشفاء، ولم ينفع فيه أولا، حكم بصحة القانون الكلي الذي يقرره القرآن حول العسل، وشذوذ حالة هذا المريض؛ فقال لأخيه «صدق الله وكذب بطن أخيك» (صحيح البخاري).

وكذا لا نقبل التشكيك في القانون القرآني التالي { الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } (النور26)؛ لتخلف بعض أفرادها عنها فيما حكاه القرآن نفسه من تزوج بعض الخبيثين بالطيبات؛ كفرعون، وتزوج بعض الطيبين بالخبيثات؛ كنوح ولوط، وفيما سجله الواقع التاريخي من قصص أزواج طيبين اقترنوا بزوجات خبيثات، أو العكس.

كما أنه ليس باستطاعة من له غرض في تزيين التدخين مثلا أن يبطل ما اتفق عليه الجميع من أن تعاطي التدخين مضر بالصحة، أو يشكك فيه؛ بعرض نماذج من عشرات الشباب المدخنين الأصحاء الأقوياء الذين لم ينل منهم التدخين شيئا مع طول تعاطيهم له.

4-السلبية في التفكير؛ والتفكير السلبي هو الذي يميل بصاحبه إلى التشاؤم والسوداوية في النظر إلى الناس وإلى الحياة حاضرها ومستقبلها.

وهذا الخلل في التفكير يقود صاحبه في الغالب إلى اليأس والقنوط والإحباط، وطول الاكتئاب، ويجعله يغلب الحكم على الناس بالشر والفساد، ويبالغ في إساءة الظن بالآخرين، والشك في نواياهم ومقاصدهم، حتى ليظن أن وراء كل تصرف من تصرفاتهم مؤامرة، وأنه المستهدف بتلك المؤامرة؛ { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } (المنافقون4)، وإن وُهِب نعمة ظن أن الناس بأسرهم حاسدون له، متربصون به، جاهدون في الكيد له والإيقاع به؛ وهذا من نكد العيش؛ لذا حذر الشرع من النظرة السلبية لعموم الناس؛ فقال النبي «من قال هلك الناس، فهو أهلكهم» (صحيح مسلم). ونهى الله عن سوء الظن بالغير من غير موجب؛ فقال { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } (الحجرات12)، ومن حكيم الشعر قول إيلياء أبي ماضي

إن شر الجناة في الأرض نـفس

تتوقى قبل الرحيل الرحيلا

وترى الشوك في الورود، وتعمى

أن ترى فوقها الندى إكليـلا

أيهذا الشاكــي وما بك داء

كن جميلا تر الوجود جمـيلا

وعكس هذه النزعة التشاؤمية

5- النظرة المثالية للناس والأشياء، والمبالغة في التفاؤل، والإفراط في حسن الظن بالناس، والإغراق في الأحلام الوردية، ونسيان أن الحياة مليئة بالمصاعب والتحديات، وأن الإنسان مخلوق للابتلاء، وأنه معرض للمصائب والأخطار، والغفلة عن أن الناس بر وفاجر، وكريم ولئيم.

وصاحب هذه النظرة يتعرض لكثير من الصدمات والانتكاسات النفسية عندما يصطدم بالواقع، ويكتشف أنه على خلاف ما كان يظن أو يحلم، وقد لا يستطيع الصمود أمام صدمة الواقع القوية، كما يكون عرضة لكثير من حيل وخدع المحتالين من الناس.

6- التسرع والعجلة في إصدار الأحكام، وهو عدم التأني والتثبت عند الحكم على الناس والأشياء؛ فيحكم على الشخص قبل معرفته، وعلى الموضوع قبل الإحاطة به من كل جوانبه؛ وغالبا ما تكون أحكام المتسرع خاطئة، والنتائج التي يتوصل إليها غير سليمة؛ مما ينعكس سلبا على أفكاره وسلوكه وعلاقته بالناس.

7- النظرة الأحادية؛ وهي النظر إلى موضوع التفكير من جانب واحد أو زاوية واحدة؛ كالتركيز على سلبيات رفيقه أو زوجه دون التفات إلى إيجابياته، أو السماع من طرف واحد في الخصومة، أو قراءة رأي واحد في الموضوع المختلف فيه، أو استخلاص حكم الشرع من نص واحد من نصوصه، أو نسبة رأي لعالم اعتمادا على ما قاله في موضع واحد من كتاب واحد من كتبه، أو التركيز على سبب واحد عند تفسير ظاهرة من الظواهر؛ كإرجاع تخلف بعض الشعوب إلى العوامل الذاتية فقط وإغفال الأسباب الخارجية أو العكس...

8- النزعة التسويغية؛ ويقوم الفكر التسويغي أو التبريري على إحالة الأخطاء الشخصية والعجز الذاتي على أسباب خارجية تبرئة للنفس، وتهربا من تحمل المسؤولية عن القصور والتقصير الشخصي، وهذه النزعة ناشئة إما عن الغرور وظن الكمال الذاتي، أو انعدام الشجاعة على الاعتراف بالأخطاء والعجز الشخصي؛ فصاحب هذه النزعة دائما يحيل مسؤولية فشله على الآخرين، أو يلقي باللائمة على البيئة غير المساعدة على النجاح، أو يحتج بالقدر...

فالطالب الفاشل مثلا، إن كان من أهل هذا النزوع، تجده يلقي باللائمة على أساتذته أو أسرته أو ظروفه المادية الصعبة...، ولا يتساءل مرة عما إن كان له دور ما في فشله، ولا يلتفت إلى الناجحين ممن يعيشون الظروف ذاتها، ويواجهون الإكراهات نفسها أو أشد...

وتجد الزائغ عن طريق الصلاح والاستقامة يبرر انحرافه بفساد الزمان، وكوننا في عصر يعج بالفتن، قد قويت فيه الشبهات وطغت فيه الشهوات، وعلا فيه صوت دعاتها، ولا نجد فيه على الإيمان معينا...

وقد نبه الله سبحانه بما قص علينا من القصص إلى أن الاستعداد الشخصي للاستقامة والصلاح أو عدمه هو الحاسم في تحديد طبيعة حياة الشخص نجاحا أو فشلا، استقامة أو انحرافا؛ فقص علينا نبأ امرأتين فاسدتين في بيئة صالحة؛ قطعا لعذر من يقول من أهل الكفر لو كنا في بيئة خيرة لكنا من الأخيار؛ فقال تعالى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} (التحريم10)؛ فهاتان امرأتان عاشت كل منهما في بيت نبوة، وبيت النبوة هو أنظف وأصلح بيئة يمكن أن تساعد من يعيش فيها على الصلاح والاستقامة، ومع ذلك لم يفدهما ذلك في شيء؛ لغياب الاستعداد للاستقامة وتحمل تبعاتها لديهما.

وخبرنا نبأ امرأتين صالحتين في بيئة فاسدة؛ حتى لا يقول المؤمن نحن في زمن فاسد، الغلبة فيه للشر وأهله، ولسنا نجد على الاستقامة والنجاح معينا؛ فقال سبحانه { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {66/11} وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } (التحريم11-12)؛ وهاتان امرأتان نشأت وعاشت كل منهما في أفسد بيئة وأشدها انحرافا؛ تُكره من يعيش فيها على الضلال والانحراف إكراها، وتعاقب من علمت منه رغبة عن مسايرة فسادها عقابا غليظا، ومع ذلك وقفت كل واحدة منهما ثابتة ضد تيار الفساد، واستمسكت بالحق وحدها، وعاكست بيئة كافرة بأسرها، ولو سايرتا قومهما في ضلالهم بدعوى فساد البيئة وسطوة الشر وأهله وانعدام المعين على الخير؛ لما عذرهما ربهما، ولقيل لهما، كما قيل للأوليين { ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ }.

الهوامش

1- أخرجه ابن ماجه في، باب ما كره من الشعر، رقم (3761)، وابن حبان في صحيحه، رقم (5785)، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الشهادات، باب الشاعر يكثر الوقيعة في الناس، رقم (21659)، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ط. دار الفيحاء ودار السلام 10/663 «سنده حسن»، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيق صحيح ابن حبان «إسناده صحيح على شرط الشيخين»، وأورده الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (1487).

2- رحلة ابن بطوطة، ط. دار صادر، بيروت، ط.3، (1428هـ/2007م)، ص 22.

 

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث

جامعة ولاية سونورا بالمكسيك تمنح عبد الوهاب زايد الدكتوراه الفخرية

سونورا – الوعي الشبابي: منحت جامعة ولاية سونورا بالولايات المتحدة المكسيكية شهادة الدكتوراه ...

حسن بن محمد يكتب: العيد.. وتعزيز القيم الأسرية

حسن بن محمد - كاتب وباحث - تونس: يعتبر العيد مناسبة للفرح والاحتفال لدى كل العائلات المسلمة، وهو ...

مواجهة الإلحاد بالعلم والعقل والدين.. كتاب جديد للدكتور خالد راتب

القاهرة – الوعي الشبابي: أصدر الدكتور خالد محمد راتب، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ...

اتصل بنا

  • صندوق البريد: 23667 الصفاة 13097 - الكويت
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
  • 22467132 - 22470156

عندك سؤال